البلطجة العالمية

بواسطة | يونيو 6, 2024

بواسطة | يونيو 6, 2024

البلطجة العالمية

الإدارة الأمريكية التي رحبت قبل أشهر بقرارات المحكمة الجنائية الدولية إصدار مذكرات توقيف بحق عدد من المسؤولين الروس، على رأسهم الرئيس فلاديمير بوتين، بسبب الحرب على أوكرانيا، هي ذاتها التي دعمت قرار الكونغرس إصدارَ مشروع قرار يسمح للحكومة الأمريكية فرض عقوبات بحق المحكمة الجنائية.. كل هذا بسبب إدانة المحكمة الدولية لكبار القادة في إسرائيل.

ووافقت لجنة القواعد في الكونغرس الأمريكي على مشروع قانون، ينص على فرض واشنطن عقوبات على المحكمة الجنائية الدولية لاتخاذها إجراءات ضد الولايات المتحدة وحلفائها.. وتم دعم الوثيقة من قبل تسعة مشرعين، ويؤكد نص مشروع القانون المقدم بمبادرة من الجمهوريين على أن إدارة واشنطن يجب أن تفرض عقوبات على المحكمة الجنائية الدولية إذا حاولت هذه الهيئة “التحقيق أو احتجاز أو اعتقال أو استدعاء أي شخص تحت حمايتها إلى العدالة، و”تشمل هذه الفئة الأمريكيين، ويتضمن ذلك العسكريين، وكل من يعمل لحساب الحكومة الأمريكية، ومواطني الدول المتحالفة مع واشنطن”.

وتنطبق القيود الأمريكية أيضا على الأشخاص الذين يساعدون في عمل المحكمة الجنائية الدولية، وتشمل العقوبات رفض إصدار التأشيرات، وتجميد الأصول في الولايات المتحدة، ومنع المواطنين والشركات الأمريكية من التعامل مع المتهمين.

كما تم التأكيد على ضرورة إدانة المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية كريم خان، بعد إصدار مذكرة توقيف لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير الدفاع يوآف غالانت. وكان المدعي العام في المحكمة الجنائية الدولية، كريم خان، قد أعلن أنه قرر توجيه الطلب بإصدار مذكرات اعتقال بحق كل من رئيس الوزراء ووزير الدفاع الإسرائيليين، بنيامين نتنياهو ويواف غالانت، بتهم جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية.

هذه ليست معايير مزدوجة من قبل الإدارة الأمريكية، لكنها – وبكل وضوح- “بلطجة عالمية”، تمارسها الولايات المتحدة الأمريكية في إطار دعمها الكامل الشامل غير المشروط للكيان الصهيوني في حرب الإبادة على قطاع غزة، التي تقترب من دخول شهرها التاسع.

ولكم أن تتخيلوا أن الرئيس الأمريكي جو بايدن يخرج على الملأ ليقول إن الولايات المتحدة لا تعترف باختصاص المحكمة الجنائية الدولية.. وهو نفسه الذي شدد على أن الحرب التي تشنها إسرائيل في قطاع غزة “ليست إبادة جماعية”. أما وزير خارجيته أنتوني بلينكن، فقال إن الإدارة الأميركية مستعدة للعمل مع الكونغرس على فرض عقوبات على مسؤولي المحكمة الجنائية الدولية بسبب طلب المدعي العام إصدار أوامر اعتقال بحق قادة إسرائيليين بشأن حرب غزة.

لا تتعجبوا ولا تندهشوا لأن بايدن هو نفسه الرئيس الذي قال إنه ليس شرطا أن تكون يهوديا لتصبح صهيونيا، وأعلن أنه لا يخجل من الاعتراف بأنه صهيوني، بل وطالب بتشريع قانون يجرّم معادة الصهيونية مثل معاداة السامية؛ وبلينكن هو نفسه الذي سافر إلى الأراضي المحتلة في بداية الحرب وقال إنه لم يحضر بصفته وزيرا للخارجية، ولكنه قدِم بصفته يهوديا وأسلافه ضحايا لمعاداة السامية.. ولا مزيد من الاندهاش، لأن قائد مشروع قرار معاقبة الجنائية الدولية هو السيناتور الأمريكي ليندسي غراهام، وهو نفسه الذي طالب بمنح إسرائيل القدرة على ضرب قطاع غزة بقنبلة نووية.

المدهش حقا هنا أن الإدارة الأمريكية هي ذاتها التي يصرح رئيسها في الوقت نفسه بأنه يطالب كل الأطراف بضرورة وقف إطلاق النار وإنهاء الحرب.. ويستعرض مقترَحا على مراحل لإنهاء الحرب ويقول إنه مقترح إسرائيلي. ثم تمر الأيام ويكتشف العالم أنه مجرد كلام في الهواء، وليس أكثر من محاولة أمريكية لتحسين صورتها التي تشوهت في كل أرجاء الكوكب، بعد أن تآكلت صورتها كبلد ديمقراطي يحافظ على حقوق الإنسان والحريات، وغيرها من الشعارات الزائفة التي سقطت في خلال 8 أشهر فقط.

وبات جليا أن كل ما تحسب حسابه الإدارة هو الانتخابات الأمريكية المقبلة، التي يسعى فيها بايدن لاسترضاء كل الأصوات المؤيدة للكيان الصهيوني، وأصحابها هم الذين يملكون رأس المال ويسيطرون على كل مفاصل الدولة.. فلا تتوقعوا خيرا من هذا الذي يدّعي الحياد، لأنه – وبكل بساطة- شريك في جرائم الحرب.

0 تعليق

إرسال تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تابعنا على حساباتنا

مقالات أخرى

تاريخ القراءة وسيرة مجانين الكتب

تاريخ القراءة وسيرة مجانين الكتب

من الكتب التي بَهَرتني في بدايات دخولي عالم القراءة كتاب "تاريخ القراءة"، للمؤلف الأرجنتيني ألبرتو مانغويل؛ دلَّني عليه صديقي يوسف عبد الجليل، وقرأته أكثر من مرة، وصوَّرت نسخةً غير شرعية منه في مكتبة كانت تطبع الكتب في طنطا. وقد عُدت إليه مؤخرًا وأنا أفكر في سر جماله،...

قراءة المزيد
لا تخدعنَّك مظاهر التقوى!

لا تخدعنَّك مظاهر التقوى!

في الحكايات الشعبية لبلاد الفرس، أن صيادًا كان يصطاد الطيور في يوم عاصف، فجعلت الريح تُدخل في عينيه الغبار، فتذرفان الدموع! وكان كلما اصطاد عصفورا كسر جناحه وألقاه في الكيس. وقال عصفور لصاحبه: ما أرقه علينا، ألا ترى دموع عينيه؟ فرد عليه الآخر: لا تنظر إلى دموع عينيه،...

قراءة المزيد
الضحالة والمعرفة السائلة

الضحالة والمعرفة السائلة

عُرف الفيلسوف وعالم الاجتماع البولندي زيجمونت باومان (١٩٢٥-٢٠١٧)م، بأنه صاحب مصطلح السيولة، التي أصدر تحتها سلسلته الشهيرة السيولة، من الحداثة السائلة والثقافة السائلة والحب السائل، والشر السائل والأزمنة السائلة والمراقبة السائلة، وهلم جرا من سيولات باومان المثيرة،...

قراءة المزيد
Loading...