مواقع جمع المال الرقمية بين الاحتياج والنصب والتسول

بواسطة | مارس 1, 2024

بواسطة | مارس 1, 2024

مواقع جمع المال الرقمية بين الاحتياج والنصب والتسول

تستكشف المقالة حقيقة مواقع التبرع في قطاع غزة، هل هي تسول إلكتروني أم مبادرات حقيقية؟ توضح آلية عملها وتحذر من المخاطر، ملفتة للانتباه إلى استغلال بيانات المستخدمين والتضليل الإعلامي من قبل الاحتلال، وتقدم نصائح لتفادي النصب ودعم الحالات الحقيقية.

حقيقة مواقع التبرع في قطاع غزة – بين الدعم الحقيقي والنصب الإلكتروني

من المؤكد أنه وصلك رابط يرجوك التبرع لقصة إنسانية أو مبادرة اجتماعية، خلال تصفحك الأخبار ومتابعتك الأحداث في قطاع غزة، وتبادر لذهنك دفعة من الأسئلة عن حقيقة تلك الروابط، وهل هي نوع من التسول الإلكتروني أم طريقة من طرق النصب والاحتيال؟ أم تعبر عن احتياج فعلي لقصص إنسانية بحاجة لدعم ومساندة؟

تاريخ مواقع التبرع

هناك العديد من المواقع التي تعمل كوسيط بين الداعمين وأصحاب الحالات، وهذا النوع من المواقع يطلق عليه اسم مواقع التمويل الجماعي Crowdfunding websites، وقد وُجدت مع انتشار الإنترنت في التسعينيات، وأشهر المواقع التي مازالت تعمل حتى الآن هي: Indiegogo 2008, Kickstarter 2009, GoFundMe 2010. ولكل موقع منها طريقة عرض وأقسام وتخصصات للجمع، لكنها كلها تتفق في آلية الجمع المالي.

آلية عمل مواقع جمع المال

بعد إنشاء حساب لك والتأكد من صحة بياناتك وربطها بحسابك البنكي، يسمح لك الموقع بكتابة قصتك أو مبادرتك، مشفوعة بالصور والفيديوهات والروابط التي توثق حالتك، والهدف المالي الذي ترجو تحقيقه، ثم يزودك الموقع برابط لقصتك كي تشاركه مع أصدقائك عبر شبكات مواقع التواصل الاجتماعي، وتدعوهم للتبرع بالمبلغ الذي يقدرون عليه؛ وكلما كانت قصتك مؤثرة جلبت تعاطفًا أكبر، وتعاطى معها جمع أضخم من الناس، وزادت التبرعات وحققتَ الهدف المالي في وقت أقصر.. بعدها يمكنك مطالبة الموقع بسحب الأموال، بغض النظر عن قربها أو بعدها من هدفك المالي المرصود.

دعم المؤسسات والمنظمات الخيرية

يعتبر موقع LaunchGood من أشهر مواقع الجمع المالي التي تدعم المشاريع الإسلامية، بما عنده من قواعد بيانات تشمل نحو 1.7 مليون متبرع، ويستقبل تبرعات من 153 دولة، إلا أنه لم يفتح المجال للأفراد لعرض حالاتهم الإنسانية، واقتصر عمله على المؤسسات والجمعيات الرسمية؛ وباعتبار مقره في الولايات المتحدة، فقد طبّق شروط الخزانة الأمريكية على المنظمات والمؤسسات التي يحق لها إطلاق مبادرات جمع مالي، من خلال التحقق من هويتها، والعاملين فيها وعدم صلتهم بجهات تابعة “للإرهاب”، والتأكد من مصادر صرف هذه الأموال، وصنّف كل الحملات التابعة للأحداث في قطاع غزة في قسم خاص في الموقع تحت عنوان: (فلسطين وغزة).

وكانت الحصيلة: 130 حملة دعمها نحو 365 ألف متبرع بنحو 32 مليون دولار حتى 145 يومًا من العدوان.

دعم الأفراد والمبادرات

في المقابل برز نجم موقع GoFundMe بقوة، حيث فتح المجال للأفراد لعرض قصصهم ومبادراتهم لجمع المال، رغم التحدي الأول الذي واجه أصحاب الحملات، حيث لا يسمح الموقع بإنشاء الحملة إلا لمستخدم موجود في واحدة من دول الاتحاد الأوروبي أو بريطانيا أو أمريكا أو كندا، شرط أن يكون لديه حسابٌ بنكي نشط فيها، وهنا لجأ الفلسطينيون من قطاع غزة لأقارب أو أصدقاء كي ينشئوا لهم تلك الحملات بأسمائهم وعلى حساباتهم الأجنبية.

وخلال فترة قصيرة انتشرت آلاف الروابط والحملات لدعم الحالات الإنسانية من قطاع غزة.

أقسام الحملات

انقسمت الروابط إلى حملات شخصية ومبادرات شبابية، حيث يطلب منك أصحاب الحملات الشخصية دعمًا لإعادة بناء بيت أو شركة، أو لمساندة عائلة للخروج من غزة، أو للمساعدة في علاج حالة صحية، وقد تم رصد أكثر من 1200 حملة على الموقع لمساعدة العائلات للخروج من غزة!

بينما يرجوك أصحاب المبادرات الشبابية دعمهم لتقديم المساعدات الإغاثية للمحاصَرين، وقد نجحت معظم تلك الحملات في جمع مبالغ مالية كبيرة، بغض النظر عن حقيقتها أو موثوقية الأشخاص خلفها؛ وذلك لتعاطف الناس مع الكارثة الإنسانية التي تعرّض لها أكثر من 2 مليون محاصَر في قطاع غزة، ولكن الذين استلموا ما تم جمعه لمبادرتهم حتى الآن قليلون!

دخول GoFundMe ليس كخروجه

صحيح أن موقع GoFundMe يسمح لك بإنشاء حملة مباشرة بعد التأكد من محل إقامتك، لكن لديه سياسة صعبة في توريد المال لك بعد جمعه، حيث يطلب من أصحاب الحملات الشخصية مجموعة ضخمة من المستندات والوثائق التي تؤكد صدق مزاعمهم، ويفتح حلقة نقاش تستمر لزمن، يتأكد فيها من البيانات الشخصية التي تم إدخالها للمستفيدين من الحملة وعلاقتهم بمن أطلقها وطريقة إيصاله المال لهم. ويزداد الأمر صعوبة مع المبادرات الشبابية، حيث يطلب الموقع من أصحابها توضيحًا شاملاً للمنتجات التي سيتم شراؤها، وأماكن الشراء، والأسعار، وطرق التحويل المالي، وأسماء القائمين على المبادرة، وأماكن عملهم، كما يتولى الموقع فحص مصادر التبرعات، حيث يعيد الأموال التي جاءت من حسابات مشبوهة.. ثم – وبعد انتهاء مرحلة التوثيق والتأكد- يخصم عمولته (3.9%) ويرسل لك المبلغ الذي تم جمعه.

ماذا عن بياناتنا؟

في خضم معركة جمع المال يغفل المستخدمون عن كمية البيانات التي تمت مشاركتها طوعًا على هذه المواقع، بالصور والمستندات ومحل الإقامة، والبيانات البنكية والحسابات المالية، ما يشكل مخزنًا معلوماتيًا استراتيجيًا ضخمًا لأي جهة استخباراتية تريد ربط العلاقات بين الناس والوصول لمصادر الأموال، وهذه المواقع لن تتوانى عن مشاركة تلك البيانات مع جهات رسمية حين تطلبها لأغراض حكومية، وإلا فقدت عملها وتم التضييق عليها.

وهذا الخطر ليس الوحيد الذي ينبغي أن نحذر منه.

النصب والتسول مخاطر أخرى

صحيح أن الحاجة لكل شيء في غزة كبيرة، وأن كل من عليها أصبح بفعل حرب الإبادة يستحق الدعم، وأن التبرعات التي تصل لا تغطي الاحتياج، وأن الحالة الإنسانية وصلت لدرجة غير مسبوقة، إلا أن هناك من استغل الروابط بطريقة سلبية، ونشر حالات وهمية، ومبادرات مخادعة، وهناك من طالب لشخصه بمبالغ كبيرة نسبيًا، تهدف لكسب المتعاطفين، وإلا فما معنى مناشدة الناس لإعمار بيتك بمبلغ 300 ألف يورو، ولجنة إعادة الإعمار في غزة تتكفل بعد كل حرب ببناء البيوت المهدمة كليًا أو جزئيًا للمتضررين؟ ما تفسير استغلال ثقة الناس بك وشهرتك على مواقع التواصل لدعمك شخصيًا وحل مشكلتك، والنظر إلى مأساة غزة كلها من زاوية حالتك؟ علمًا بأن شهرتك تعاظمت نتيجة اهتمام الناس بغزة كقضية وليس بحالتك كقصة!

وللاحتلال فيها مآرب أخرى

وعلى صعيد آخر عمد الاحتلال من خلال إعلامه إلى تسفيه أصحاب المبادرات الشبابية الصادقة، التي تسعى لتمكين الناس وتثبيت صمودهم، واتهمهم بالتسول و”التحول من شعب الله المرابط لشعب المواقع والروابط”، وردد ذلك وراءه مجموعة من بيننا من الموتورين إعلاميًّا، ما سبب تضييقًا على أصحاب المبادرات الحقيقية في الميدان، وملاحقة من قوات الاحتلال لأنشطتهم الخيرية، بعدما تم تشويه العاملين وتصنيف أصحاب الروابط كلهم في سلة واحدة.

كيف النجاة؟

الإجابة على سؤالك تبدأ من عندك، ومن وجد النية فلن يعدم الوسيلة، وأي مجتمع فيه الصالح والطالح، وسؤالٌ منك لصاحب الحاجة أو المبادرة قبل التبرع كفيل بمعرفة حقيقته وسقف حاجته، وبحث سريع في حسابه يجعلك تعرف سابق أعماله، والمبادرات تُعرف بأنشطة أصحابها في الميدان لا بأسمائهم وسجع كلامهم ومنظوم حوارهم، وأصحاب العطاء في الميدان لن يتركوه بعد نجاح حملة لهم؛ لأن المأساة أكبر من مجرد رابط وحملة جمع تبرعات رقمية.

3 التعليقات

  1. Reem Aboheef

    رائعه كالعاده

    الرد
  2. عيسى عباس

    نعم من أراد لن يعدم الوسيلة
    وكذب من قال انه لم يجد

    الرد
  3. بلال الحمايدة

    اروع ما قرأت بخصوص هذا الموضوع
    أتمنى على كل من يفكر باطلاق أي حملة ان يقراه بتمعن
    كل الاحترام اخي خالد

    الرد

إرسال تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تابعنا على حساباتنا

مقالات أخرى

تاريخ القراءة وسيرة مجانين الكتب

تاريخ القراءة وسيرة مجانين الكتب

من الكتب التي بَهَرتني في بدايات دخولي عالم القراءة كتاب "تاريخ القراءة"، للمؤلف الأرجنتيني ألبرتو مانغويل؛ دلَّني عليه صديقي يوسف عبد الجليل، وقرأته أكثر من مرة، وصوَّرت نسخةً غير شرعية منه في مكتبة كانت تطبع الكتب في طنطا. وقد عُدت إليه مؤخرًا وأنا أفكر في سر جماله،...

قراءة المزيد
لا تخدعنَّك مظاهر التقوى!

لا تخدعنَّك مظاهر التقوى!

في الحكايات الشعبية لبلاد الفرس، أن صيادًا كان يصطاد الطيور في يوم عاصف، فجعلت الريح تُدخل في عينيه الغبار، فتذرفان الدموع! وكان كلما اصطاد عصفورا كسر جناحه وألقاه في الكيس. وقال عصفور لصاحبه: ما أرقه علينا، ألا ترى دموع عينيه؟ فرد عليه الآخر: لا تنظر إلى دموع عينيه،...

قراءة المزيد
الضحالة والمعرفة السائلة

الضحالة والمعرفة السائلة

عُرف الفيلسوف وعالم الاجتماع البولندي زيجمونت باومان (١٩٢٥-٢٠١٧)م، بأنه صاحب مصطلح السيولة، التي أصدر تحتها سلسلته الشهيرة السيولة، من الحداثة السائلة والثقافة السائلة والحب السائل، والشر السائل والأزمنة السائلة والمراقبة السائلة، وهلم جرا من سيولات باومان المثيرة،...

قراءة المزيد
Loading...