حينما يتمسح العرب بزيدان ولامين يامال وشاكيرا وأوباما !

بواسطة | يوليو 2, 2024

بواسطة | يوليو 2, 2024

حينما يتمسح العرب بزيدان ولامين يامال وشاكيرا وأوباما !

أواخر التسعينيات من القرن الماضي، فوجئ العرب بحدث مثير: صور تملأ وسائل إعلام الدنيا تجمع “دودي الفايد” مع.. من؟. مع أميرة الأميرات وجميلة الجميلات “ديانا”!.

للتذكرة.. “دودي” (أو عماد) هو ابن الملياردير محمد الفايد، المالك السابق لمحلات هارودز الشهيرة فى لندن.

نحن – المصريين- على وجه الخصوص، رحنا بمختلف أطيافنا من أقصى اليسار إلى آخر اليمين، ومن الليبرالي المعتدل إلى الإسلامي المتعصب، ومن ربة البيت إلى أستاذة الجامعة، نتابع أيامها قصة الحب الملتهبة بين الشاب مصري الأصل حسن المظهر والصحة، وبين طليقة ولي عهد بريطانيا العظمى، ووالدة الوريث المنتظر لعرش الإمبراطورية التي كانت الشمس لا تغيب عنها لكثرة مستعمراتها هنا وهناك، وفي مقدمتها مصر.

إذن..

 واتتنا الفرصة لتطبيق الهتاف التاريخي الذي رفعناه أيام الاحتلال الإنجليزي: “مصر والسودان لنا، وإنجلترا إن أمكنا”.

جاء الدور عليكم أيها الإنجليز ذوو الوجوه المُحمرّة أن ننتقم منكم على احتلال دام 82 سنة.. استرح يازعيمنا التاريخي “عرابى” في قبرك.. من هزموك في معركة “التل الكبير” ودخلوا بلاد النيل قديماً سيصبح أحفادهم الآن تحت أقدامنا، بعد الزواج الذي سيهز عروشهم.. ابننا “دودي” سيكون “سي السيد” لأم ملك إنجلترا المقبل، وسنرجوه أن ينشر صور الست ديانا وهي تغسل رجليه بالماء والملح!

وسط هذا الجو الاحتفالي، كان طبيعياً أن نُصاب بصدمة جديدة من ذلك النوع التاريخي الذي تعودنا عليه.. مصرع الحبيبين في نفق باريسي!. وعلى الفور، ودون تفكير أو تأخير، أخرجنا من الجراب شماعتنا المفضلة “المؤامرة”.

 الغالبية العظمى منا مقتنعة حتى الآن، وبعد مرور كل هذه السنوات على تلك القصة، أن بريطانيا العظمى تتبعت “ديانا ودودي” في نزهتهما البريئة بعاصمة النور وقتلتهما في نفق الموت.. الإمبراطورية شعرت بارتعاد في المفاصل، ووخزات فى القلب ورعشات في الأطراف، بعد اقتراب زواج أميرتهم من حفيد الفراعنة.. سادة لندن قتلوا في المهد فكرة أن يكون لملك إنجلترا المقبل أخ عربي مسلم.

هكذا حدثنا أنفسنا بصوت مرتفع، ونشرنا حديثنا هذا في الصحف، وصرخنا به على شاشات  الفضائيات؛ وهكذا خططنا لكل شيء.. الانتقام من جبروت إنجلترا على “سرير ديانا”، وأن فحولة ابن الفراعنة والعرب “دودي” كفيلة من الليلة الأولى بوضع حجر الأساس للأخ غير الشقيق لملك إنجلترا.. لا أدري  سر التلذذ العربي بأن يكون الانتقام من عدونا المفترض في غرف النوم فقط، دون أن نعترف بساحات المواجهة الأخرى المفتوحة على مصراعيها لمن يريد!.

بعد أيام قليلة من سقوط تمثال صدام حسين الشهير بشارع الفردوس في بغداد، كنت في تاكسي بالعاصمة العراقية، وكانت دعوات الانتقام من صدام وأسرته وقتها تملأ أركان المدينة، خصوصاً من فصائل وطوائف تصدرت المشهد بعد الغزو الأمريكي.. سألت السائق: ماذا تتمنى الآن؟ فأجاب الرجل الستيني آخر إجابة توقعها ذهني: “أن أتزوج سميرة الشابندر في نفس غرفة صدام”!.

وسميرة هى المرأة التي يقول العراقيون إنها خارقة الجمال، وتزوجها صدام على ابنة خاله ساجدة خير الله، وأنجب منها ولدا اسمه “علي”.. لكن سميرة ونجلها المزعوم هذا لم يظهرا أبدا حتى الآن.

أعود إلى حكاية “ديانا ودودي”، التي تعود تفاصيلها إلى الذاكرة كلما تواردت أخبار تحتفي بشخصيات ذات أصول عربية، تحقق نجاحات على المستوى الدولي حتى ولو في ميادين الرياضة، مثل زين الدين زيدان وغيره من النجوم السابقين، فضلاً عن الحاليين الذين يمثلون منتخبات كبرى في بطولة “يورو 2024” المقامة هذه الأيام في ألمانيا، إذ احتفى كثيرون بلاعب منتخب إسبانيا لامين يامال “أو جمال” وأصله المغربي.

إنه الاحتفاء نفسه الذي عايشناه قبل سنوات بوفاة ستيف جوبز أسطورة شركة “آبل”، حيث ركز المحتفون على أصله السوري؛ ولما ظهرت مشكلة تقلل من دواعي التباهي به، وهي التقارير اللعينة التي تحدثت عن أنه رأى الدنيا نتيجة علاقة غير شرعية، ربطت بين والده المهاجر السوري إلى الولايات المتحدة وأمه، كان لافتاً أن خرج بعض السوريين حينها على الفضائيات لينفوا هذا الأمر، ويؤكدوا أن والدي “جوبز” كانا متزوجين وقت قدوم الراحل الكريم.

وربما لم ينتبه هؤلاء إلى أن “جوبز” لا يضيره أصلاً هذا الموضوع، فليس ذنبه أنه جاء نتيجة علاقة زواج أو صداقة، هي على كل حال ليست مستهجنة في المجتمع الأميركي.. لكنه العقل العربي الذي يريد كل شيء على هواه.

 الاهتمام المبالغ فيه، والتمسح بـ”عروبة” حبيب ديانا، وأسطورة الكرة الفرنسية زيدان، ونجم إسبانيا الشاب “يامال”، ومن قبلهم صاحب “آبل”، يؤكد أننا لم نخترع من فراغ المثل الشهير: “القرعة تتباهى بشعر بنت أختها”، رغم أن “بنت أختها” هذه  لا تعرف أصلا خالتها “القرعة” حتى تسترها بـ”باروكة” تداري بها رأسها أمام الناس، فلم نسمع عن أية مشروعات خيرية أقامها محمد الفايد وولده “دودي” لخدمة أهله المصريين، ولم يتباهَ زين الدين زيدان يوماً بجذوره الجزائرية، ولم نلمس اهتماما بالقضايا العربية أبداه “المرحوم جوبز”.

هذا التمسح بأي مشهور أصله عربي أو إسلامي مارسناه مع أسماء أخرى كثيرة لم نرها يوما بيننا، بداية من رؤساء دول سابقين في أمريكا اللاتينية مثل كارلوس منعم وعبد الله بوكرم، وانتهاء بنجمات شهيرات ومنهن شاكيرا وسلمى حايك! أما أبرزها فكانت مع باراك أوباما، سيد البيت الأبيض السابق، الذي ذهبت معه أحلام البعض منا حد السحاب حينما تولى حكم القوة العظمى كبيرة العالم، وكان لديهم آمال أنه سيحنّ لأصله الكيني المسلم، ويحرر الأقصى من براثن الصهاينة!

لا شك أن الأنظمة المستبدة تدفع شعوبها بشكل غير مباشر – عبر إعلامها وأبواقها- إلى هذا التفكير.

إنهم يريدون أن يمتصوا غضب المواطن “عربي” لعدم وجود إنجازات يتباهى بها، بدفعه إلى التنقيب هنا وهناك عن أي لمحة عربية في مشاهير العالم، نتمسك بها، ونظل ندور حولها حتى يتكرم صاحب اللمحة ويلتفت إلينا، وبالتالي ترتاح الأنظمة قليلاً من وجع دماغ قد نسببه لها.

إذا قُدر لي أن تحط أقدامي في لندن يوما ما، فمؤكد أنه سيكون ضمن برنامجي في عاصمة الضباب زيارة قبر “أميرة الأميرات”، فلا أجد في التاريخ القريب شيئاً أفتخر به سوى أن “ديانا” أحبت يوماً “دودي”!

1 تعليق

  1. Lady Gaga

    نخن العرب نمجد كل ما هو غربي ، و نسعد بالتمسح بوجود علاقات تجمع بيننا و بينهم ، حتى انني اذكر اني اضفت الي سيرتي الذاتيه ان اخي متزوج من أمريكيه ..
    مقالك أخذني معه لذكريات جميله ارتبطت بوفاة أميرة الأميرات .. الست ديانا و حبيبها دودي .
    أذكر أن خالي رحمه الله قد زار أمي خصيصا ليخبرها بأن حبيبة فلبها الأميرة ديانا ماتت في حادث سيارة بغيض ، والدتي حزنت عليها و على شبابها .. و أذكر أنني و أمي و أختي تابعنا تأبينها من على شاشات التلفاز و نحن نتناول غداءنا في إحدى المطاعم في عاصمة الأردن عمّان .
    صدقا .. أحببت المقال خصوصا عندما تخيلت الأميره ديانا ترتدي جلابية نانسي عجرم الشهيرة و بدلا أن تضع في طشت الغسيل ملابس أبو العيال .. تضع رجلين دودي . بصراحة مشهد أضحكني كثيراً.
    و في آخر المقال اعتقدت انك عندما عقدت العزم إذا سافرت الى لندن بأنك ستتزوج من بنات لندن .. وتضيف بدلك إسماً جديداً إلى القائمة التي خلطت العرق العربي بالأوروبي .

    شكرا لكاتبنا القدير .. أحببت أن أكتب ما دار في خاطري و أنا أقرأ المفال .

    الرد

إرسال تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تابعنا على حساباتنا

مقالات أخرى

تاريخ القراءة وسيرة مجانين الكتب

تاريخ القراءة وسيرة مجانين الكتب

من الكتب التي بَهَرتني في بدايات دخولي عالم القراءة كتاب "تاريخ القراءة"، للمؤلف الأرجنتيني ألبرتو مانغويل؛ دلَّني عليه صديقي يوسف عبد الجليل، وقرأته أكثر من مرة، وصوَّرت نسخةً غير شرعية منه في مكتبة كانت تطبع الكتب في طنطا. وقد عُدت إليه مؤخرًا وأنا أفكر في سر جماله،...

قراءة المزيد
لا تخدعنَّك مظاهر التقوى!

لا تخدعنَّك مظاهر التقوى!

في الحكايات الشعبية لبلاد الفرس، أن صيادًا كان يصطاد الطيور في يوم عاصف، فجعلت الريح تُدخل في عينيه الغبار، فتذرفان الدموع! وكان كلما اصطاد عصفورا كسر جناحه وألقاه في الكيس. وقال عصفور لصاحبه: ما أرقه علينا، ألا ترى دموع عينيه؟ فرد عليه الآخر: لا تنظر إلى دموع عينيه،...

قراءة المزيد
الضحالة والمعرفة السائلة

الضحالة والمعرفة السائلة

عُرف الفيلسوف وعالم الاجتماع البولندي زيجمونت باومان (١٩٢٥-٢٠١٧)م، بأنه صاحب مصطلح السيولة، التي أصدر تحتها سلسلته الشهيرة السيولة، من الحداثة السائلة والثقافة السائلة والحب السائل، والشر السائل والأزمنة السائلة والمراقبة السائلة، وهلم جرا من سيولات باومان المثيرة،...

قراءة المزيد
Loading...