
معضلة التغيير بين “المثقف” و”المواطن”
بقلم: خليل العناني
| 22 يونيو, 2023

مقالات مشابهة
-
أما آن للوزيرة الألمانية أن تهمد؟!
أخيراً تحقق لها المراد! فقد صافحت الوزيرة...
-
غزة وجدليَّتا النصر والهزيمة
على مدى ما يقارب ٤٧١ يوماً، وقفت غزة وحيدةً...
-
سوريا وثورة نصف قرن
سيسجل التاريخ أن يوم ٨ ديسمبر ٢٠٢٤م يوم مفصلي...
-
خطر الدوغمائية على مآل “الميثاق الغليظ” في المغرب!
يزداد انشغالي فكريًّا ووطنيًّا بما سيثيره مشروع...
-
ماذا عن القرار العباسي بإغلاق مكتب الجزيرة؟!.. يا لك من نتنياهو!
فعلها محمود عباس (أبو مازن)، وأكد عندما فعلها...
-
وقد استجاب القضاء لدعوة الرئيس.. ماذا ينتظر المستأجرون؟!
ذكّرني القول إن المحكمة الدستورية العليا في مصر...
مقالات منوعة
بقلم: خليل العناني
| 22 يونيو, 2023
معضلة التغيير بين “المثقف” و”المواطن”
لم يعد مفاجئا أن يستوقفك شخص ما في مكان عام ليسأل: إلى أين نحن سائرون؟ وما العمل؟. وذلك في نبرة تحمل همّا وأملا بأن تتغير الأوضاع إلى الأفضل؛ ويظن السائل أن المسؤول يحمل إجابة شافية لسؤاله، أو أن بيده عصا سحرية يمكنها أن تحقق التغيير المنشود. أحمل السؤال معي، فيلقاني شخص أخر فيطرح السؤال نفسه، فيزداد الأمر صعوبة، ويزداد الهمّ، ولا أملك أمامه إلا الصمت؛ وأشعر أحيانا بأن الأمر يتجاوز مجرد الاستماع إلى سؤال هذا وذاك، وأن وظيفتنا، نحن معشر المثقفين والباحثين والكتاب، باتت تتجاوز الاهتمام بالشأن العام والمساعدة في فهمه والعمل على تغييره وتحسينه، إلى أن نصبح أطباء نفسيين، نحاول علاج الآخرين من همومهم وكدرهم؛ ولكن كيف يستقيم ذلك إذا كان المثقف نفسه عاجزا عن مداواة همّه وعجزه؟! أو إذا كان هو ذاته، في بعض الأحيان، جزءا من المشكلة وليس الحل؛ ولا أظن وظيفة المثقف هي أن يتحول إلى مقدّم خدمة أو “بائع” لسلع “التغيير”، بالطريقة التي قد ترضي العميل؛ وإلا انتفت النزاهة، وغاب الصدق، وضاعت الأمانة.
ليست وظيفة المثقف (وهو هنا الطبيب) إرضاء المواطن المهموم (وهو هنا المريض) بكلمات وعبارات إنشائية تحمل بداخلها ادعاءً زائفا بالقدرة على الفعل، وإنما الكشف له عن أصل المرض، وحثّه على علاج نفسه بنفسه
كذلك ليست وظيفة المثقف الأساسية أن يقدّم روشتة أو وصفة علاجية لأمراض مجتمعه، بقدر ما هي مساعدة المريض على مقاومة مرضه بذاته، خاصة إذا كان هو ذاته جزءا من المرض، وفي أحيان أخرى هو أصله ومنبعه. وأحيانا، يكون في سؤال المريض عن العلاج تحايل على المرض وعلى الطبيب ذاته؛ فهو يعلم أن المشكلة فيه، وفي خياراته وقراراته. لذا، فإن أنجع وسيلة للعلاج، هي مصارحة ومكاشفة المريض بأصل مرضه، وتنبيهه من حالة الاستسلام لكلام الآخرين عن التغيير المنشود بينما هو غارق في همّه ومصالحه الشخصية.
بكلمات أخرى، ليست وظيفة المثقف (وهو هنا الطبيب) إرضاء المواطن المهموم (وهو هنا المريض) بكلمات وعبارات إنشائية تحمل بداخلها ادعاءً زائفا بالقدرة على الفعل، وإنما الكشف له عن أصل المرض، وحثّه على علاج نفسه بنفسه، ومصارحته بأن الجهل بالمرض هو أصل الداء. كذلك يبالغ العاديون في دور المثقفين، ويتعاطون معهم وكأنهم ذوو سلطة حقيقية، أو بيدهم تغيير الأوضاع بين عشية وضحاها؛ وصحيح أن بعضا من المثقفين والنخبة يستمزجون لعب هذا الدور، ويمارسون تدليسا على العامة من باب تضخيم الذات وتغذية الشعور بالأهمية والتأثير، وهو أمر بات مكررا وعاديا، إلا أن ذلك لا يجب أن يطمس حقيقة أن وزن ودور المثقف في مجتمعاتنا العربية قد لا يتجاوز تأثير المواطن في عاديته وقدرته المحدودة.
بيد أن أسئلة الحائرين الواقفين على باب التغيير مهمّة لنا نحن، المهتمين بالفكر والبحث والثقافة، إن لم يكن لذاتها، فعلى الأقل لنستفيق من سكرة الأنا والمبالغة في أدوارنا وقدرتنا على إحداث التغيير بمجرد القول والكتابة؛ وذلك ذكرّني بحديث عابر قبل فترة مع أحد الأصدقاء من ذوي الفكر والقراءات العميقة، حول أوضاع المثقفين وأدوارهم في هذه المرحلة البائسة التي تمر بها مجتمعاتنا، أولئك الذين يرى لهم صاحبنا مجرد دور ثانوي لا يجب أن يُقارن بأدوار الفاعلين الحقيقيين على الأرض من قوى وجماعات وشبكات تغيير، وذلك انطلاقا من بنية الصراع الحقيقي وعلاقات القوة التي يخلقها هذا الصراع؛ ويبدو أن واقعية ذلك الصديق، الممزوجة بمسحة يأس تقاوم بقايا أمل يراوح مكانه، تعكس جزءا من الحقيقة، خاصة في ظل ادعاء كثير من المثقفين بمحورية دورهم في التغيير، في حين أنهم كانوا آخر من لحق به كما دلّت على ذلك حالة “الربيع العربي”.
على مدار العقدين الأخيرين اصطدمتُ وصُدمت بمواقف كثيرين من هؤلاء “المثقفين” والمفكرين والباحثين وأصحاب الرأي الذين انقلبوا على أعقابهم حين لم تتماشَ الديمقراطية مع مصالحهم وأهوائهم
لقد كشفت تجربة “الربيع العربي”، وما تلاها من عمليات فرز للمواقف وللأشخاص وأوزانهم، أنه لا قدسية لمثقف، ولا عصمة لمفكر، وأن الجميع يجب أن يتم وضعهم على مسطرة الفعل وليس القول فقط؛ ذلك أن بعضا (إن لم يكن كثيرا) ممن ينعتون أنفسهم بالمفكرين والمثقفين في بلادنا وقعوا في اختبار القيم وفشلوا فشلا ذريعا في التمسك بها والدفاع عنها، وفعلوا عكس كل ما كانوا يدّعونه من تبشير بقيم الحرية والديمقراطية والعدالة. وفي حين وقف بعضهم أمام الاستبداد قبل الثورات، سقطوا بعد ذلك في اختبار الحفاظ على الديمقراطية من عبث المستبدين، وانقلبوا على شركاء الأمس، لا لشيء سوى نكاية في خصومهم الأيديولوجيين والسياسيين. رأينا شيئاً من هذا يحدث في مصر وتونس والمغرب وسوريا واليمن وليبيا، حيث اصطف بعض المثقفين وتحالفوا مع بقايا الاستبداد في بلادهم، لا لشيء سوى التخلص من خصومهم السياسيين قولا وفعلا؛ في حين تكشف ممارسات وسلوكيات بعض هؤلاء “المثقفين” قدرا كبيرا من السلطوية مع مرؤوسيهم وتابعيهم، واحتقار المخالفين لهم في الرأي.
وعلى مدار العقدين الأخيرين اصطدمتُ وصُدمت بمواقف كثيرين من هؤلاء “المثقفين” والمفكرين والباحثين وأصحاب الرأي الذين انقلبوا على أعقابهم حين لم تتماشَ الديمقراطية مع مصالحهم وأهوائهم، فكانوا أول المنقلبين على نتائجها؛ بل وصل الأمر ببعضهم للدفاع بكل قوة عن الاستبداد وتزيينه للناس باعتباره الأفضل لهم من الديمقراطية غير مضمونة النتائج.
يقول المفكر الفرنسي جان بول سارتر: “المثقف الذي لا ينحاز لقضايا وطنه وأمته خائن لنفسه ولقيمة الحرية”. لذلك، فالحل الأنجع لهذا المأزق التي يدور فيه مثقفونا هو أن يتخلص الجمهور من “قدسية” المثقفين وتضخيم دورهم؛ وأيضا في الوقت نفسه، أن يعود المثقفون لأداء دورهم في الدفاع عن قضايا شعوبهم وأمتهم، وأهمها قضية الحرية قولا وفعلا.

أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية
تابعنا على حساباتنا
مقالات أخرى
رسالة إلى أمريكا
وقف مراسل شبكة CNN الإخبارية بمنطقة "أيتون" شرقي مدينة لوس أنجلوس الأمريكية، مرتدياً قناعاً واقياً من الغاز، قام بإزاحته عن وجهه، بعد أن طلبت منه المذيعة في داخل الاستوديو أن يصف لها ما يحدث على الأرض. بعيون دامعة، ووجه شاحب مكفهر، تحدث بأسى عن جحيم مروع، تشهده ولاية...
أما آن للوزيرة الألمانية أن تهمد؟!
أخيراً تحقق لها المراد! فقد صافحت الوزيرة الألمانية أنالينا بيربوك الوزيرَ السوري أسعد الشيباني في الرياض، بعد الضجة الكبرى لعدم مصافحة أحمد الشرع لها، والاكتفاء بالترحيب بها بوضع يده مبسوطة إلى صدره! وكما كان عدم المصافحة في دمشق خبرَ الموسم في الإعلام الغربي، فقد...
غزة وجدليَّتا النصر والهزيمة
على مدى ما يقارب ٤٧١ يوماً، وقفت غزة وحيدةً صامدةً تواجه مصيرها، كآخر بقعة تتموضع عليها القضية الفلسطينية، بعد أن تم تدجين العالم العربي كله وصولاً إلى تدجين فلسطين نفسها بقيادة أكثر صهيونية من الصهيونية نفسها، لا هدف لها سوى أن تُنسي الفلسطينيين والعالم كله شيئاً...
0 تعليق