
من زمزم إلى الذّبيح عبدالله.. إرهاصات بين يدي الولادة
بقلم: محمد خير موسى
| 9 نوفمبر, 2024

مقالات مشابهة
-
أما آن للوزيرة الألمانية أن تهمد؟!
أخيراً تحقق لها المراد! فقد صافحت الوزيرة...
-
غزة وجدليَّتا النصر والهزيمة
على مدى ما يقارب ٤٧١ يوماً، وقفت غزة وحيدةً...
-
سوريا وثورة نصف قرن
سيسجل التاريخ أن يوم ٨ ديسمبر ٢٠٢٤م يوم مفصلي...
-
خطر الدوغمائية على مآل “الميثاق الغليظ” في المغرب!
يزداد انشغالي فكريًّا ووطنيًّا بما سيثيره مشروع...
-
ماذا عن القرار العباسي بإغلاق مكتب الجزيرة؟!.. يا لك من نتنياهو!
فعلها محمود عباس (أبو مازن)، وأكد عندما فعلها...
-
وقد استجاب القضاء لدعوة الرئيس.. ماذا ينتظر المستأجرون؟!
ذكّرني القول إن المحكمة الدستورية العليا في مصر...
مقالات منوعة
بقلم: محمد خير موسى
| 9 نوفمبر, 2024
من زمزم إلى الذّبيح عبدالله.. إرهاصات بين يدي الولادة
“إنّي لنائمٌ في الحِجر إذ أتاني آت فقال: احفر طَيبة؛ قال: قلت: وما طَيبة؟ قال: ثمّ ذهب عني، فلمّا كان الغد رجعتُ إلى مضجعي فنمتُ فيه، فجاءني فقال: احفر برّة؛ قال: وما برّة؟ قال: ثمّ ذهب عني، فلمّا كان الغد رجعت إلى مضجعي فنمت فيه، فجاءني فقال: احفر المضنونة، قال: فقلت: وما المضنونة؟ قال: ثم ذهب عني، فلمّا كان الغد رجعت إلى مضجعي فنمتُ فيه، فجاءني فقال: احفر زمزم، قال: قلت: وما زمزم؟ قال: لا تنزف أبدًا ولا تُذَم، تسقي الحجيج الأعظم، وهي بين الفرث والدّم، عند نقرة الغراب الأعصم، عند قرية النّمل”
هكذا يتحدّث عبد المطلّب عن الرّؤيا التي كانت دافعه لحفر زمزم، فبعد تكرارها، وبيان موضعها بدقّة؛ انطلق مع ابنه الحارث ــ وكان ابنه الوحيد حينها ــ ليباشر حفر زمزم، حتى وصل إلى الطمي فكبّر، فعرفت قريش أنّه نال بغيته فتجمّعوا حوله، حتى إذا وصل إلى الكنوز التي دفنتها قبيلة جرهم وهي سيوف ودروع وغزالان من ذهب، فقالوا له: يا عبد المطلب، إنّها بئر أبينا إسماعيل، وإنّ لنا فيها حقًا فأشركنا معك فيها؛ فأبى وقال لهم: ما أنا بفاعل، إنّ هذا الأمر قد خصصت به دونكم، وأعطيته من بينكم.
وتنازعوا أمرهم واشتد الخلاف بينهم حتى اتفقوا على التحكيم فاختاروا أن يتحاكموا إلى كاهنة بني سعد، وكانت العرب في الجاهليّة ترى في الكهانة مرجعيّة ترجع إليها فيما تعسّر من أمورها وتعقّد من شؤونها.
وانطلق عبد المطلب ومعه نفر يسير من أقاربه برفقة وفد من قريش إلى أطراف الشام حيث كانت تقيم كاهنة بني سعد، وفي طريقهم إليها نفد ما لديهم من ماء حتى طنّوا أنّهم لا محالة هالكون، فجلسوا ينتظرون حتفهم عطشًا وقد أرهقهم الحرّ والعطش؛ فقال لهم عبد المطلب: والله إن إلقاءنا بأيدينا هكذا للموت، لا نضرب في الأرض ولا نبتغي لأنفسنا لَعَجزٌ، فعسى الله أن يرزقنا ماء ببعض البلاد؛ ارتحِلُوا؛ فاستجاب له القوم وقاموا من فورهم، قدم عبد المطلب إلى راحلته فركبها، فلما قامت وانطلقت به انفجرت من تحت خفّها عين ماء عذب، فكبّر عبد المطلب وكبّر أصحابه، ثم نزل فشرب وشرب أصحابه واستقوا حتى ملؤوا أسقيتهم، ثم دعا وفدَ قريش ليشربوا وقد شارفوا على الهلاك قائلًا لهم: هلمّ إلى الماء؛ فقد سقانا الله، فاشربوا واستقوا، فجاءوا فشربوا واستقوا، وتعامل وفد قريش مع هذه الحادثة على أنّها رسالة لهم وإشارة على حقّ عبد المطلب بزمزم؛ فقالوا: قد والله قُضي لك علينا يا عبد المطلب، والله لا نخاصمك في زمزم أبدًا، إنّ الذي سقاك هذا الماء بهذه الفلاة لهو الذي سقاك زمزم، فارجع إلى سقايتك راشدًا، فرجع ورجعوا معه، ولم يصلوا إلى الكاهنة.
وبهذا أصبحت زمزم من حق عبد المطلب، وأهّلته لتكون سقاية الحجيج حصريّة بيده، وهذا مما يزيد في مكانته السياديّة في مكّة ورعايته للكعبة وموسم الحج، ويزيد من مكانته ورفعته عند سائر قبائل الغرب في جزيرة العرب. ولقد وضع عبد المطلب الكنوز التي استخرجها في الكعبة، فكان أوّل من حلّى الكعبة بالذهب، وهذا زاد من تعظيمه ومهابته في نفوس قريش وسائر العرب.
إنّ حفر زمزم يأتي في سياق إرهاصات الولادة النبويّة من ناحية تحضير مكّة للولادة النبويّة ومن بعدها البعثة بالرسالة، فهي تسلّط الضوء على البيت النبويّ وتجعله محطّ أنظار أهل مكّة بشكل خاص وقبائل العرب في الجزيرة من ناحية ثانية.
وممّا يجدر ذكره هنا أنّ حادثة حفر بئر زمزم وما جرى بين عبد المطّلب وقريش من المنازعة جعلت عبد المطلب يشعر باستقواء قريش عليه، وبضعفه أمامهم، ومن الطبيعيّ أن يعزو ذلك إلى قلّة الرّجال حوله من ذريّته فما كان منه إثر هذه الحادثة إلّا أن نذر إن رزقه الله تعالى عشرة من الأبناء الذكور وبلغوا سنًّا يحمونه به ويمنعونه من الضّيم أن ينحرَ أحدهم عند الكعبة، وفعلًا رزقه الله تعالى عشرة من الأبناء الذّكور وبلغوا من الشباب والقوّة والمنعة ما يجعلهم قادرين على حماية أبيهم ونصرته ومنع وقوع الضيم والجور والحيف عليه، فرأى عبد المطلب أّنه ليس له بدّ من الوفاء بنذره ونحر أحدهم، فجمعهم ثم أخبرهم بنذره، ودعاهم إلى الوفاء لله بذلك، فأطاعوه وقالوا: كيف نصنع؟ قال: ليأخذ كل رجل منكم قدحًا ثم يكتب فيه اسمه، ثم ائتوني؛ ففعلوا ثم أتوه، فضُرب بالأقداح فخرج المكتوب عليه اسم عبدالله، وكان حينها أصغر أبناء عبد المطّلب وأحبّهم إلى قلبه، فلمّا رأى الاختيار قد وقع على عبدالله حمل سكينه ومضى بولده لينحره عند الكعبة وفاء بنذره؛ فاعترضت قريش طريقه، ومنعوه من ذبح ولده لسببين؛ الأول: محبتهم لعبدالله فقد كان شابًا يحلّ في قلب من يراه ويجالسه، والثاني: حتى لا تصبح هذه عادة متبعة بين العرب من بعده، وهي أن ينذر الرجل ذبح ولده فيذبحه، فلمّا رأوا إصراره ورفضه عرضهم الفداء بالمال، عرضوا عليه الاحتكام إلى عرّافة بالحجاز، وأنّهم سيقبلون ما تحكم به هذه العرّافة ولو كان ذبح عبدالله.
فجاؤوها وهي في خيبر فأجّلتهم إلى يومها الثّاني، فلمّا أتوها سألتهم: كم الدية فيكم؟ قالوا: عشر من الإبل ــ وكانت هذه دية الرّجل حينها ــ قالت: فارجعوا إلى بلادكم، ثم قرّبوا صاحبكم، وقرّبوا عشرًا من الإبل، ثم اضربوا عليها وعليه بالقداح، فإن خرجت على صاحبكم فزيدوا من الإبل حتى يرضى ربكم، وإن خرجت على الإبل فانحروها عنه، فقد رضي ربكم، ونجا صاحبكم.
رجع القوم إلى مكّة المكرّمة، وفعلوا ما أمرتهم به العرّافة فوضعوا قدحًا باسم عبدالله، وقدحًا باسم الإبل، فخرج القدح على عبدالله فدفع عبد المطلب عشرًا من الإبل، وكرروا الضرب بالقداح عشر مرّات، وفي كلّ مرة كان القدح يخرج على عبدالله فبلغ عدد الإبل الواجبة مئة، وفي المرة الأخيرة خرج القدح على الإبل فانتهى الضرب بالقداح، وهكذا كان فداء عبدالله بمئة من الإبل، ومن حينها صارت دية الرّجل عند العرب مئة من الإبل بدل عشرة بسبب هذه الحادثة، وعندما جاء الإسلام بتشريع الديات أقرّ أصل الدّية على ما تعارف عليه العرب فالأصل في الدّية في التشريع الإسلاميّ أنّها مئة من الإبل.
وكما أنّ حادثة حفر زمزم سلّطت الضوء على البيت النبويّ عامّة، فإنّ حادثة ذبح عبدالله جاءت لتسلّط الضوء على الأسرة الصغيرة التي سيكون منها رسول الله صلى الله عليه وسلّم، فهذه التفاصيل والأحداث جاءت للفت الأنظار من داخل جزيرة العرب ومن داخل مكّة المكرمة للأسرة النبويّة وهي إرهاصات بين يدي الولادة، وسيكون من الأحداث ما يلفت نظر جزيرة العرب والقوى الكبرى القائمة من الفرس والروم والأحباش إلى مكّة المكرمة تحضيرًا للولادة النبويّة وهو ما سنفصّل القول فيه ــ بإذن الله تعالى ــ في المقال القادم.

مختص بقضايا الفكر الإسلامي ومشكلات الشباب
1 تعليق
إرسال تعليق
تابعنا على حساباتنا
مقالات أخرى
رسالة إلى أمريكا
وقف مراسل شبكة CNN الإخبارية بمنطقة "أيتون" شرقي مدينة لوس أنجلوس الأمريكية، مرتدياً قناعاً واقياً من الغاز، قام بإزاحته عن وجهه، بعد أن طلبت منه المذيعة في داخل الاستوديو أن يصف لها ما يحدث على الأرض. بعيون دامعة، ووجه شاحب مكفهر، تحدث بأسى عن جحيم مروع، تشهده ولاية...
أما آن للوزيرة الألمانية أن تهمد؟!
أخيراً تحقق لها المراد! فقد صافحت الوزيرة الألمانية أنالينا بيربوك الوزيرَ السوري أسعد الشيباني في الرياض، بعد الضجة الكبرى لعدم مصافحة أحمد الشرع لها، والاكتفاء بالترحيب بها بوضع يده مبسوطة إلى صدره! وكما كان عدم المصافحة في دمشق خبرَ الموسم في الإعلام الغربي، فقد...
غزة وجدليَّتا النصر والهزيمة
على مدى ما يقارب ٤٧١ يوماً، وقفت غزة وحيدةً صامدةً تواجه مصيرها، كآخر بقعة تتموضع عليها القضية الفلسطينية، بعد أن تم تدجين العالم العربي كله وصولاً إلى تدجين فلسطين نفسها بقيادة أكثر صهيونية من الصهيونية نفسها، لا هدف لها سوى أن تُنسي الفلسطينيين والعالم كله شيئاً...
السلام عليكم يا صديقي َّها بدايةُ عامٍ جديدٍ فاجعلْ لكَ فيه سَريرةً، مع الله أنصح العاصي ولا تفضح دل الأنثى على الطريق إذا قابلتها ولا تنهش عرضها صدقةً قليلةً ولو رغيف خُبْزٍ ولا تُخبر به أحداً، عُلبة دواءٍ دائمٍ لمريضٍ تتعهّدُ بها ولا يدري بها أحدٌ غير الله، ركعتي ضُحىً دون أن يراك أحدٌ لا تتركهما طوال العام، وركعتي قيامٍ تتسللُ فيها إلى اللهِ بعيداً حتى عن عيون أهلك! خذها مني ياصديقي لا أحد يدري ماذا يحصل غدا لاتقول غدا أتوب او غدا اتصدق ها أنا امسك يدك واخرجك من بين الزحام وادلك على الطريق فلا تترك يدي فإن تركتها لا أدلك غدا
(والسلام لقلبك )