يوميات بائع كتب عربي في إسطنبول (6)
بقلم: محمد عبدالعزيز
| 2 نوفمبر, 2024
مقالات مشابهة
-
السياسة الخارجية للرئيس ترامب تجاه الشرق الأوسط
لم تمرّ إلا ساعات فقط بعد إعلان الرئيس الأمريكي...
-
“العرب العثمانيون”.. كيف جسّد الإسلام عمومية النظام السياسي لجميع الأعراق؟
خلال زيارتي لنائب مدير جامعة السلطان محمد الفاتح...
-
في موقعة أمستردام.. لم تسلم الجرّة هذه المرة !
تقول العرب في أمثالها: "ما كل مرة تسلم الجرة".....
-
عمر بن عبد العزيز والتجربة الفريدة
حين ظهرت له أطلال المدينة المنورة، أيقن الشاب...
-
هيكل: حكايات من سيرة الأستاذ الكاهن (2)
هيكل والسادات مضت السنوات وابتعد محمد حسنين هيكل...
-
أعرني قلبك يا فتى!
أعرني قلبك يا فتى، فإن الأحداث جسام، والأمور على...
مقالات منوعة
بقلم: محمد عبدالعزيز
| 2 نوفمبر, 2024
يوميات بائع كتب عربي في إسطنبول (6)
يقول الكاتب الإيطالي إيتالو كالفينو: “مَن نحن إن لم نكُن مزيجًا من الخبرات والمعلومات، والكتب التي قرأناها! كل حياة هي موسوعة.. مكتبة!”.. وهذه المقولة تصدق على حياة ومشاعر القراء الذين يقتاتون على عناوين الكتب.
كنت أسير بين الرفوف، وأقف أمام صف السِّيَر الذاتية والمذكرات، وأرى مذكرات الفيلسوف عبد الرحمن بدوي، وأتذكر ما حكاه جورج طرابيشي في الجزء الثاني من كتابه “هرطقات”، عندما قدّم نقدًا لمذكرات عبد الرحمن بدوي، حيث ركز على إيمان بدوي بالنازية ودفاعه عن هتلر، وهجاء بدوي لعبد الناصر، وشتم بدوي مثقَّفي عصره، ويختم طرابيشي نقده بقوله: «كنت أحسب عبد الرحمن بدوي واحدًا من كبار الصانعين الفكريين للجيل العربي المعاصر، ولكن سيرة حياته كما خطَّها بقلمه تكشف عن قامة أصغر مما أحسب، وهذا كشف شديد الإيلام لي شخصيًّا لأن عبد الرحمن بدوي كان واحدًا ممن صنعوا تفكيري، وأسهموا بقدر واسع في بناء ثقافتي الفلسفية، الإسلامية والعربية معًا».
ولا أنسى سخريتي مع رفاقي في المكتبة من عنوان كتاب “نحن شعب مهذب”، وهو سيرة لوزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف، فكنا نتناول كلمة “شعب مهذب” بالسخرية والمزح، والسبب موقفنا من الثورة السورية والتدخل الروسي فيها، كانت هذه السخريات الصغيرة هي التي تُعِين العاملين في المكتبة على الوقوف لساعات طويلة لبيع الكتب، وتتخلل ذلك كؤوس الشاي التركي، وقد سمعت الأستاذ عارف حجاوي يقول: “السيارات تمشي بالبنزين والأتراك يمشون بالشاي”، فضلًا عن الحلويات السورية من المعمول والبرازق والغُريْبة.. وإذا كان لنا في المكتبة سهرة، كنت أذهب وأشتري وربات القشطة من محلات الحلويات في شارع نزلة الفاتح، ويتهمني صديقي بأنني أجامل المدير لأنها الحلويات المفضلة عنده.
وعندما زار المكتبة الروائي الموريتاني أحمد فال ولد الدين، كان يسألني عن عنوان الكتاب ويبحث على هاتفه، حتى إذا وجد منه نسخة إلكترونية زهد فيه، فكان يشتري فقط الكتب التي لا تتوفر على الإنترنت.. وعندما سألته ابتسم وهو يقول: “والـPDF من ورائهم محيط”، أي إن الكتب الإلكترونية تحيط بنا، في دلالة على كثرة الكتب المصورة على الإنترنت، فكان يشتري ما يحتاج إليه فقط ويكتفي بالنسخ المصورة، على عكس بعض القراء ممن لا يؤمن إلا بالقراءة الورقية.
وقد أعجبتني رواية “الحدقي” لأحمد فال، فقد أعاد الجاحظ إلى الحياة في عصرنا، والرواية عن إعلامي يكتب سيناريو فيلم عن الجاحظ، وفيها يشاركنا ورق السيناريو الذي يحتوي على حياة الجاحظ، وأبو عثمان شخصية روائية بامتياز، وما تركه من كتب فيه تفاصيل عن حياته الشخصية.. وقد كتب أحمد فال عدة روايات، منها “الشيباني” ورواية “دانشمند” عن الإمام الغزالي، وكذلك دوَّن قصة اعتقاله في ليبيا بعنوان “في ضيافة كتائب القذافي”، وله كتاب بعنوان “حجر الأرض” عن عمله مراسلًا في أفغانستان.
حجر الأرض: صراع الغزاة والحماة في أفغانستان
ولا بأس بوقفة مع كتاب “حجر الأرض”.. فعندما تحركت الدبابات السوفييتية جنوبًا لغزو أفغانستان مساء 24 ديسمبر1979، كان الصحفي أحمد فال رضيعًا، ومنذ تلك اللحظة كانت أفغانستان ساحة حرب ومكابدة بين الإمبراطوريات المتشاكسة، فلم تعرف أرض الأفغان استقرارًا في تاريخها الحديث إلا بين استقلالها عن الإنجليز 1919، وذلك المساء الشاتي الذي غَزَتْها فيه دبابات الجيش الأحمر السوفييتي.
يصحبنا الصحفي أحمد فال الدين في رحلة إلى بلاد الأفغان، حيث ذهب ليغطي لحظة خروج القوات الأمريكية منها، ودخول طالبان إلى عاصمتها، ومن هذه المشاهدات الشخصية، والغوص في قراءة تاريخ أفغانستان، أراد أن ينجو من هوس الصحفيين بعواجل الأخبار، ورغب في تجنُّب طريقتهم عندما يعميهم الخبر اليومي الجاف المنبتّ عن جذوره التاريخية، وبهذه الصيغة قدّم لنا نصًّا يجمع بين قصته ومشاهداته.. في كتابة تستشعر التاريخ والأماكن المفعمة بالعنفوان الحضاري.
اختار كاتبنا عنوان كتابه “حجر الأرض”، من طبيعة الشخصية الأفغانية التي عاندت كل الغزاة، وهي عبارة قيلت يومًا في وصف أبي مسلم الخراساني، أحد أهم المقاتلين المؤسسين للدولة العباسية، حينما وُصف بهذا الوصف تعبيرًا عن صلابته وشدته.
وصل أحمد فال إلى أرض مطار كابل، وكان الجو رغم المناخ الجميل يرتجف توترًا، وتحرك أحمد عكس الطبيعة البشرية، فالناس يهربون وهو يدخل مع فريق قناته الإخبارية، وكانت أول ملاحظة صدمته هي أن كابل لا تعرف ترف الكمامات الكوفيدية، لكأن الكمامة ترف مُدَّخَر لطيِّب البال خليِّ القلب، أمَّا من يعيش تحت أزيز الطائرات ودويّ الانفجارات فبعيد عن تلك الاحتياطات.
تَقدَّم أحمد بين جدران المطار السميكة متجهًا مع زملائه إلى بوابة الخروج، وما إن اقترب منها حتى نهره جندي أمريكي: “إلى أين؟”، مستغربًا كيف يكون آلاف الناس متكدسين أمام البوابات حالمين بدخول المطار، وأحمد وزملاؤه الصحفيون يخرجون منه طائعين!. أجاب أحمد: “نريد أن نخرج؛ نحن صحفيون”. قال ساعتها أحد الجنود لأحد الزملاء: “كنت أظنّ الجنون مقتصرًا على العسكريين، أما الآن فأعترف أن الصحفيين أكثر جنونًا!”.
كانت كابل تعيش يومها الثالث بلا حكومة، وتدخل عقدها الخامس تحت الرصاص، فالأفغان أمة حربية لا تدين لسلطة الأجنبي، كما يقول جمال الدين الأفغاني عنهم.. وبدت الصورة في الشارع أمام كاتبنا معبِّرة عن طالبان الجديدة: “مسلحون من حركة طالبان واقفون أمام البوابة يساعدون في دخول وضبط الناس، مَن كان يتخيل الصورة؟! جندي طالباني واضعٌ يده على الزناد، وجندي أمريكي بقربه لا يطلق النار عليه!”.. هكذا عبَّر أحمد فال عن دهشته.
ينقلنا الكاتب إلى اللحظة التي بدأ فيها كل شيء، لحظة الحادي عشر من سبتمبر عام 2001، عندما ضُرب البرجان، ساعتها كان أحمد في أمريكا، كان في ذلك الوقت في الرابعة والعشرين من عمره، يحاول أن يشقّ طريقه في الحياة، ويعيش كادحًا محاولًا الدراسة، وحفر موقع له في أرض الأحلام.
في ذلك الوقت جُن جنون أمريكا، وأتى المحققون للتحقيق معه في موقفه من الأحداث، وجلسوا يسألونه عن كل شيء حتى الحوالة المالية لأمه، وهو يضعنا أمام هذه التفاصيل لنرى المشهد عشية ضرب البرجين، الذي انتهى بخطاب بوش الغاضب وقراره غزو أفغانستان.. كانت هذه تشويقة للمادة الثرية داخل الكتاب، حيث قدَّم وصفًا من عدة مصادر عن حياة الملا عمر، ثم صورة أفغانستان في الكتابات الأدبية القديمة، وقدَّم لنا شهادة حيَّة من قلب الصراع.
ليلة ليلاء!
يحكي أحمد فال هذه القصة عما حدث معه وهو يغطي انسحاب القوات الأمريكية من أفغانستان:
“بدأتُ أتحدث (على الهواء)، وعندما أنهيت المقابلة وجدت المصور أشرف عثمان يضحك: أضحكَتني لغتك، قلتَ مرتين: «هذه ليلة ليْلاء»! ما معنى «ليلة ليلاء»؟! ودخل في هستيريا من الضحك. ضحكتُ وأنا أنزِع الملقانَ من أذني، ثم شرحت له أنْ ليس في الأمر تحَذلُق، وإنما هذه هي الصيغة التعبيرية التي طفَتْ على لساني تعبيرًا عن الحدث الجلل المتكشف أمام ناظرَيّ، فأي شخص يحمل حِسًّا تاريخيًّا يعلم أن هذه ليلة ليلاء. والعرب تصف الليلةَ التي يقع فيها حادث خطر بأنها ليلة ليلاء، كما تقول نفس الشيء عن اليوم، فتصف اليوم الذي تقع فيه أحداث جِسام بأنه «يوم أَيْوَم»! وضحك أشرف عاليًا وهو يمسح عينيه: يوم أيوم؟ لا! خَلينا في ليلة ليلاء! وغدت عبارة «ليلة ليلاء» مجالًا للتندُّر بيننا بعد ذلك. لكن من يشهد ليلة رحيل الأمريكيين من كابل يعلم يقينا أنها كانت ليلة ليلاء”.
الأدب الروسي في المكتبة
ومن أفغانستان أنتقل بكم إلى صقيع روسيا، وأتذكَّر من حكايات المكتبة رفّ الكاتب الروسي فيودور دستويفسكي، وبجانب هذا الرف كتب قرينه ليو تولستوي.. صحيح أن حياة الكاتب فيودور دستويفسكي كانت مليئة، بطبيعة الحال، بصفحات كثيرة دراماتيكية: الاعتقال في عام 1849 لاشتراكه في جماعة بتراشيڤسكي الاشتراكية، ثم النفي إلى سيبيريا إلى معتقل أومسك لتنفيذ الحكم بالأشغال الشاقة، ثم معاناته في النصف الأول من الستينيات من قصة حب مضنية مع المرأة «الجهنمية» أبولليناريا سوسلوڤا، وأخيرًاالصرع.. ذلك المرض القاسي شديد الوطأة، المرض المقدَّس الآخذ في التطور، لكنه على الأقلّ حدثت له أيضًا مفارقة في آخر عقد ونصف من حياته، عندما أبدع في تلك الفترة تحديدًا رواياته، المآسي العظمى.. آنذاك تمامًا، وكما يقول خورخي لويس بورخيس، كان “اكتشاف دستويفسكي يشبه اكتشاف الحب للمرة الأولى، أو رؤية البحر لأول مرة، فهو علامة على لحظة هامة في رحلة الحياة”.
وعندما حاولت الكتابة عن الأدب الروسي رأيت إجابة الأديب يحيى حقِّي خير مُعِين لتفسير قيمة هذا الأدب؛ يعترف يحيى حقي بأنه في مطلع الشباب وجد في الأدب الروسي غذاءً لروحه، ومن حسن الحظّ أن الإنجليز عُنُوا بترجمته ترجمة دقيقة.
يكمل حقي بأن الأدب الروسي كان غذاءً لروحه وهو في مطلع الشباب، لأنه وجده يتحدث بلهجة جادة حارة منفعلة تلائم سِنَّه، عن الإنسان وقدره وضياعه، وعن الخير والشر والملائكة والأباليس، عن الأطهار والمومسات، عن العقلاء والمجانين، عن المحافظين والثائرين.. يتحدث الأدب الروسي أيضًا بإسهاب عن الطبيعة ومناظرها، كما في كتاب “مذكرات صياد” لتورغينيف، الذي يعلق عليه حقي بقوله: “درة لا أعرف مثلها كتابًا أعتزّ بقراءته”.
الْتَهَم يحيى حقي روايات “الجريمة والعقاب” و”آنا كارنينا” و”البعث” و”الأرواح الميتة”، ومؤلفات جوركي وتشيكوف وسانين التي ترجمها المازني.. هذه الكتب كانت خبز حقي اليومي، ويعترف بأنه لم يقرأ كثيرًا في الأدب الروسي المعاصر، لاحتوائه في ظنه على الدعاية أكثر من أي شيء آخر، وكل هذه العناوين كانت على رفوف المكتبة في إسطنبول، وقد لاحظت ولع القراء السوريين بالأدب الروسي المترجَم وسؤالهم عنه، وكان صفّ دستويفسكي يبيع أكثر من صفّ تولستوي.
ذات يوم في قبو المكتبة
كنتُ أذهب بانتظام أسبوعيًّا إلى مخزن المكتبة، وهو في منطقة مختلفة عن شارع المكتبة، أجلب نواقص المكتبة من العناوين بمساعدة زميلي عمر الساعور، وهذا المخزن كنا نشعر فيه بكل فصول السنة، من حر الصيف إلى برودة الشتاء القارسة في تركيا، ونضع مدفأة بالقرب منا في المخزن من شدة البرد.
ذات مرة كنت أجرد عناوين وصلتنا من المركز القومي للترجمة في قبو المخزن، ووقفت على كتاب بعنوان “ذات يوم في مصر”، وتعجبت من العنوان، فهو ليس رواية، فما معنى “ذات يوم في مصر”؟
توقفت عن العمل وجلست أتصفح الكتاب وأقرأ مقدمته، وهي لحظة سرقتُها وسط مهامّ العمل، وكان محتوى الكتاب عن قصة الخبراء السوفييت الذين أتوا إلى مصر للمشاركة مع القوات المصرية بعد حرب يونيو 1967، مترجَمًا من الروسية ويحتوي على سبع وعشرين شهادة من المستشارين السوفييت الذين قاتلوا في مصر إلى قصة طردهم من مصر.
وضعتُ الكتاب في مكان مختلف حتى أشتريه لنفسي، وفعلا حصلت عليه، وفحصت الكتاب فإذا به يضمّ شهادات ذاتية من ضباط وخبراء روس بأقلامهم عن سنواتهم في مصر.. بعض الشهادات تَحدَّثت عن الحياة اليومية للسوفييت، مثل وصفهم الطرشي المصري ورداءة الطعام، وأتوقف عند شهادة جندي عن زيادة معدل خيانة الزوجات الروس مع سفر الجنود لمدد طويلة، وعن سعي الروس للدخول في علاقات جنسية، لكن حياة المعسكرات لم تكن تسمح لهم بذلك.
مرت السنوات على هذا الكتاب، وأصبحت أكتب سيناريو حلقات برنامج وثائقي بعنوان “مذكرات”، وأقدّم فِكَرًا جديدة للبرنامج، واقترحت ذات مرة بمناسبة حرب أكتوبر حلقة وثائقية عن شهادات الخبراء السوفييت، وعُدتُ إلى الكتاب الذي تعرفت إليه في قبو مخزن المكتبة، واعتمدت عليه في حلقتي الوثائقية، وهكذا كانت المكتبة هي الرافد الأول في المعلومات، الذي استفدت منه عندما انتقلت للعمل في الأفلام الوثائقية.
كثير من مقترحات الأفلام التي عملت عليها تعرفت إليها في المكتبة، مثل قصة وزير الخارجية الأمريكي هنري كيسنجر، أو حلقة مذكرات رئيس الوزراء البريطاني وينستون تشرشل، أو مذكرات المفكّر مالك بن نبي، أو حلقة شرائط تسجيلات صدام حسين… لقد صافحتُ هذه العناوين والفِكَر والزوايا في المكتبة قبل أن أصبح كاتب سيناريو ومنتجًا للأفلام الوثائقية، وهذه نصيحتي لكل من يعمل بالإعلام، حيث أرى أن الفِكَر والمعلومات والمعالجات بلغة أهل التليفزيون يمكن اكتشافها من داخل صفحات الكتب.
في حب الفصحى
كنت لا أحب الكتب التي تصل إلى المكتبة باللهجة العامية، ونعمل على تَجنُّبها، وأتذكر قصة حكاها الكاتب نعمان عاشور في كتابه “مع الرواد”، عندما نشر مقالة بعنوان “اللغة العامية من تاني” في جريدة الجمهورية، وإذا به يُفاجأ بمكالمة من طه حسين بنفسه، وقال له إنه لا يحب الكلام في التليفونات، ولكنه لا يستطيع أن يغفر له هذا العنوان السخيف وتطاوله على اللغة الفصحى إلى هذا الحد، لدرجة أن يختار نعمان عنوانًا لمقاله بهذا الشكل، وطلب منه أن يزوره في بيته رامتان بالهرم…
وذهب نعمان يجرجر أذياله كما يقولون… وانقضت ثلاث ساعات تَحدَّث فيها طه حسين عن أهمية الفصحى، وقال له: “أنت لست تلميذي؛ تلاميذي لا يكتبون بالعامية أبدًا، وأعرف جميع الحجج التي تقولها عن اللغة الدرامية، وهذا كلام فارغ”، واتهم نعمان بأنه يكابر وغرّه النجاح الجماهيري.
شركسي في المكتبة
يتقدم إلى مكان شراء الكتب بوجهه الممتلئ، وبلكنته العربية الفصيحة، يراودني الفضول نحوه وأسأل: هل أنت تركي يعرف العربية؟ يبتسم وهو يجيب: نعم، وأنت مصري؟! أتفضحنا الجيم التي لا نعطِّشها، أم إن السحنة المصرية معروفة.. بسماري ولوني مصري، كما تقول الأغنية؟
نبدأ الحديث عن الكتب الجديدة، يسألني عن كتاب “الشريعة” لوائل حلاق، أصعد معه إلى الطابق الثاني حيث يصطفّ المؤلفون في مكان يجمع كتبهم، رفوف عليها محمد عابد الجابري بجانب عبد الله العروي وكتب طه عبد الرحمن، وبينهم مفكِّرَا عصر التنوير جان جاك روسو وفولتير، ثم كتب جوستاف لوبون.. نقف عند رف وائل حلاق، وأتعرف إليه، فهو مهتمّ بالدراسات القانونية في الدولة العثمانية.
يتطور النقاش إلى الحديث عن العرب الذين عاشوا في إسطنبول والدولة العثمانية، اكتشفتُ ساعتها أنه شركسي، ويحكي لي عن زوجة السلطان وحيد خان، وأنها كانت شركسية ودُفنت في مصر، يتحدث عن زياراته لمصر، لكن العرق الشركسي هو مفتاح الحديث معه، فهو ينتمي إليهم ويبحث عن أماكن وجودهم في العالم، أسأله عن عائلة الأباظية، ويقفز في ذهني كتاب “عائلة أباظة في مصر”، تأليف د. نشوى كيلاني، وتقديم د. عاصم الدسوقي.. هذا الولع بتاريخ الشركس جعله يحدِّثني عن تاريخ الشراكسة ونحن نسير بين الرفوف، ويتوقف أمام رواية “لورنس الشركسي”.
في الزيارة التالية تَحدَّث معي عن كتاب مهمّ عن تاريخ المماليك صدر مُترجَمًا إلى اللغة العربية عن دار الجمل، للمؤلف جوليان لوازو. وسبب اهتمامه بهذا الكتاب أنه في جزء منه بحث عن أصول المماليك الذين قدموا من بلاد الشركس، وتَحدَّث معي عن مأساة الشركس في روسيا، ومدى الظلم الذي وقع عليهم، وذكرى التهجير ويوم الحداد الشركسي.. ففي الحادي والعشرين من شهر مايو/ أيار كل عام يُحيِي الشركس ذكرى يوم الحداد أو الحزن، وهو ذكرى اليوم الذي انتهت فيه حرب استمرت أكثر من 100 عام بين روسيا القيصرية والشركس، ونتج عنها مقتل عدد كبير منهم، وتهجير كثيرين إلى الدولة العثمانية.
امتدَّت الحكايات مع الدكتور عمر أردر إلى الحديث عن جودت سعيد، الكاتب من أصل شركسي، وخروجه إلى تركيا وكيف كان في استقباله.. هذه القصة تدلّ على ما تقدِّمه المكتبة من توسيع للأفق، فلم أكُن أعرف شيئًا عن الشركس، لكن الحديث معه فتح لي اهتمامًا جديدًا.
مهتم في مجال السير الذاتية والمذكرات
تابعنا على حساباتنا
مقالات أخرى
وقد استجاب القضاء لدعوة الرئيس.. ماذا ينتظر المستأجرون؟!
ذكّرني القول إن المحكمة الدستورية العليا في مصر استجابت لدعوة الرئيس في إصدار حكم، بما مضى. فدائما تذكّرنا القدرات المتواضعة الآن بعهد الرئيس مبارك، فلا يعرف قيمة أمه إلا من يتعامل مع زوجة أبيه، وكثيرون صار شعارهم "رُبّ يوم بكيت منه، فلما مضى بكيت عليه". ولست من هؤلاء...
السياسة الخارجية للرئيس ترامب تجاه الشرق الأوسط
لم تمرّ إلا ساعات فقط بعد إعلان الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب نيته تعيين حاكم أركنساس السابق "مايك هاكابي" ليكون سفيرًا للولايات المتحدة لدى إسرائيل وهو المعروف بدعمه منقطع النظير للاستيطان، خاصة في الضفة الغربية التي يعتبرها جزءاً من أرض الميعاد كما يقول،...
“العرب العثمانيون”.. كيف جسّد الإسلام عمومية النظام السياسي لجميع الأعراق؟
خلال زيارتي لنائب مدير جامعة السلطان محمد الفاتح في إسطنبول، البروفيسور المؤرخ زكريا كورشون، كنت أتحدث معه عن آخر إصداراته، فحدثني عن كتابه "العرب العثمانيون"، ومقصد الكتاب تبيان عمومية النظام السياسي في الإسلام لجميع الأعراق والأجناس في ظل الدولة الواحدة . فالإسلام...
0 تعليق