“شبشب” يستحق الأوسكار !

بقلم: هديل رشاد

| 19 أغسطس, 2024

مقالات مشابهة

مقالات منوعة

بقلم: هديل رشاد

| 19 أغسطس, 2024

“شبشب” يستحق الأوسكار !

لخصت إجابة طفلة فلسطينية نازحة تدعى ريتال مأساة  1.9 مليون شخص في قطاع غزة، يعيشون النزوح واقعاً لعدة مرَّات، وكأن النزوح سمة من سمات الهُوية الفلسطينية عموماً والغزية على وجه الخصوص، فكانت إجابة ريتال على أحد أسئلة مراسل “الجزيرة مباشر” باللهجة المحلية: “بدي أبَرْوز شبشبي وبلوزة زرقة في برواز، وأعطيهم جائزة أوسكار”.

أما السبب، فقدرة أشيائها البسيطة على تحمل صعوبة النزوح الذي عاشه بعضهم في هذه الحرب الجائرة على قطاع غزة لأكثر من عشر مرات، في ظل إغلاق آخر شرايين  الحياة على سكان قطاع غزة والمتمثل في معبر رفح، مع انعدام توفر الاحتياجات الأساسية لسكان القطاع، بسبب الحصار الذي كانت غزة- ولا تزال- تحياه منذ أكثر من 17 عاما، كما أنَّ هذه السياسة التي تتبعها دولة الكيان المحتل ما هي إلا لتركيع المقاومة الفلسطينية، والضغط عليها بشعبها لخلق حالة من عدم الرضا بين الغزيين ومقاومتهم الباسلة، التي تتقاسم مع الشعب الظروف ذاتها إلى جانب دورها في المقاومة، والذود عن أرض الوطن.

إنَّ ما قالته ريتال بعفوية وبراءة الأطفال هو في حقيقة الأمر عرَّى العالم الحر بكل أطيافه التي تدّعي الإنسانية، وتنعق في كل محفل دولي بحقوق الإنسان وبحقوق الحيوان أيضا، فإذا ما شرحنا ما قالته هذه الطفلة سيتبين لنا أن حجم البؤس الإنساني الذي يعيشه سكان قطاع غزة صار أضعافا مضاعفة عما كانوا عليه قبل السابع من أكتوبر.

وما قالته يكشف عجز وخذلان العالم والأمة العربية والإسلامية عن اتخاذ قرار حاسم وحازم بوجه الترسانة العسكرية الإسرائيلية، لإدخال شربة ماء نظيفة عوضا عن مياه البحر المالحة، أو مياه الصرف الصحي التي يضطر أغلب الغزيين لاستخدامها في ظل شح المياه الصالحة للشرب، أو كسرة خبز تصبِّرهم وأطفالَهم على الجوع الذي بات سياسة ممنهجة ممهورة باسم الكيان المحتل، الذي لا يزال معتقدا أنه شعب الله المختار، ويظن أنَّ ما دون اليهود أغيار لا بواكي لهم.

والطرق جميعها متاحة أمام عالم قادر على بيع ضميره لنيل رضا الصهيونية المتحكمة في مقدراته، ورضا الإمبريالية الأمريكية التي تعوّل على إسرائيل ودورها المحوري في الحفاظ على مصالحها في الشرق الأوسط، ما يجعل حمايتها وغض الطرف عن ممارساتها الخارجة عن القانون ضمن أولويات السياسة الخارجية الأمريكية، وهذا الأمر يستند إلى حقائق وأرقام نشرتها بيانات “Open Secrets”، المعنية برصد التمويل السياسي في الولايات المتحدة الأمريكية.

تدل الأرقام أنَّ مجموعات اللوبي الصهيوني أنفقت نحو 211 مليون دولار على مرشحين لعضوية مجلسي النواب والشيوخ بين عامي 1990 و2023، وقد وصل ما لا يقل عن 5098 شخصا منهم إلى الكونجرس الأمريكي، بحيث استفاد الديمقراطيون  بنحو 61% من مجمل التمويل، مقابل 38% للجمهوريين و1% للمستقلين، وهذه الأرقام لا تُمنح إلا بغرض كسب التأييد وشراء أصوات هؤلاء الأشخاص، أو لصالح أي سردية صهيونية بشأن أي حقيقة عالمية، إلا أن الجوهر يكمن في تأييد كل ما يقوم به الاحتلال على الأراضي الفلسطينية المحتلة.

وما يؤكد هذه الغاية أيضا هو أنَّ غالبية الشعب الأمريكي تؤيد التوصل إلى وقف إطلاق النار الدائم، ووضع حد لحرب الإبادة الجماعية التي تُشن ضد سكان قطاع غزة، ويشير استطلاع للرأي أنه مقابل كل شخص أمريكي داعم لاستمرار الحرب، ثمة شخصان يقفان ضدها، وهؤلاء يشكلون الغالبية العظمى من الديمقراطيين (76%) ونحو نصف الجمهوريين (49%)، المشاركين في الاستطلاع، إلا أن هذه المواقف لا تنسحب على آراء صانعي القرار، بسبب دعم اللوبيات الصهيونية لهم مالياً.

وبالعودة إلى العبارة التي قالتها الطفلة ريتال عن رغبتها في تكريم نعلها “اليتيم”، وملابسها التي تواجه معها النزوح والتهجير القسري، من المهم الحديث عن الجانب النفسي في كل رحلة نزوح.. فالنزوح طريق محفوف بالمخاطر، طريق نحو المجهول، ففي  كل مرة يضطر فيها الناس إلى النزوح، يضطرون أيضا لإعادة ضبط حياتهم بالكامل في ظل عدم توفر الخدمات الأساسية من مأوى ومأكل ومشرب، فضلا عن أنَّ بعض الأسر مضطرة لأن تنقل أحد أفراد أسرتها المصاب، أو امرأة حاملا، أو أخرى قد وضعت للتو ما برحمها.

هذه الظروف الإنسانية غائبة بكل تأكيد عن الحقوقيين وعن المنظمات المتحدثة باسم حقوق الإنسان، فكيف لمثل هذه الظروف أن تُمحى من ذاكرة من سيبقى حيًّا في حال انتهت الحرب؟! وكيف ستضمَّد جراح النفس الشاهدة على سقوط الأهل والأحباب والرفاق شهداء بالعشرات دفعة واحدة؟ وكيف ستبرأ الذاكرة المثقلة بمشاهد أكياس البلاستيك، التي حوت لحماً بشرياً ممزقاً لفلذات الأكباد، بفعل القنابل التي استهدفت القطاع- الذي لا تتعدى مساحته 365 كيلومترا مربعا- بكمية من القنابل، فاقت التي استخدمت في الحرب العالمية الثانية.

فقد ذكرت إحصائية للمرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان أنَّ الاحتلال الإسرائيلي أسقط على غزة كمية من القنابل تفوق ما تم إسقاطه على لندن وهيروشيما ودريسدن مجتمعة، وقدر حجم القنابل بـ70 ألف طن من القنابل على مدار 10 أشهر من الحرب، وهذا يعادل ثلاث قنابل نووية، وهو رقم غير مسبوق في تاريخ الحروب بالنظر إلى مساحة قطاع غزة.

ختاما..

هناك أكثر من مليوني شخص في غزة يبحثون بشكل يائس عن الأمان والمأوى، المفقودين في كل الأحوال، في ظل مفاوضات تراوح مكانها بسبب مراهقة سياسية من بنيامين نتنياهو، رئيس الوزراء الإسرائيلي الذي يعدُّ إطالة أمد الحرب وسيلة لتبييض صورته التي شوهها طوفان الأقصى.

ومع كل دقيقة يماطل ويراوغ فيها الطرف الإسرائيلي في اتخاذ قرار بوقف دائم لإطلاق النار على قطاع غزة، يسقط مزيد من الشهداء من الأبرياء العزل.

2 التعليقات

  1. HUSSAIN MOHD

    صدقت والله فحذائها وأحذية أهلنا هناك تساوي تخاذلنا بل يكاد تكون أحذيتهم أطهر .. بارك الله فيكي استاذه على هذا المقال

    الرد
  2. Lady Gaga

    أبكاني لقاء هذه الفتاة و حديثها البريء الذي لا يخلو من السخرية على ما آل عليه الحال في غزة و في أراضي العرب ، فقد قررت الفتاة أن تمنح وسام التكريم لنعلها الذي تحملها و حملها في محنتها طوال مسيراتها المتكرره في طرقات متهالكة ، غير آمنة مجهولة المصير ، إلا أنه لم يخذلها كما خذلناها نحن .
    وأنتِ يا صغيرتي تستحقين كل الإحترام و التقدير ، لانك بشجاعتك و صبرك تستحقين أرقى الدرجات و أعلاها عند رب العالمين عندما تلتقي الخصوم .

    الرد

إرسال تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تابعنا على حساباتنا

مقالات أخرى

رسالة إلى أمريكا

رسالة إلى أمريكا

وقف مراسل شبكة CNN الإخبارية بمنطقة "أيتون" شرقي مدينة لوس أنجلوس الأمريكية، مرتدياً قناعاً واقياً من الغاز، قام بإزاحته عن وجهه، بعد أن طلبت منه المذيعة في داخل الاستوديو أن يصف لها ما يحدث على الأرض. بعيون دامعة، ووجه شاحب مكفهر، تحدث بأسى عن جحيم مروع، تشهده ولاية...

قراءة المزيد
أما آن للوزيرة الألمانية أن تهمد؟!

أما آن للوزيرة الألمانية أن تهمد؟!

أخيراً تحقق لها المراد! فقد صافحت الوزيرة الألمانية أنالينا بيربوك الوزيرَ السوري أسعد الشيباني في الرياض، بعد الضجة الكبرى لعدم مصافحة أحمد الشرع لها، والاكتفاء بالترحيب بها بوضع يده مبسوطة إلى صدره! وكما كان عدم المصافحة في دمشق خبرَ الموسم في الإعلام الغربي، فقد...

قراءة المزيد
غزة وجدليَّتا النصر والهزيمة

غزة وجدليَّتا النصر والهزيمة

على مدى ما يقارب ٤٧١ يوماً، وقفت غزة وحيدةً صامدةً تواجه مصيرها، كآخر بقعة تتموضع عليها القضية الفلسطينية، بعد أن تم تدجين العالم العربي كله وصولاً إلى تدجين فلسطين نفسها بقيادة أكثر صهيونية من الصهيونية نفسها، لا هدف لها سوى أن تُنسي الفلسطينيين والعالم كله شيئاً...

قراءة المزيد
Loading...