وفي هذا فليتنافس المتنافسون!

بواسطة | أبريل 4, 2024

بواسطة | أبريل 4, 2024

وفي هذا فليتنافس المتنافسون!

خضت قبل أيام تجربة جميلة في المساهمة بدعوة الناس للتبرع من أجل مساعدة الشعب الفلسطيني في غزة.. أنشأت لي واحدة من الجمعيات الخيرية المرخصة من قبل الدولة في الكويت رابطا إلكترونيا لنشره عبر حساباتي في وسائل التواصل الاجتماعي، ودعوة الناس للتبرع السريع من خلاله.

أعرف هذه الجمعية وأثق تماما بإسهاماتها في العمل الخيري في الكويت وخارجه، وأعرف أنها إحدى أوائل الجمعيات الخيرية التي وصلت إلى غزة بعد طوفان الأقصى؛ لكن بالنسبة لي كانت هذه المرة الأولى التي أخوض فيها مثل هذه التجربة الحية، أن أدعو الناس على مسؤوليتي للتبرع، في وقت محدد ولهدف محدد أيضا، كان الهدف الذي اتفقت عليه مع مسؤولي الجمعية هو توفير وجبات إفطار صائم لعدد معين من الأسر في غزة، وبمبلغ محدد أيضا.

أعرف قيمة العمل الخيري في نفوس الكويتيين ومدى إقبالهم عليه، وخصوصا في أيام الشهر الكريم، فما بالك والهدف هو غزة وأهلها، وسط هذا الشعور الجمعي بالعجز شبه التام، ونحن نتابع ما يحدث عبر الشاشات فلا نملك إلا الدعاء والحسرات والدموع؟ أما وقد أُتيحت فرص محددة للمساعدة من خلال التبرع المالي السهل، فهذا ما لا يمكن التنصل منه أو التخلف عنه بالتأكيد.

تحقق الهدف واكتمل المبلغ المطلوب خلال ساعات، وهو ما جعلني أعيد التفكير بأهمية وقيمة العمل الخيري المنظم في مجتمعاتنا المعاصرة، خاصة بعد أن تعرض هذا العمل لسهام غربية حاولت النيل منه، منذ أحداث الحادي عشر من سبتمبر الشهيرة. فكثير من مشاريع الخير في مجتمعاتنا العربية والإسلامية توقفت أو تراجعت كثيرا بعد أن ضُيق عليها الخناق لأسباب كثيرة، وأصبح كثير من القائمين على تلك الأعمال الخيرية تحت مجاهر المراقبة الدولية، بل إن كثيرين منهم اتُّهموا بالإرهاب وفقا للمفهوم الغربي لهذا المصطلح، لمجرد أنهم تواجدوا في أماكن معينة، كان التواجد الإسلامي فيها محظورا إلى حد كبير، وهكذا عوقبوا بالسجن وغيره، لمجرد أنهم كانوا يطبّقون واحدة من أهم فلسفات الإسلام في تعامل البشر بعضهم مع بعض على هذه الأرض.

الخير في الناس كثير، ولكنهم دائما يحتاجون لأن يكونوا مطمئنين للجهة التي تجمع الأموال وتوزعها على المحتاجين، خاصة بعد أن تعددت وسائل النصب تحت شعار العمل الخيري للأسف، وهو ما جعل كثيرين – وأنا منهم- يترددون كثيرا قبل الاستجابة لدعوات التبرع.

نعم.. وصل المبلغ لمستحقيه في غزة في الوقت المناسب، وبالطريقة المناسبة والتي تملك معظم الجمعيات الخيرية في الكويت خبرة واسعة فيها، ما يجعل كثيرين خارج الكويت يستغربون أحيانا بكيفية وصول تلك الجمعيات إلى أماكن ومناطق من الصعب عادة الوصول إليها، وهو ما يحتم علينا جميعا التفكير بضرورة العمل على إعادة الاعتبار للعمل الخيري الإسلامي، وتحديدا الآن بعد أن نجح  في الصمود أمام العقبات الكثيرة التي وُضعت أمامه للنيل منه، باعتباره إحدى أهم فلسفات الإسلام الإنسانية في تطبيقاتها العملية لصالح البشر.

وفلسفة العمل الخيري في الإسلام تتمحور حول مفهوم الإحسان والتعاطف والمساعدة المتبادلة في المجتمع؛ إذ يُعتبر التصدُّق من القيم الأساسية في الإسلام، ويعكس روح التعاون والعدل والرحمة التي يجب أن يتحلى بها المسلمون.

في الإسلام، يُشجَّع المسلمون على تقديم المساعدة للمحتاجين والفقراء والمساكين، إذ يعتبر ذلك من أعظم الأعمال الصالحة، بل هو واجب على المسلمين إذا كانوا قادرين عليه. وهو يستند في ذلك على عدة عوامل، منها توحيد الله والإيمان، حيث يعتقد المسلمون أن الله هو مصدر كل شيء، وأنهم مسؤولون عن استخدام الموارد التي منحهم إياها بطريقة صالحة ومفيدة؛ ومنها أيضا العدل والمساواة، حيث تعتبر العدالة والمساواة أساسًا في الإسلام، ولذلك ينبغي على المسلمين أن يكونوا عادلين في توزيع الثروة والموارد، وأن يساعدوا الفقراء والمحتاجين لتحقيق التوازن الاجتماعي.

يُضاف إلى ما سبق عامل الرحمة والتعاطف، حيث يُعتبر التصدق والعمل الخيري وسيلة للتعبير عن الرحمة وتعزيز الألفة والتراحم في المجتمع؛ وكذلك الإخلاص والتواضع، حيث يُشجع المسلمون على أن يكونوا خيِّرين بنيّاتهم وأن يقدموا المساعدة دون استعراض أو توقع للمقابل من الناس. والعمل الخيري يعتبر دافعا للتواضع ولتذكير المسلمين بتواضعهم أمام الله وأمام الآخرين. ومن العوامل أيضا؛ المسؤولية الاجتماعية، فالمسلمون مسؤولون عن رعاية المجتمع بشكل عام، ويجب على الأفراد والمجتمعات العمل معًا لتحقيق التقدم والتنمية الشاملة وتقديم المساعدة للمحتاجين، وهكذا يساهم العمل الخيري في تعزيز التلاحم والتكافل الاجتماعي في المجتمع الإسلامي.

كما يعتبر العمل الخيري فرصة لتطوير الذات الروحية للبشر، فالتصدق والعطاء من الأعمال الصالحة التي تُكسب الثواب الروحي، وتعزز الإحساس بالرضا الداخلي والسعادة.. وفي هذا – يقرر الإسلام بوضوح- فليتنافس المتنافسون.

0 تعليق

إرسال تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تابعنا على حساباتنا

مقالات أخرى

أسلحة يوم القيامة

أسلحة يوم القيامة

بلغت وقاحة الكيان الصهيوني حدودا لا يمكن وصفها منذ إعلان حرب الإبادة على الشعب الفلسطيني، ولا يمر يوم إلا وتسمع وترى دليلا واضحا كالشمس على حقارة وبشاعة الكيان، وطريقة تعامله الحيوانية مع الآخرين. الأسبوع الماضي استوقفني تصريح خطير جدا، أدلى به يائير كاتس رئيس مجلس...

قراءة المزيد
السيسي والنسخة المُصغّرة منه في التشكيل الوزاري الجديد

السيسي والنسخة المُصغّرة منه في التشكيل الوزاري الجديد

في ظهيرة الجمعة 26 من مارس/ آذار انتشر على مواقع التواصل الاجتماعي فيديو بث مباشر، قام بنشره شاب صعيدي، أرسل من خلاله استغاثة، وهو على متن قطار مصري اصطدم بآخر، فسقط به من الضحايا العشرات. بدا الشاب بعيون زائغة، والغبار يلف وجهه وشعره، وهو يصرخ بشدة، قائلاً "الحقونا.....

قراءة المزيد
الحاقة ما الحاقة؟

الحاقة ما الحاقة؟

 سؤال لا يمكن للعقل البشري أن يجد إجابة عليه!. هكذا يسأل الله قارئ القرآن وكل من يسمع بدايات سورة الحاقة.. يعرض سبحانه في المرة الأولى كلمة الحاقة، وهي من أسماء يوم القيامة، يسأل عنها، ثم في المرة الثانية يؤكد سبحانه على عظم ومكانة هذا اليوم بقوله: "وما أدراك ما...

قراءة المزيد
Loading...