خمسة أسباب لنجاح المحتوى الرقمي الفلسطيني

بواسطة | يونيو 29, 2024

بواسطة | يونيو 29, 2024

خمسة أسباب لنجاح المحتوى الرقمي الفلسطيني

أسمعت من به صمم

وصل صوت فلسطين إلى كل ذي قلب رغم سيطرة الاحتلال على وسائل الإعلام قاطبة، وطرق الفلسطينيون الجدران واخترقت الرسالة الآذان، وسمع العالم الرواية وتابع المشهد وعاش تفاصيل الحكاية مع غزة وأهلها، رغم الحظر والتقييد واللجان والذباب والرزايا على مواقع التواصل، في ملحمة رقمية هي الأوسع في التاريخ الحديث، وتم تبادل ملايين “الجيجابايتات” من البيانات والصور والفيديوهات والروابط خلال تسعة أشهر من الإبادة، وتم نشر مئات الآلاف من ساعات البث المباشر والمساحات الصوتية، لمتابعة الأحداث في غزة.

ولعلك تتساءل: لماذا حظيت غزة بهذه المكانة، وسبقت غيرها من الأماكن الملتهبة في العالم؟ كيف تفوقت سردية الثورة الفلسطينية على ثورات الربيع العربي والنزاعات والحروب في البلاد الأخرى؟ ما هي الخلطة التي جعلت قصة غزة تتسرب إلى كل ركن وينحاز إليها كل ذي قلب سليم؟

ولأجيبك من خلال الرصد والمتابعة، وجدت أن أبرز خمسة أسباب هي:

1- العدالة والمظلومية

ما بين صمود ومعاناة وتحدٍ ومأساة يعيش أكثر من مليوني محاصَر في غزة، متعلّقين بحبل من الله وأمل في فرج منه، بعدما انقطعت بهم السبل في من حولهم وما حولهم، فقصص الشهداء والنازحين تتوالى تترى، وحكايات البطولة تأبى أن تتوارى، وبينهما آلاف العبرات والعِبر لمن عنده قلب أو يسمع ويرى، أصبح يقينًا بعد ستة وسبعين عامًا أن غزة لم تكن يومًا محتلة، وأنها شوكة ستدمر ما يعرشون، وأن مهمة تحرير الشعوب منوطة بها، وأن السبيل لتحرير العالم من الاستعمار ونظامه المستبد بدأ بالطوفان الذي كشف زيفهم وأوشك أن يغرق سفنهم.

لذا لم يكن غريبًا أن يتسابق الأحرار للصعود على متن سفينة النجاة بعدما تكشّفت الحجب، وأيقن الجميع حجم الظلم الذي يعانيه النازحون والمحاصرون، والإجرام الذي يمارسه المحتل بحق الصغار والمستضعفين، فانحازوا للحق بغية تحقيق العدالة لأصحابه، وخرجوا إلى الميادين في المظاهرات، وفاخروا بنشر ذلك كله على حساباتهم، ودعوا آخرين غيرهم ليلحقوا بهم، كي لا يضافوا إلى قائمة المتخاذلين أو المتواطئين.

2- المأساة والبطولة

لم ينشر النشطاء صور المأساة فقط، بل حرصوا على تداول المشاهد التي تنفذها المقاومة لبث روح الأمل، وإعادة الحياة للأحداث في كل مرة ترجح في نظر المتابع كفة المحتل بالمجازر التي ينفذها، ولو دققت في وقت بث مقاطع استهداف قوات الاحتلال أو خطابات الناطق العسكري، لوجدت أن المقاومة تختار وقتًا بلسميًا لبثها لعلاج الناس من مآسيهم وتضميد جراحهم.

لذا بات الناس عربًا وعجمًا يتلهفون خطاب الناطق باسم الكتائب، ويتفحصون كل ثانية قنص تشفي صدورهم، ويتابعون كل بطل يطل عليهم حافي القدمين يقتلع دبابة أو يفجر مدرعة أو يزرع عبوة، بفضلها عاش المتابعون مشاهد البطولة جنبًا إلى جنب مع المأساة في غزة، فأطالوا المكوث وتداولوا السردية بفخر، لأنها تمثلهم بضعفها وقوتها.

قد يتعاطف الجمهور مع الضحية المغلوبة على أمرها، ولكنهم يحترمون التي تقاوم أكثر، ويقفون إلى جانب الذين يصمدون ويكتبون سطور النجاة بأيديهم، قد تمر على البطل لحظات ضعف وانكسار، لكن لابد من انتفاضة من تحت الرماد وهو ما يميز العنقاء.

3- غزارة الإنتاج

تميزت الحكاية في غزة بالتركيز على قصة بعينها في وقت محدد، يدندن الجميع حولها كلٌ بأسلوبه، ما جعلها هضبة يستقر فوقها المحتوى الرقمي لأطول فترة حتى تصبح قصة متداولة (تريند)، ومع تكرارها يتفق الناس على تفاصيلها.. مؤكَّدٌ أنك ما زلت تحفظ الكثير من الأسماء والأماكن والمجازر والقصص التي تداولها النشطاء، وذلك بفضل إعادة نشرها من عدد كبير من المغردين، بغض النظر عن صلتهم بها.

ومع اكتفاء صاحب المحتوى الأصلي بكتابة اسمه لحفظ حقوقه، مُرحبًا بتداول مادته دون الرجوع إليه، سعى النشطاء والمغردون لإعادة النشر، معتمدين القاعدة الأهم في نشر المحتوى الرقمي: “وصول المحتوى لك ليس نهاية المطاف بل بدايته”، وبناء عليه شهدنا غزارة غير مسبوقة في إعادة نشر المضامين الإعلامية من طبقات المجتمع كافة، بغض النظر عن تباين تخصصاتهم، إلى جانب التنافس المحموم لتصدّر المشهد، فلا يكاد يمر يوم بلا وسم أو حملة أو قصة تعيد البوصلة إلى غزة.

 4- القبيلة الكونية

أعاد السابع من أكتوبر القضية الفلسطينية إلى عالميتها، فلم تعد حكرًا على الفلسطينيين، بل غرّد أحرار العالم طوعًا بالأحداث الواردة من غزة، مخاطبين مجتمعاتهم بلغاتهم؛ وعلى مدار أشهر الإبادة وصل الطلب على المحتوى الفلسطيني إلى ذروته، وانخرط جمع غفير من صناع المحتوى في إنشاء ونشر المضامين التي تروي نهم المتابعين، ما زاد من شهرتهم وفائدتهم على المستويين الإعلامي والمادي، وأيقن الكثيرون مثلك أن هذه قضية رافعة، من يتحدث عنها يحظى بالاهتمام والمتابعة.

لذا فقد حقق بعضهم دخلًا، وأطلق آخرون حملات تبرعات، وشكّل المؤثرون منهم فرقًا ومبادرات ومجموعات ضغط، واستضافت الفضائيات عددًا كبيرًا من أولئك الذين صنعوا حولهم شبكات مناصرة، وتنافست تلك الجهود المتناثرة بشكل عجيب لخدمة السردية الفلسطينية بلا اتفاق مسبق، وسواء كان الدافع وراء النشر ماديًا أم انتماءً إنسانيًا لقضية عادلة، فقد كان ذلك سببًا في إبقاء جذوة الأحداث متقدة في أماكن متفرقة حول العالم.

5- حرب المنصات

حذر الاتحاد الأوروبي شركات التكنولوجيا من عقوبات قانونية إذا لم تحذف المحتوى المؤيد للمقاومة على منصات التواصل الاجتماعي التابعة لها، وفي مسعى منه لتحقيق أكبر دخل اقتصادي تحايل إيلون ماسك على القرار وصرّح بقوله: “سياستنا هي الانفتاح والشفافية، وهو نهج أعرف أن الاتحاد الأوروبي يدعمه”، ليستقطب اهتمام المتابعين لمنصة X. على النقيض من ذلك سعت (ميتا) لمحاربة المحتوى الفلسطيني بصلافة على كل منصاتها، وكانت النتيجة نجاح المحتوى على إكس ووصول الرسالة إلى كثير من المجتمعات.

التفوق الرقمي والدخل الاقتصادي واهتمام المستخدمين أغرى مارك زوكربيرج، مالك ميتا، لتعديل خوارزميات منصاته (خاصة فيسبوك وإنستجرام) كي تتسامح مع محتوى المؤثرين المركز على فلسطين، وتسمح بانطلاق السردية الفلسطينية من جديد، بعدما تبين له بالإحصاءات والأرقام كمية البيانات المتداولة من المتابعين التي تناقش هذا النوع من المحتوى، وكانت النتيجة انطلاق المحتوى من قمقمه، وكأن الله جنّد أعداء الرسالة للمساهمة في نشرها، وهم يظنون أنهم يحققون مكاسب شخصية منها.

حجة عليك لا لك

وصول الرسالة واختراقها، وانتشار المحتوى الفلسطيني الرقمي، حجة على القاعدين، فالغاية من نشر الوعي هي تحريك الناس إلى الميادين، للضغط على صناع القرار لتغيير واقع المحاصَرين، ورفع الظلم عن النازحين، وإيقاف الإبادة وحرب التجويع، لا البقاء خلف الشاشات لكسب معارك افتراضية، والخوض في نقاشات جدلية، فالكلفة يدفعها أهل غزة من دمائهم كل لحظة.

ومن يقدم شيئًا فإنما لنفسه، إن جاهدت بصوتك وقلمك ودعائك ومالك ووقتك فإنما هي تقربك من إنسانيتك، وتزيد من مثاقيل حسناتك كيما تزيل عن كاهلك وصمة التخاذل ومساندة الباطل..

يقدم أهل غزة أرواحهم وأولادهم كل يوم جهادًا في سبيل الله نيابة عن الأمة كلها، ولا كعب يعلو نعالهم..

فأنقذوا أنفسكم.

0 تعليق

إرسال تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تابعنا على حساباتنا

مقالات أخرى

هموم عُمَريّة في الساعات الأخيرة ومصير المتآمرين على اغتيال أمير المؤمنين

هموم عُمَريّة في الساعات الأخيرة ومصير المتآمرين على اغتيال أمير المؤمنين

بعد أن طُعن أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه في المحراب في صلاة الفجر، يومَ الرابع والعشرين من شهر ذي الحجة، في السنة الثالثة والعشرين للهجرة، احتمله الناس إلى بيته وجراحُه تتدفق دما. همّ الخليفة أن يعرف قاتله كان من أوائل ما طلبه أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه أن يعرف...

قراءة المزيد
حينما يتمسح العرب بزيدان ولامين يامال وشاكيرا وأوباما !

حينما يتمسح العرب بزيدان ولامين يامال وشاكيرا وأوباما !

أواخر التسعينيات من القرن الماضي، فوجئ العرب بحدث مثير: صور تملأ وسائل إعلام الدنيا تجمع "دودي الفايد" مع.. من؟. مع أميرة الأميرات وجميلة الجميلات "ديانا"!. للتذكرة.. "دودي" (أو عماد) هو ابن الملياردير محمد الفايد، المالك السابق لمحلات هارودز الشهيرة فى لندن. نحن –...

قراءة المزيد
الغربي الآخر بين سعيد ومالك بن نبي

الغربي الآخر بين سعيد ومالك بن نبي

ظل مالك بن نبي مصراً على أن ملحمة الاستقلال العربي الإسلامي، الممتد إنسانياً بين أفريقيا وآسيا، تنطلق من معركة التحرير الفكري بشقّيها؛ كفاح الكولونيالية الفرنسية عبر روح القرآن ودلالته الإيمانية، ونهضة الفكر الذاتي الخلّاق من أمراض المسلمين، والرابط الروحي والأخلاقي...

قراءة المزيد
Loading...