مسلسل بيع مصر – عرض مستمر

بواسطة | فبراير 8, 2024

بواسطة | فبراير 8, 2024

مسلسل بيع مصر – عرض مستمر

المقال يستعرض تحديات تآكل الشواطئ في مصر بسبب مشاريع البنية التحتية والاستثمارات الإماراتية، مع تفاقم أزمة الديون وبيع الأصول المصرية للسداد، مما يثير مخاوف بشأن مستقبل البيئة والاقتصاد المصري.

تآكل الشواطئ في مصر – صراع بين المصالح الإماراتية والبيئية المحلية

في الخامس من أكتوبر/ تشرين الأول 2022، تلقى البرلمان المصري طلب إحاطة مقدما من أحد أعضائه، يطالب فيه الدولة بالتصدى لعمليات تآكل الشواطئ بالساحل الشمالي، والمخالفات البيئية التي ترتكبها شركات عقارية عديدة، مع إلزامها بوقف جميع الأنشطة المخالفة، وإزالة كافة التعديات. وقد جاء ذلك قبل شهر واحد من قمة للمناخ استضافتها مصر على أرضها بمدينة شرم الشيخ، بمشاركة قادة وزعماء العالم، ورؤساء حكومات ووفود من جميع الدول على كوكب الأرض.

لم يكن هذا الطلب هو الأول من نوعه، بل سبقه آخر ناقش القضية نفسها، ولم تستجب وزيرة البيئة “ياسمين فؤاد” إلا بعد مرور شهرين كاملين، كما جاء ردها عامًّا وفضفاضًا في بيان قالت فيه إن الدولة تكثِّف جهودها لحماية الشواطئ من التآكل، ومنع المخالفات البيئية التي ترتكبها الشركات.

لكن الأزمة التي تسببت في لغط كبير بهذا الوقت، وأشعلت الجدل على مواقع التواصل، تفجرت عبر شكوى العديد من مُلّاك الوحدات في قرى شاطئ مراسي بالساحل الشمالي، من مشكلة تآكل الشواطئ، واختفاء الرمال لعدة أمتار، عقب إنشاء ميناء عملاق لليخوت فوق شاطئ “سيدي عبد الرحمن”.

● المصالح الإمارتية تعصف بمصالح مصر وتدهس القانون..

في أغسطس/ آب 2021، افتتحت شركة “إعمار” الإماراتية، لمؤسسها “محمد العبار”، أول ميناء دولي لليخوت “مراسي مارينا”، وناديًا لليخوت في منطقة الساحل الشمالي، يعد الأكبر في منطقة الساحل الجنوبي للبحر الأبيض المتوسط، بقدرة استيعابية تصل إلى 236 يختًا، وذلك عبر مد لسان داخل البحر، تبلغ مساحته الإجمالية أكثر من 1.16 مليون متر مربع، وقد شهدت الاحتفالية حضور لفيف من الشخصيات الحكومية المصرية والعامة.

وعلى الرغم من الاعتراضات الكثيرة، التي أبداها خبراء متخصصون في شؤون البيئة، على تنفيذ ميناء اليخوت بهذا الشكل، حتى أن الخبير البيئي دكتور “منير نعمة الله” والذي كان عضوا بمجلس إدارة شركة “إعمار”، قد قدم استقالته احتجاجا على طريقة التنفيذ، فإن الشركة واصلت أعمال البناء والتشييد، بالمخالفة للقانون رقم 147 لوزارة الموارد المائية والري، والذي يمنع تعديل مسار الشاطئ الطبيعي؛ سواء كان خروجاً في اتجاه البحر أو انحساراً عنه.

هيئة “حماية الشواطئ المصرية”، التي أزالت في عام 2021 تعديات لـ 3 قرى سياحية بالساحل الشمالي -غرب الإسكندرية- بعد تأكدها من تعدي اتحاد شاغلي تلك القرى على حرم الشاطئ، التي حددها القانون بمسافة 200 متر؛ لم تلتفت الآن لأي من الشكاوى المقدمة من المُلَّاك بالقرى السياحية على شاطىء سيدي عبد الرحمن، والتي تضررت بشكل بالغ، وتآكلت شواطئها، ولا إلى طلبات الإحاطة البرلمانية، والمناشدات للمتخصصين في علوم البيئة والخبراء.

● أجمل شواطىء العالم، كيف تم تدميره؟!

يقع خليج “سيدي عبد الرحمن” في الثلث الأول من الساحل الشمالي الغربي، على بعد 190 كم فقط من مدينة مرسى مطروح، وحوالي 30 كيلومترا إلى الغرب من مدينة العلمين، يحدّه من الشمال الغربي رأس صخرية تسمى “رأس جبيس”، تكونت عبر مئات السنين من كثبان رملية، تتجمع عليها الرمال الناعمة القادمة من البحر إلى الخليج، كي تترسب على شاطئ سيدي عبد الرحمن، وتعمل على تجديد رماله بفعل حركة الرياح.

وقد وُصفت المنطقة الساحلية تلك بأنها واحدة من أروع شواطئ العالم قاطبة، برمالها البيضاء ومياهها الصافية.. لوحة فنية طبيعية خلابة، لكنها لم تنجُ من يد التدمير، والتي يطلق عليها في مصر اسم (استثمار).

هذه الواقعة المؤلمة، التي شاهد المصريون بها كيف تتم التضحية بمصالحهم ومصالح بلادهم، والاعتداء على شواطئهم، من أجل تحقيق المصالح الإماراتية، هي أول ما تبادر إلى أذهانهم حينما استمعوا لخبر بيع قرية رأس الحكمة لشركة تطوير تابعة للإمارات؛ وقد اجتاحت موجة من الغضب مواقع التواصل الاجتماعي، عقب تداول الأخبار الخاصة بتطوير أو بيع (رأس الحكمة). وعلى الرغم من عدم إصدار الحكومة المصرية حتى الآن لبيان يقطع الجدل، ويوضح تفاصيل الصفقة، فإن صحيفة “المال” المصرية أشارت إلى أن المشروع المرتقب “يتضمن إتمام اتفاقيات بين وزارة الإسكان المصرية وعدة جهات سيادية إماراتية – أبرزها وزارة المالية- لتنفيذ عقود شراكات بنظام الحصة العينية والنقدية، مع سداد الطرف الإماراتي نحو 22 مليار دولار (في مدة زمنية لم يتم تحديدها) نظير شرائه أراضٍ بتلك المنطقة”.

وأوضحت قناة القاهرة الإخبارية، في تغطيتها لأخبار المشروع، أنه تم الانتهاء من أعمال الرفع المساحي لها خلال الفترة الماضية، وبدأت أعمال التنفيذ الرسمية ودخول المعدات لمواقع العمل.

● فما هي “رأس الحكمة” ولماذا أثارت هذا الجدل؟

تعتبر “رأس الحكمة” قرية تابعة لمدينة مرسى مطروح، وتقع على الساحل الشمالي لمصر شرق “مطروح”، وتمتد شواطئها من منطقة الضبعة في الكيلو 170 بطريق الساحل الشمالي الغربي وحتى الكيلو 220 بمدينة مطروح التي تبعد عنها 85 كم، وتتميز بمناظر طبيعية خلابة وشواطئ رملية بيضاء ومياه زرقاء صافية؛ وقد أنشأها الملك فاروق – آخر ملوك مصر- عام 1948، لتكون منتجعا للأسرة المالكة والوزراء، وبنى فيها استراحة تحولت لاحقًا إلى مقر رئاسي، استخدمه الرئيس الراحل أنور السادات، ومن بعده “حسني مبارك” وأبناؤه.

وفي عام 2015 قام النظام المصري بقيادة “السيسي”، بحملة تهجير قسري وإخلاء للآلاف من سكان قرية رأس الحكمة، في الشريط الساحلى بطول 50 كيلومترا، بحجة طرحها للاستثمار، وهي المنطقة التي تضم 80 مسجدا و20 مدرسة و3 مراكز شباب و4 جمعيات، وقد شهدت عمليات تهجير سكانها احتجاجات واسعة، وقد قدم بعضهم عقودا لملكية الأرض تعود لعام 1954، بينما أكد الأهالي أنهم يسكنون تلك المنطقة منذ عام 1806م.

● متلازمة بيع الأصول المصرية لسداد الديون

في  فبراير/ شباط الماضي توقع تقرير نشره موقع “المونيتور” الأمريكي، تزايد وتيرة بيع الأصول المصرية لصناديق سيادية خليجية ومستثمرين خليجيين، في محاولة من النظام المصري للتعامل مع أزمة البلاد المالية وسداد أقساط الديون. وقد لفت التقرير إلى أنه في عام 2022 تم الانتهاء من 66 عملية اندماج واستحواذ في مصر، أي أكثر من ضعف صفقات عام2021، وكان لدولة الإمارات نصيب الأسد منها.

وأشار التقرير في الختام إلى ما قاله “السيسي”، خلال كلمته بالقمة العالمية للحكومات، التي تعقد سنويا في دبي (بأن دولة مثل مصر تحتاج لميزانية تريليون دولار كل عام) وتساءل: “هل لدينا هذه الأموال؟ لا.. هل لدينا نصفها؟ لا.. هل لدينا ربعها؟ لا”؛ ثم أكد السيسي على أهمية المبادرات والمساعدات التي قدمتها دول الخليج لمصر، وخاصة السعودية والإمارات.

وفي يوليو الماضي، أعلن رئيس الوزراء المصري “مصطفى مدبولي” خلال مؤتمره الصحفي، عن نية حكومته بيع أصول مملوكة للدولة بقيمة 1.9 مليار دولار، وذلك بهدف زيادة حصيلة العملات الصعبة لسداد أقساط القروض المستحقة لدفعها في هذا العام.

ولا يتوقف مسلسل البيع على الحصص المملوكة للدولة في شركات القطاع العام والأراضي، بل يتخطاها ليشمل المباني والعقارات؛ حيث صدر قرار جمهوري رئاسي في الـ 24 من يناير/ كانون الثاني من العام الحالي، بإزالة صفة «النفع العام» عن أراضي ومباني 13 وزارة، ونقل ملكيتها لصالح «صندوق مصر السيادي للاستثمار والتنمية» تمهيداً للتصرف فيها بطرق مختلفة؛ سواء بالبيع أو الاستثمار، وبعضها مبانٍ أثرية يتخطى عمرها قرنا من الزمان. وقد سبق تلك القرارات، قررات مماثلة بنقل ملكية أراضي ومباني مجمَّع التحرير والحزب الوطني المنحل ومبنى وزارة الداخلية القديم.

و«صندوق مصر السيادي» تم تأسيسه في عام 2018 بقرار جمهوري من “عبد الفتاح السيسي”، الرئيس المصري الذي وصل إلى الحكم في بلاده عبر انقلاب عسكري، بهدف إدارة الأصول المملوكة للدولة والتصرف فيها، سواء بالبيع أو التأجير أو الاستثمار، ويتولى السيسي وحده إدارته، بمساعدة عدد من المراقبين، يقوم هو باختيارهم وتعيينهم، ويملك كذلك صلاحية عزلهم وتغييرهم.

لكن مسلسل بيع الأصول المصرية، لا يبدو فيه الحل لمشكلات مصر المالية، كما يقول الإقتصاديون، فلا تعدو محصلة البيع هذه كونها “مُسكنات” وقتية لمرض مزمن، تتمثل أعراضه في الاقتراض الدائم، والانفاق بجنون على مشاريع لا تدر عوائد ملموسة على الاقتصاد، مثل إنشاء ما يزيد عن 900 كوبري ونفق خلال ثماني سنوات (2014- 2022)، وأكثر من 7 آلاف كيلو متر من الطرق الجديدة، بالإضافة إلى إنفاق ما يزيد عن 8 مليارات دولار على حفر تفريعة جديدة لقناة السويس (لم تُضِف شيئا للإيرادات، وبررها السيسي لاحقا، بأنها كانت خطوة لازمة لرفع الروح المعنوية للمصريين!!)، ثم ما يقرب من 4.5 مليار دولار على مشروع قطار معلق “مونورويل” بينما هو يسير في أراضٍ منبسطة بالصحراء، و800 مليون جنيه على بناء مسجد “مصر الكبير” الذي دخل موسوعة جينيس للأرقام القياسية بأكبر منبر وأثقل نجفة، وأكثر من 400 مليون جنيه على بناء كاتدرائية “ميلاد المسيح”، وكلاهما تم بناؤه في الصحراء.

وثالثة الأثافي، إنفاق ما يزيد عن 60 مليار دولار على تشييد عاصمة جديدة لمصر (لا تحتاجها) “العاصمة الإدارية”، وهي لاتزال – حتى الآن- مدينة أشباح غير مأهولة بالسكان.

وكأن النظام المصري يقترض لبناء مشاريع غير مُجدية وليس لها عائد، ثم يقوم ببيع أصول الدولة ومشاريعها ذات العائد، من أجل سداد أقساط تلك الديون.. خطة جهنمية، لإفقار البلاد، والتنازل عن مقدراتها، ورهن إرادتها، وتدمير مستقبلها، وحصرها في سيناريوهات مظلمة، تتراوح ما بين البيع لكل شيء أو الإفلاس.

وكأننا أمام الواقع العملي، لتقرير مجلة “الايكونوميست” الشهيرة في شهر آب/ أغسطس من عام 2016، الذي وصفت فيه أحوال مصر الاقتصادية والسياسات العامة التي ينتهجها “السيسي” في إدارته للبلاد، وعنونته بعبارة: “تخريب مصر”.

5 التعليقات

  1. Moataz Fayed

    للأسف الشعب المصرى فى ثبات عميق وغير مدرك لما يقوم به هذا النظام المجرم وأعوانه إنما الكل مشغول بأحواله

    الرد
  2. خالد عبد السلام

    هذا المقال إنذار خطر
    يارب الناس في مصر تفوق

    الرد
  3. إبراهيم صقر

    يجب ان تقوم الثورة فى اقرب وقت ممكن وتكون على كل قيادات الجيش وكل من له سلطة أدت بنا الى هذا الهلاك .. لابد من صحوة سريعه لان مصر تضيع فعليا

    الرد
    • ابو يعقوب

      لابد من ثوره من العسكريين .ولا حيله للمدنين ولا الشعب .فتنظيف مصر دائما يبدا من الجيش ولصالح الوطن .

      الرد
  4. علاء أحمد

    لقد أسمعت لو ناديت حيا، ولكن لا حياة لمن تنادي.

    الرد

إرسال تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تابعنا على حساباتنا

مقالات أخرى

تاريخ القراءة وسيرة مجانين الكتب

تاريخ القراءة وسيرة مجانين الكتب

من الكتب التي بَهَرتني في بدايات دخولي عالم القراءة كتاب "تاريخ القراءة"، للمؤلف الأرجنتيني ألبرتو مانغويل؛ دلَّني عليه صديقي يوسف عبد الجليل، وقرأته أكثر من مرة، وصوَّرت نسخةً غير شرعية منه في مكتبة كانت تطبع الكتب في طنطا. وقد عُدت إليه مؤخرًا وأنا أفكر في سر جماله،...

قراءة المزيد
لا تخدعنَّك مظاهر التقوى!

لا تخدعنَّك مظاهر التقوى!

في الحكايات الشعبية لبلاد الفرس، أن صيادًا كان يصطاد الطيور في يوم عاصف، فجعلت الريح تُدخل في عينيه الغبار، فتذرفان الدموع! وكان كلما اصطاد عصفورا كسر جناحه وألقاه في الكيس. وقال عصفور لصاحبه: ما أرقه علينا، ألا ترى دموع عينيه؟ فرد عليه الآخر: لا تنظر إلى دموع عينيه،...

قراءة المزيد
الضحالة والمعرفة السائلة

الضحالة والمعرفة السائلة

عُرف الفيلسوف وعالم الاجتماع البولندي زيجمونت باومان (١٩٢٥-٢٠١٧)م، بأنه صاحب مصطلح السيولة، التي أصدر تحتها سلسلته الشهيرة السيولة، من الحداثة السائلة والثقافة السائلة والحب السائل، والشر السائل والأزمنة السائلة والمراقبة السائلة، وهلم جرا من سيولات باومان المثيرة،...

قراءة المزيد
Loading...