الجزيرة في عقدها الثالث..  وثورة الإعلام العربي الناعمة!!

بقلم: أ.د. عبد الله خليفة الشايجي

| 14 نوفمبر, 2024

مقالات مشابهة

مقالات منوعة

بقلم: أ.د. عبد الله خليفة الشايجي

| 14 نوفمبر, 2024

الجزيرة في عقدها الثالث..  وثورة الإعلام العربي الناعمة!!

أتقدم بالتهنئة القلبية لشبكة الجزيرة بجميع قنواتها وشبكتها الواسعة، سواء التقليدية أو الألكترونية، لمواكبتها المتغيرات والمستجدات، ولتغطيتها الأحداث والتطورات المتسارعة في عصر الإعلام الرقمي على مدار الساعة.

الأول من نوفمبر يوم تأسيس الجزيرة، ومع عودة هذا التاريخ من العام 2024، كانت قد بلغت ثمانية وعشرين عاما كاملة من التغطية المميزة، ونقل الأحداث والحروب، والانتصارات والانتكاسات والمجازر، متمسكة بشعارها “الرأي والرأي الآخر”. ومن أهم إنجازات تغطيات شبكة الجزيرة، الثورة الإعلامية، ورفع سقف الإعلام بدرجة غير مسبوقة، وكسر رتابة الإعلام العربي الرسمي.

منذ خمسينيات القرن الماضي، انصرف المواطن العربي في عصر الراديو، وبعده في عصر التلفزيون الأبيض والأسود ثم الملون، عن استقاء الأخبار من الإعلام الرسمي، وتابع وسائل الإعلام الخارجية وخاصة إذاعة بي بي سي من لندن. وحتى مع ثورة الإعلام الرقمي والثورة الإعلامية ووسائط التواصل الاجتماعي ونهاية عصر الصحافة الورقية، استمر الإعلام الحكومي الرسمي برتابته المعهودة والمنفّرة!

جاء انطلاق قناة الجزيرة، ولاحقا توسعها إلى شبكة واسعة بلغات متعددة، وكان إطلاق مركز الجزيرة للدراسات ومواقع إلكترونية مثلAJ+-، ومؤخرا إطلاق أكبر شبكة إخبارية إلكترونية عربية (الجزيرة 360، بشعارها: تجربة مشاهدة بلا حدود ومشاهدة مجانية بلا قيود).. هذا كله شكّل “المنصة الأسرع انتشارا في العالم العربي، ومعها التمتع بمشاهدة آلاف الساعات من البرامج والأفلام وأعمال الجزيرة الحصرية”.

وبذلك نجحت شبكة الجزيرة برؤية بعيدة المدى، وبالاستمرار بالتطور والتحول لمجاراة تطور التكنولوجيا وعبر جميع منصاتها، ما أدى إلى تغيير مفهوم ووجه الإعلام العربي. وأستطيع كمتابع نهم ومهتم بالثورة الإعلامية -وبتخصص علوم سياسية، وتخصص مساند بالإعلام (إذاعة)، على مدى 40 عاماً في جامعات أمريكا- تأكيد أن التصميم والقرار الجريء من القيادة في دولة قطر، ممثلة بالأمير الوالد الشيخ حمد بن خليفة،بشأن  شبكة الجزيرة، راهن على استشراف مستقبل وأهمية الإعلام كسلاح له دور رئيسي بتشكيل الرأي العام.. وثبت صحة الرهان. 

أحدثت الجزيرة -ولا تزال تُحدث- تحولات بالغة الأهمية في الإعلام العربي، أكثر من أي قناة أو منصة منافسة. جاءت محاولات كثيرة لتقليدها ومنافستها، لكن بقيت الجزيرة الأولى برفعها سقف المنافسة، وبالتالي كسبت عقول وقلوب عشرات الملايين في العالم العربي، ولدى عرب المهجر وكذلك غير الناطقين باللغة العربية، عبر شبكات قنواتها ومنصاتها الإلكترونية.

ويُحسب للجزيرة تبنيها ودفاعها عن القضايا العربية، وخاصة القضية الفلسطينية، ومثال ذلك أننا نتابع للشهر الثالث عشر تغطيتها جرائم حرب الإبادة الصهيونية على غزة والقدس المحتلة والضفة الغربية، وكذلك عدوان إسرائيل الوحشي على لبنان على مدار الساعة.

لا يمكنني تخيل استفراد وتوحش الصهاينة بالقتل والإبادة الممنهجة على مدار الساعة، لولا تغطية شبكة الجزيرة لجرائمهم الوحشية، وعرض صور ومقاطع فيديو تدين وحشيتهم الفاشية، حتى إن الصهاينة تعمدوا تقييد تغطية قناة الجزيرة في الأراضي المحتلة. وسقط الصهاينة في مستنقع ادعاءاتهم الكاذبة التي عرتها حرب إبادتهم الممنهجة على غزة ولبنان، بأنهم الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط.. ليأتي الأمر بإغلاق مكتبي قناة الجزيرة في القدس المحتلة ورام الله، لإسكات وإخفاء الحقيقة!. وللتذكير، فإن الديمقراطيات الحقيقية لا تكمم الأفواه، ولا تحجب الإعلام، ولا تخشى من كشف الحقائق، ولا تُخرس الأصوات.

وهكذا، تفضح تغطية الجزيرة من على أرض الجبهات والعدوان والقتال بالصوت والصورة جرائم الصهاينة الوحشية؛ وفي الوقت نفسه تكشف بالتغطية الحية والمباشرة حجم الدمار، الذي يحدثه القصف الوحشي على المدنيين في منازلهم في مخيمات النزوح ومراكز الإيواء والمستشفيات ومدارس الأونروا التابعة للأمم المتحدة، وحتى في خيام النازحين وفي العدوان على المساجد، ما يُكرّس الصورة الوحشية الفاشية لعدوان الصهاينة.

هذا العدوان لم يعد لمواجهة وتدمير حماس ومقاتلي عزالدين القسام (كما علقتُ في اليوم الأول من طوفان الأقصى في 7 أكتوبر 2023 بأنها لن تحدث).. بل إن غاية العدوان إبادة شعب غزة، وبعقاب جماعي وتطهير عرقي وفرض حصار يتسبب بمجاعة حقيقية، وإفراغ غزة من سكانها، وإعادة الاستيطان بتواطؤ دولي وفي ظل عجز وخذلان عربيين.. ومع هذا يستمر العدوان بلا هوادة على لبنان. وهكذا تفضح تغطية الجزيرة على مدار الساعة سقوطاً يُضاف إلى نفاق الديمقراطية الزائفة الصهيونية.

الملفت وما يسجل لشبكة الجزيرة فقدانها أكبر عدد من الشهداء المراسلين والصحافيين، على مدار أكثر من عشرين عاماً؛ أولهم الشهيد طارق أيوب في بغداد، أثناء تغطية حرب أمريكا على العراق واحتلاله عام 2003، ومن هؤلاء شيرين أبو عاقلة في جنين عام 2022.

وفي حرب غزة، وعلى مدار أكثر من عام، استمرّ تعمد استهداف الصهاينة للجزيرة في طواقمها الإعلامية ومراسليها في غزة؛ حيث فقدت القناة إعلاميين بارزين من مجمل 180 إعلامي وصحافي قتلتهم آلة الإبادة الصهيونية في غزة خلال عام؛ فقد استشهد المصور سامر أبو دقة، وعدد من مراسلي الجزيرة، منهم إسماعيل الغول، والمصور رامي الريفي، وأصيب مدير مكتب الجزيرة في غزة وائل  الدحدوح، وفقد زوجته والعديد من أولاده وأفراد عائلته وأقاربه. وهناك آخرون كثر دفعوا أغلى ثمن لنقلهم الحقيقة وسط أتون الحرب والقصف والدمار الممنهج… وبعض المراسلين والإعلاميين فقدو أسرهم، ولكنهم وأصروا على الاستمرار بتحمل مسؤولية نقل الحقيقة برغم الجراح والآلام. 

نذكّر بأن الجزيرة هي الشبكة الإعلامية الوحيدة التي فكّر بوش الابن بقصف مكتبها في بغداد لإسكات الحقيقة، لتغطيتها الجريئة والمزعجة لجرائم حرب الاحتلال الأمريكي في الفلوجة!! وقبلها قُصف مكتب قناة الجزيرة في كابول أثناء غزو أمريكا لأفغانستان واحتلالها. 

والسؤال الذي يطرح نفسه: لماذا تبقى شبكة الجزيرة دون غيرها من الشبكات الإخبارية العربية والأجنبية مستهدفة، وتُقصف مكاتبها، ويغتال مراسلوها، ويستشهدون؟!. والجواب: بسبب تأثير الثورة الإعلامية التي قادتها، وقوة نفوذها وتأثيرها.. حتى إنها ألهمت باحثين لكتابة أطروحات ماجستير ودكتوراه، وكتب في حقل الإعلام السياسي، عن دور وتأثير شبكة الجزيرة.

شكراً للقائمين على شبكة الجزيرة لتشكيلها الرأي العام، وتعبيرها عن ضمائر الأحرار الصادقين! تخيل كم كانت ستغيّب حقائق وجرائم لولا جرأة شبكة الجزيرة وقوتها الناعمة؟!!

أ.د. عبد الله خليفة الشايجي

أستاذ العلوم السياسية في جامعة الكويت

0 تعليق

إرسال تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تابعنا على حساباتنا

مقالات أخرى

رسالة إلى أمريكا

رسالة إلى أمريكا

وقف مراسل شبكة CNN الإخبارية بمنطقة "أيتون" شرقي مدينة لوس أنجلوس الأمريكية، مرتدياً قناعاً واقياً من الغاز، قام بإزاحته عن وجهه، بعد أن طلبت منه المذيعة في داخل الاستوديو أن يصف لها ما يحدث على الأرض. بعيون دامعة، ووجه شاحب مكفهر، تحدث بأسى عن جحيم مروع، تشهده ولاية...

قراءة المزيد
أما آن للوزيرة الألمانية أن تهمد؟!

أما آن للوزيرة الألمانية أن تهمد؟!

أخيراً تحقق لها المراد! فقد صافحت الوزيرة الألمانية أنالينا بيربوك الوزيرَ السوري أسعد الشيباني في الرياض، بعد الضجة الكبرى لعدم مصافحة أحمد الشرع لها، والاكتفاء بالترحيب بها بوضع يده مبسوطة إلى صدره! وكما كان عدم المصافحة في دمشق خبرَ الموسم في الإعلام الغربي، فقد...

قراءة المزيد
غزة وجدليَّتا النصر والهزيمة

غزة وجدليَّتا النصر والهزيمة

على مدى ما يقارب ٤٧١ يوماً، وقفت غزة وحيدةً صامدةً تواجه مصيرها، كآخر بقعة تتموضع عليها القضية الفلسطينية، بعد أن تم تدجين العالم العربي كله وصولاً إلى تدجين فلسطين نفسها بقيادة أكثر صهيونية من الصهيونية نفسها، لا هدف لها سوى أن تُنسي الفلسطينيين والعالم كله شيئاً...

قراءة المزيد
Loading...