مصر السيسي التي لا نعرفها

بواسطة | فبراير 22, 2024

بواسطة | فبراير 22, 2024

مصر السيسي التي لا نعرفها

مقال يناقش تباين المواقف المصرية تجاه الصراع في غزة، مع تحليل لتصريحات مسؤولين مصريين بشأن القضية، ويبرز الجدل بين السياسة الخارجية المصرية وتصريحات الحكومة بشأن الأزمة.

تحدي السياسة المصرية – بين مواقف الدبلوماسي وتصريحات المسؤولين

وقف الأول في أديس أبابا، أثناء حضوره قمة الاتحاد الإفريقي، مصرحًا للصحافة بأن “ما يحدث في قطاع غزة ليس حربًا، بل هي إبادة جماعية؛ فهي ليست معركة جنود ضد جنود، إنما حرب يخوضها جيش على درجة عالية من الاستعداد في مواجهة نساء وأطفال، جرائم لم تحدث في أي مرحلة أخرى عبر التاريخ، سوى حينما قرر هتلر أن يحرق اليهود”.

في المقابل، وخلال جلسة حوارية في مؤتمر ميونيخ للأمن، تعقيبا على مداخلة من وزيرة الخارجية الإسرائيلية السابقة “تسيبي ليفني”، قال الآخر إن حركة حماس كانت من خارج الأغلبية المقبولة للشعب الفلسطيني. وصرَّح: “نعم، إن حماس خارج الإجماع الفلسطيني، ويجب أن يكون هناك مساءلة حول تمكين حماس من قطاع غزة وتمويلها ودعمها، ما عزز الانقسام بينها وبين باقي التيارات”.

موقفان، الفارق بينهما كالفارق بين السماء والأرض، بين الحق والباطل، بين السمين والغث، بين من يصف الحرب على غزة بصدق وتجرد كما يراها كل ذي عين، وبين من يتهم حماس بتهمة باطلة، ويوغل في عدائه لها، ويزايد على الإسرائيلي (المحتل للأراضي الفلسطينية، الذي سفك في تلك الحرب دماء ما يقارب المئة ألف فلسطيني بين قتيل وجريح)، فيجيب على الوزيرة الصهيونية السابقة، بأنه يجب محاسبة ومساءلة من مكّن لحماس في قطاع غزة، ومن مولها ودعمها!. وهو يعرف أن من مكن حركة المقاومة الإسلامية “حماس” من حكم قطاع غزة، هم الناخبون الفلسطينيون في عام 2006، حين فازت الحركة في الانتخابات التشريعية الفلسطينية، وحصدت 76 مقعدا من أصل 132 هي مجموع مقاعد البرلمان.

اعتبرني سألتك، من هو قائل كل عبارة مما سبق؟ وأعلمتك أن صاحب أحد التصريحين هو “سامح شكري”، دبلوماسي مصري، يشغل منصب وزير خارجية مصر، والمتحدث باسم سياساتها، وهي الدولة العربية المسلمة والجار الأقرب لفلسطين، حيث يفصل بين قطاع غزة وبين الأراضي المصرية سلك شائك، بل إن القطاع كان يتبع مصر إداريا حتى عام 1967م.. ذلك عن الأول، أما الثاني فهو “لويس إيناسيو لولا دا سيلفا”، الرئيس الخامس والثلاثون للبرازيل، الدولة التي تقع في شرق أمريكا الجنوبية، وتطل على المحيط الأطلسي، لغتها البرتغالية، والديانة التي يعتنقها غالبية السكان – ومنهم لولا دا سيلفا- هي المسيحية.

بالتأكيد، لن يخطر ببالك، أو يقتنع عقلك، بأن من وافق الاحتلال الإسرائيلي في نظرته إلى حماس، فهاجمها وطالب بمحاسبة داعميها، هو “سامح شكري”، المتحدث باسم سياسات مصر، الدولة العربية المسلمة، التي تُعتبر غزة أهم مناطق أمنها الاستراتيجي على الإطلاق، وحركة المقاومة الفلسطينية “حماس” هي بالتالي المدافع الأول عن هذا الأمن، في وجه عدو صهيوني توسعي لا يعترف بالحدود.. وأن من هاجم المحتل الصهيوني، وهاجم حربه على قطاع غزة، هو “لولا دا سيلفا”، الرئيس البرازيلي، الذي تبعد دولته آلاف الكيلومترات عن غزة وفلسطين، ولا تجمعهما أية مشتركات، لا لغة ولا هوية ولا ثقافة ولا دين.

لكنها الحقيقة المؤلمة التي كشفتها حرب غزة، وغيرت من تفكيرنا، وأعادت نظرتنا لكثير من المفاهيم!

فبين الحين والآخر، تدهشنا مشاهد التظاهرات العالمية المطالبة بوقف الحرب على غزة، والمنددة بالانتهاكات والجرائم الإسرائيلية، حين تُرفع فيها اللافتات المنددة بموقف مصر، والموجِّهة لسيل انتقادات – وأحيانا سُباب- للنظام المصري، وللرئيس الذي وصل إلى الحكم في بلاده عبر انقلاب عسكري “عبد الفتاح السيسي”؛ وقد شهد محيط السفارة المصرية في لبنان، يوم الاثنين 19 شباط/ فبراير الجاري، مواجهات بين عشرات المتظاهرين المطالبين بفتح معبر رفح وبإدخال مساعدات إلى غزة، وبين القوى الأمنية المكلفة بحماية السفارة.

فمصر لم تعد مصرا، هكذا يصرخ العرب وهم يضربون أكفهم في حيرة من مواقف النظام المصري، التي تكاد تتطابق حرفيا مع مواقف المحتل الإسرائيلي! ونحن هنا لا نقصد فقط أساليب القمع والوحشية التي يستخدمها الرئيس السيسي مع معارضيه، ومشاهد المجازر الوحشية في “رابعة” و”النهضة”، التي تتفق كثيرا مع مشاهد المجازر المفزعة التي يرتكبها الإسرائيليون بحق سكان القطاع؛ لكننا نشير كذلك إلى هذا التطابق بين نظام السيسي والصهاينة، في الأهداف والرؤية الاستراتيجية تجاه غزة وقضية فلسطين، ما أسفر عن مشاركة فعلية من النظام في حرب الإبادة على سكان القطاع!

بدأ الأمر بالصمت والتواطؤ على الجرائم المروعة، التي يرتكبها الجيش الإسرائيلي على بعد أمتار قليلة من حدودنا، منتهكا أمننا القومي والاستراتيجي، بل وتعداه لانتهاك حدودنا وسيادتنا على أرضنا، حين ضُرب معبر رفح البري عدة مرات منذ بداية الحرب، وحدثت إصابات بين أفراد الجيش المصري في إحداها، وأُعلن الحادث على أنه خطأ، وتمت المسامحة والتغاضي عنه. وترسخت المأساة بمواصلة إحكام مصر للحصار على قطاع غزة، ومنع الحالات الإنسانية والإصابات الحرجة من الخروج منه لتلقي العلاج، وتقطير دخول الشاحنات المحملة بالمساعدات الغذائية، ما تسبب في نشوء مجاعة، اعترف بها برنامج الغذاء العالمي التابع للأمم المتحدة، وحذر من فداحة العواقب.

وبالإضافة إلى ذلك تأتي تصريحات كارثية لمسؤولين مصريين، تبدو وكأن صياغتها تمت داخل مكتب نتنياهو، أو أحد مقرات جهاز “الشاباك”! حيث جاءت مرة عن “قبول تهجير الفلسطينيين لحين القضاء على المقاومة”.. قالها السيسي بعد أيام قليلة من بدء الحرب على غزة، وتحديدا في 18 تشرين الأول/ أكتوبر الماضي. وفي مرات عدة أتت التصريحات مبررة لمشاهد التجويع، الذي يعاني منه سكان القطاع، وتتحدث عنه المنظمات الإنسانية، وتنقله عدسات الكاميرات؛ بالقول إنه يعود لانتظار مصر الإذن من إسرائيل كي تسمح الأخيرة لنا بمرور الشاحنات عبر أراضينا وحدودنا وصولا للغزاويين.

وقد صرح رئيس هيئة الاستعلامات المصري “ضياء رشوان” مؤخرا بأن: مصر لا تملك ولا تستطيع الدفاع عن شاحنات المساعدات المتجهة إلى ‎غزة إذا ما أرادت قصفها إسرائيل. بينما – في تصريحات له سابقة، جاءت ردا على ادعاءات صهيونية بوجود تهريب للأسلحة والذخائر من مصر إلى حركة حماس، يتم عن طريق الأنفاق- أصدر “رشوان” بيانا في 23 كانون الثاني/ يناير من هذا العام، أكد فيه بأن مصر السيسي بذلت جهودا ضخمة، لعزل قطاع غزة عنها، والقضاء نهائيا على تلك الأنفاق، حيث تم إنشاء منطقة عازلة بطول 5 كيلو مترات من مدينة رفح المصرية وحتى الحدود مع غزة، وتم تدمير أكثر من 1500 نفق، كما قامت مصر بتقوية الجدار الحدودي مع القطاع الممتد لـ 14 كيلو مترا، عبر تعزيزه بجدار خرساني، يمتد 6 أمتار فوق الأرض و6 أمتار تحت الأرض، فأصبح هناك 3 حواجز بين سيناء ورفح الفلسطينية.. وأضاف بأن كافة شاحنات المساعدات المتجهة إلى قطاع غزة، عبر معبر رفح البري المصري، يتم توجيهها للمرور أولا على معبر كرم أبو سالم، التابع للسلطات الإسرائيلية، من أجل تفتيشها وطمأنة اليهود.

وردا على تقارير الصحف الأجنبية التي تحدثت، عن أن مصر تجهز منطقة معزولة بمساحة 13 كيلو متراً مربعاً، قرب الحدود مع غزة وداخل سيناء، من أجل استقبال لاجئي غزة بعد ترحيلهم، قال وزير الخارجية المصري سامح شكري: “إننا لا ننوي إعداد أماكن آمنة للنازحين من غزة، لكن إذا فُرض علينا الأمر الواقع، سنتعامل مع الوضع”. وهو اعتراف مُبطن، من المتحدث باسم سياسات النظام المصري، على عدم قدرة مصر – وربما عدم رغبتها- في الدفاع عن حدودها، ضد محاولات إسرائيل تهجير الفلسطينيين إليها.

نحن هنا أمام دولة لا تستطيع حماية حدودها التي يتم ضربها، ولا شاحناتها التي يُمكن أن تُقصف من عدوها، ولا أراضيها التي يُحتمل أن يتم تهجير مواطني دولة أخرى إليها بالقوة؛ وكأننا أمام حالة ارتهان كامل للقرار المصري، ووضعه في أيدي حكومة الاحتلال الإسرائيلي، لتصيغه وتصدره بالصورة التي تشاء.. فهل رأى أحدنا – من قبل- مصر هكذا، في أي من مراحلها التاريخية، بل حتى أيام النكسة والاحتلال الإسرائيلي لأراضي سيناء؟!

أم إننا أمام مصر جديدة، لا نعرفها ولا يعرفها محيطها العربي والإسلامي، ويتعجب الجميع من انبطاحها، ومن انسحاقها التام أمام العدو الصهيوني وقوات الاحتلال؟!

0 تعليق

إرسال تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تابعنا على حساباتنا

مقالات أخرى

أسلحة يوم القيامة

أسلحة يوم القيامة

بلغت وقاحة الكيان الصهيوني حدودا لا يمكن وصفها منذ إعلان حرب الإبادة على الشعب الفلسطيني، ولا يمر يوم إلا وتسمع وترى دليلا واضحا كالشمس على حقارة وبشاعة الكيان، وطريقة تعامله الحيوانية مع الآخرين. الأسبوع الماضي استوقفني تصريح خطير جدا، أدلى به يائير كاتس رئيس مجلس...

قراءة المزيد
السيسي والنسخة المُصغّرة منه في التشكيل الوزاري الجديد

السيسي والنسخة المُصغّرة منه في التشكيل الوزاري الجديد

في ظهيرة الجمعة 26 من مارس/ آذار انتشر على مواقع التواصل الاجتماعي فيديو بث مباشر، قام بنشره شاب صعيدي، أرسل من خلاله استغاثة، وهو على متن قطار مصري اصطدم بآخر، فسقط به من الضحايا العشرات. بدا الشاب بعيون زائغة، والغبار يلف وجهه وشعره، وهو يصرخ بشدة، قائلاً "الحقونا.....

قراءة المزيد
الحاقة ما الحاقة؟

الحاقة ما الحاقة؟

 سؤال لا يمكن للعقل البشري أن يجد إجابة عليه!. هكذا يسأل الله قارئ القرآن وكل من يسمع بدايات سورة الحاقة.. يعرض سبحانه في المرة الأولى كلمة الحاقة، وهي من أسماء يوم القيامة، يسأل عنها، ثم في المرة الثانية يؤكد سبحانه على عظم ومكانة هذا اليوم بقوله: "وما أدراك ما...

قراءة المزيد
Loading...