
خطاب “أيها الناس” من مقاهي اسكودار
بقلم: مهنا الحبيل
| 12 يونيو, 2023

مقالات مشابهة
-
أما آن للوزيرة الألمانية أن تهمد؟!
أخيراً تحقق لها المراد! فقد صافحت الوزيرة...
-
غزة وجدليَّتا النصر والهزيمة
على مدى ما يقارب ٤٧١ يوماً، وقفت غزة وحيدةً...
-
سوريا وثورة نصف قرن
سيسجل التاريخ أن يوم ٨ ديسمبر ٢٠٢٤م يوم مفصلي...
-
خطر الدوغمائية على مآل “الميثاق الغليظ” في المغرب!
يزداد انشغالي فكريًّا ووطنيًّا بما سيثيره مشروع...
-
ماذا عن القرار العباسي بإغلاق مكتب الجزيرة؟!.. يا لك من نتنياهو!
فعلها محمود عباس (أبو مازن)، وأكد عندما فعلها...
-
وقد استجاب القضاء لدعوة الرئيس.. ماذا ينتظر المستأجرون؟!
ذكّرني القول إن المحكمة الدستورية العليا في مصر...
مقالات منوعة
بقلم: مهنا الحبيل
| 12 يونيو, 2023
خطاب “أيها الناس” من مقاهي اسكودار
لإسطنبول روحها الخاصة، وعَبقها الذي لا يتكرر!. ورغم جمال عواصم ومدن غربية عدة، بحكم الطقس في أوروبا، فإن لإسطنبول حكاية خاصة، فأنت هنا تختلط بتلك الروح الحاضرة العميقة.. إنها روح الشرق، وهل للشرق روحٌ ملهمة مثل الإسلام؟!.
هذه المرة كنتُ في جولة مع توران كيشلاكجي، المتخصص في أزقة إسطنبول الآسيوية والأوربية، وهو ليس أخا عزيزا وصديقا خاصا فقط، لكنه شخصية عُجنت بآداب الشرق وفنونه. ففي رحلتي مع تركيا منذ 2014، قابلت عددا من الأصدقاء الأتراك الناطقين بالعربية، شَغلت كثيرين منهم السياسة؛ أما توران فلا يزال مرابطا عند الفكر الشرقي وجسوره، ونِدِّيته الحضارية مع الغرب بين الإنسان والعمران.
يقودني الحديث مع أبي عمر عن الوجه الآخر للفنون والآداب، ودورها في بعث قيمة الروح، تلك الروح التي يطوف بها العالَم، ويُجدد حياته وهو غافل عنها، ثم يستيقظ ليتساءل: أين وصلتُ في هذا العالم الحديث وكيف اُدرك الحقيقة؟.
ثلاث ساعات عبرت عليَّ سريعا، ولولا أن ارتباطات السفر حاصرتني، لأقمت بين تلك الأزقة أتخبط مع توران بين جدرانها.. لا عليك فلن تتيه، إذ كل زقاق هناك وكل ركن مقهى يعرف توران، وتوران يعرفه؛ ولأن روح توران خفيفة جميلة حلوة، فقد مثّل سفيرا ثقافيا للحزب الحاكم (العدالة والتنمية)، وكان رسولا مفوضا فوق العادة، دون أن يُكلَّف رسميا بذلك، بل دون أن يخطط الحزب له، فتوران أسقط الحواجز السياسية، في رحلاته الشرقية المتعددة عربيا وآسيويا، وفي جسوره الداخلية.
لذلك كان من الطبيعي أن نتجنب -كعهدنا- حديث السياسة، ونعود للرسالة المعطلة في الشرق. وفي هذا العبور إلى الضفة الآسيوية، توجهنا إلى مقهى النخبة من المثقفين والأكاديميين والإعلاميين، عرَّفني توران بعدد منهم، وكان حديثا مختلفا!. ولطالما تمنيت أن نتحرر في الرواق الفكري والأدبي في علاقتنا مع تركيا من البوتقة السياسية، ونصنع مظلة حوار مشتركة؛ وهذا ما كان يحاول تعويضه توران كيشلاكجي.
انضم إلى طاولتنا مستشار الرئيس التركي، الدكتور شعبان كيزيلداغ، فكان الحديث مع هذه الشخصية الودودة المتواضعة عن أهمية الترجمة المتبادلة، وقد صدرت له عدة كتب، لكنَّها لم تُترجم إلى العربية التي يحب أن تصل إليها نظرياته. ثم عدنا لسؤال الشرق القديم الجديد.. ما هو خبره الحديث يا أبا عمر؟.
قال لي توران إنه منشغل في هذه الفترة بدور الشرق العريق، المتمكن من البعث القصصي الذي تُعيد طرحه الرواية في الغرب اليوم، بسبب الثروة الغنية التي يقدمها تراث الشرق!. استحضرتُ هنا قصة (الخيميائي) لباولو كويلو، وكيف نُسجت تلك القصة من روح الشرق وتراثه؛ فقال توران إنه جلس مع الرجل وأجرى معه مقابلة ثقافية، وفيها قال كويلو لتوران إنه لو كان في الشرق ولديه اللغة لوضع كل يوم قصة، وإن روح القصة شرقي.
دوما يقودني الحديث مع أبي عمر عن الوجه الآخر للفنون والآداب، ودورها في بعث قيمة الروح، تلك الروح التي يطوف بها العالَم، ويُجدد حياته وهو غافل عنها، ثم يستيقظ ليتساءل: أين وصلتُ في هذا العالم الحديث وكيف اُدرك الحقيقة؟. ولماذا هزني ذلك المشهد المسرحي أو السينمائي، أو الفصل في الرواية واللقطة في الدراما؟. ما هو محرك ذلك الصخب الشعوري وذلك الإدراك النفسي؟.. تستهويه الفنون ويقف عند الموسيقى، وينظر في آفاق اللوحة.. مَن حرك ذلك وبمَ تحرك؟!.. {ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي وما أوتيتم من العلم إلا قليلا} [سورة الإِسراء: 85] .إن هذا العلم قليل رغم كل سعته في تاريخ الإنسان. لكنه، ورغم عجزه عن فهم كُنْه الروح، يدرك يقينها في بعث فطرته كل حين، ليسقط التيه والعجز التفكيري، فتُدَلُ النفس إلى بارئها، وهنا قصة الفنون ودلائلها.
أعجبني توران بهذا التعبير الجميل المذهل، قال لي إنه يقول لأخوتنا من الأصدقاء المشايخ: لكم خطاب “أيها المؤمنون”، أما نحن في مسرح الشرق فنفتح أبوابنا لخطاب “أيها الناس”، لنصل به إلى عالم الإنسان في أنفسنا الشرقية، ونمضي في رحلتنا إلى العالم الكبير.
الفنون رسالة حرية لا نخبة طبقية، واليوم تعصف بالذات رياح التكييف الغربية، رياح بأسها رأسمالي شديد، في حين أن للفكرة الحرة رواقها الشرقي!.
إن خطاب الفنون والآداب له مهمة ذوقية تتبعها طبيعة النفس البشرية، تفترق قيمه أو تشترك مع بقية الحضارات، لكن لديه قيمة ثابتة هي دلالة الفطرة في الإبداع، وجسور الذائقة بين الخلق والعمران؛ فكيف يقال إن الشرق المسلم حرّم هذا العالم الضخم؟!. نعم، هناك مساحات ممنوعة وتوظيفات مكروهة، غير أن دفق الحياة وطبيعة توله الناس بالجمال، مرئيا وصوتيا، متصل بأرواحهم. ولذلك، وكما رددتُ قديماً، كان الفيلسوف والرئيس الأعظم في تاريخ أوروبا الحديثة، علي عزت بيغوفتش، يدعو الناس إلى الإسلام عبر رسالة الفنون والآداب.
تواعدتُ مع أبي عمر المسكون بهذه الحقيقة على أن نجدد الولاء للطريقة، وأن ندعو مريدي هذه الروح كي ينضموا إلى حلقاتها، ليس عبر المنابر الدينية التي لها رسالتها القدسية المهمة، وإن لم يمنع الإسلام حديث الفكر من خلالها، لكننا وجدنا عالم اليوم يحتاج أن تغشاه دعوة “أيها الناس” من المقاهي وندوات الآداب والفنون، ومن صرير أقلام الفلسفة، والجدل حول القيم الغائبة عن الإنسان.. فكان الموعد لأول شعلة لخطاب “أيها الناس” من اسكودار.
قلت لتوران: نحن نحتاج إلى طاولة مستديرة عاجلة، بين المثقفين العرب والمثقفين الأتراك،ٍ من شروطها القول للسياسة، بكل حب وتقدير، بالتركية: (يوك) وبالعربية: (كلا).. ليس لعدم أهمية السياسة، لكن لكون خطاب “أيها الناس” تجميعي تأملي، فهناك حشد من المثقفين العرب والأتراك لهم مذاهبهم وأفكارهم، تجمعهم روح الشرق، وهناك في كل من الضفتين: التركية والعربية، بل والكردية والفارسية أيضا، من لا تستوعبه الخطبة الدينية لكن تستهويه روح الشرق، وخاصة في ظل الحملة الغربية على فطرة الإنسان وكرامة الأطفال.
ثم إن الفنون رسالة حرية لا نخبة طبقية، واليوم تعصف بالذات رياح التكييف الغربية، رياح بأسها رأسمالي شديد، في حين أن للفكرة الحرة رواقها الشرقي!. أليس الشرق مركز النبوات، وعاصمة الحضارات، ومهوى أفئدة المتعة والجمال؟!. الفرق بين معاييرنا ومعايير الاستشراق التي عرّاها إدوارد سعيد؛ أنهم يدورون حول النزوة، أما نحن فندور حول الوعي وفقه الفكرة والفطرة وإشارات الصورة، وكل من صوّر إبداعه أدبا أو ريشة نبحر معه.. نبحر مع الناس إلى الجمال الذي أودعه رب الناس!.

رئيس المركز الكندي للاستشارات الفكرية
تابعنا على حساباتنا
مقالات أخرى
رسالة إلى أمريكا
وقف مراسل شبكة CNN الإخبارية بمنطقة "أيتون" شرقي مدينة لوس أنجلوس الأمريكية، مرتدياً قناعاً واقياً من الغاز، قام بإزاحته عن وجهه، بعد أن طلبت منه المذيعة في داخل الاستوديو أن يصف لها ما يحدث على الأرض. بعيون دامعة، ووجه شاحب مكفهر، تحدث بأسى عن جحيم مروع، تشهده ولاية...
أما آن للوزيرة الألمانية أن تهمد؟!
أخيراً تحقق لها المراد! فقد صافحت الوزيرة الألمانية أنالينا بيربوك الوزيرَ السوري أسعد الشيباني في الرياض، بعد الضجة الكبرى لعدم مصافحة أحمد الشرع لها، والاكتفاء بالترحيب بها بوضع يده مبسوطة إلى صدره! وكما كان عدم المصافحة في دمشق خبرَ الموسم في الإعلام الغربي، فقد...
غزة وجدليَّتا النصر والهزيمة
على مدى ما يقارب ٤٧١ يوماً، وقفت غزة وحيدةً صامدةً تواجه مصيرها، كآخر بقعة تتموضع عليها القضية الفلسطينية، بعد أن تم تدجين العالم العربي كله وصولاً إلى تدجين فلسطين نفسها بقيادة أكثر صهيونية من الصهيونية نفسها، لا هدف لها سوى أن تُنسي الفلسطينيين والعالم كله شيئاً...
0 تعليق