أردشير زاهدي بين تألق النجومية وانطفائها

بواسطة | يونيو 26, 2024

مقالات مشابهة

مقالات منوعة

بواسطة | يونيو 26, 2024

أردشير زاهدي بين تألق النجومية وانطفائها

“زاهدي” من الأسر المرموقة والهامة في المجتمع الإيراني، ترتبط بصلة نسب مع الأسرة الملكية القاجارية، واهتمت بالتعليم والحرص عليه، وارتبط “فضل الله زاهدي” مع الإمبراطور رضا شاه بعلاقة وثيقة.

فقد كان الإمبراطور يلجأ عنده إلى منزل الأسرة للإقامة خلال مهامه العسكرية قبل أن يتبوأ السلطة، ليقربه بعد ذلك، ويصبح “فضل الله” أحد أهم أفراد قواته العسكرية، وتوكل له المهام الجسام، فقد تم تكليفه بأهم أمر شغل بال الإمبراطور رضا شاه بعد توليته السلطة، وهو القبض على الشيخ خزعل الكعبي، شيخ المحمرة والزعيم القبلي الكبير، وينجح في تلك المهمة لتسقط بعدها كل مناطق عربستان، ويترقى فضل الله بعدها ويصبح رئيس الشرطة.

تسارعت الأحداث السياسية بعد ذلك ومع قرب سقوط طهران أمام الغزو البريطاني الروسي، ما اضطر الإمبراطور رضا إلى التنازل عن العرش لصالح ابنه محمد، وأوصاه بمفاتيح السلطة، ومنها الإبقاء على “فضل الله” كواحد من أهم رجاله.

في خضم هذه الأحداث السياسية المتغيرة والمتسارعة، والتي تطلبت غياب الأب، وُلد “أردشير”؛ وقد تعرضت والدته للمخاطر في فترة حملها، ونصحها الطبيب أن تُجهض إن أرادت الإبقاء على حياتها، لكن والدها رفض ذلك وقال: لا يجب أن نقتل الطفل ووالده غائب في معركة، سوف نبقيه ولتكن مشيئة الله.. ويُولد الطفل بصحة جيدة، وتبقى والدته كذلك.

تميز في فترة دراسته باعتزازه بنفسه والتمسك بآرائه، ولم يمانع أن يتعرض للعقاب في سبيل ذلك، ليحظى بعدها باحترام كبير حتى من مدراء المدارس التي درس فيها، ولعل غيابَ والده الطويل كان من أهم الأمور التي صقلت شخصيته، ما جعله شاباً يُعتمد عليه.

اختار بيروت لدراسته الجامعية، وتخصص في اللغة الإنجليزية بهدف الذهاب إلى جامعات الولايات المتحدة الأمريكية، ليتحقق له ذلك وينضم إلى جامعة (يوتا) بتخصص الزراعة. وخلال وجوده فيها أصبح عنصرًا نشطًا بين الطلبة الإيرانيين وتدرج ليصبح ممثلهم، ليستقبله الشاه أثناء زيارته أمريكا. حدث الود بينهما منذ اللحظة الأولى، ووجه له دعوة خاصة بعد ذلك لحضور حفل زواجه من الإمبراطورة ثريا.

بعد تخرجه افتتن الشاب بأمريكا ولم يرغب بمغادرتها، وامتهن مهنًا وضيعة كغسل الصحون لكسب المال، واستمر بمطالبة والده دومًا بإرسال المال، فأرسل له والده رسالة فيها عتب شديد، وأنه لا يليق به وهو ينتمي لأسرة زاهدي القيام بهذه الأعمال، فخرج عن طوره وأرسل جوابًا على تلك الرسالة يفتقر للباقته والأدب.

تعامل والده مع الموقف بحكمة وهدوء كبيرين، وأرسل له رسالة تنم عن عاطفة شديدة، مبيناً حزنه الكبير لهذا المستوى المتدني من التهذيب، وهو ما يخالف ما رباه عليه، ليشعر بالحرج الكبير ويعود إلى إيران ويقدم اعتذاره وفروض الطاعة لوالده، ويلتحق بعمل في وزارة الزراعة إرضاءً لوالده، ويكون ذلك الموقف من أهم محطات التغيير في حياة زاهدي، ويتحول طموحه من شاب يتسكع في شوارع الغرب، إلى رجل دولة يُستقبل في قصور عواصم العالم الغربي.

لم يرُق له العمل في وزارة الزراعة، فاستقال والتحق بعمل آخر هام جدًا في مسيرة حياته، مشروع “النقطة الرابعة”، وهو مشروع أمريكي هدفه البحث عن أماكن اقتصادية في الدول الثرية والتي تحتاج للشركات الأمريكية، فضلاً عن رغبة أمريكا بالمحافظة على وجود لها في المنطقة دون الشكل الاستعماري، وخصصت 25 مليونًا لصالح تلك الاستراتيجية الهامة.

مكانة أسرته وقربها من القصر، وإجادته اللغة الإنجليزية، ودراسته في أمريكا، عناصر شكلت بالتأكيد جواز المرور للانضمام إلى هذا المشروع.

انحاز في ذلك المشروع لصالح إيران وقدم مصالحها، ووضع آليات لحماية الموظف الإيراني من الفصل التعسفي، وقدم الكثير من المشاريع الزراعية والصناعية، ولكنه دفع ثمن خلاف لا ذنب له فيه بين “مُصدّق”، رئيس الوزراء القوي وعدو الإمبراطور، وبين والده فضل الله، وزير الداخلية والحليف الوثيق للإمبراطور، فقد ضغط مصدق على إدارة المشروع طالباً إخراج أردشير منه ليتحقق له ذلك ويقدم أردشير استقالته، وتتعمق هوة الخلاف بين مصدق وأسرة زاهدي، فقد عبث رئيس الوزراء الكهل العريق بالسياسة بابن الأسرة المدلل، الأمر الذي أوغر صدر فضل الله عليه، ليكون لهذا الخلاف أثر في تشكيل الأحداث القادمة.

عام 1953 هو العصر الذهبي لأسرة زاهدي، حيث دعمت الشاه بقوة للانقلاب على مصدق بالتعاون مع المخابرات الأمريكية، نجح “فضل الله” في جمع كلمة كثيرين في قطاعات الجيش، وقد قام الابن أردشير بدور هام إذ كان حلقة الوصل بين الشاه وأبيه والقطاعات العسكرية، لينجح الانقلاب أخيرًا ويتم القبض على مصدق، ويعود الشاه بعد هروبه ويبدأ بتوزيع الغنائم على المنتصرين، ويصبح “فضل الله” رئيسًا للوزراء وابنه أردشير مستشارًا له، لتكون تلك أول وظيفة رسمية هامة له.

مع النجاح الباهر لـ”فضل الله”، حدث معه أثر جانبي ضار لا يقبله الملوك عادة، فقد خالطه شعور بأنه شريك للإمبراطور في السلطة وليس موظفاً لديه، وتجلى ذلك في الثقة الكبيرة أثناء الحديث معه، حتى صار أحياناً كأنه مصدر التوجيه، وكانت القشة التي قصمت ظهر البعير – كما يقال- هي اجتماع خاص بالتجهيز لرحلة أمريكا  بين الإمبراطور ورئيس وزرائه وبعض أعضاء الوفد بحضور الإمبراطورة ثريا.

انصبّ الحديث على جدول الرحلة وأهم المواضيع التي سوف تناقش مع الجانب الأمريكي، ليلتفت للإمبراطورة ثريا خلال النقاش قائلاً: لماذا لا تقومين بفحص طبي هناك لمعرفة سبب تأخر حملك؟! لم تقبل الإمبراطورة ذلك التوجيه القاسي وشعرت بحرج كبير وإهانة وطعن في كرامتها من شخص يُفترض أنه موظف لدى زوجها، الأمر الذي أوصل زوجها إلى قناعة بضرورة التخلص منه.

عمل الإمبراطور على بث الإشاعات حوله، وقد تكفلت الصحف بنشرها، حتى أقاله أخيرًا، واختار فضل الله سويسرا ليستقر بها قائلاً وهو مغادر: “المسكين مصدق كان على حق”، ويعيش بقية حياته مدمناً على الخمور ومهدداً بوجود وثائق تخصه في أحد بنوك سويسرا، وآثر الصمت بوجود ابنه بمنصب هام (المرافق للإمبراطور الإيراني).

أخذ أردشير جانب الحياد في ذلك الصراع واستمر في ممارسة عمله، ما زاد من إعجاب الإمبراطور به، ويتقابل مع ابنة الإمبراطور (شهناز) ويجمع الود بينهما فيطلبها للزواج، ويوافق والدها ويبارك هذا الارتباط، واعتزازًا بنفسه اشترط عدم إزالة اسم عائلته من اسمه كما يحدث عادة في مصاهرة الملوك، وأن تسكن زوجته معه في منزله، وأن لا يُفرض عليه تغيير أصدقائه.. وتتم مراسم الزواج، لينتقل من درجة موظف هام إلى صهر الإمبراطور، أي عضو في العائلة الملكية البهلوية.

بعدها تم تنصيبه سفيرًا لإيران في أمريكا، واستطاع بناء علاقات هامة مع مفاصل السياسة والإعلام في أمريكا، والتقرب حتى من المعادين لإيران. فهِمَ المزاج الأمريكي العام، واستثمر حفلاته الباذخة لبناء قوة ناعمة لصالح دولته، واستخدم حتى الأفلام للتسويق لإيران، وكوّن علاقات ممتازة حتى مع سفراء الدول المعادية لإيران مثل مصر. بعدها نُقل إلى سفارة إيران في بريطانيا، وكان استقبال الحكومة له مميزًا بسبب أن زوجته ابنة الشاه.

هناك تحيز بين العوائل الحاكمة شعر به أردشير من خلال كسر عدد من القواعد لصالحه، وقد حدث أمر يكشف طبيعته العصبية الحادة.. الملكة إليزابيث أقامت حفلها السنوي عام 1967، وحين حضر إلى الحفل وجد ضمن الحضور الشيخ عيسى بن سلمان حاكم البحرين، وبسبب حساسية قضية البحرين بالنسبة للحكومة الإيرانية غادر الحفل وأبرق إلى دولته بما حدث، وحين لم يأتِه الرد خلال 48 ساعة ظن أن التصرف لم يقبل به الإمبراطور، فأرسل برقية يقدم فيها استقالته، لكن الإمبراطور اتصل به وأثنى على تصرفه وأمره بمواصلة عمله.

واستقال مرة أخرى بعد طلاقه لزوجته، لتُرفض استقالته ويطلب منه الإمبراطور عدم خلط الأمور بعضها ببعض. بعدها تمت ترقيته إلى منصب وزير الخارجية، حينها قدم له والده نصيحة ثمينة لم يسمعها جيدًا، ولذلك خسر المنصب، والمنصب الأهم الذي كان يطمح إليه رئيس الوزراء.. كانت نصيحة الأب التخلص من طبعه الحاد قبل مباشرته العمل.

في وزارته وجد عددًا من الملفات الهامة، منها ملف البحرين، ووجد أن ذلك الأمر هو سبب تعثر علاقة إيران مع الدول العربية، فضلاً عن عدم قبول العالم لفكرة الغزو العسكري، وهناك سبب اقتصادي هو قرب نضوب النفط في البحرين، ما يجعل احتلالها مكلفاً. ويدخل نقاشًا يقنع فيه الشاه بعدم جدوى التحرك العسكري، لينتهي الأمر باستفتاء اختار البحرينيون فيه استقلالهم؛ أما في قضية الجزر الإماراتية فقد كان مكانه بين الصقور، وتمسك بقوة بالحل العسكري، وقد كان ذلك.

علاقة وزير الخارجية برئيس الوزراء هويدا هي سبب إقالته، لم يصغِ لوالده حين نصحه بالتخلص من طبعه الحاد، بدأ العمل باستحقار هويدا، فهو يراه بدرجة أقل منه، ولم يكن يرفع له تقارير وانقطعت العلاقة بين الوزارة وبين رئاسة الوزراء، وحدث أمر جعله يزداد حقداً على رئيس الوزراء، حيث تحدث معه ليقول رئيس الوزراء إن وزارته سوف تستمر عشرين سنة، فيعلق أردشير ضاحكاً وساخراً: إنني لم أستمر مع زوجتي بنت الإمبراطور سوى سبع سنوات، كيف ستستمر أنت عشرين سنة؟ ويستدعيه الشاه بعد عدة أيام، ليوبخه بشدة للزج باسم ابنته في مثل ذلك الحديث.

تلك الحادثة، بالإضافة إلى مشاعر الكره السابقة، جعلته يعلق على كتاب وصله من رئيس الوزراء بسباب بذيء تطاول فيه على أمه، فحمل رئيس الوزراء الكتاب بذلك التعليق إلى الإمبراطور، فتمت إقالته وتعيينه مرة أخرى سفيرًا لإيران في أمريكا، ليستمر في منصبه حتى سقوط النظام، ويصبح من أنشط السفراء.

حاول التدخل في الانتخابات الأمريكية لصالح جيرالد فورد ولكن كارتر استطاع الفوز، وارتبط بكثير من السياسيين والإعلاميين منهم كيسنجر، قدم بمكر لكيسنجر فكرة احتلال منابع النفط في الخليج العربي، كانت أمريكا بالنسبة له ملعباً يستطيع أن يُظهر مهارته بسهولة، واستطاع أن يحصل على استثناء نادر في الموافقة المفتوحة لتسليح الجيش الإيراني.

استعان به الشاه في لحظاته الأخيرة في السلطة، قدم الاستشارة ووجد الكثير من الأخطاء، غادر طهران بعد شروع سفينة النظام في الغرق ليستقر في منزله في سويسرا، غاب عن الصورة إلا في ظهور نادر في بعض وسائل الإعلام، ومات في 18 نوفمبر/ تشرين الثاني عام 2021، مات من دون أن يشعر به أحد بعد أن ملأ الدنيا يوماً وشغل الناس.

0 تعليق

إرسال تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تابعنا على حساباتنا

مقالات أخرى

هل غيرت الاكتشافات الأثرية نظرتنا للحوادث التاريخية؟

هل غيرت الاكتشافات الأثرية نظرتنا للحوادث التاريخية؟

أحياناَ، قد تصادم بعض الآثار الملموسة حكايا استقرت في نفوسنا.. فبعد أن بُنيت في عقولنا قصص ومرويات من الماضي، كثيرًا ما نجد أن بعض الباحثين في مجال الآثار الملموسة والنقوش وغيرها قد اكتشفوا أدلة تناقض المرويات الشفهية أو المسندة! فهل الآثار وسيلة مشكوك بها في قراءة...

قراءة المزيد
نتنياهو فاشل ويعرّض أمن إسرائيل للخطر

نتنياهو فاشل ويعرّض أمن إسرائيل للخطر

أي خطأ في الحسابات قد يدفع إسرائيل وحزب الله إلى حرب شاملة، مع سقوط أعداد كبيرة من الضحايا بين المدنيين. وفي حين تعهدت الولايات المتحدة بأنها تحمي ظهر إسرائيل، فإنها تصر على أنها لا تستطيع ضمان نتيجة مثالية للحرب كما تراها تل أبيب منذ يومين قدم الجنرال تشارلز براون،...

قراءة المزيد
اغتيال عمر.. دلالات الأحداث المتسارعة قبل التنفيذ في المحراب النبوي

اغتيال عمر.. دلالات الأحداث المتسارعة قبل التنفيذ في المحراب النبوي

بعد وصول عمر بن الخطاب (رضي الله عنه) إلى المدينة تسارعت الأحداث، وتقاصرت الساعات التي ستشهد فيها الأمة الإسلامية وتاريخها آخر صفحات الخليفة الراشدي الثاني. محاولة افتعال إشكال شخصي جاء أبو لؤلؤة الفارسي إلى أمير المؤمنين عمر يشكو سيده المغيرة بن شعبة، لأنه يأخذ منه...

قراءة المزيد
Loading...