لماذا لا توجد منصة عربية رقمية منافسة؟

بواسطة | مايو 31, 2024

بواسطة | مايو 31, 2024

لماذا لا توجد منصة عربية رقمية منافسة؟

حاجتنا إليها

في كل مرة عندما تتدحرج الأحداث، ويلجأ أصحاب الحق إلى منصات مواقع التواصل للحديث عن المعاناة في فلسطين وجرائم الاحتلال بحق الأبرياء، معتبرين أن هذه الشبكات أصبحت إعلام الجمهور وصحافة الشارع، والطريق الأسرع لإيصال الصوت إلى الجمهور بلا مقص الرقيب؛ يُفاجأ النخب والعامة بحجب محتواهم، أو تقييد منشوراتهم، أو الإزالة بحجة انتهاك معايير المجتمع.. فتنطلق الحملات المنددة بسياسة تكميم الأفواه وحجب الرواية وحظر المحتوى الفلسطيني، وتتعالى الأصوات المطالبة بإطلاق منصة عربية تسمح للمحتوى الفلسطيني خاصة والعربي عامة بالتواجد والانتشار، بعيدًا عن هيمنة الغرب واحتكاره للسردية، ولكن هل كانت هذه المنصة العربية ستنجح لو انطلقت؟ وهل فعلاً سيدعمها هذا الجمهور، وينشر رسالته من خلالها؟

فشل عربي

الحديث عن انطلاق منصة عربية ليس جديدًا، والمحاولات الجادة في هذا الصدد لم تتوقف على مدار عقدين من الزمان، ولكن لم يُكتب لأي منها النجاح، وإلا لكنا نستخدم تلك المنصة الآن مثل استخدامنا لمنصات ميتا وإكس ويوتيوب وغيرها. والسؤال عن سبب عدم وجود منصة عربية حتى الآن كالطاقة لا يفنى، وسيظل يُطرح بلا كلل، وربما لا يعلم السائل أنه جزء من الفشل في حجز العرب مكانًا لهم في فضاء المنصات الرقمية، بينما سبقهم إلى ذلك الغرب، والروس والصينيون وخلق كثير من بعدهم.. نعم، المستخدم العربي يتحمل أكثر من 80% من أسباب فشل انطلاق منصة عربية، وإليك ثمانية أسباب.

1- رأس المال جبان

تطوير منصة اجتماعية قوية يتطلب تمويلاً كبيرًا، واستثمارات مستمرة لتطوير التكنولوجيا، وبنية تحتية، وصرف أموال ضخمة على التخطيط والتصميم، وأخرى للبرمجة والاستضافة السحابية، إلى جانب تكاليف قواعد البيانات، وإدارة المحتوى، وبرمجة التطبيقات وإدامتها واختبارها، وضمان الخصوصية والحماية، بالإضافة إلى تكاليف الأبنية والمنشآت ورواتب العاملين فيها، والأهم من ذلك كله الموازنات الضخمة للتسويق، وغيرها من الاحتياجات التي تتطلب عقد شراكات مع شركات تقنية عالمية ومستثمرين محليين لتمويل المشروع.

ورغم جدوى المشروع على المدى البعيد فإن قلة من شركات القطاع الخاص – عربيًّا- قد تفكر في خوض هذه المغامرة، فهي تحتاج لدراسات جدوى مسبقة، تؤكد القدرة على منافسة المنصات الموجودة حاليًّا، والأهم إقبال المعلنين عليها، حيث تعتمد معظم المنصات على الإعلان كمصدر دخل أساسي إلى جانب بيع الخدمات الأخرى.. صحيح أن العالم العربي ينفق مليارات الدولارات سنويًّا في الإعلان عبر منصات التواصل الاجتماعي الغربية والعالمية، ولكنه سيتردد كثيرًا قبل أن ينفق دولارًا واحدًا في الإعلان على منصة عربية.

2- الربح مع النفس الطويل

هل تعلم أن فيسبوك بدأت تجني الأرباح بعد حوالي خمس سنوات من انطلاقها! حيث تأسست في فبراير 2004، وأعلنت عن أول أرباح لها عام 2009، بعدما طوّرت منتجات إعلانية مبتكرة، مكّنتها من جذب المعلنين وتحقيق دخل كبير، حيث ركّزت خلال الفترة الأولى على زيادة عدد المستخدمين، وتوسيع نطاق الخدمات التي تقدمها، واعتمدت على الاستثمارات المتعددة التي حصلت عليها الشركة، بما في ذلك استثمار من Accel Partners بقيمة 12.7 مليون دولار في 2005، واستثمار بقيمة 240 مليون دولار من Microsoft في 2007.. كل ذلك التمويل الكبير الذي حصلت عليه فيسبوك من المستثمرين مكّنها من التركيز على النمو بدلاً من القلق بشأن الأرباح الفورية، وهذا من أكبر التحديات التي لا يقبل بها أصحاب رأس المال، الذين يبحثون غالبًا عن استرداده بعد السنة الأولى من الانطلاق.

3- البون الشاسع تقنيًا

ليس المال وحده هو العائق، بل تلعب التقنية دورًا أبرز، فقد تطورت منصات الإعلام الرقمي بشكل كبير، وحققت نجاحات ضخمة تقنيًّا على مدار العقود المنصرمة، ما صنع بونًا شاسعًا بينها وبين أي منافس قادم محتمل، كما حجزت معظم المنصات لها مكانًا ثابتًا في أنظمة التشغيل على الأجهزة الذكية، وطوّرت تطبيقات وإضافات وبرمجيات وملحقات، وتكاملت مع المنصات والمواقع الأخرى من خلال الأكواد البرمجية المخصصة، وقدمت الحلول التقنية لمعظم شرائح المجتمع، ناهيك عن علاقتها القوية بمحركات البحث، ما يجعلها في صدارة النتائج.

كل هذا من شأنه أن يصعّب مهمة أي منصة جديدة، ويجبرها أن تبدأ من القمة التي وصلت إليها تلك المنصات، وهو ما نجحت فيه منصة تيك توك التي انطلقت عام 2017، أي بعد 13 سنة من انطلاق منصة فيسبوك، لكنها بدأت بأحدث التقنيات التي تعتمدها فيسبوك، بل طوّرت عليها، وتفوّقت على فيسبوك بخوارزمية تعتبر هي الأذكى بين كل المنصات، فإذا أردت أن تبدأ بمنصة ناجحة فلتكن بدايتك نسخة عن بداية تيك توك.

4- الخوارزمية هي سر المهنة

لكل منصة خوارزمية خاصة تعمل بمقتضاها، وتعتبر سر المهنة والخلطة السحرية التي تحافظ عليها في صندوق أسود بعيدًا عن المنافسين، وتأخذ الخوارزميات دورًا حاسمًا في كيفية تقديم المحتوى للمستخدمين، ما يؤثر بشكل كبير على تجربة المستخدم وجذب التفاعل وبقائه لأطول فترة ممكنة، والأهم ارتباطه بالمنصة وعودته إليها دومًا، ووصلت قوة هذه المنصات إلى قدرتها على تشكيل سلوك المستخدم عليها، والتحكم بطريقة نشره المحتوى لتناسب طبيعة جمهورها.

ففي حين أن إكس منصة مثالية للأخبار والمحتوى اللحظي، تركز يوتيوب على الفيديوهات التوثيقية طويلة المدة، على عكس تيك توك التي تُعنى بالفيديوهات السريعة والمقاطع الخاطفة، المتخمة بالموسيقى والحركة، بينما تركز ميتا على التفاعل والعلاقات الشخصية والروابط الاجتماعية أكثر.. وهذا التميز في السلوك جعل لكل منصة حاجة عند المستخدم، ولكنه لا يرغب تكرارها في منصة أخرى؛ لذا فالفشل سيكون مصير كل منصة لا تأتي بخوارزمية جديدة، فما بالك بالمنصات التي لا يُبني الكود البرمجي فيها على أسس خوارزمية؟

التجربة العربية مازالت تحبو في سوق المنصات، ومعظم التجارب التي انطلقت كانت منزوعة الخوارزمية، ما جعلها تفقد أهم ميزة للمنصات التفاعلية لتصنّف على أنها “مواقع لا تضمن ولاء المستخدمين”.

5- الأمن والشفافية

العجيب أن المستخدم العربي يقبل بتسجيل بياناته في منصات أجنبية، مرتبطة مع الجهات الأمنية في بلد منشئها، ولكنه سيفكر مرتين قبل أن يسجل بياناته في منصة عربية، لها علاقة بجهاز مخابرات دولة عربية؛ ذلك لأنه يثق أنه لا توجد في عالمنا العربي قوانين تحمي معلومات وبيانات المستخدم العربي.

وعلى سبيل المثال: تعرضت منصات أمريكية كثيرة للحجب أو الغرامة في الصين وروسيا وإيران وبعض الدول الأوروبية، لعدم تعاونها مع السلطات في تلك البلاد بتقديم معلومات عن ناشطين أو شخصيات، وجدت هذه المنصات أن من الواجب عليها حماية بياناتهم. ومن جانب آخر، تصدر المنصات نهاية كل عام تقارير الشفافية، التي تضم الطلبات الرسمية التي وصلتها من الأجهزة السيادية، وتسرد أسباب موافقتها أو رفضها للإفصاح عن بيانات المستخدمين، وهو من المستبعد أن يحدث لو كانت المنصة تابعة لأي دولة عربية.

ولكي نضمن الأمن والشفافية لابد أن تكون المنصة غير مركزية، وتشرف عليها هيئة عربية مستقلة، وأن يكون مقرها المركزي خارج الوطن العربي!

6- طموح الجمهور

ترعرعت هذه المنصات بيننا كأبنائنا، وشغلت حيزًا كبيرًا من تفاصيلنا اليومية، وحجزت لها مكانة في وجداننا، وشكلت طبيعة علاقاتنا مع محيطنا، ووصلنا معها لدرجة من الرضا على كل ما تقدمه من محتوى مخصص لنا، بناء على دراستها العميقة لشخصيتنا وتغلغلها في علاقاتنا، إلى جانب وصولها لدرجة من الاحترافية والمهنية في طريقة العرض والشكل والمظهر الذي تحرص على تطويره باستمرار، ما أثّر على عين المتلقي، وجعله لا يقبل بمستوى أقل مما تعود عليه من خدمات.

تخيل أن تدخل تطبيق محادثة لا يوجد فيه زر إعجاب، أو محادثة صوتية أو محادثة مرئية أو رموز تعبيرية أو مكان لصورتك الرمزية بشكل دائري أو أي من الخدمات التي اعتدت عليها في تطبيقات المحادثة التي تستخدمها يوميًّا.. ستنفر منه مباشرة. هذا النوع من الطموح الذي وصل إليه الجمهور يكلف أي منصة منافسة الكثير من الجهد والعمل في الخلفية قبل إطلاق منصتها، التي لابد حتمًا أن تستوي في خدماتها مع أحدث ما تقدمه المنصات المتاحة بين يدي الجمهور المستهدف.

7- المنطقة الآمنة

ناهيك عن كل ما سبق، فإن المستخدم عادة يفضل البقاء في المنطقة الآمنة، ولا يميل كثيرًا للتغيير أو فتح حسابات في منصات جديدة، وحفظ كلمات مرور، ودعوة الأصدقاء للانضمام والبدء من جديد في منصة خاوية على عروشها.. تعوّد المستخدم على هذه البيئة ولا يحب أن يترك الازدحام البشري والمنشورات المتدفقة والتنبيهات المتلاحقة والموضوعات المتداولة، ليجلس وحده في الصحراء، الجمهور “يفضّل أن يبقى على ما اعتاد عليه”، بحسب ما أكدت منصة باز في رسالة وداعها الرسمية لسوق المنصات، وإغلاقها بعد محاولات استمرت لثماني سنوات على أمل تحقيق حلمها بإطلاق أول منصة تواصل اجتماعي عربية، ولكنها خُذلت من الجمهور العربي على حد تعبيرها.

8- الدخل المادي

مزاج الجمهور أصبح صعبًا جدًا، وطلباته وصلت إلى سقف مرتفع زاد من مستوى التحدي، خاصة مع مشاركة معظم المنصات الأرباح مع منشئي المحتوى، لتصبح المنصات مصدر دخل أساسي بالنسبة لمعظمهم وليس جانبيًا، ولا تكاد توجد منصة عربية مستعدة للانطلاق على خط المنافسة من هذه النقطة.

لكل تلك أسباب وغيرها، فإن التفكير في إطلاق منصة عربية يبدو أمرًا في غاية الصعوبة، لكنه لا ينفي حاجتنا لها.. والنجاح الذي سيُكتب لأي منصة عربية، سيكون فقط عندما تتمكن من تخطّي كل تلك التحديات.

خلطة النجاح

للوصول إلى النجاح لابد من تقديم ميزات وخدمات فريدة لا تقدمها المنصات الأخرى، والانطلاق بنموذج إبداعي مختلف؛ حيث تضم دولنا العربية أكثر من 400 مليون نسمة، وهي منطقة كبيرة جدًا يمكن استهدافها، خاصة مع وجود اللغة والثقافة والقيم المشتركة، التي تعطي ميزة فريدة لمنصة محلية يمكنها تقديم محتوى ملائم، وذي صلة أكبر بالمستخدمين العرب.

ومن الضروري التعاون مع المؤسسات الإعلامية المحلية، والمؤثرين، والشركات التقنية، بشكل يعزز من انتشار المنصة وزيادة قاعدة المستخدمين، والاهتمام بتطوير سياسات صارمة لحماية البيانات وخصوصية المستخدمين، والتأكد من أن المنصة سهلة الاستخدام، متجاوبة، وتقدم تجربة مستخدم ممتازة من خلال تصميم واجهة بديهية جذابة وسلسة.. والأهم هو اعتماد استراتيجيات تسويق احترافية وميزانية ضخمة للوصول إلى جمهور أوسع.

0 تعليق

إرسال تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تابعنا على حساباتنا

مقالات أخرى

أسلحة يوم القيامة

أسلحة يوم القيامة

بلغت وقاحة الكيان الصهيوني حدودا لا يمكن وصفها منذ إعلان حرب الإبادة على الشعب الفلسطيني، ولا يمر يوم إلا وتسمع وترى دليلا واضحا كالشمس على حقارة وبشاعة الكيان، وطريقة تعامله الحيوانية مع الآخرين. الأسبوع الماضي استوقفني تصريح خطير جدا، أدلى به يائير كاتس رئيس مجلس...

قراءة المزيد
السيسي والنسخة المُصغّرة منه في التشكيل الوزاري الجديد

السيسي والنسخة المُصغّرة منه في التشكيل الوزاري الجديد

في ظهيرة الجمعة 26 من مارس/ آذار انتشر على مواقع التواصل الاجتماعي فيديو بث مباشر، قام بنشره شاب صعيدي، أرسل من خلاله استغاثة، وهو على متن قطار مصري اصطدم بآخر، فسقط به من الضحايا العشرات. بدا الشاب بعيون زائغة، والغبار يلف وجهه وشعره، وهو يصرخ بشدة، قائلاً "الحقونا.....

قراءة المزيد
الحاقة ما الحاقة؟

الحاقة ما الحاقة؟

 سؤال لا يمكن للعقل البشري أن يجد إجابة عليه!. هكذا يسأل الله قارئ القرآن وكل من يسمع بدايات سورة الحاقة.. يعرض سبحانه في المرة الأولى كلمة الحاقة، وهي من أسماء يوم القيامة، يسأل عنها، ثم في المرة الثانية يؤكد سبحانه على عظم ومكانة هذا اليوم بقوله: "وما أدراك ما...

قراءة المزيد
Loading...