30  يونيو.. ذكرى ثورة مجيدة!

بواسطة | يوليو 1, 2024

بواسطة | يوليو 1, 2024

30  يونيو.. ذكرى ثورة مجيدة!

هذا يوم عملت فيه الخائبة للغائبة.. فمن هي “الخائبة”؟ ومن هي “الغائبة”؟.. هذا ما سنوضحه بعد قليل!

وقبل التوضيح، نشير إلى شعورٍ بالذنب انتاب كثيرين ممن شاركوا في مظاهرات هذا اليوم، وخرجوا يطالبون بعزل الرئيس المصري المدني المنتخب، فإنّ عبارة صارت تتكرر من طرفي المشكلة مفادها “كلنا أخطأنا”، وهو تسليم بالطلبات يستهدف عدم المحاسبة، مع عدم دقة المقولة، التي تذكرني بعبارة كان يطلقها زملاء بعد الثورة هي “كلنا فلول”!

“كلنا فلول” كان يطلقها من ارتبطوا بنظام مبارك وأجهزته الأمنية، وكانوا أداة من أدواته، وبوقاً من أبواقه، وكان المطلوب أن نمررها بسيف الحياء، الأمر الذي يعني الإعفاء من المساءلة السياسية، وقد استغلّوا في ذلك حرج من لم يكونوا فلولاً، ومن هنا انطلق إعلاميون ارتبطوا بالنظام السابق، ليدلفوا إلى المرحلة الجديدة، ونافقوا الثورة، ثم انقلبوا عليها ومثلوا أحد الأدوات المهمة في الحشد لهذا اليوم المجيد؛ 30 يونيو!

وفي مرحلة مبكرة، وعندما وجدت التسليم بعبارة “كلنا فلول”، نقلتُ في مقال حوارا كان بيني وبين أحد الزملاء، كتب مقالاً حمل شعار المرحلة عنواناً له، فقلت له: “أنت كنت فلولاً أما أنا فلم أكن”؛ لكن قوة الدعاية ومن منابر إعلامية كبرى، ومع حرج الثوار، أمكن تمريرها لتصبح قاعدة لا تقبل الجدل. والآن يريدون تمرير “كلنا أخطأنا”، وذلك ليس بعد أن تبين الرشد من الغي، ولكن بعد أن نال الجميع الجزاء الأوفى، مَن هذه “الغائبة”، التي مثلوا لها غطاء في لحظة من لحظات الجنون، بعد ثورة عظيمة، ليكونوا كالتي نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثاً!

جبهة الإنقاذ وما فعلت

أخطأت القوى المدنية، التي انضوت تحت لافتة “جبهة الإنقاذ”، وأخطأ الإخوان.. لكني في هذه، ومع أني كنت الأقرب للقوى التي شكلت جبهة الإنقاذ، فقد رفضت 30 يونيو، ورفضت حملات “استهياف” – لا استهداف- الرئيس، وكنت – ولو بالحد الأدنى- من معارضي من مطالب هذه الجبهة مثل الدعوة لانتخابات رئاسية مبكرة، ومع أن يكمل الرئيس دورته كاملة غير منقوصة.

وعلى الرغم من وقوفي في خندق المعارضة السياسية للإخوان وحكمهم، فقد كنت مع أن يمكَّنوا من الحكم، وهوَّنت من فكرة أخونة الدولة ما دامت الأمور محكومة بقواعد محددة؛ وكنت مع خيار الناس الذي ينتجه الصندوق، لأنه يظل الخيار الأمثل، حتى مع الأخذ في الاعتبار سلبيات هذا التوجه، إذ تظل الانتخابات هي البديل المعقول.. فهل لدى أحد بديل آخر؟!

لم تسمح أيام الفوضى – التي كانت في العقول قبل الشارع- بمناقشة موضوعية لكثير مما قالته القوى المدنية، والتي كانت تقول في كثير من الأحيان أقوالا تبدو نوعاً من التخاريف، وقد حاولت وفشلت.. فعندما عدد أستاذ القانون جابر نصار أسباب انسحابهم من لجنة وضع الدستور، ومن ضمن ما قاله إن الرئيس محمد مرسي أبقى على مجلس الشورى، ليستمر مالكاً للمؤسسات الصحفية القومية، ليبقى المالك الحقيقي لها هو رئيس الدولة كما كان الحال في عهدي السادات ومبارك، قلت إن الرجل يهذي، بما يجرده من أهليته لأن يدرِّس القانون في كلية الحقوق العريقة بجامعة القاهرة!

ذلك أن مشروع الدستور نص على أن الملكية ستنتقل إلى هيئة مستقلة، وينبغي أن يكون النقاش كيف نضمن استقلالها دون هذا الإنكار، ولم يرد عليه الإخوان، الذين فشلوا في الإعلام أمام ترسانة إعلامية معادية، الأمر الذي مكن المنسحبين من ترديد أقوال أخرى، مثل الادعاء أن وراء انسحابهم حرص الإخوان والسلفيين على بقاء المادة الثانية من الدستور، وهي أن مبادئ الشريعة الإسلامية هي المصدر الأساسي للتشريع، ووجد الإخوان أن هذا الادعاء يخدم أهدافهم فأمّنوا عليه من باب اللعب السياسي، ليحاصرهم الشعب الذي خرج في استفتاء مارس ليقف بجانب خيار التيار الإسلامي، خوفاً من حذف هذه المادة في حال كان السماح بتعديل الدستور كاملا في هذه الأجواء، وهو ما كان يتم التلويح به من شخصيات من غير الإسلاميين!

وكان غريباً أن المحسوبين على القوى المدنية لم يعترضوا على هذه المادة، وتم الاتفاق عليها بما يشبه الاجماع، فمن يمكنه أن يصادم الرأي العام، لكنها الحرب، والرأي، والمكيدة!

ما بين البرادعي وسامح عاشور

لقد دعت جبهة الإنفاذ إلى الخروج في هذا اليوم (30 يونيو) بهدف إسقاط الرئيس المدني المنتخب، في معركة لم يكن للوطن فيها نصيب، وكانت الدوافع انتقامية بامتياز.. والجبهة جمعت طرائق قددا، فجمعت بين البرادعي الذي يدعي أنه مفجر ثورة يناير، وبين سامح عاشور الذي كان في الأيام الأولى للثورة على بعد أمتار من ميدان التحرير في مقر الحزب الناصري، ويعلن في خطاب أمام جماهيره، بأن حزبه لن يشارك في مظاهرات لا يعرف هوية المنتمين إليها، وأنهم في الحزب الناصري مع مبارك!

تماماً كما كان البرادعي نفسه، جزءا من تشكيل حكم في وقت لاحق، ضمّه كنائب للرئيس مع وزير الداخلية المتهم بقتل الشاب جيكا، الذي كان يتظاهر ضد حكم الرئيس محمد مرسي، وكان البرادعي قبل أسابيع قد تقدم ببلاغ للنائب العام باعتباره “ولي الدم”، ونسي ذلك تماماً كما نسي أن يستغل موقعه الجديد في الطلب من النائب العام سرعة إنجاز التحقيق!

البرادعي لم يكن يدافع عن الدولة المدنية، فقد كان صاحب هوى وصاحب غرض، والغرض مرض، وكان ينتظر من الإخوان أن يعيّنوه رئيساً للحكومة، وفي مرحلة لاحقة رحب بعرض أن يكون نائباً لرئيس الوزراء، فبدا كما لو كانوا يريدون كسره أمام نفسه، وهذه واحدة من أخطائهم في هذه المرحلة.. الأمر نفسه فعلوه مع عمرو موسى، الذي قبل مرتين منصب نائب رئيس الوزراء للشؤون الخارجية، والتقى مع خيرت الشاطر الذي قدم له هذا العرض!

صباحي.. الآن.. حالاً

أما حمدين صباحي الحليف السابق للإخوان، الذين لم يصدقوا مع أحد مثلما صدقوا معه، فقد كان يسيطر عليه جنون أن ترتيبه الثالث في الانتخابات الرئاسية، فيريد انتخابات رئاسية مبكرة، الآن، حالاً، على مظنة أنها لو أجريت فسوف يكون هو الرئيس المنتظر لا محالة، فاندفع في المؤامرة بجنون!

ولأنه كان في هذه الحالة، فقد وجه نداء لأنصاره بألّا يسألوا أحداً بجانبهم، في يوم 30 يونيو، إن كان عضواً في الحزب الوطني، فمعركتهم اليوم مع الإخوان.. ثم يقول طائشاً إن 30 يونيو هي الامتداد لثورة يناير التي أسقطت الحزب الوطني!

لقد عبرت كريمة حمدين صباحي السيدة (سلمى) عن ما يدور في رأس الوالد وفي محيط الأسرة، في منشور نشرته في هذا اليوم المجيد (30 يونيو) بقولها: “ما حلاكي يا مصر.. وحمدين صباحي رئيسك، واللواء عبد الفتاح السيسي وزير دفاعك”!

لقد عميت القلوب التي في الصدور، فهل يعتقد أحد أن الجيش سيتحرك ليسقط الإخوان ويسلم الحكم لصاحب القسمة والنصيب ويعود إلى ثكناته؟! إن من يستقر في وجدانه هذا فاقد للأهلية، وينبغي استخراج شهادة معاملة أطفال، تعفيه من المحاسبة على تصرفاته السياسية!

ولم يكن لدى حمدين كناصري مشكلة أيديولوجية من الانقلابات العسكرية، حتى وإن لم تدفع به ليكون هو البديل، وإن كان غيره سيطر عليهم طلب شفاء نفوسهم من الإخوان ولو عاد مبارك للحكم، فوقف الثوري حمدين صباحي بجانب عضو لجنة السياسات جابر نصار.. أين هم جميعاً الآن؟!

عرائس الماريونيت

وكان لكل واحد في جبهة الإنقاذ في مدح النبي غرام، وروّج البرادعي (المدني) لفكرة الاستعانة بالجيش بدون حرج أو وجل، ومن كان يعتقد أن القادم انقلاب عسكري لم يكن لديه مشكلة في ذلك، لأن التصور لدى الإخوان، الذي عبر عنه عصام العريان (رحمه الله) بالقول إن زمن الانقلابات العسكرية انتهى من العالم كله وليس لها وجود إلا في عقل حازم أبو إسماعيل، شكّل الرؤية نفسها لكل المشاركين في جبهة الإنقاذ، فحتى لو عاد الجيش إلى الحكم، فسيكون حريصاً على أن يقدمهم لصدارة المشهد، ولم يكن لديهم ما يمنع من يقوموا بدور عرائس الماريونيت، فيمكنهم التعايش في هذه الحالة!

وقد يقبل أحد من يساري لا يمانع الحكم العسكري، أو من صاحب غرض كالبرادعي، أن يكون ما يشغله هو الانتقام من الإخوان دون أن ينشغل بغير ذلك، وهو شخص ليس سياسياً ولم يتعلم السياسة، وليس مؤرخاً ولا دراية له بالتاريخ، فلم يتعلمه حتى من تجربة والده كنقيب للمحامين مع ضباط يوليو 1952؛ لكن الغريب أن لا يرى غضاضة في ذلك شخص ليبرالي كعلاء الأسواني، عرض عليه الرئيس محمد مرسي منصب وزير الثقافة فاعتذر عنه، ثم إنه كان مثلي لا يحمل تقديراً لتجربة الحكم الناصري، وعنوانها عنده هي نفس عنوانها عندي، وهو الاستبداد والتعذيب في السجون!

فعلاء الأسواني ليس ناصرياً مثل حمدين صباحي، وليس “غير منتم” كالبرادعي، وليس سلطوياً مثل سامح عاشور، فمن أين اخترقه الشيطان؟!

ما جمع بين القوم هو الرغبة الجامحة في عزل الإخوان من المشهد ولو بقوة السلاح، رغم إرادة الناس، والاعتراف بالخطأ جاء الآن لأنهم خرجوا من المولد بلا حمص، وقد عملت “الخائبة للغائبة”.. وواضح الآن المقصود بالخائبة والغائبة.

أما أخطاء الإخوان فإلى الأسبوع المقبل بإذن لله، فهم أخطؤوا وغيرهم أخطأ، لكن لا يجوز القول: “كلنا أخطأنا”!

كلكم.. لا بأس!

2 التعليقات

  1. محمد البغدادى

    هذا ما حدث .
    هذا هو الحق.
    سلم لسانك.

    الرد
  2. Susan Elhakim

    شرح وافي ومستفيض ورائع انرتم عقولنا

    الرد

إرسال تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تابعنا على حساباتنا

مقالات أخرى

في أيدي العسكر

في أيدي العسكر

ببراعة في السرد، وإحاطة بالمكان، وإغراق في التفاصيل، قدم ديفيد كيركباتريك كتابه "في أيدي العسكر.. الحرية والفوضى في مصر والشرق الأوسط"، الكتاب الذي صدر عام 2018، وصدرت منه طبعة مترجمة هذا العام عن دار جسور للترجمة والنشر، ترجمها محمد الدخاخني، إضافة لوجود ترجمات أخرى...

قراءة المزيد
جائزة الدوحة للكتاب العربي .. إحياء العلم بتكريم أهله

جائزة الدوحة للكتاب العربي .. إحياء العلم بتكريم أهله

مطلع يناير 2024 تفاجأ عشرة أعلام من الذين أفنوا أعمارهم في خدمة العلوم بمختلف فنونها، باتصال هاتفي من رقم قطري يحمل لهم بشرى مفادها؛ أن في الكرة الأرضية من يهتم بتكريم العلماء المؤلفين باللغة العربية، وأن في عواصم العرب من يُقدر جهود المتبتِّلين في محاريب العلم،...

قراءة المزيد
عن البذل بعدَ السؤال.. وقبلَه

عن البذل بعدَ السؤال.. وقبلَه

يعجبك أبو نواس في خمرياته، وفي زهده، وفي مدحه الأصيل ولغته المتأصلة العالية. بيد أنه لا يعجبك حين تأخذ منه الكأس فيبدأ يهجو العرب والأعراب بطريقة تحديد الكل select all كما يقول المتفكهون. في سير أعلام النبلاء تقرأ عن الخصيب بن عبد الحميد أمير مصر كلاما جميلا، غير أنه...

قراءة المزيد
Loading...