معركة طوفان الأقصى في العوالم الرقمية المتوازية

بواسطة | فبراير 9, 2024

بواسطة | فبراير 9, 2024

معركة طوفان الأقصى في العوالم الرقمية المتوازية

في حرب الوسوم الرقمية، يتلاقى التحريض والدعم للفلسطين بالتضليل والترويج للرواية الإسرائيلية. تستخدم الحكومة الإسرائيلية والمؤثرون التكنولوجيا لتوجيه الدعاية، بينما تواجه المنصات الرئيسية انتقادات لتقييد وحذف المحتوى الفلسطيني. هذه المعركة تلقي بظلالها على الحقيقة الرقمية وتشكل أداة حاسمة في توجيه الجمهور وتحريك المظاهرات العالمية.

مواجهات الحقيقة والتضليل في الفضاء الرقمي

حرب من نوع آخر تلك التي تدور في الفضاء الرقمي، صحيح أنه لا يوجد فيها طائرات ولا دبابات ولا أسلحة محرمة دوليًا ولا فوسفور أبيض، ولا قنابل MK84 مجهزة بتوجيهJDAM ، لكنها قادرة على تحريك الشعوب وحشدها في مظاهرات واحتجاجات حول العالم.

حرب تستخدم الكلمات والتغريدات والوسوم والصور والفيديوهات، في سياق رقمي متدفق على المنصات؛ حرب وجد فيها الفلسطيني ضالته كيما يخاطب العالم ويتحدث عن حقوقه المسلوبة، بعيدًا عن مقص الرقيب.. ومع أول صلية من صواريخ المقاومة في ساعة الصفر يوم 7 أكتوبر، انطلقت التغريدات لتعلن بدء المعركة، حملت في الميدان الرقمي وسم “طوفان الأقصى”، ليصبح “تريند” على مواقع التواصل لاسيما إكس (تويتر سابقًا) في أقل من ساعة، وهنا بدأت حرب من نوع جديد.. حرب رقمية في عالم موازٍ.

هم يعرفون أهمية الحرب الرقمية

ونظرًا لأهمية الحرب الرقمية، فقد اجتمع رؤساء الجيش الإسرائيلي في اليوم الأول للمعركة بالمؤثرين على مواقع التواصل في دولة الاحتلال؛ لتوجيههم وتوحيد وبث الدعاية والسردية الإسرائيلية، كما صدّرت حكومة الاحتلال نفسها ضحية على يوتيوب، حيث نشرت إعلانات ممولة لحشد الرأي العالمي لروايتها، وروّجت الأحداث السياسية بطريقة تراجيدية، وصرفت نحو 6 مليون دولار لتضليل الرأي العام، بينما مازال يوتيوب لا يسمح للرواية الفلسطينية بالظهور على منصته.

وأعلن قسم السايبر التابع للنيابة الإسرائيلية، أنه اتخذ الإجراءات اللازمة لإزالة المحتوى والحسابات والصفحات والمستخدمين الذين ينشرون محتوىً “يحرّض على العنف والإرهاب المرتبط بالحرب”؛ حيث قدم ما مجموعه 4,458 طلبًا إلى فيسبوك وتيك توك وإكس وأنستجرام، وتيليجرام، لإزالة وحذف محتوى وحسابات، وتم قبول 90% منها.

وهنا كان الإعلان الرسمي لاندلاع الحرب الرقمية من العالم الحقيقي.

حرب الوسوم

ما إن بدأ القصف حتى تصدر وسم “غزة تحت القصف” بأكثر من لغة في أكثر من منطقة جغرافية، تبعه عدد من الوسوم الأخرى هي “غزة تنزف” “غزة تستغيث” “غزة تباد” “غزة تقاوم”. في المقابل انتشرت وسوم داعمة للاحتلال باللغتين العبرية والإنجليزية تحمل معنى “صلِّ لأجل إسرائيل” “إسرائيل تحت القصف” “أنا أدعم إسرائيل”، وانبرى كل طرف في هذا العالم الموازي لشن حرب كلامية موثقة بالصور والمقاطع المرئية لما يجري في الميدان، بهدف جلب أكبر عدد من المتابعين وكسب رأي المساندين طوال الأشهُر الأربعة الماضية.

وحرب النجوم

دعت إسرائيل المشاهير للتغريد والنشر دعمًا لها، منهم المغني الكندي “جاستين بيبر”، الذي نشر صورة لمنطقة دمار في غزة، وطلب من المتابعين الصلاة لأجل إسرائيل، ثم ما لبث أن تنبه لخطئه وحذفها؛ ولم تكن الممثلة الأمريكية “جيمي لي كرتيس” أحسن حالاً حين نادت بإنقاذ أطفال إسرائيل، مستخدمة صورة مؤلمة لأطفال غزة وهم ينظرون إلى الطائرات التي من المحتمل أن تقصفهم، وتبين لاحقًا أن الصورة تعود للمصورة سمر أبو عوف من غزة.

هذا بالإضافة إلى عدد من المشاهير، الذين حاولت إسرائيل أن تكسب شرعيتها من جماهيريتهم وحبها من معجبيهم، من خلال منشوراتهم على مواقع التواصل، أمثال: “مادونا” و”كيلي جينر” و”چال چادوت” و”بيكهام” و”كورتوا” و”ذا روك” وغيرهم.

في المقابل، أعلن عدد من المشاهير دعمهم لفلسطين دون دعوة، وكان أبرزهم “نعومي كامبل” و”ليدي چاچا” و”مايكل جوردان” وآخرين.. وهنا بدأ فصلٌ موازٍ من الحرب.

ماذا عن الخوارزميات؟

مع تدحرج الأحداث زاد الطلب بشكل كبير على الأحداث المتعلقة بمعركة طوفان الأقصى، واستهلك المستخدمون كل ما وصلهم من مضامين في وقت قياسي، ما جعل الخوارزميات نفسها تنصح بالمحتوى (الذي صنفته مرغوبًا) لجماهير أخرى في مناطق جغرافية أوسع.

عادةً تصاحب هذه الخوارزميات تقنيات الذكاء الاصطناعي للتعرف على المحتوى غير المناسب، بالإضافة لعشرات الآلاف من الموظفين الذين تم توظيفهم خصيصًا لمراقبة المحتوى، وبناء عليه يتم حذفه، وهنا انطلقت حرب جديدة على المحتوى الفلسطيني.

ميتا تطمس الحقيقة

حسب تقرير أصدره مركز صدى سوشال، المتخصص في رصد وتوثيق الانتهاكات الرقمية ضد المحتوى الفلسطيني، فقد تم رصد جملة من الانتهاكات أهمها:

–  وضعت منصات شركة ميتا وتيك توك مصطلح “من البحر إلى النهر” كجملة واحدة في بند الحظر، تحت معيار “معاداة السامية”، كما حجبت منصات ميتا روابط القنوات الإعلامية التي تؤدي إلى تيليجرام رغم أنها تابعة لمؤسسات إعلامية، حيث منعت المستخدمين من نشر الروابط الإخبارية حتى على محادثتهم الخاصة في تطبيق ماسنجر، والغريب أنها حظرت بأثر رجعي صفحات المؤسسات الإعلامية التي نشرت روابط قنواتها على تيليجرام، رغم أنها كانت منشورة قبل الحرب.

–  وفي تعدٍّ واضح على حرية الرأي والتعبير، أعلنت منصة ميتا أنها حذفت 795 ألف منشور على منصاتها المختلفة في الأيام الثلاثة الأولى من الحرب، كما حظرت عددًا من الوسوم على منصة أنستجرام أبرزها #طوفان_الأقصى.

 -لم تقتصر الانتهاكات على الإزالة المباشرة، بل طالت أيضًا تقييد الوصول، حيث مارست تلك المنصات أكثر من 4800 إجراء تقييدي وانتهاك بحق المحتوى الفلسطيني، شملت الحظر والتقييد والحجب وحذف الحساب والصفحات بشكلٍ كامل.

– ليس ذلك فحسب، بل تمادت ميتا وألغت خيار الاعتراض على التقييد، أي أنها لن تقوم بمراجعة المحتوى ولا الحساب ولا الصفحة التي حذفتها، وبالتالي حجبت حق الاعتراض لمجلس الإشراف المستقل عن ميتا، ما يشكل إمعانًا في حجب الرواية الفلسطينية عن سبق الإصرار والترصد؛ وكانت الرسالة واضحة لكل العاملين في الشركة بحذف كل من يتكلم ضد إسرائيل، وقد تمت إزالة صفحة قدس الإخبارية باللغة العربية ويتابعها 10 مليون، والإنجليزية ويتابعها أكثر من مليون، تمت الإزالة بدون سابق إنذار بادعاء وجود مخالفات سابقة، رغم أنها صفحة تابعة لمؤسسة إعلامية رسمية تعمل منذ 10 سنوات، ولها حضور جماهيري معتبر إقليميًّا.

ماذا عن الرواية الإسرائيلية؟

في المقابل، تم رصد أكثر من 8 آلاف منشور تحريضي ضد الفلسطينيين باللغة العبرية وبلغات أجنبية على منصات التواصل؛ تشمل دعوة صريحة لقتلهم وإبادتهم، ووصفهم بالحيوانات البشرية، ومطالبة المسؤولين بتشديد الحصار وقطع الماء والكهرباء والدواء عن قطاع غزة، هذا غير رسائل التهديد المباشرة بالقتل والملاحقة التي وصلت المستخدمين الفلسطينيين في قطاع غزة والضفة الغربية.

أما عن المحتوى الكاذب والأخبار المضللة، فقد سمحت منصات فيسبوك، وإكس، وأنستجرام، وتيك توك، بانتشار أكثر من 150 محتوى مزيفًا دون اتخاذ أي إجراءات واضحة بملاحقتها أو التحقق منها، ما أسهم في إعطاء الضوء الأخضر لإسرائيل لقتل المدنيين في قطاع غزة.

من يكسب المعركة والجمهور؟

رغم التضليل الذي مارسه الإعلام الغربي التقليدي، ورغم التزييف للحقائق والانحياز للرواية الإسرائيلية، فإن الحروب التي تدور في العوالم الرقمية المتوازية كانت صاحبة الكلمة العليا في تغيير قناعات الناس وتوجيههم، وهي السبب الرئيس في حراك المتظاهرين في شوارع العواصم العالمية تنديدًا بجرائم الاحتلال ودعمًا لحقوق الفلسطينيين..

ففي زمن التكنولوجيا، من يكسب الحرب الرقمية قد يكسب المعركة والأرض والجمهور.

1 تعليق

  1. هاني

    صحيح كلامك هي بالأساس حرب على الدين الإسلامي منذ عهد النبي مخمد صل الله عليه وسلم ومن قبل الحرب على الله سبحانه وتعالى هؤلاء قتلت الأنبياء الواجب هو محاربتهم

    الرد

إرسال تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تابعنا على حساباتنا

مقالات أخرى

تاريخ القراءة وسيرة مجانين الكتب

تاريخ القراءة وسيرة مجانين الكتب

من الكتب التي بَهَرتني في بدايات دخولي عالم القراءة كتاب "تاريخ القراءة"، للمؤلف الأرجنتيني ألبرتو مانغويل؛ دلَّني عليه صديقي يوسف عبد الجليل، وقرأته أكثر من مرة، وصوَّرت نسخةً غير شرعية منه في مكتبة كانت تطبع الكتب في طنطا. وقد عُدت إليه مؤخرًا وأنا أفكر في سر جماله،...

قراءة المزيد
لا تخدعنَّك مظاهر التقوى!

لا تخدعنَّك مظاهر التقوى!

في الحكايات الشعبية لبلاد الفرس، أن صيادًا كان يصطاد الطيور في يوم عاصف، فجعلت الريح تُدخل في عينيه الغبار، فتذرفان الدموع! وكان كلما اصطاد عصفورا كسر جناحه وألقاه في الكيس. وقال عصفور لصاحبه: ما أرقه علينا، ألا ترى دموع عينيه؟ فرد عليه الآخر: لا تنظر إلى دموع عينيه،...

قراءة المزيد
الضحالة والمعرفة السائلة

الضحالة والمعرفة السائلة

عُرف الفيلسوف وعالم الاجتماع البولندي زيجمونت باومان (١٩٢٥-٢٠١٧)م، بأنه صاحب مصطلح السيولة، التي أصدر تحتها سلسلته الشهيرة السيولة، من الحداثة السائلة والثقافة السائلة والحب السائل، والشر السائل والأزمنة السائلة والمراقبة السائلة، وهلم جرا من سيولات باومان المثيرة،...

قراءة المزيد
Loading...