هل أحضرت روحك معك؟!
بقلم: كريم الشاذلي
| 27 سبتمبر, 2024
مقالات مشابهة
-
السياسة الخارجية للرئيس ترامب تجاه الشرق الأوسط
لم تمرّ إلا ساعات فقط بعد إعلان الرئيس الأمريكي...
-
“العرب العثمانيون”.. كيف جسّد الإسلام عمومية النظام السياسي لجميع الأعراق؟
خلال زيارتي لنائب مدير جامعة السلطان محمد الفاتح...
-
في موقعة أمستردام.. لم تسلم الجرّة هذه المرة !
تقول العرب في أمثالها: "ما كل مرة تسلم الجرة".....
-
عمر بن عبد العزيز والتجربة الفريدة
حين ظهرت له أطلال المدينة المنورة، أيقن الشاب...
-
هيكل: حكايات من سيرة الأستاذ الكاهن (2)
هيكل والسادات مضت السنوات وابتعد محمد حسنين هيكل...
-
أعرني قلبك يا فتى!
أعرني قلبك يا فتى، فإن الأحداث جسام، والأمور على...
مقالات منوعة
بقلم: كريم الشاذلي
| 27 سبتمبر, 2024
هل أحضرت روحك معك؟!
كان السؤال الذي وُجِّه لها واضحاً: كيف كان حاله في البيت؟. فقالت: كان في بيته زوجاً، وأباً، وجَدّاً، كما يجب أن يكون ..
نعم هو نبي، لكنه قبل كل شيء كان إنساناً فاضلاً، مدركاً أن الرجولة الحق تظهر في تحمل المرء منا لمسؤولياته، وأن صغائر الأمور في عين الرجل قد تكون كبيرة في عين أهل بيته.
كان مبتسماً في غالب أحواله، قليل إصدارٍ للأوامر، لطيفاً في التنبيه على الأخطاء.. ورغم مشاغله الكثيرة كان يساعدنا في أعباء البيت، لم يكن يقيم الدنيا ويقعدها بسبب ثوبه الذي انشغلت عن تجهيزه، بل- على العكس- يذهب بهدوء إلى إصلاح ما به من عيب دون أن يلوم أو يشتكي، كنا إذا جلسنا على مائدة الطعام يجد اجتماعنا هذا فرصة طيبة كي يعبر لي عن حبه، يطعمني بيده، ويأكل من حيث أكلت، ويدير الكأس ليشرب من حيث شربت.. كنت أبتسم في فرح، وكان يبتسم في حب.
لم يكن يتركني وأنا متعبة، كان يلقي برأسه على حِجري ويقرأ، يدللني بلقب اخترعه من أجلي، يجهر بحبه لي أمام الناس، لا يجد حرجاً من إعلان مكانتي الغالية في قلبه.. كان يقوم ليستقبل ابنته ويُجلسها في أحسن مكان، يفعل هذا وهو بين أصحابه، إنه يخبرهم أن لا شيء أهم من بيته وأبنائه.
باختصار، كان عندما يحضر إلى بيتنا، لا ينسى أن يحضر روحه معه، كان قادراً أن يفصل بين أعباء عمله، وضغوط مشاغله، وبين وفائه بأدواره الزوجية.. كان رجلاً بحق.
نعم، كان محمد (صلى الله عليه وسلم) رجلاً بحق، وكانت إجابات زوجته عائشة (رضي الله عنها) عن حاله في بيته خير دليل على أن الرجل المكبل بأعباء الدعوة ومشاغلها لا يقع في الخطأ الذي يقع فيه جل رجال اليوم، وهو ذهولهم عن واجبات الزوجية، إنهم يحضرون المال، ويأتون إلينا آخر اليوم متعبين، فيجدون في البيت فرصة مثالية كي يستريحوا من كل الأعباء، ويتخففوا من تقديم المزيد!
قلنا سابقاً إن الزوجة الذكية يجب أن تتلقى زوجها العائد من معركة الحياة استقبالاً يليق بتعبه وتحمله، وإن عليها أن توفر له راحة وسكينة تساعدانه على استعادة روحه التي أنهكتها سجالات الحياة، وضغوط العمل، وحرب لقمة العيش.
هذه المرة أنظر في عين الرجل، وأخبره أن كل حروبنا خارج البيت- مع تقديرنا لها- لا تعني أبداً أن نقصّر في واجباتنا داخل البيت، ولا يجب أن تكون مبرراً كي نسقط حق أهلنا في تواجدنا معهم. هذا التواجد لن يخبرك أحد أنه لا يكون بالجسد فقط، وإنما بالروح أيضاً!. أن تكون متواجداً لتسأل وتجيب، لتبتسم وتشاكس، وتلقي بالدعابة اللطيفة، وتطمئن على القلوب التي تدعو لك.. هل ما زالت على حالها؟
معظمنا يكون حاضراً وغائباً في الوقت ذاته، حاضراً بجسده، لكنه غائب الوعي والتركيز والفؤاد، يجلس بين أهل بيته محدقاً في التلفاز، منشغلاً في متابعة هاتفه، ملقياً وعيه في وادٍ آخر.. يجيب باقتضاب، يرى أن إشارة اليد، وهز الرأس، وأنصاف الكلمات والعبارات كافية لإيصال الرسالة. ولا يدرك صاحبنا أن حالته هذه قادرة على قتل زهور الحياة في بيته، ونفي الشغف والحيوية والبهجة بعيداً.
لا أحد يخبرنا بهذا، لأن القليل هو من يعرف قيمة أن نُحضر أرواحنا معنا، قيمة أن ننظر في العين بذهن حاضر، قيمة أن نهتم بتواجدنا فنجعله كاملاً.
نبيك محمد (صلى الله عليه وسلم)- وهو الأكثر منك انشغالاً- كان يفعل هذا، ستتعجب حين تقرأ سيرته كيف أن الرجل الذي قلب موازين القوى في العالم يتعامل مع أهل بيته على أنهم هم العالم بأسره، وأن مشاكلهم البسيطة في نظر البعض كبيرة في عينه، ومشاعرهم العفوية لا يجب إهمالها بأي حجة.
تحكي له عائشة القصص فيستمع دون أن يتململ، يرتقي حفيداه الحسن والحسين ظهره فيسير بهم وضحكاتهم تجلجل في أذنه، تستشيره ابنته فاطمة في أمر لها فيترك الدنيا ويجلس ليطبب قلبها، وينير لها الطريق.
وسيزيد تعجبك حين تراه بين أصحابه وهو قائم بواجبات الصداقة، وستضرب الراحة بأختها حين تراه قائداً يشحذ همة جنوده، وكيف أنه وطوال سنوات دعوته لم يُقصر يوماً في أداء رسالته.
نعم هو نبي، لكنه قبل كل شيء كان إنساناً فاضلاً، مدركاً أن الرجولة الحق تظهر في تحمُّل المرء منا لمسؤولياته، وأن صغائر الأمور في عين الرجل قد تكون كبيرة في عين أهل بيته، فلا يستخف بها، ولا يسفهها، ولا يتهمهم بأنهم لا يحترمون رسالته ولا الدور الذي يقوم به.
كان مشغولاً صلى الله عليه وسلم، لكنه لم ينس أبداً أن يحضر روحه معه وهو بين الناس، لم يقدم استقالته من وظيفة الزوج، ولا واجبات الأبوة، ولا دوره في حياة من أحبوه..
ثقل المهمة!. عظمة الرسالة!. هذا دور عظيم، غير أن دوره كإنسان في حياة من حوله لا يقل عظمة!
ولم يهملها لحساب قضيته الأولى.. إذ أصل الرسالة أن تكون إنساناً، وأن تكترث بأخيك الإنسان، زوجاً كان أو صاحباً.. مارّاً كان في حياتك أو قاعداً..
كن إنساناً، ولا تنس أن تُحضر روحك معك.
كنبيِّك الذي.. تحبه!
2 التعليقات
إرسال تعليق
تابعنا على حساباتنا
مقالات أخرى
وقد استجاب القضاء لدعوة الرئيس.. ماذا ينتظر المستأجرون؟!
ذكّرني القول إن المحكمة الدستورية العليا في مصر استجابت لدعوة الرئيس في إصدار حكم، بما مضى. فدائما تذكّرنا القدرات المتواضعة الآن بعهد الرئيس مبارك، فلا يعرف قيمة أمه إلا من يتعامل مع زوجة أبيه، وكثيرون صار شعارهم "رُبّ يوم بكيت منه، فلما مضى بكيت عليه". ولست من هؤلاء...
السياسة الخارجية للرئيس ترامب تجاه الشرق الأوسط
لم تمرّ إلا ساعات فقط بعد إعلان الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب نيته تعيين حاكم أركنساس السابق "مايك هاكابي" ليكون سفيرًا للولايات المتحدة لدى إسرائيل وهو المعروف بدعمه منقطع النظير للاستيطان، خاصة في الضفة الغربية التي يعتبرها جزءاً من أرض الميعاد كما يقول،...
“العرب العثمانيون”.. كيف جسّد الإسلام عمومية النظام السياسي لجميع الأعراق؟
خلال زيارتي لنائب مدير جامعة السلطان محمد الفاتح في إسطنبول، البروفيسور المؤرخ زكريا كورشون، كنت أتحدث معه عن آخر إصداراته، فحدثني عن كتابه "العرب العثمانيون"، ومقصد الكتاب تبيان عمومية النظام السياسي في الإسلام لجميع الأعراق والأجناس في ظل الدولة الواحدة . فالإسلام...
اللهم صل وسلم وبارك عليك يا سيدي يا رسول الله
صلوات على محمد واله