
تحفة سينمائية فرنسية من روايات “توم ريبلي” لـ”باتريشيا هايسميث”
بقلم: محمد القاسمي
| 11 أبريل, 2024

مقالات مشابهة
-
أما آن للوزيرة الألمانية أن تهمد؟!
أخيراً تحقق لها المراد! فقد صافحت الوزيرة...
-
غزة وجدليَّتا النصر والهزيمة
على مدى ما يقارب ٤٧١ يوماً، وقفت غزة وحيدةً...
-
سوريا وثورة نصف قرن
سيسجل التاريخ أن يوم ٨ ديسمبر ٢٠٢٤م يوم مفصلي...
-
خطر الدوغمائية على مآل “الميثاق الغليظ” في المغرب!
يزداد انشغالي فكريًّا ووطنيًّا بما سيثيره مشروع...
-
ماذا عن القرار العباسي بإغلاق مكتب الجزيرة؟!.. يا لك من نتنياهو!
فعلها محمود عباس (أبو مازن)، وأكد عندما فعلها...
-
وقد استجاب القضاء لدعوة الرئيس.. ماذا ينتظر المستأجرون؟!
ذكّرني القول إن المحكمة الدستورية العليا في مصر...
مقالات منوعة
بقلم: محمد القاسمي
| 11 أبريل, 2024
تحفة سينمائية فرنسية من روايات “توم ريبلي” لـ”باتريشيا هايسميث”
Purple Noon
لطالما كان “مارتن سكورسيزي” عاشقًا للسينما الأوروبية، وخصوصًا الإيطالية والفرنسية، والتي من خلالها أصبح شغوفًا بصناعة الأفلام، حتى صار واحدًا من أفضل المخرجين في تاريخ السينما، ومن الأفلام التي تأثّر بها في سنوات شبابه الفيلم الفرنسي العظيم “شمس ساطعة”، الذي عُرض لأول مرة في السينما عام 1960، وبعد سنوات طويلة قام “سكورسيزي” بالتعاون مع شركة “ميراماكس” بتنظيم عرض سينمائي خاص في منتصف التسعينيات للفيلم.
إنه فيلم جريمة من الطراز الأول، ولا يركز على الجريمة بقدر التركيز على الرجل الذي يرتكبها.. إنه “توم ريبلي”، ذلك الشاب العشريني فائق الجمال، الذي لا يبدو للوهلة الأولى مجرمًا، فالجميع يظنون أنهم يرون ملاكًا جميلًا يسير في الأرض.
إن كنتم قد قرأتم سلسلة روايات الكاتبة “باتريشيا هايسميث” التي تدور حول “توم ريبلي”، فلا بد أنكم شعرتم بالقشعريرة في جلودكم بكل تأكيد، فـ”توم” هو مجرم مكسوٌّ بالدهاء والمكر، وباختصار هو وحش.. ليس “توم” وحده، فالكاتبة البارعة “هايسميث” تملك من الدهاء والمكر ما يؤهلها لتجعلنا متعلقين بشخصية “توم” ونشاركه أنانيته، كما لو أننا نمتلك القليل من “توم” في داخل كل شخص منا.
“السيد ريبلي الموهوب” هي أول رواية من سلسلة “توم ريبلي”، والتي نُشرت في الخمسينيات من القرن الماضي، بعد أن اشتهرت “هايسميث” بروايتها الرائعة “غريبان في القطار”، التي تحوّلت وقتها إلى واحد من أروع أفلام المخرج “ألفريد هيتشكوك”، وهو الذي أعتبره من أروع الأفلام التي شاهدتها في حياتي. في الروايتين كلتيهما، يقترب رجل من رجل آخر ويعبّر عن هوسه من خلال جريمة بغاية الدهاء والذكاء.
نلاحظ في “توم” أنه غير مستقر ومتوتر أحيانًا، فهو يقضي وقته بالتنقّل في أنحاء إيطاليا، مستهدفًا الشاب الغني واللعوب “فيليب غرينليف” وخطيبته الجميلة “مارج”، حيث نكتشف من خلال الأحداث أنه قد تم تكليفه من قبل السيد “غرينليف” للبحث عن ابنه “فيليب”، المنقطعة أخباره منذ مدة، وإعادته إلى المنزل في سان فرانسيسكو، وإذا نجح في تنفيذ المهمة سيحصل منه على مبلغ 5000 دولار، ولكن بمجرد أن يتوغل “توم” في حياة “فيليب” المليئة بالترف والمغريات، يغويه ذلك بعيدًا عن غايته الأساسية، أو هكذا يبدو الأمر.
كل ذلك كان مجرد تمهيد فقط، لأن جوهر القصة يكشف أن “توم” هو قاتل بلا إحساس أو مشاعر، وعلى استعداد لفعل أي شيء تقريبًا للحصول على ما يريد، وعلى الرغم من وجود غنيمة لكل جريمة، فإن المال لم يكن هو ما يجذب “توم”، إنه يريد “الأفضل” فقط.
إنه يستمتع باللعب مع ضحاياه ومع الشرطة من خلال رؤيته المدى الذي يمكن أن يصل إليه دون أن يتم القبض عليه؛ إنّ مخططاته تصبح أكثر تعقيدًا بشكل تدريجي، حيث تتضمن تبديل الهويات، وانتحال الشخصيات، وتزوير التواقيع، وأكثر من ذلك.. والشعور الوحيد الذي يُظهره هو الرضا عن نجاح مخططاته وجرائمه.
الحبكة رائعة وملتوية ومليئة بالمنعطفات الوعرة والمدهشة، وأي شخص شغوف بالسينما سيسعد بمشاهدتها وهي تتكشف بالتدريج. في أكثر من موقف، يتعمّد “توم” وضع نفسه في بؤرة محفوفة بالمخاطر، فيصبح العاتق على الفيلم ببراعته وسحره في تخليصه من الخطر المحدق.
لا شيء في هذا الفيلم متحذلق أو قابل للتنبؤ به، فالفيلم عبارة عن ساعتين من الإثارة الخالصة، التي تجعل العديد من أفلام الإثارة المزعومة في حالة من العار والخزي، والفضل يعود لرؤية المخرج “رينيه كليمون”، الذي يعتبر من أبرز المخرجين الفرنسيين، والذي فاز مرتين بجائزة الأوسكار لأفضل فيلم أجنبي، عن فيلم “The Walls of Malapaga” عام 1949، ولاحقًا عن فيلم “Forbidden Games” عام 1952.
الموسيقار الإيطالي المبدع “نينو روتا” يذهلنا دائماً بلمساته الساحرة في الموسيقا التصويرية لأفلامه، التي أصبحت الإلهام والشغف لكبار المخرجين في هوليود والعالم، ومن بينهم المخرج “فرانسيس فورد كوبولا” الذي اختار “نينو روتا” شخصيًا لتأليف موسيقا سلسلة أفلام “The Godfather”، التي أصبحت واحدة من أجمل وأشهر الموسيقات التصويرية في تاريخ السينما لروعتها وجمالها، وفي هذا الفيلم لا أقول إنه اعتمد على الموسيقا، ولكن الثيمة الرئيسية للفيلم كانت عذبة ومذهلة، وأيضاً نشعر بارتباط موسيقي بينها وبين ثيمة “The Godfather”، فهكذا هي بصمة الموسيقار المبدع، الذي تُعرَف موسيقاه بالقلب.
أجمل ما في الفيلم هو تمثيل الفنان المبدع “ألان ديلون”، وهو يمتلك موهبة ساحرة وكاريزما قوية أمام الكاميرا، وهذا الفيلم هو نقطة التحول في مسيرته السينمائية الحافلة بنيله إعجاب النقاد والجماهير، إذ أشادوا بأدائه وبالفيلم.
إننا نحب “توم” ونجده رائعًا وساحرًا، لأن “ألان ديلون” يجعله كذلك! إنه ليس كأي شخص شرير عادي، فهو شخص ذكي ومعقد ولديه أسباب مدروسة بعناية لكل ما يفعله، وقد يكون مضطربًا نفسيًّا، ولكن هناك شيئًا غريبًا بشأنه يشغلنا ويغرينا، حتى حين تكون أفعاله مثيرة للاشمئزاز، ولأن الفيلم يركز على “توم”، فهناك أوقات نجد فيها أنفسنا آملين أن تنجح مخططاته، حتى وإنْ كان ذلك فقط من أجل المتعة في رؤية ما سيفعله بعد ذلك. بقية النجوم، بمن فيهم: “موريس رونيه” بشخصية “فيليب”، و”ماري لوفوريه” بشخصية “مارج”، قدّموا أداءً مميزًا.
الجدير بالذكر أنني قبل سنوات طويلة شاهدت النسخة الحديثة للفيلم، والمقتبسة من الرواية، وأقصد بذلك الفيلم العظيم “The Talented Mr. Ripley”، للكاتب والمخرج “أنتوني مينغيلا”، والذي كان من بطولة المبدعين: “مات ديمون” و”جود لو” و”غوينيث بالترو” و”كيت بلانشيت” و”فيليب سيمور هوفمان”.
الفيلمان كل منهما مبهر بطريقته الخاصة، وقد أكون أحببت النسخة الحديثة أكثر بدرجة بسيطة، ليس لأني شاهدتها مسبقًا وعرفت القصة والحبكة، بل لأن فيها تفاصيل أكثر دقة، وخصوصًا المَشاهد التمهيدية للقصة مع “توم” والسيد “غرينليف” في أمريكا، بالإضافة إلى الشخصية الجديدة التي أضافها “مينغيلا” في نصه السينمائي، والتي لم تكن موجودة في الرواية، وأقصد بذلك شخصية “ميريديث لوغ”، التي أدّتها “كيت بلانشيت” بإبداع، وقد أضافت شخصيتها مزيدًا من الغموض والتشويق في أحداث القصة.
من الغريب جدًّا أن نقرأ أو نشاهد بطل قصة ويكون مجرمًا بارعًا، ونتفاعل معه ونعيش هاجسه وجنونه، ونستمتع حين نراه يفلت من العقاب، فالأمر يتطلب شخصية مميزة ومبتكرة لكي تنال منا كل هذه الامتيازات، و”توم ريبلي” يستحقها حقًّا.
نهاية هذا الفيلم مختلفة عن الرواية الأصلية ونسخة “مينغيلا”، ولم تعجب الكاتبة “هايسميث” شخصيًّا، بالرغم من أنها استمتعت بالفيلم بشكل عام، وأستخلص منها أن المخرج “كليمون” وكاتب النص السينمائي “بول جيغوف” لم يملكا الجرأة الكافية لإنهاء فيلمهما بدون تحقيق العدالة والإنصاف، ولا يمكنني أن أقول أن النهاية واضحة كالشمس الساطعة، ولكنها كانت مفتوحة، وتحتمل أكثر من تفسير.

كاتب وناقد ومخرج بحريني
تابعنا على حساباتنا
مقالات أخرى
رسالة إلى أمريكا
وقف مراسل شبكة CNN الإخبارية بمنطقة "أيتون" شرقي مدينة لوس أنجلوس الأمريكية، مرتدياً قناعاً واقياً من الغاز، قام بإزاحته عن وجهه، بعد أن طلبت منه المذيعة في داخل الاستوديو أن يصف لها ما يحدث على الأرض. بعيون دامعة، ووجه شاحب مكفهر، تحدث بأسى عن جحيم مروع، تشهده ولاية...
أما آن للوزيرة الألمانية أن تهمد؟!
أخيراً تحقق لها المراد! فقد صافحت الوزيرة الألمانية أنالينا بيربوك الوزيرَ السوري أسعد الشيباني في الرياض، بعد الضجة الكبرى لعدم مصافحة أحمد الشرع لها، والاكتفاء بالترحيب بها بوضع يده مبسوطة إلى صدره! وكما كان عدم المصافحة في دمشق خبرَ الموسم في الإعلام الغربي، فقد...
غزة وجدليَّتا النصر والهزيمة
على مدى ما يقارب ٤٧١ يوماً، وقفت غزة وحيدةً صامدةً تواجه مصيرها، كآخر بقعة تتموضع عليها القضية الفلسطينية، بعد أن تم تدجين العالم العربي كله وصولاً إلى تدجين فلسطين نفسها بقيادة أكثر صهيونية من الصهيونية نفسها، لا هدف لها سوى أن تُنسي الفلسطينيين والعالم كله شيئاً...
0 تعليق