تتناول المقالة قرار جامعة تكساس إي أند أم بإنهاء شراكتها مع مؤسسة قطر للتعليم، وتنتقد التسييس والتضليل في القرار. وتبرز دور قطر في الدبلوماسية الإقليمية والدولية، ونجاحاتها في حل النزاعات وخفض التوترات.

تسييس جامعة تكساس إي أند أم – انتقادات وتأملات من قطر

في مقالي الذي نشرته الشرق القطرية بعنوان “جامعة تكساس إي أند أم تخضع لحملة التسييس والتضليل ضد قطر”، انتقدتُ القرارَ المفاجئ والصادم لمجلس أمناء جامعة تكساس إي أند أم (University of Texas A&M) بإنهاء الشراكة مع مؤسسة قطر للتعليم (Qatar Foundation)، وهي الصرح الأكاديمي البارز في دولة قطر، ذو الدور المحوري بنشر التعليم واستضافة أفرع جامعات أميركية وعالمية مميزة.

أضيف في مقالي لمدونة العرب أنه لم يكن مبرراً ولا مقنعاً تصويت مجلس أمناء الجامعة (7-1) لـ”لعدم الاستقرار في المنطقة”، بإنهاء شراكة ناجحة لعقدين، تم فيها تخريج 1500 طالباً، علما أن عقد الشراكة الممدد ينتهي عام 2033.

 انتقد بيان مؤسسة قطر إنهاء الشراكة، مشيرًا إلى القلق من المعلومات المضللة التي كانت العامل الحاسم في القرار، في تجاوز للمبادئ الأساسية للتعليم والمعرفة، ودون أي اعتبار لتأثير الشراكة الإيجابي على كل من دولة قطر والولايات المتحدة؛ وأنه من المخيب للآمال أن تقع مؤسسة أكاديمية ذات مكانة عالمية مثل جامعة تكساس إي أند أم ضحية للحملة، وتسمح للسياسة بالتسلل إلى عملية صنع القرار. وختم البيان بأن “تجاهل مصالح الطلاب وسعيهم للحصول على المعرفة لن يؤثر في رؤيتنا للتعليم العالي في مؤسسة قطر واستراتيجيتنا لتحقيق هذه الرؤية، ولطالما اعتقدنا بسمو التعليم على المصالح الخاصة والتأثيرات الضارة، وسنظل ملتزمين بذلك”.

اتهم سفير أميركي سابق في قطر (نتشارك معًا في عضوية مجموعة من كبار الخبراء والأكاديميين والمتخصصين في الشؤون الخليجية) مجلسَ الأمناء بالخضوع لضغط الجناح اليميني الجمهوري المتنفذ في تكساس.

يقول السفير: مارستُ دورًا مهمًّا بدعم فتح جامعة تكساس إي أند أم لفرعها، وكان من أنجح الأفرع؛ وإن اتهام مركز دراسات المعاداة العالمية لمحاربة السامية (ISGAP)، بدراسة ونشر معلومات عن “الأسرار النووية” هو اتهام مفبرك، وقد نفاه مدير الجامعة في بيان رسمي. ويُعرف عن المعهد معاداته للتعاون وتطوير العلاقات مع العرب والمسلمين! إنهاء الشراكة مع مؤسسة قطر للتعليم، قرار مسيّس أتى بأوامر من قيادات الحزب الجمهوري ومدعي عام الولاية.

يتقاطع رأيه مع قناعتي بتسييس القرار، وعبّرت عن ذلك في ردي متفقاً مع السفير، تزامناً مع نجاحات مساعي الدبلوماسية القطرية والتقدم المطّرد في العلاقات مع الولايات المتحدة بعد ترقية إدارة بايدن العلاقة مع قطر لحليف رئيسي من خارج حلف الناتو في يناير 2022. وقد مارست دولة قطر دوراً محورياً في توثيق التحالف الاستراتيجي على عدة أصعدة؛ من المساهمة الفعالة بإجلاء أكثر من 70.000 مواطن أميركي مقيمين وموظفين أفغان ومترجمين ومواطنين عرب وأجانب، بعد الانسحاب الأميركي المرتبك نهاية أغسطس 2021؛ إلى تمثيل قطر المصالح الأميركية في أفغانستان، وإبقاء التواصل مع طالبان بطلب من الإدارات الأميركية منذ إدارة بوش وأوباما، وترتيب لقاء تاريخي بين بومبيو، وزير خارجية ترامب حينها، والملا برادار في الدوحة.

ويأتي في الإطار أيضًا توسط قطر بين الولايات المتحدة وإيران بشأن مفاوضات العودة للاتفاق النووي؛ وكذلك نجاح وساطة المفاوضات السرية لعامين بترتيب صفقة إفراج متبادل عن سجناء أميركيين من أصول إيرانية في طهران، متهمين بالتجسس لصالح الولايات المتحدة، وسجناء إيرانيين في السجون الأميركية، متهمين بخرق القوانين الأميركية، وكذلك الإفراج عن 6 مليارات دولار مجمدة من مستحقات لإيران في بنوك كوريا الجنوبية منذ عهد الرئيس ترامب، بعد انسحاب الولايات المتحدة الأميركية من الاتفاق النووي عام 2018، وفرض نظام أقسى العقوبات على إيران؛ وفي السياق تحويل الأرصدة المجمدة لبنوك قطرية، وإعطاء قطر دور الإشراف على إنفاق الأرصدة على صفقات الغذاء والدواء، بشكل لا يخرق قائمة العقوبات الأميركية المفروضة على إيران.

كما مارست الدبلوماسية القطرية دوراً محورياً في التوسط بين إسرائيل وحركة حماس، منذ اندلاع المواجهة وحرب الإبادة التي تشنها إسرائيل على غزة، والتي تجاوزت الحدود – كما وصفها الرئيس جو بايدن-، واستدعت أن تطالب محكمة العدل الدولية إسرائيل تجنب حرب إبادة، بعد دعوى  جنوب أفريقيا ضد إسرائيل بتهمة شن حرب إبادة (Genocide) على الفلسطينيين في قطاع غزة، من خلال فرض الحصار، ومنع دخول الوقود لتشغيل مولدات الكهرباء، ومنع وصول الماء والغذاء والدواء، والترحيل القسري، وقصف المنازل والمستشفيات والمدارس ومقار الأمم المتحدة، والمطالبة بوقف عمل وكالة غوث وتشغيل اللاجئين (الأونروا)، الشريان الحيوي لملايين اللاجئين في غزة.

 ونجحت دبلوماسية الوساطة القطرية في نوفمبر الماضي، بمتابعة شخصية من سمو الأمير الشيخ تميم بن حمد، وبقيادة رئيس الوزراء ووزير الخارجية الشيخ محمد بن عبدالرحمن، بالتوصل لصفقة دامت أسبوعًا لتبادل الرهائن والسجناء والمحتجزين وإدخال شاحنات مساعدات. وتقترب مساعي الوساطة القطرية بين الدوحة وباريس والقاهرة من التوصل إلى وقف لإطلاق النار وإدخال مساعدات عاجلة، وصفقة لتبادل الأسرى والمحتجزين بين حركة حماس وإسرائيل كما طمأن الرئيس بايدن، خاصة بعد تفاقم المأساة الإنسانية واستشهاد أكثر من 30 ألفا وإصابة 70 ألفاً، ودمار أكثر من نصف المباني، وترحيل أكثر من 2 مليون من أصل 2.3 مليون من سكان القطاع، واستفحال المجاعة وسوء التغذية بين السكان المحاصرين والمحشورين في رفح، في أقصى جنوب قطاع غزة، قرب سيناء على الحدود المصرية.

كل ذلك يشير بشكل واضح إلى تميز ونجاح قطر بكسب الثقة وجمع الخصوم، وأداء دور رئيسي في خفض التصعيد والتوتر الإقليمي، ما ينعكس إيجاباً على أمن واستقرار المنطقة بأسرها، ويجعل من دولة قطر لاعبًا أساسيًّا في نزع فتيل الأزمات الإقليمية والدولية، ووسيطًا لإطفاء النيران لا سببًا لها. يضاف إلى ذلك نجاح قطر بتنظيم المؤتمرات والقمم الخليجية والعربية والدولية، وآخر ذلك استضافة القمة الخليجية 44 في ديسمبر الماضي، واستضافة كأس آسيا، والنجاح المستحَق لمنتخب قطر بالاحتفاظ باللقب للمرة الثانية في يناير الماضي.

أكرر خاتمة مقالي في الشرق.. “لن يغير تسييس وتكسُّب جامعة تكساس وغيرها، أهدافَ مؤسسة قطر! ولن يُضعف علاقتها مع واشنطن، ولا قوة قطر الناعمة!!”.

أ.د. عبد الله خليفة الشايجي

أستاذ العلوم السياسية في جامعة الكويت

• إسرائيل مأزومة ومنقسمة في الداخل.. وكيان منبوذ في الخارج!!
• الجزيرة تُسقط وتفضح زيف ديمقراطية إسرائيل.. ونتنياهو المأزوم!!
• حقائق ومتغيرات تدين حرب الإبادة الإسرائيلية على غزة!
• بايدن المتردد.. في مواجهة وقاحة إسرائيل المعزولة والمنبوذة!!