ترامب.. العدو الصريح خير من الصديق الكتوم

بقلم: د. جاسم الجزاع

| 10 نوفمبر, 2024

مقالات مشابهة

مقالات منوعة

بقلم: د. جاسم الجزاع

| 10 نوفمبر, 2024

ترامب.. العدو الصريح خير من الصديق الكتوم

“العدو الصريح خير من صديق كتوم”.. مقولة عميقة تعكس أهمية الوضوح في التعامل بين البشر والدول والتيارات؛ فصراحة العدو غالباَ ما تمنحنا الفرصة لاتخاذ موقف مسبق منه، وتجنبنا الصدمات أو المفاجآت غير المتوقعة.

فالعدو الذي يعبر عن كراهيته أو اعتراضه بشكل مباشر وصريح وبدون لفٍّ أو دوران، يتيح لنا التصدي لمواقفه بوضوح واستعداد قبل ذلك، بينما الصديق الكتوم الذي يخفي نواياه تحت ستار المجاملة والتردد  قد يتسبب لنا في مشكلات أكبر بمرور الوقت، مع علمنا بنواياه الطيبة .وتتجسد هذه الفكرة بشكل كبير في شخصية الرئيس الأمريكي الآتي دونالد ترامب، الذي انتصر في معركة نيل الرئاسة، والذي عُرف بصراحته الواضحة، خاصة تجاه العرب والمسلمين.

أحد أبرز المواقف التي عكست صراحته هو قراره السابق بفرض حظر السفر على مواطني دول ذات أغلبية مسلمة، مثل إيران وسوريا واليمن وليبيا.. فهذه الخطوة، التي وصفها البعض في الأوساط الأمريكية بالتمييزية والعنصرية، أثارت غضباً واسعاً بين المسلمين حول العالم. ومع ذلك، فإن ترامب لم يخفِ تبريراته، إذ كان يرى أن هذه الخطوة تأتي لحماية أمنهم القومي، ما أتاح للجميع في إدارات الدول الأخرى رؤية موقفه بوضوح ودون لبس، وجعلهم أكثر استعداداً للتعامل مع سياسته تجاه هذه الدول.

كذلك فإن دعمه الواضح للكيان الصهيوني لم يكن أقل صراحة، فقد اتخذ خطوات جذرية مثل نقل السفارة الأمريكية إلى القدس، الذي يحمل دلالات ومعاني خطيرة، واعترافه بسيادة إسرائيل على مرتفعات الجولان، ما أثار استياءً كبيراً في العالمين العربي والإسلامي. وبهذه المواقف الصريحة، لم يسعَ ترامب للتلاعب أو التخفيف من حقيقة دعمه القوي لإسرائيل، بل واجه الجميع بمواقفه بشكل علني وشجاع، وذلك منح الدول العربية الفرصة لفهم موقفه، واتخاذ سياسات للتعامل بطرق تتناسب مع توجهاته.

وعلى الجانب الآخر، كان ترامب واضحاً في تعزيز علاقاته مع بعض الدول العربية؛ فهو التاجر المحترف، وصاحب الصفقات المربحة، ودليل ذلك حرصه الشديد على الدول الخليجية مثل السعودية والإمارات وقطر، حيث أبرم معها صفقات تجارية ضخمة واتفاقيات في مجالات الأمن ومكافحة الإرهاب. فكان هذا التوجه التجاري والسياسي قائماً على المصالح المشتركة، وظهر جلياً أن ترامب كان يسعى لتعزيز العلاقات مع حلفاء يمكنه الاعتماد عليهم لدعم المصالح الأمريكية، وبذلك لم يترك مجالاً للغموض حول أهدافه، بل أظهرها بوضوح أمام الجميع.

فكما ذكرنا، إن أسلوب ترامب الصريح جعل من السهل على حلفائه وخصومه فهم مواقفه بشكل مباشر، ما قلل من فرص المفاجآت السياسية، وأتاح لهم التفاعل مع سياسته بموضوعية. وهذه الصراحة، رغم أنها أثارت انقساماً حادّاً بين المعنيّين، فإنها أوجدت تقديراً لدى البعض الذين رأوا فيها نوعاً من الوضوح السياسي “المريح”، الذي يعري النوايا بعيداً عن الدبلوماسية الأمريكية المعتادة.

وفي نهاية المطاف، أعتقد أن ترامب قد قدم نموذجاً في اللعبة السياسية، التي تتمثل في القيادة الصريحة، والتي تطرح رؤية واضحة، تجعل من السهل على الجميع تحديد مواقفهم منه، سواء كانوا حلفاء أو خصوماً. وتجسد هذه التجربة فكرة “العدو الصريح خير من صديق كتوم”.

د. جاسم الجزاع

أكاديمي كويتي

0 تعليق

إرسال تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تابعنا على حساباتنا

مقالات أخرى

رسالة إلى أمريكا

رسالة إلى أمريكا

وقف مراسل شبكة CNN الإخبارية بمنطقة "أيتون" شرقي مدينة لوس أنجلوس الأمريكية، مرتدياً قناعاً واقياً من الغاز، قام بإزاحته عن وجهه، بعد أن طلبت منه المذيعة في داخل الاستوديو أن يصف لها ما يحدث على الأرض. بعيون دامعة، ووجه شاحب مكفهر، تحدث بأسى عن جحيم مروع، تشهده ولاية...

قراءة المزيد
أما آن للوزيرة الألمانية أن تهمد؟!

أما آن للوزيرة الألمانية أن تهمد؟!

أخيراً تحقق لها المراد! فقد صافحت الوزيرة الألمانية أنالينا بيربوك الوزيرَ السوري أسعد الشيباني في الرياض، بعد الضجة الكبرى لعدم مصافحة أحمد الشرع لها، والاكتفاء بالترحيب بها بوضع يده مبسوطة إلى صدره! وكما كان عدم المصافحة في دمشق خبرَ الموسم في الإعلام الغربي، فقد...

قراءة المزيد
غزة وجدليَّتا النصر والهزيمة

غزة وجدليَّتا النصر والهزيمة

على مدى ما يقارب ٤٧١ يوماً، وقفت غزة وحيدةً صامدةً تواجه مصيرها، كآخر بقعة تتموضع عليها القضية الفلسطينية، بعد أن تم تدجين العالم العربي كله وصولاً إلى تدجين فلسطين نفسها بقيادة أكثر صهيونية من الصهيونية نفسها، لا هدف لها سوى أن تُنسي الفلسطينيين والعالم كله شيئاً...

قراءة المزيد
Loading...