
سامحوني أنا شخصيا
بقلم: شيرين عرفة
| 15 نوفمبر, 2024

مقالات مشابهة
-
أما آن للوزيرة الألمانية أن تهمد؟!
أخيراً تحقق لها المراد! فقد صافحت الوزيرة...
-
غزة وجدليَّتا النصر والهزيمة
على مدى ما يقارب ٤٧١ يوماً، وقفت غزة وحيدةً...
-
سوريا وثورة نصف قرن
سيسجل التاريخ أن يوم ٨ ديسمبر ٢٠٢٤م يوم مفصلي...
-
خطر الدوغمائية على مآل “الميثاق الغليظ” في المغرب!
يزداد انشغالي فكريًّا ووطنيًّا بما سيثيره مشروع...
-
ماذا عن القرار العباسي بإغلاق مكتب الجزيرة؟!.. يا لك من نتنياهو!
فعلها محمود عباس (أبو مازن)، وأكد عندما فعلها...
-
وقد استجاب القضاء لدعوة الرئيس.. ماذا ينتظر المستأجرون؟!
ذكّرني القول إن المحكمة الدستورية العليا في مصر...
مقالات منوعة
بقلم: شيرين عرفة
| 15 نوفمبر, 2024
سامحوني أنا شخصيا
بعد مرور ما يزيد عن 400 يوم في حرب إسرائيلية دموية على قطاع غزة، لم تتميز فقط بأنها الأكثر وحشية ودموية وهمجية في العصر الحديث، حتى أن التدمير الذي لحق بالقطاع يفوق ما حدث لمدينة دريسدن الألمانية خلال الحرب العالمية الثانية، وبقوة نارية بلغت -حتى أبريل الماضي- 45 ألف صاروخ وقنبلة، بما يعادل 75 ألف طن من المتفجرات، أي ما يوازي 3 أضعاف القنبلة الذرية التي أُلقيت على هيروشيما، على الرغم من أن المدينة اليابانية تبلغ مساحتها 900 كيلومتر مربع، بينما مساحة غزة لا تتجاوز 300 كيلومتر مربع.
لكنها حرب تميزت أيضا بأنها الأشد ظلما وقهرا في التاريخ، فلم تسجل لنا كتابات المؤرخين ولا وثائق الحروب أن مدينة كانت محاصرة من كل الجهات، برا وبحرا وجوا، ولا تملك جيشا أو سلاح طيران، أو قطعا بحرية، أو دبابات أو مركبات، أو معدات حربية متقدمة.. فيها فقط شعب أعزل وميليشيا عسكرية لا تملك سوى أسلحة خفيفة تم تصنيع أغلبها محليا، وصواريخ بدائية، تواجه جيشا مصنفا ضمن الأقوى والأكثر عتادا في العالم، ويحصل على دعم لا محدود، عسكريا واقتصاديا واستخباراتيا من الدولة الأقوى والأعلى اقتصادا في العالم (أمريكا)، وكذلك مساعدات من 6 دول غربية وأوروبية أخرى، هي أيضا ضمن الأعلى عالميا في مؤشرات الاقتصاد، وتستمر الحرب لأكثر من عام دون أي دعم عسكري لأهل تلك المدينة.
لم يعرف التاريخ مطلقا شيئا مماثلا لما يحدث في غزة اليوم!. فيتنام لم تكن لتنتصر على الولايات المتحدة الامريكية لولا دعم الاتحاد السوفييتي (سابقا) والصين وكوريا الشمالية وكوبا. ولم ينسحب السوفييت من أفغانستان إلا عقب تدخل الولايات المتحدة الأمريكية بسماحها لبلدان العالم الإسلامي بإرسال المجاهدين والأسلحة والأموال، وظلت خطوط الإمدادات تلك متواصلة طوال سنوات الحرب.
كان الاتحاد السوفييتي والصين يدعمان كوريا الشمالية، في حربها التي شنتها على كوريا الجنوبية بين عامي 1950 و1953، وعُرفت باسم الحرب الكورية، ولم يتوقف القتال بينهما إلا بعد حصول كوريا الجنوبية على دعم كبير وتعزيزات من قبل قوات الأمم المتحدة وأمريكا. وأريتريا ما كانت لتحصل على استقلالها، ويتم الاعتراف بسيادتها في 1991م، عقب حرب استمرت لمدة 30 عاما مع الجانب الأثيوبي، لولا حصول أريتريا على دعم من دول عدة، منها ليبيا والصين.
لم يحدث قط على مر التاريخ أن سمعنا بمدينة معزولة ومحاصرة تحارب مجموعة ضخمة من أقوى بلدان العالم، دون دعم مباشر وإمدادات تصلها من دول صديقة أو من الجوار.. حجم الخذلان والتواطؤ الذي تعرضت له غزة من محيطها مفزع وصادم وتاريخي، ويؤكد لنا أنهم المقصودون بحديث رسولنا الكريم (صلى الله عليه وسلم) حين قال: “لا يزال من أمتي أمةٌ قائمة بأمر اللَّه، لا يضرهم من خذلهم، ولا من خالفهم، حتى يأتيهم أمر اللَّه وهم على ذلك”. [صحيح البخاري].
وما يزيد من صدمتنا، أنه عقب نشر تفاصيل زيارات وزير الخارجية الأمريكي “أنتوني بلينكن” إلى الدول العربية (مصر والأردن والسعودية والبحرين) في أكتوبر 2023، على صفحات كتاب “الحرب” للصحفي الأمريكي “بوب ودورد”، اكتشفنا أن تلك الدول لم تكن متخاذلة وحسب، بل أيضا مشاركة وداعمة لإسرائيل.
كما كشفت حادثة السفينة “كاثرين”، التي كانت تحمل شحنة عسكرية ومتفجرات، في طريقها لتغذية آلة الحرب الإسرائيلية، في الأول من نوفمبر الجاري، ورسوها في ميناء الإسكندرية المصري، بعد رفض دول عديدة من دول العالم استقبالها، ثم حادث مرور فرقاطة إسرائيلية بعدها بيومين عبر قناة السويس، أن النظام المصري مشارك بخسة وحقارة لا مثيل لهما بدعم دولة الاحتلال في حربها لإبادة الشعب الفلسطيني.. ما جعل موجة من الغضب ومشاعر الإحباط والخزي تسود في أوساط المصريين، ظهرت في تدويناتهم عبر مواقع التواصل، ووصفها بدقة نجم الكرة المصري المعتزل “أبو تريكة”، عبر برنامج تليفزيوني ظهر فيه، قائلا: “لم نعد نستطيع أن نرفع رأسنا كمصريين”.
ووسط هذا كله، يظهر لنا مقطع “فيديو” عفوي تم تصويره بكاميرا جوال، من محافظة الشرقية بدلتا مصر، لسائق “توكتوك” يرفض الحصول على أجرة توصيله لراكب بعد معرفته أنه من فلسطين، وفي ظل إلحاح الراكب عليه، يبكي السائق المصري بحرقة قائلا: “هو أحنا عارفين نعمل لكم حاجة”. ثم يستطرد: “أنا صعبان عليَّ أصلا أني أنا عايش”، ويناشده باكيا: “أستحلفكم بالله تطلبوا من كل فلسطيني تعرفوه يسامحني، بعيدا عن الشعب المصري أو العربي، يسامحوني أنا شخصيا”.. ثم ذكر اسمه، وهو “السيد محمد عبد المجيد” وقريته التي تُدعى “مهدية”.
هذا المقطع أحدث ضجة كبرى على مواقع التواصل، كان سببها إحساس كل مصري وعربي، بأن هذا الرجل البسيط قد ترجم مشاعر كل منهم بدقة، وجسد آلامهم وحسرتهم؛ فدموع الرجل وحزنه، بل وانعدام رغبته في الحياة، هو ما يشعر به كل مسلم وعربي شريف، يتابع يوميا في عجز وأسى مشاهد إخوانه وهم يُقتلون ويقصفون، وتُقطع أجسادهم، ويحرقون أحياء، على مرأى ومسمع منه، دون أن يتمكن من إغاثتهم.
جاء مشهد السائق المصري، بصوته المتحشرج، ودموع القهر التي سالت على خده، معبرة عن حالة من الغضب المكتوم، الغضب الممزوج بالحزن والحسرة، تغمر المصريين، جراء موقف بلادهم الفاضح من حرب غزة، فكانت التعليقات التي امتلأت بها مواقع التواصل، في أغلبها تشي بأن ما فعله هذا السائق يمثلهم ويعبر عنهم.
وهذه هي أيضا ذات المشاعر التي أشعر بها الآن، ومنذ اليوم الأول لتلك الحرب الظالمة.. لم يمر عليَّ يوم لم أتذكر فيه أهل غزة، لم يتوقف لساني يوما عن الدعاء لهم، أبتهل إلى الله بالدعاء في مختلف مواقف يومي؛ عندما أصحو دافئة في فراشي وأتذكر أنهم يعانون البرد في المخيمات، حينما أتناول طعامي وأتذكر مشهد العجوز التي كانت تطبخ أوراق الشجر، والأطفال الذين ماتوا جوعا، حينما أجتمع بأبنائي فتمرّ بذهني مشاهد نساء غزة وهنّ يهرولن بحثا عن جثامين أبنائهن.. وحين أطعمهم، يحرقني صوت المرأة التي قضى أبناؤها تحت القصف، وهي تصرخ: “الأولاد ماتوا من غير ما ياكلوا”.
حين أمارس أي نشاط من أنشطة حياتي اليومية، أتحسر لمعاناتهم، وقد فقدوا منازلهم المريحة، وحرموا من حياتهم الآمنة.. وهم منذ أكثر من 400 يوم يقاسون الويلات في أماكن اللجوء والشتات، ويودعون باستمرار أحبابهم وفلذات أكبادهم، بل وينتظرون الموت في كل لحظة، وفوق كل شبر على أرضهم.
لذا فبعيدا عن الشعب المصري كله، وعن بقية الشعوب العربية، أطلب أنا -شيرين عرفة- من كل فلسطيني يعرفني أو قرأ لي يوما ما، أن يسامحني أنا شخصيا.. سامحوني.

كاتبة صحفية وباحثة سياسية
2 التعليقات
إرسال تعليق
تابعنا على حساباتنا
مقالات أخرى
رسالة إلى أمريكا
وقف مراسل شبكة CNN الإخبارية بمنطقة "أيتون" شرقي مدينة لوس أنجلوس الأمريكية، مرتدياً قناعاً واقياً من الغاز، قام بإزاحته عن وجهه، بعد أن طلبت منه المذيعة في داخل الاستوديو أن يصف لها ما يحدث على الأرض. بعيون دامعة، ووجه شاحب مكفهر، تحدث بأسى عن جحيم مروع، تشهده ولاية...
أما آن للوزيرة الألمانية أن تهمد؟!
أخيراً تحقق لها المراد! فقد صافحت الوزيرة الألمانية أنالينا بيربوك الوزيرَ السوري أسعد الشيباني في الرياض، بعد الضجة الكبرى لعدم مصافحة أحمد الشرع لها، والاكتفاء بالترحيب بها بوضع يده مبسوطة إلى صدره! وكما كان عدم المصافحة في دمشق خبرَ الموسم في الإعلام الغربي، فقد...
غزة وجدليَّتا النصر والهزيمة
على مدى ما يقارب ٤٧١ يوماً، وقفت غزة وحيدةً صامدةً تواجه مصيرها، كآخر بقعة تتموضع عليها القضية الفلسطينية، بعد أن تم تدجين العالم العربي كله وصولاً إلى تدجين فلسطين نفسها بقيادة أكثر صهيونية من الصهيونية نفسها، لا هدف لها سوى أن تُنسي الفلسطينيين والعالم كله شيئاً...
أحسنت أستاذة
أبدعتي كالعادة استاذة شرين جعلك الله دوماً نبراساً للحق ووالله ااننا جميعا لاتطيب لنا الحياة ونشعر بغصة في قلوبنا نسأل الله فرجا قريبا لإخواننا المقهورين ونصرا يشفي قلوب قوم مؤمنين ويذهب غيظ قلوبنا جميعا