
الجغرافيا تصنع التاريخ
بقلم: إبراهيم عبد المجيد
| 20 أغسطس, 2024

مقالات مشابهة
-
أما آن للوزيرة الألمانية أن تهمد؟!
أخيراً تحقق لها المراد! فقد صافحت الوزيرة...
-
غزة وجدليَّتا النصر والهزيمة
على مدى ما يقارب ٤٧١ يوماً، وقفت غزة وحيدةً...
-
سوريا وثورة نصف قرن
سيسجل التاريخ أن يوم ٨ ديسمبر ٢٠٢٤م يوم مفصلي...
-
خطر الدوغمائية على مآل “الميثاق الغليظ” في المغرب!
يزداد انشغالي فكريًّا ووطنيًّا بما سيثيره مشروع...
-
ماذا عن القرار العباسي بإغلاق مكتب الجزيرة؟!.. يا لك من نتنياهو!
فعلها محمود عباس (أبو مازن)، وأكد عندما فعلها...
-
وقد استجاب القضاء لدعوة الرئيس.. ماذا ينتظر المستأجرون؟!
ذكّرني القول إن المحكمة الدستورية العليا في مصر...
مقالات منوعة
بقلم: إبراهيم عبد المجيد
| 20 أغسطس, 2024
الجغرافيا تصنع التاريخ
حين تقوم الدنيا في مصر على شيء، أجد نفسي متوقفا عن التعليق عليه، لا لشيء إلا أني أرى من التعليقات على السوشيال ميديا ما يكفي ويزيد.
لا أهتم بأهمية رأيي التي قد يعتبرها الكثيرون، فغيري لرأيهم الأهمية نفسها وأكثر، ثم إني كتبت كثيرا عن الأحوال في البلاد منذ عرفت الكتابة والنشر. كنت من الجيل الذي لا يفصله الإبداع عن العمل السياسي أو الاهتمام بالسياسة، ومع الزمن تساءلت مرة: أين ذهبت المقالات؟ وهل استجاب لها من بيدهم الأمر؟.. قلت لنفسي يكفي أنها ذهبت إلى القراء الذين لا أعرفهم.
لكن السؤال “أين ذهب ما كتبته؟” ألحَّ عليّ كثيرا، فجمعت منذ عام تقريبا بعض المقالات في كتاب بعنوان “رسائل إلى لا أحد”، وشرحت من أين جاء العنوان، فلا أحد في السلطة يستمع إلى الكتّاب والمفكرين. كانت المقالات السبع الأولى في الكتاب عما جرى في الإسكندرية من تشويه، وضياع لكثير من ملامحها التي كانت تجعل منها مدينة العالم.. لن أعيد ما كتبت، فالكتاب موجود في الأرض، وفي فضاء الإنترنت، صرت على يقين أنك إن كتبت عن شيء جيد أضاعوه، وإن كتبت عن شيء سيئ زادوا فيه.
من أهم القضايا التي شغلتني كثيرا قضية التعليم في مصر، فمنذ أسبوع مثلا انتهيت من مقال عن تحول التعليم الخاص إلى كارثة على التعليم في مصر، وقبل أن يُنشر المقال فوجئت بقرارات عجيبة من وزير التعليم الجديد، الذي تولى الوزارة منذ أسابيع.. ليس مهما ما أعلن عنه بشأن أمور مثل ضرورة زيادة عدد المدرسين، وكيف سيحدث ذلك، أو استخدام المدارس لفترتين صباحية ومسائية؛ فيمكن إيجاد العذر له، لأننا لم نشهد بناء مدارس حكومية جديدة في السنوات العشر السابقة، تستوعب- أو تحاول أن تستوعب- عدد الطلاب الذي يزداد كل عام.. لكن الذي أذهلني هو ما أعلنه الإعلامي تامر أمين قائلا: ما معنى دراسة الجغرافيا والتاريخ والفلسفة والمنطق وعلم النفس؟ ماذا ستفيد في سوق العمل؟ هل من يدرسها سيتخرج ليعمل فيلسوفا مثلا؟
صحيح أنه أوضح فيما بعد أنه لم يقصد إلغاءها بل تدريسها في مراحل مبكرة، لتكون المرحلة الثانوية فرصة لعلوم عصرية مثل الرقمنة والتسويق والتنمية البشرية، وكذلك أوضح موقع صحيح مصر ذلك، لكن الطبيعي جدا أن من سمعوا الكلام أو قرؤوه على السوشيال ميديا سيعتبرونه مقدمة لإنهاء هذه العلوم التي صنعت التاريخ ولا تزال تصنعه، خاصة أنه ليس خافيا على أحد أن ما يقوله الإعلام الرسمي عادة يكون مقدمة لأعمال تنفذها الحكومة وتبرير مسبق لها.
ثم جاءت تصريحات وزير التربية والتعليم بالقول إنه وضع خطة، سيتم فيها تقليص مواد الصف الأول الثانوي إلى ست مواد بدلاً من عشر، حيث سيتم دمج الفيزياء والكيمياء في مادة واحدة هي العلوم المتكاملة، وإلغاء الجغرافيا، وذلك سيحدث مع مواد أخرى في السنين التالية في شقي الثانوية العامة الأدبي والعلمي، وستعود الجغرافيا في السنة الثانية والثالثة للقسم الأدبي، وستكون هناك مواد- مثل اللغة الأجنبية الثانية وعلم النفس- النجاح مهم فيها، لكن درجاتها لن تضاف إلى المجموع، وغير ذلك مما بدا أنه فقط لتقليل مواد الدراسة.
قرأت في إحدى الصحف أن هذه القرارات اتُّخذت بعد حوار مجتمعي مع من لهم اهتمام بأمر التعليم، وهو كلام لم نسمع به ولم يُظهره الإعلام الرسمي.. والسؤال: من هم هؤلاء الذين اجتمع بهم الوزير أو تحاور معهم؟ أكان بينهم كتاب ومفكرون وخبراء في التعليم، أم هم أصحاب المدارس الخاصة مثله، الذين يريدون التسهيل على الطلاب ليلتحقوا بها أكثر ويزداد الكسب منها، خاصة أنه لا خطة واضحة لإنهاء أو تقليل العجز في المدارس الحكومية؟
الأسئلة كثيرة منها السؤال: كيف يتم الدمج بين الكيمياء والفيزياء، وهو أمر لم يفعله العلماء؟ أم هو يقصد أنهما سيكونان في كتاب واحد نصفه للكيمياء ونصفه للفيزياء، ومن ثم يتم تقليل المذاكرة على الطلاب؟ لن أتساءل عن بقية القرارات، لكني سأتحدث عن علم واحد هو الجغرافيا الذي ينقصه الكثير في التعليم، وأعرف أن ما سأقوله غائب عنه.
سأتحدث عن الجغرافيا التي صنعت تاريخنا نفسه؛ فحين بدأت البعثات التعليمية في عهد محمد علي إلى فرنسا، وازدادت في عهد إسماعيل، عادت محملة بأفكار سياسية واجتماعية لم نعرفها من قبل، مثل مجلس النواب، وجاءت فكرة مدارس وتعليم البنات بعد أن ظلت المرأة قرونا رهن عصر الحريم. بدأ التاريخ يتغير في مصر ليكون عصريا أو مواكبا للعصر رغم مقاومة بعض الحكام، ومقاومة الاستعمار البريطاني نفسه حين احتل البلاد عام 1882.
من أبرز ما تراه حولك قبل أن يندثر هو البناء القديم، فشوارع مثل الفجالة أو كلوت بك أو محمد علي أقيمت مشابهة لشارع الريفولي في فرنسا، هناك المباني أمامها بواكي يمشي الناس تحتها، المباني نفسها كانت ابنة البحر المتوسط وثقافته، عرفتها البعثات من فرنسا وعادت بها إلى مصر.. لا تسألني عما حدث في هذه الشوارع من فوضي الآن، فهذا ابن لعصر الفساد الساري معنا منذ السبعينيات.
الجهل بقيمة الجغرافيا جعل الدولة تغير- أو تسمح بتغيير- بنية البحر المتوسط، وتتركها في إهمال لتسقط، لتقيم بدلا منها عمارات عالية مخالفة لقانون البناء الذي ساد منذ منتصف القرن التاسع عشر، حيث يكون ارتفاع المبنى مساويا لعرض الشارع مرة ونصف.. الجهل بالجغرافيا جعل الدولة بدلا من بناء مدن جديدة في الصحراء الواسعة تغير في ملامح البناء القديم.
أكبر جهل بالجغرافيا يجعلك لا تعرف طبيعة أرض الوطن واتساعها، وكيف يمكن استغلالها لتخلو المدن من كثير جدا من ساكنيها فيقل الزحام.. الصحراء المصرية تتسع لعشرات المدن، لكنهم حين يقيمون مباني جديدة في مدينة مثل العلمين، يقيمون أبراجا عالية جدا لا يسكنها أحد إلا لشهرين أو ثلاثة في العام.
كما أن الجهل بالجغرافيا جعل الساحل الشمالي وقفا على الأغنياء فقط، أو عدد من أبناء الطبقة الوسطى، استطاعوا من قبل الشراء في منتجعاته الأولى، وقد صار الشاطئ الآن بالكامل تقريبا مخفيا وراء المنتجعات ووقفا على المليونيرات، بعد أن ارتفعت الأسعار إلى ملايين الجنيهات، وصار الجنيه المصري يجلس حزينا تحت النوافذ يطلب عشاء أو غداء، أو خرقة يستر بها نفسه بين عملات العالم.
الجغرافيا الحقيقية تجعلنا نعرف أنه على امتداد التاريخ كان المجال الحيوي للدولة المصرية يمتد إلى الشام شمالا وشرقا، وإلى أثيوبيا في الجنوب حيث منابع النيل، فلا نفرط في شيء من حدودنا، ولا مياه النيل صانع مصر عبر التاريخ.
طبعا، حديثى عن الجهل بالجغرافيا ونتائجه الوخيمة لا يمكن أن يشمله التعليم، نحن بحاجة إلى تعليم يقول الحقائق الغائبة التي ذكرت شيئا منها، ولا أظن أنها ستكون محل اهتمام أحد. صحيح أننا بحاجة إلى علوم عصرية مثل الرقمنة أو التسويق أو التنمية البشرية، لكننا في حاجة إلى الحقائق الغائبة في علم مثل الجغرافيا، وحقائق انتمائنا في المكان إلى البحر المتوسط وحضاراته، البحر الذي نطل عليه بألف كيلو متر، وإدراك أن قيمة العلم ليست بما يعود على صاحبه من مال، لكن بما يجعله إنسانا سويا عاقلا يفهم ماحوله فيأتيه المال من أي علم.
طبعا، يمكن أن أستمر مع المواد الأخرى التي ستتعرض للإهمال، وأكتفي بسؤال عن الفلسفة: هل كان صناع النهضة في كل الدنيا، وفي قلبها مصر، بعيدين عن الفلسفة، إن لم يكونوا فلاسفة؟
1 تعليق
إرسال تعليق
تابعنا على حساباتنا
مقالات أخرى
رسالة إلى أمريكا
وقف مراسل شبكة CNN الإخبارية بمنطقة "أيتون" شرقي مدينة لوس أنجلوس الأمريكية، مرتدياً قناعاً واقياً من الغاز، قام بإزاحته عن وجهه، بعد أن طلبت منه المذيعة في داخل الاستوديو أن يصف لها ما يحدث على الأرض. بعيون دامعة، ووجه شاحب مكفهر، تحدث بأسى عن جحيم مروع، تشهده ولاية...
أما آن للوزيرة الألمانية أن تهمد؟!
أخيراً تحقق لها المراد! فقد صافحت الوزيرة الألمانية أنالينا بيربوك الوزيرَ السوري أسعد الشيباني في الرياض، بعد الضجة الكبرى لعدم مصافحة أحمد الشرع لها، والاكتفاء بالترحيب بها بوضع يده مبسوطة إلى صدره! وكما كان عدم المصافحة في دمشق خبرَ الموسم في الإعلام الغربي، فقد...
غزة وجدليَّتا النصر والهزيمة
على مدى ما يقارب ٤٧١ يوماً، وقفت غزة وحيدةً صامدةً تواجه مصيرها، كآخر بقعة تتموضع عليها القضية الفلسطينية، بعد أن تم تدجين العالم العربي كله وصولاً إلى تدجين فلسطين نفسها بقيادة أكثر صهيونية من الصهيونية نفسها، لا هدف لها سوى أن تُنسي الفلسطينيين والعالم كله شيئاً...
رائع