تقاعس بايدن بشأن غزة يعرض القوات الأمريكية للخطر

بواسطة | أبريل 9, 2024

بواسطة | أبريل 9, 2024

تقاعس بايدن بشأن غزة يعرض القوات الأمريكية للخطر

بعد الغارة الإسرائيلية على القنصلية الإيرانية في سوريا، قد تقطع المسارعة إلى وقف إطلاق النار شوطًا طويلًا في تخفيف نقاط التصعيد المحتملة

قد تؤدي الضربة الإسرائيلية على القنصلية الإيرانية في دمشق، التي نفذت في وقت سابق من هذا الأسبوع، إلى انهيار وقف إطلاق النار المستمر منذ شهر بين القوات الأمريكية والميليشيات المتحالفة مع إيران في العراق وسوريا.

بينما أدى مزيج من الضربات الأمريكية والضغط الإيراني إلى السيطرة على الميليشيات خلال الشهرين الماضيين، قد تنهي إسرائيل بشكل مبكر الاتفاقية التي حافظت على سلامة الجنود الأمريكيين، في حين أن الرئيس جو بايدن لم يقم بالكثير عمليًّا لحماية القوات الأمريكية على المدى الطويل، من خلال تأمين وقف دائم لإطلاق النار في غزة.

ولم يكن من المرجح أن تستمر الهدنة المؤقتة بين الولايات المتحدة والميليشيات المدعومة من إيران، إن الإنهاء الكامل للهجمات سيتطلب دائمًا وقف إطلاق النار في غزة، وهي حقيقة يعترف بها مسؤولو إدارة بايدن. وفي الأسبوع الماضي، صرح مبعوث بايدن الخاص إلى اليمن، تيموثي ليندركينج، علناً أن وقف إطلاق النار في غزة من شأنه أن يوقف هجمات الحوثيين في البحر الأحمر.

ولكن حتى لو نجت الهدنة من الهجوم الإسرائيلي في دمشق، فلا يمكن لبايدن الاعتماد على الحظ إلى أجل غير مسمى، ولا ينبغي له المقامرة بحياة القوات الأمريكية؛ وقد أهدر حتى الآن كل الفرص التي وفرتها الهدنة لتأمين وقف إطلاق النار. وينبغي أن تكون الضربات الجوية في دمشق بمثابة دعوة للبيت الأبيض للاستيقاظ كي يصبح جديّاً بشأن دفع إسرائيل إلى وقف قصفها لغزة.

ورغم أن الهجمات التي تشنها الميليشيات المتحالفة مع إيران والحوثيين تسبق الصراع في غزة، فإن التصعيد الأخير والتجرؤ منذ أكتوبر/ تشرين الأول الماضي لا يمكن إنكارهما؛ ووفقًا للبنتاغون، لم تكن هناك هجمات مسجلة من قبل الميليشيات المتحالفة مع إيران في الربع الثالث من عام 2023، والذي انتهى قبل أسبوع واحد فقط من هجوم حماس على إسرائيل.. ومع ذلك، استؤنفت الهجمات في أعقاب اندلاع الصراع في غزة، حيث وثق البنتاغون ما لا يقل عن 134 حادثة استهدفت المصالح الأمريكية في العراق وسوريا في الأشهر الثلاثة الأخيرة من عام 2023. (الفترة الوحيدة التي لم تشن فيها الميليشيات هجمات ضد المصالح الأمريكية كانت خلال الهدنة القصيرة ووقف إطلاق النار في نوفمبر/ تشرين الثاني 2023).

كانت هجمات الميليشيات على القوات الأمريكية قد توقفت فعليًا، وقد يتغير ذلك الآن بفضل إسرائيل.

ترى طهران أن الضربة الإسرائيلية التي قتلت القائد الكبير للحرس الثوري الإيراني في سوريا ولبنان تمثل تصعيدًا كبيرًا؛ ويأخذ الإيرانيون صفحة من قواعد اللعبة التي تمارسها واشنطن من خلال تحميل الولايات المتحدة المسؤولية عن تصرفات إسرائيل، حيث تصر واشنطن على أن طهران مسؤولة عن هجمات الحوثيين بحكم قيام إيران بتسليح وتمويل الحركة اليمنية. وقد تجلى ذلك من خلال إرسال طهران رسالة إلى بايدن عبر وسطاء سويسريين، وقد تضمنت على الأرجح تحذيرًا من أن فشل واشنطن في منع التصرفات الإسرائيلية يمكن أن ينهي الهدنة مع الميليشيات قبل الأوان. وفي المحادثات السرية التي أجريت في عمان بين كبار المسؤولين الأمريكيين والإيرانيين، قوبل الطلب الأمريكي لطهران بكبح جماح الميليشيات والحوثيين بمطلب إيراني مضاد بأن يتولى بايدن كبح جماح إسرائيل.

تدرك واشنطن أن إيران لا تستطيع تحمل تكاليف حرب مفتوحة مع إسرائيل.. لقد تلقت إيران بالفعل ضربات كبيرة من إسرائيل دون رد، وهو ما يفسر جزئياً بتركيز طهران على اللعبة الأكبر؛ لكن هذا الموقف يتعرض لضغوط مكثفة من العناصر المتشددة داخل النظام، التي تزعم أن الفشل في الرد أدى إلى تقويض قوة الردع الإيرانية ضد إسرائيل، وتزعزع مصداقية إيران بين القوى في الشرق الأوسط.

ومع ذلك، لا يمكن لسياسة بايدن أن تقوم على سيطرة “الرؤوس الهادئة” السائدة في إيران.. عندما يتعلق الأمر بحماية القوات الأمريكية بعد الهدنة المؤقتة – التي تتطلب وقف إطلاق النار في غزة– فإن سلوك بايدن أقل ما يوصف به أنه “تقصير في أداء الواجب”.

خلال الأشهر الخمسة الأولى من الصراع في غزة، لم تفعل إدارة بايدن أكثر من مجرد إصدار دعوة فاترة لوقف إطلاق النار في نهاية المطاف “في أقرب وقت ممكن عمليًا”. وفي الشهر الماضي، سمحت أخيراً بتمرير قرار صادر عن مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة بشأن وقف إطلاق النار في غزة، وذلك من خلال الامتناع عن التصويت. لكنها بعد ذلك قوضت امتناعها عن التصويت من خلال وصف القرار بأنه غير ملزم، كما خفف مستشار اتصالات الأمن القومي بالبيت الأبيض جون كيربي من تأثير الامتناع عن التصويت، بإصراره على أن “تصويتنا لا يمثل، وأكرر، لا يمثل تحولًا في سياستنا”.

ما هي هذه السياسة بالضبط؟ تبدو التصريحات العامة للإدارة، بما في ذلك تصريحات كيربي بعد الغارة الإسرائيلية التي أودت بحياة عمال الإغاثة في المطبخ المركزي العالمي، وكأنها جهد علاقات عامة لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، أكثر من كونها سياسة متماسكة لتعزيز المصالح الأمريكية. وقد واصل الرئيس بايدن تجاوز الكونغرس بإرسال أسلحة إلى إسرائيل، وهي الأسلحة المستخدمة في قتل أكثر من 32 ألف مدني فلسطيني؛ وسمحت الإدارة لإسرائيل بعرقلة المساعدات الإنسانية مع حمايتها في الأمم المتحدة من خلال استخدام حق النقض ضد ثلاثة قرارات لوقف إطلاق النار، ورفض الدعوة إلى وقف غير مشروط لإطلاق النار.

إلى جانب حماية إسرائيل من أي مساءلة، استثمر بايدن رأسماله الدبلوماسي في وساطة غير ناجحة حتى الآن بين إسرائيل ومصر وقطر وحماس، لتأمين صفقة تطلق سراح جميع الرهائن الإسرائيليين، وتؤدي إلى وقف إطلاق النار. وفي حين يبدو هذا جهدًا جديرًا بالثناء في ظاهر الأمر، فإنه يحتوي على مشكلة كبيرة ساعدت على إطالة أمد المذبحة في غزة؛ فمثلما ربط مشروع قرار بايدن في الأمم المتحدة وقف إطلاق النار بإطلاق سراح الرهائن، كذلك الحال بالنسبة للاتفاق الذي يحاول التوصل إليه مع إسرائيل وحماس، وهذا الارتباط يبرر ضمنيًا القصف الإسرائيلي العشوائي لغزة؛ فطالما لم يتم إطلاق سراح الرهائن، فإن هذا النهج يضفي الشرعية على القصف المستمر للمدنيين في غزة.

على هذا النحو، لم يفشل نهج بايدن في تأمين إطلاق سراح الرهائن الإسرائيليين فحسب، بل احتجز فعليًا مليونين من سكان غزة كرهائن لا يمكن جعل حياتهم آمنة إلا بمجرد إطلاق سراح الرهائن الإسرائيليين البالغ عددهم حوالي 130 رهينة. علاوة على ذلك، ونظراً للتحولات الإقليمية ورغبة إسرائيل في توسيع الحرب لتشمل لبنان وإيران، فإن حياة القوات الأمريكية في المنطقة أصبحت الآن أيضاً رهينة لنهج بايدن المعيب.. إن بايدن يعطي الأولوية فعليّاً لرغبات نتنياهو (الذي بالمناسبة لا يعطي الأولوية لإطلاق سراح الرهائن الإسرائيليين ويريد حرباً طويلة الأمد وموسعة) على حساب حياة ومصالح الأميركيين.

ولهذا السبب فُصل قرار الأمم المتحدة – الذي صدر الأسبوع الماضي- عن إطلاق سراح الرهائن ووقف إطلاق النار، وتعامل مع كليهما باعتبارهما ضرورات مستقلة. وسيكون هذا أكثر فعالية في إنقاذ حياة المدنيين في غزة، وإنقاذ حياة القوات الأمريكية من خلال تجنب التصعيد الإقليمي، وإنقاذ حياة الرهائن الإسرائيليين.

وهذا أيضًا هو موقف السيناتور كريس ميرفي (ديمقراطي من ولاية كونيتيكت)، وهو من أشد المؤيدين لبايدن؛ إذ قال مؤخراً: “لقد توصلت إلى نتيجة مفادها أنه يجب أن يكون هناك وقف فوري للأعمال العدائية”، وأضاف: “لن أشترط ذلك بإطلاق سراح الرهائن، وآمل أن يكون هناك اتفاق بين حماس وإسرائيل مع وسطاء يسمح بإطلاق سراح الرهائن؛ ولكنني أعتقد أن الوضع الإنساني على الأرض أصبح رهيبًا الآن، مع وجود مجاعة كارثية، بحيث تحتاج إسرائيل الآن إلى وقف العمليات العسكرية، والتركيز على استعادة النظام ومكافحة المجاعة”. ومن أجل الرهائن الإسرائيليين، والمدنيين في غزة، والجنود والنساء الأميركيين في الشرق الأوسط، سيكون من الحكمة أن يستمع بايدن إلى السيناتور الديمقراطي من ولاية كونيتيكت.

المصدر: ريسبونسيبل ستيت كرافت | ADAM WEINSTEIN and TRITA PARSI
تاريخ النشر: 04/04/2024

0 تعليق

إرسال تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تابعنا على حساباتنا

مقالات أخرى

تاريخ القراءة وسيرة مجانين الكتب

تاريخ القراءة وسيرة مجانين الكتب

من الكتب التي بَهَرتني في بدايات دخولي عالم القراءة كتاب "تاريخ القراءة"، للمؤلف الأرجنتيني ألبرتو مانغويل؛ دلَّني عليه صديقي يوسف عبد الجليل، وقرأته أكثر من مرة، وصوَّرت نسخةً غير شرعية منه في مكتبة كانت تطبع الكتب في طنطا. وقد عُدت إليه مؤخرًا وأنا أفكر في سر جماله،...

قراءة المزيد
لا تخدعنَّك مظاهر التقوى!

لا تخدعنَّك مظاهر التقوى!

في الحكايات الشعبية لبلاد الفرس، أن صيادًا كان يصطاد الطيور في يوم عاصف، فجعلت الريح تُدخل في عينيه الغبار، فتذرفان الدموع! وكان كلما اصطاد عصفورا كسر جناحه وألقاه في الكيس. وقال عصفور لصاحبه: ما أرقه علينا، ألا ترى دموع عينيه؟ فرد عليه الآخر: لا تنظر إلى دموع عينيه،...

قراءة المزيد
الضحالة والمعرفة السائلة

الضحالة والمعرفة السائلة

عُرف الفيلسوف وعالم الاجتماع البولندي زيجمونت باومان (١٩٢٥-٢٠١٧)م، بأنه صاحب مصطلح السيولة، التي أصدر تحتها سلسلته الشهيرة السيولة، من الحداثة السائلة والثقافة السائلة والحب السائل، والشر السائل والأزمنة السائلة والمراقبة السائلة، وهلم جرا من سيولات باومان المثيرة،...

قراءة المزيد
Loading...