فلسطين.. أرادوها شعاراً

بواسطة | سبتمبر 5, 2023

بواسطة | سبتمبر 5, 2023

فلسطين.. أرادوها شعاراً

ذكر ريتشارد هاس في مذكراته، أنه حينما كان في منصب مدير تخطيط السياسات في وزارة الخارجية الأمريكية، سافر ضمن وفد في زيارة لبعض الدول العربية عام 2003، كان هدف الرحلة التمهيد لغزو العراق، وفي إحدى الدول التي زاروها قال لهم أحد كبار المسؤولين هناك: إذا هاجمتم العراق، فإني ساكون سعيداً لو تسنت لي المشاركة فأكون على ظهر أول دبابة، ولكن قبل ذلك يجب أن تعملوا شيئا.. أفعل ذلك لصالح الفلسطينيين!. ذلك الطرح يبين لنا كيف تستخدم قضية فلسطين كجواز مرور لأسوأ الغايات.
حينما تبوَّأ العسكر مواقع السلطة في الدول العربية دخلوا مكاتب الحكم، ولم تكن لديهم أية خبرة، ولم تكن معهم خطط واضحة لإدارة الدولة؛ وانتقالهم من طبقة اجتماعية محرومه إلى قمة هرم السياسة، وامتلاكهم بذلك جميع مقدرات الدولة، خلق معه حالة من الفساد والاستهتار. ذلك النقص الكبير في قدراتهم جعلهم يبحثون عن قضية يُبعدون بها اهتمام شعوبهم، ويشغلونهم بها عن الانتباه لضعف قدراتهم، فلم يجدوا لذلك أفضل من قضية فلسطين.. وبدءاً من عام 1949، تاريخ أول انقلاب في الشرق الأوسط، استُخدِم اسم فلسطين عدداً غير متناهٍ من المرات، فصارت فلسطين والعداء لإسرائيل جواز المرور لذبح الداخل وطمس كل معالم الدولة، والاستجابة لدواعي أمراض نفسية تمكنت من الحكام.
انتقل ذلك الوباء حتى إلى الدول التوسعية خارج المنطقة العربية، ففيلق القدس لم يطلق طلقة واحدة تجاه القدس، بل تاه جنوده في حارات بغداد ودمشق وبيروت وصنعاء، ونحروا بسكاكينهم المدنيِّين العُزَّل؛ وحزب الله ذهب شرقا تجاه سورية لإعادة الشعب إلى ديكتاتورية وفساد نظام الأسد، وعناصره يهتفون باسم فلسطين، أخذوا يزرعون أرض سورية بالمخدرات ويصدّرونها للعالم، يحمّلونها بالطائرات والشاحنات لبث السموم في دول الجوار، وهم يهتفون باسم القدس وتحرير فلسطين، قتل الحزب رئيس وزراء لبنان، وقام بتخزين المتفجرات لصالح نظام الأسد ليستخدمه ضد شعبه المدني المسالم، ونتج عن ذلك حدوث انفجار، كان الثالث في التاريخ الإنساني باعتبار ما أحدثه من تدمير، أذاق أهلَ بيروت الويلات، وكانت ضحاياه من مختلف الأديان والطوائف.. وبعد كل هذا فالمطلوب من الجميع تصديق أن كل ما كان من فوضى ودماء وقتل هو الطريق الصحيح إلى القدس.
حتى في الداخل الفلسطيني، ننظر إلى حركة حماس التي قدمت نفسها لسنوات على أنها صاحبة نهج إسلامي، فنجدها تضرب بعرض الحائط كل القيم الدينية، ويقف قادتها في تأبين رجل أراق دماء كثير من السوريين ليصفوه بشهيد القدس، أرجعوا العالم إلى القرون الوسطى ليعطوا قاتلا ولغ في دماء إخوانهم في الدين صك غفران لما فعله، كان وهو يسلُّ سكينه، ويتلُّ ضحاياه الأبرياء للجبين يهتف باسم فلسطين!. تاهوا من غير بوصلة في أرض الله الرحبة، ولا أعلم إلى أين ستقودهم حساباتهم.
الغريب أن القاسم المشترك لكل الذين استخدموا قضية فلسطين شعارا، تشبثهم بالسلطة من المهد إلى اللحد.
يقول توني بلير في وصف دقيق لتلك الحالة: يكرهون إسرائيل ولكنهم لا يخشونها، لقد أصبحت وسيلة لصرف النظر عن المطالبات الداخلية.
عشاق سلطة ومدمني فساد، الصورة لا تخطئها العين في زمن الوضوح الإعلامي.. لو كانت فلسطين سيدة وقورة لضحكت ملء شدقيها حين يأتي اسمها، وهي تحتسب عند الله ذلك الموضع الذي هُتِف فيه باسمها.

0 تعليق

إرسال تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تابعنا على حساباتنا

مقالات أخرى

تاريخ القراءة وسيرة مجانين الكتب

تاريخ القراءة وسيرة مجانين الكتب

من الكتب التي بَهَرتني في بدايات دخولي عالم القراءة كتاب "تاريخ القراءة"، للمؤلف الأرجنتيني ألبرتو مانغويل؛ دلَّني عليه صديقي يوسف عبد الجليل، وقرأته أكثر من مرة، وصوَّرت نسخةً غير شرعية منه في مكتبة كانت تطبع الكتب في طنطا. وقد عُدت إليه مؤخرًا وأنا أفكر في سر جماله،...

قراءة المزيد
لا تخدعنَّك مظاهر التقوى!

لا تخدعنَّك مظاهر التقوى!

في الحكايات الشعبية لبلاد الفرس، أن صيادًا كان يصطاد الطيور في يوم عاصف، فجعلت الريح تُدخل في عينيه الغبار، فتذرفان الدموع! وكان كلما اصطاد عصفورا كسر جناحه وألقاه في الكيس. وقال عصفور لصاحبه: ما أرقه علينا، ألا ترى دموع عينيه؟ فرد عليه الآخر: لا تنظر إلى دموع عينيه،...

قراءة المزيد
الضحالة والمعرفة السائلة

الضحالة والمعرفة السائلة

عُرف الفيلسوف وعالم الاجتماع البولندي زيجمونت باومان (١٩٢٥-٢٠١٧)م، بأنه صاحب مصطلح السيولة، التي أصدر تحتها سلسلته الشهيرة السيولة، من الحداثة السائلة والثقافة السائلة والحب السائل، والشر السائل والأزمنة السائلة والمراقبة السائلة، وهلم جرا من سيولات باومان المثيرة،...

قراءة المزيد
Loading...