هل يوجد مكان للكذب في هذا العالم؟

بواسطة | نوفمبر 21, 2023

بواسطة | نوفمبر 21, 2023

هل يوجد مكان للكذب في هذا العالم؟

تكتب هذه المقالة بروح إبداعية، حيث تنعكس مشاعر الكاتب بين الإبداع والنضال من خلال الكتابة والمشاركة في محنة الشعب الفلسطيني.

في زمن الكذب الإعلامي، يظهر الحق بوضوح عبر وسائل التواصل الاجتماعي، كشاهد حي على الظلم الذي يعانيه شعب فلسطين. الكذب لم يعد فعالاً في زمن التوثيق والشهود، مما يجعل مستقبل السياسيين الكاذبين مهددًا.

الكذب ومواجهة الحقيقة: حين تنكشف حقائق الصراع الفلسطيني الإسرائيلي

ليس لمثلي الآن قدرة سوى على الكتابة، فأكون ما بين الإبداع الذي يأخذني إلى عالم أجمل، والمقالات التي أشارك بها في محاولة لدعم الحق والحقيقة.
فلسطين بالنسبة لي ليست مجرد دولة عربية مجاورة لها قضية، بل هي عندي قضية حياة، هكذا ولدت وهكذا نشأت.. لم يكن ذلك بتأثير من أحد، لكن فلسطين لم تغب عن تعليمنا، ولا عن بيتنا وحكايات الأهل ونحن أطفال، ولم تغب عن وعينا عبر الحروب التي مرت بمصر مع الكيان الصهيوني الغاصب.
كيف غرست إنجلترا الكيان الصهيوني في أرض فلسطين، أمر لم يعد يحتاج إلى مجادلة، فوجود إسرائيل هو الطريقة المثلى للتفرقة بين العالم العربي، وزرع القلاقل والكوارث، ولم يكن وجودها أبدا من دواعي نهضته، وإلا فليقل لي أحد، ماذا جنت مصر مثلا من التطبيع مع إسرائيل؟ وماذا جنى غيرها من الدول المطبعة مؤخرا؟. إسرائيل هي التي جنت ثمار التطبيع، فانفردت بفلسطين وشعبها، لتكمل حصاره وتمارس العدوان عليه في كل وقت، وتمضي نحو هدفها الخرافي في إقامة مملكة مزعومة من النيل إلى الفرات.

عبر التاريخ كله كنا نصل إلى المعلومات عن كل حدث، عن طريق المؤرخين الذين عاشوا الحدث، أو من ياتي بعدهم؛ كان الكذب هو منهج الإمبراطوريات وقادة الحروب، وعندما ظهرت الصحف والإذاعات صارت القاعدة للطغاة أن الاستمرار في الكذب والتركيز عليه يجعله حقيقة؛ ويوما ما كنا نقول إن العالم قد صار قرية صغيرة، لكن استمر الكذب لأن المعلومات كانت تأتي عن طريق الصحف أو الإذاعات.. الكتب غالبا، أو دائما، ربما فيها فرصة للصدق أكبر، لكنها كانت تظهر بعد انتهاء الحروب، روايات أو مذكرات لمن شارك في الحرب.. الصحف في أغلب الأحوال تتبع نهج وأفكار مؤسسيها، ولليهود في العالم وجود كبير في الصحافة وملكيتها، وانتقل الأمر إلى المحطات الإذاعية الأجنبية ثم القنوات التليفزيونية، بعد أن توسعوا في السيطرة على منابع الفكر، وحتى التسلية، فصارت أهم شركات الإنتاج السينمائي في العالم ملكا لهم؛ لقد اختاروا ذلك عقب الاضطهاد الذي مارسته عليهم أوربا عبر القرون.

الآن اختلف العالم، فلم يعد حتى قرية صغيرة، بل أصبح هاتفا نقالا.. لم يعد تصوير الأحداث يتوقف على مراسلي وسائل الإعلام في العالم فقط، بل أصبح الإنسان العادي مصدرا للخبر، وكل ما يفعله هو أن يصور بالموبايل مايراه أمامه، وينشره على السوشيال ميديا. إسرائيل تعرف ذلك، ومن ثم لجأت في حصارها لغزة إلى قطع الإنترنت، لكن وُجد من تغلب على ذلك، وتوفرت الإنترنت لكثيرين، وهكذا صرنا نرى ما يتم من إبادة للشعب الفلسطيني لحظة بلحظة. لم ينفع “إسرائيل” الاعتداء على مراسلي القنوات العربية ومحاولة قتلهم، بل وقتل بعضهم وعائلاتهم، لأن الذين يقومون بالتصوير آلاف من سكان غزة، وبينهم صبية صغار السن أيضا.. لم يعد الأمر يعتمد فقط على الجهد العظيم لمراسلي القنوات العربية، المقابلة للقنوات الإسرائيلية والأجنبية التي تتبني الفكر الصهيوني، بل توحّد معه جهد الأشخاص العاديين.

هكذا تتكشف حقائق كل الأكاذيب الإسرائيلية، وآخر المكتشف حقيقة قتل أكثر من ثلاثمائة شخص قرب غلاف غزة في مستعمرة ريعيم، من قِبل طائرة حربية إسرائيلية انطلقت من قاعدة رمات دافيد، وقصفت من الجو جنود حماس، وبالطبع أصاب القصف عددا من المختطفين، ولم تكن كتائب القسام أو جنود حماس هم من قتلهم. لم يكن الأمر في حاجة إلى كل هذا الوقت لنعرف الحقيقة، فلقد قالتها حماس مبكرا، بل قالتها شخصيات يهودية ممن كانوا مع القتلى أو المختطَفين؛ لكن إسرائيل ظلت تردد الأكذوبة على طريقة جوبلز لتصبح حقيقة، غير مدركة اختلاف الزمن، أو مدركة ذلك لكنها تتبع الطريقة القذرة التي تعلموها من النازية، التي أقامت لهم المحارق كما أقامتها لغيرهم.

الكذب الذي اعتمدته إسرائيل اعتمده رؤساء دول مثل أميركا وفرنسا وإنجلترا وألمانيا، وكان أولى بهم أن لا ينسوا أن العالم صار جهاز موبايل، لا يحتاج إلى زيارات للمعرفة، ولا يجدي فيه ترديد حديث القتلة والمعتدين، لكنها السياسة أعمت هؤلاء الرؤساء ومن شاكلهم، فهم لا ينسون أن زرع إسرائيل في المنطقة، هو لإرهاقها والتفرقة بينها.

كان الشرق الأوسط يوما مصدر قوة لدول تعاقبت عليه منذ ظهور الإسلام، وهم يدركون ذلك، بل إن مصر قبل ظهور الإسلام وفي عصر الفراعنة كانت تدرك أن مجالها الحيوي يمتد شمالا إلى الشام، وجنوبا إلى إثيوبيا ومنابع النيل، وكان لعدد من الأسرات الفرعونية وجود قوي في تلك البلاد حفاظا على أمن مصر؛ واستمر الأمر مع ما جرى في مصر من احتلال يوناني وروماني، ثم مع ظهور الدول الإسلامية التي صارت مصر قِبلتها. وما يمكن أن تقوله عن الظلم الذي وقع على المصريين كثير جدا، وهناك آلاف الصفحات في كتب المؤرخين، لكن شيئا واحدا حافظ عليه الجميع، هو امتداد المجال الحيوي للدولة المصرية إلى الشام وإلى إثيوبيا حيث منابع النيل. وتكرر الأمر مع الدولة الحديثة منذ عهد محمد علي، وابتعد أبناؤه قليلا عن الشام، لكنهم لم يبتعدوا عن منابع النيل، حتى قامت إنجلترا بدورها في إبعادهم من هناك.

نعود إلى الكذب، فنسمع عن ماكرون أنه متأثر لموت المدنيين في غزة، ونسمع عن بايدن أنه لا يحب ولا يريد ذلك، متصورا أن أحدا سيصدقه بعد أن تبنّى كل أكاذيب “إسرائيل” التي كشفتها قنوات عربية مثل الجزيرة والغد، وكشفها توثيق تلقائي من الأحياء وحتى المصابين في غزة، وكان ذلك سبب مظاهرات شعوب العالم، وبصفة خاصة في أوربا وأميركا، وهو مايهدد مستقبل هؤلاء السياسيين الذي يقوم على الانتخابات، إذ إنه رغم كل جبروتهم وكذبهم لا يكون هناك شك في حرية المُنتخِب، وأن المعارضة هناك من أحزاب أخرى ستستغل الأمر لصالحها، رغم أنها ستكشف حين تصل إلى الحكم عن تأييدها لإسرائيل.. لن يختلف الوضع لأن الهدف من زرع إسرائيل هو إشاعة القلق في المنطقة.

يبدو للاستقرار طريق خرافي الآن، هو القضاء على شعب فلسطين وكأنهم حقا سبب المشكلة، بينما هم أصحاب الأرض، وكل أحلام الإسرائيليين الدينية هي من تأليفهم، فهي أساطير عوضتهم عما جرى لهم من شعوب غير عربية، مثل السبي البابلي.. يقول بايدن إنه يطمح ليوم سلام لا تكون فيه حماس، وهو لا يسأل نفسه: هل ستنتهي حماس بعد قتل آلاف من الأطفال والنساء، وفقد عائلات كاملة، وهدم كل مظاهر الإنسانية في غزة من مدارس ومستشفيات؟ وهل حماس هي مجرد تنظيم يمكن إحصاء قادته وإنهاؤه بالقضاء عليهم؟ أليست الآن شعبا كاملا لن ينسى؟ ناهيك عن أجيال جديدة تملأ العالم الآن بالمظاهرات، معتمدة روايات الأفراد العاديين وسط الأحداث، وسيكون لها تصور جديد للعالم مهما طال الوقت، تصوُّر معاكس لرؤية الأحزاب المتصارعة على الحكم في بلادهم.

0 تعليق

إرسال تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تابعنا على حساباتنا

مقالات أخرى

تاريخ القراءة وسيرة مجانين الكتب

تاريخ القراءة وسيرة مجانين الكتب

من الكتب التي بَهَرتني في بدايات دخولي عالم القراءة كتاب "تاريخ القراءة"، للمؤلف الأرجنتيني ألبرتو مانغويل؛ دلَّني عليه صديقي يوسف عبد الجليل، وقرأته أكثر من مرة، وصوَّرت نسخةً غير شرعية منه في مكتبة كانت تطبع الكتب في طنطا. وقد عُدت إليه مؤخرًا وأنا أفكر في سر جماله،...

قراءة المزيد
لا تخدعنَّك مظاهر التقوى!

لا تخدعنَّك مظاهر التقوى!

في الحكايات الشعبية لبلاد الفرس، أن صيادًا كان يصطاد الطيور في يوم عاصف، فجعلت الريح تُدخل في عينيه الغبار، فتذرفان الدموع! وكان كلما اصطاد عصفورا كسر جناحه وألقاه في الكيس. وقال عصفور لصاحبه: ما أرقه علينا، ألا ترى دموع عينيه؟ فرد عليه الآخر: لا تنظر إلى دموع عينيه،...

قراءة المزيد
الضحالة والمعرفة السائلة

الضحالة والمعرفة السائلة

عُرف الفيلسوف وعالم الاجتماع البولندي زيجمونت باومان (١٩٢٥-٢٠١٧)م، بأنه صاحب مصطلح السيولة، التي أصدر تحتها سلسلته الشهيرة السيولة، من الحداثة السائلة والثقافة السائلة والحب السائل، والشر السائل والأزمنة السائلة والمراقبة السائلة، وهلم جرا من سيولات باومان المثيرة،...

قراءة المزيد
Loading...