نتنياهو يسعى بشدة إلى تعزيز قاعدته السياسية على حساب العلاقات الأمريكية

بواسطة | أبريل 2, 2024

بواسطة | أبريل 2, 2024

نتنياهو يسعى بشدة إلى تعزيز قاعدته السياسية على حساب العلاقات الأمريكية

منذ السابع من  أكتوبر/ تشرين الأول، أدرك الجمهور الإسرائيلي أن رئيس الوزراء ليس رجل الأمن، ولا المسؤولية، ولا التعاطف حتى مع شعبه، ولا يمكن لأي من حيله أو استعراضاته  أن تغير ذلك

في إسرائيل، هناك من يعتقد أن التصرف بوقاحة في التعامل مع زعيم قوة عظمى كالولايات المتحدة، من شأنه أن يُكسب رئيس وزراء دولة صغيرة دعمًا متزايدًا من قاعدته السياسية.

على مدى العقد الماضي، تم وزن كل تحركات رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو وفقًا لما قد يقوِّيه في نظر أعضاء الليكود المسجلين، البالغ عددهم 100 ألف عضو، وأنصاره الأكثر حماسًا الذين تساوي أصواتهم نحو 15 مقعدًا في الكنيست.

إلقاء خطاب أمام الكونجرس عام 2015 من دون علم باراك أوباما؟ قد يضر هذا بإسرائيل، لكنه في نظر قاعدته يصوره كبطل.. كذلك الشروع في هجوم تكتيكي على جو بايدن خلال الحرب؟ لا بأس، هذا أيضًا متعمد لتقوية قاعدته.

إلا أن هذا النهج لم يعد يفيد، لم يعد الساحر قادرًا على سحب الأرانب من قبعته بعد الآن، إن الحيل والخدع التي نجحت لسنوات لم تنجح في استعادة شعبية نتنياهو منذ 7 أكتوبر/ تشرين الأول، كما أظهرت استطلاعات الرأي منذ أشهر.

حاول نتنياهو شن حملة ضد وزير الحرب بيني غانتس، مدعيًا أن غانتس سيمنح الفلسطينيين دولة، لكن غانتس استمر في الصعود في استطلاعات الرأي.. وعلى مدى أشهر ظل نتنياهو يردد شعارًا مفاده أن إسرائيل لن تنهي الحرب ضد حماس حتى تحقيق “النصر الكامل”؛ إلا أن هذا لم يُجدِ أيضًا.

وتتمثل الحملة الأخيرة لرئيس الوزراء في وصف بايدن بأنه عدو لإسرائيل! حيث نشر رسائل فيديو ضد الرئيس الأمريكي، وأرسل له إنذارات حاسمة من القدس.. ويوم الإثنين، أدانه بسبب امتناع الولايات المتحدة عن التصويت على طلب مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة بوقف إطلاق النار في غزة خلال رمضان، والإفراج الفوري عن جميع الرهائن؛ ومن الواضح أن كل هذا يضر بمصالح إسرائيل ومواطنيها، كما أنه لن يعزز موقف نتنياهو لدى قاعدته الانتخابية.

الجمهور الإسرائيلي يعاني من الهزيمة والصدمة والاكتئاب، لدرجة أنه لا يستطيع أن يتأثر بجهود نتنياهو لإبراز نفسه كزعيم قوي. وفي 7 أكتوبر/ تشرين الأول، فهموا أنه ليس رجل الأمن، ولا المسؤولية، ولا حتى التعاطف أيضًا، نظرًا لمواقفه هو وزوجته تجاه عائلات الرهائن في الأسابيع الأخيرة.

لا يمكن لأحد أن يفهم تمامًا استراتيجيته المتمثلة في إثارة معارك مع البيت الأبيض، أو تزويره لتشريعات التجنيد الأرثوذكسية المتطرفة، أو قراره بشأن هجوم بري محتمل للجيش الإسرائيلي في رفح.. هذا بالتأكيد لن يفيد.

العاصفة المثالية

يبدو أن أحداث الأيام الأخيرة كانت بمثابة عاصفة كاملة.

امتنعت الولايات المتحدة عن استخدام حق النقض (الفيتو) لمنع قرار مجلس الأمن الدولي، وهو حادث دبلوماسي خطير؛ لكن حتى هذا لم يدفع الوزير جدعون ساعر إلى تأخير قرار حزب الأمل الجديد بالخروج من الحكومة، انسحب ساعر من الائتلاف ولم يستطع أن يحمل نفسه على الانتظار حتى ليوم آخر، لأنه يرى ما يراه كل من حوله.. الإخفاقات المتزايدة وعدم وجود من يحاول تجنبها.

وإلى جانب التصويت في الأمم المتحدة، والمواجهة مع البيت الأبيض، وخروج ساعر من الحكومة؛ شهدت الأيام الماضية أيضًا مشروع نتنياهو الشامل للتهرب من التجنيد العسكري.

في ذروة العاصفة، ينسحب فصيل من أربعة مقاعد من الحكومة، ويتجاهل الرئيس الأمريكي، وتعارض الطائفة الحريدية قانونًا حاسمًا للائتلاف، قانونًا إذا تم إقراره يمكن للأحزاب الحريدية أن تغادر؛ وإذا لم يتم تمريره، فإن المحكمة العليا ستقطع تمويل المدارس الدينية عن الطلاب المتهربين من التجنيد.

بالنسبة لنتنياهو، كل خيار أسوأ من الآخر، وهو لا يجد طريقة للالتفاف على الجميع وتضليلهم. ويعتقد نتنياهو دائمًا أن الأمور ستسير على ما يرام في اللحظة الأخيرة، بطريقة أو بأخرى، وعلم البيت الأبيض كونه سينفذ تهديده بعدم إرسال اثنين من كبار مساعديه إلى واشنطن لإجراء مناقشات حول الهجوم العسكري في رفح، احتجاجًا على ذلك؛ وبعد امتناع الولايات المتحدة عن التصويت، لم يكن المتحدث باسم مجلس الأمن القومي الأمريكي منزعجًا على الإطلاق، فوزير الدفاع يوآف غالانت في نهاية المطاف كان موجودًا بالفعل في المدينة.

وقال جون كيربي خلال مؤتمر صحفي: “نشعر بخيبة أمل كبيرة لأنهم لن يأتوا إلى واشنطن للسماح لنا بإجراء محادثات مطولة حول البدائل القابلة للتطبيق بدلًا من الذهاب إلى رفح، لكن وزير الدفاع موجود هنا بينما نتحدث في الغرفة الأخرى”. ورفض كيربي بشكل قاطع اتهام نتنياهو بأن عدم استخدام حق النقض ضد قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة يمثل تغييرًا في سياسة إدارة بايدن، وعلّق: “هذا ليس صحيحًا، وبعيد كل البعد عن الحقيقة، مازلنا ندعم إسرائيل”، وأضاف بعبارة جافة: “نحن من يقرر ما هي سياستنا”.. وأوضح كيربي: “بينما نتحدث أنا وأنتم، ما زلنا نزود إسرائيل بالأسلحة والقدرات العسكرية، حتى تتمكن من الدفاع عن نفسها ضد التهديدات القاتلة”.

علاوة على ذلك، أطلع المسؤولون في البيت الأبيض المراسلين على أن نتنياهو كان يتشاجر مع الأميركيين لخدمة مصالحه السياسية الداخلية، ما يشير إلى عدم احترام عميق لمن وصف نفسه بأنه “زعيم من طراز خاص”. ومن المفترض أنه لو كان نتنياهو قد ركز على برنامج “اليوم التالي” للحرب في غزة، وعلى العمليات الإنسانية هناك، ما كانت الولايات المتحدة لتمتنع عن التصويت على وقف إطلاق النار.. علاوة على ذلك، كان من الممكن تجنب المواجهة مع البيت الأبيض.

استجابة مختلفة

قد لا يشترط قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة المطالبة بوقف فوري لإطلاق النار خلال شهر رمضان مع إطلاق سراح الرهائن، لكنه يذكر هذه القضية في الجملة نفسها، ويطالب القرار بالإفراج عن جميع الإسرائيليين، جنودًا ومدنيين، صغارًا وكبارًا، نساءً ورجالًا.

فهو لا يتضمن صيغًا لأي تبادل لـ 30 فلسطينيا مقابل كل جندية، ولكنه يطالب ببساطة بـ”الإفراج الفوري وغير المشروط عن جميع الرهائن”. ومن حيث صياغته، فإن القرار أفضل من المبادئ التي نوقشت في المفاوضات غير المباشرة بين إسرائيل وحماس، والتي دار فيها حديث عن إطلاق سراح 40 فقط من الرهائن الذين يزيد عددهم عن 130، في المرحلة الأولى من الصفقة، مقابل الإفراج عن مئات المقاتلين من حماس، والمدانين بجرائم قتل.

لماذا لم يردّ نتنياهو بالقول إن إسرائيل مستعدة للموافقة على وقف إطلاق النار على أساس إطلاق سراح جميع الرهائن دون أي شروط مسبقة؟ كان ذلك سيرمي الكرة في ملعب حماس.. لكن رجل الدولة الأعلى (السابق) يفكر في تلك القاعدة المراوغة، وليس في حل المسألة نفسها.

أهمية القرار

إن قرار الولايات المتحدة بعدم استخدام حق النقض لا يؤثر بشكل مباشر على الحرب، لأن إسرائيل لا تنوي تنفيذ قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، تمامًا كما لم تفعل في الماضي.. وإذن، فأين تكمن أهمية القرار؟ هناك دول – بما في ذلك الولايات المتحدة– قد تستخدمه لتبرير منع مبيعات الأسلحة لإسرائيل، أو للإشارة إلى أن إسرائيل لا تمتثل للتدابير المؤقتة التي طلبتها محكمة العدل الدولية في لاهاي.

وفي يناير/ كانون الثاني، أمرت المحكمة العليا للأمم المتحدة إسرائيل بالامتناع عن أي أعمال يمكن أن تندرج تحت بنود اتفاقية الإبادة الجماعية، وضمان عدم قيام قواتها بارتكاب أعمال إبادة جماعية ضد الفلسطينيين، وتحسين الوضع الإنساني للمدنيين في غزة.

ويدعو قرار مجلس الأمن – مع امتناع واشنطن عن التصويت– المجتمع الدولي إلى تكثيف الضغوط على إسرائيل، وهو يسبب ضررًا حقيقيًا في صلب العلاقة بين الولايات المتحدة وإسرائيل.

ولكن العواقب الأكثر إيلامًا وخطورة تتلخص في المفاوضات بشأن الرهائن مع حماس، التي رفضت يوم الاثنين العرض الإسرائيلي الأخير، وأعادت التأكيد على اشتراطها لأي إطلاق سراح للرهائن في المستقبل بإنهاء إسرائيل للحرب وسحب قواتها.. إن امتناع الولايات المتحدة عن التصويت، وما ترتب عليه من نتائج في مجلس الأمن، يشجع حماس على الصمود في أنفاق غزة.

عندما تنظر إلى كل هذه العواقب السلبية، يتألم القلب، وتشعر بغصة؛ فالمواجهة المباشرة التي يصعِّدها رئيس الوزراء مع الولايات المتحدة لا تؤدي إلا إلى تعميق الحفرة التي وجدت إسرائيل نفسها فيها.

ولن يساعد أيٌّ من هذا نتنياهو على تعزيز قاعدته الانتخابية.

المصدر: تايمز أوف إسرائيل | TAL SCHNEIDER
تاريخ النشر: 26/04/2024

0 تعليق

إرسال تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تابعنا على حساباتنا

مقالات أخرى

أسلحة يوم القيامة

أسلحة يوم القيامة

بلغت وقاحة الكيان الصهيوني حدودا لا يمكن وصفها منذ إعلان حرب الإبادة على الشعب الفلسطيني، ولا يمر يوم إلا وتسمع وترى دليلا واضحا كالشمس على حقارة وبشاعة الكيان، وطريقة تعامله الحيوانية مع الآخرين. الأسبوع الماضي استوقفني تصريح خطير جدا، أدلى به يائير كاتس رئيس مجلس...

قراءة المزيد
السيسي والنسخة المُصغّرة منه في التشكيل الوزاري الجديد

السيسي والنسخة المُصغّرة منه في التشكيل الوزاري الجديد

في ظهيرة الجمعة 26 من مارس/ آذار انتشر على مواقع التواصل الاجتماعي فيديو بث مباشر، قام بنشره شاب صعيدي، أرسل من خلاله استغاثة، وهو على متن قطار مصري اصطدم بآخر، فسقط به من الضحايا العشرات. بدا الشاب بعيون زائغة، والغبار يلف وجهه وشعره، وهو يصرخ بشدة، قائلاً "الحقونا.....

قراءة المزيد
الحاقة ما الحاقة؟

الحاقة ما الحاقة؟

 سؤال لا يمكن للعقل البشري أن يجد إجابة عليه!. هكذا يسأل الله قارئ القرآن وكل من يسمع بدايات سورة الحاقة.. يعرض سبحانه في المرة الأولى كلمة الحاقة، وهي من أسماء يوم القيامة، يسأل عنها، ثم في المرة الثانية يؤكد سبحانه على عظم ومكانة هذا اليوم بقوله: "وما أدراك ما...

قراءة المزيد
Loading...