حسن نافعة.. بين الدرس والشماتة!
بقلم: سليم عزوز
| 14 يوليو, 2024
مقالات مشابهة
-
السياسة الخارجية للرئيس ترامب تجاه الشرق الأوسط
لم تمرّ إلا ساعات فقط بعد إعلان الرئيس الأمريكي...
-
“العرب العثمانيون”.. كيف جسّد الإسلام عمومية النظام السياسي لجميع الأعراق؟
خلال زيارتي لنائب مدير جامعة السلطان محمد الفاتح...
-
في موقعة أمستردام.. لم تسلم الجرّة هذه المرة !
تقول العرب في أمثالها: "ما كل مرة تسلم الجرة".....
-
عمر بن عبد العزيز والتجربة الفريدة
حين ظهرت له أطلال المدينة المنورة، أيقن الشاب...
-
هيكل: حكايات من سيرة الأستاذ الكاهن (2)
هيكل والسادات مضت السنوات وابتعد محمد حسنين هيكل...
-
أعرني قلبك يا فتى!
أعرني قلبك يا فتى، فإن الأحداث جسام، والأمور على...
مقالات منوعة
بقلم: سليم عزوز
| 14 يوليو, 2024
حسن نافعة.. بين الدرس والشماتة!
ظلم الإخوان الدكتور حسن نافعة، ورد هو الظلم بظلم، لكنه وهو يظلمهم ظلم نفسه، وكان الجزاء على ذلك أنه وصل لحالة يتمنى فيها أن يترك البلد مهاجراً، وقد بلغ من الكبر عتياً!
قديماً، عندما كان بعضهم ينصحني بالسفر، كنت أقول إن الغربة تحتاج لسن أصغر، وليس لمن اقترب من الأربعين، وظني أن الدكتور حسن نافعة جربها في شبابه، لكنه في هذا العمر لم يجد نفسه مطالباً بذلك، مع أنه كان يتعرض لسوء استخدام السلطة في مطار القاهرة، فلم يرقب القوم فيه إلًّا ولا ذمّة، وهو الجامعي المرموق، والأكاديمي البارز؛ وقبل اعتقاله اشتكى من أنهم يقومون بتفتيش حافظة نقوده، إمعاناً في إذلاله!
ومع هذا لم يفكر آنذاك في أن يذهب دون عودة، لكنه يتمنى هذا الآن، ويمنعه من ذلك أنه ممنوع من السفر، وهذه الأمنية ذكرها قبل أيام في بودكاست، ومما قاله فأرَّق الضمير الوطني: “أنا اليوم رجل مسن؛ اقتربت من الثمانين عاماً، ألقى إهانة في مقرات أمنية، وعندما أكتب تغريدة يتصلون بي لحذفها ويهددون.. أنا حزين وبائس وزعلان من البلد، وعايز أهاجر”!.
أين الحوار الوطني؟
هو كلام كان يستدعي أن تستشعر مؤسسات في الدولة – مثل الحوار الوطني- الحرج، لأن ما يتعرض له الرجل ينال من موضوع الحوار برمته، وهو الذي تم التبشير به كما لو كان تحولاً في الموقف بعد استقرار الدولة المصرية، لدرجة أن المرء كان يجد حرجاً عندما يواجَه بسؤال عن موقفه إذا دعي للمشاركة، ولم يكن مقبولاً عند بعضٍ التشكيك في النوايا، وعليه فالرفض يعني الاستمتاع بالعيش في الخارج، وليس هروباً من الاستبداد!
وإذ تم التعامل مع بيان الدكتور حسن نافعة بشماتة من الشامتين، الذين لا يفعلون شيئاً سوى الشماتة وكأنهم “خضرة الشريفة”، فإنه على الضفة الأخرى يقف الذين يرفضون أي تذكير بالأخطاء، باعتباره يدخل في باب الشماتة أيضاً، وهي حالة مرضية تحول دون استلهام العبر لصالح الأجيال القادمة، فتضيع دروس الحياة هباء منثورا، كما ضاعت من قبل!
ولو درسنا تاريخ الحقبة الناصرية، لما كان لنا أن نكرر الأخطاء (بالملي)، ليس فقط في انحياز الإخوان للاستبداد، وحل الأحزاب، وإقامة المحاكم الاستثنائية، ومنع عودة الحياة النيابية، للقضاء على الوفد صاحب الشعبية الكاسحة؛ ولكن أيضا في التنكيل بالشركاء، والذي بدأ بيوسف صديق، ومحمد نجيب، ولم ينته بعبد اللطيف البغدادي وكمال الدين حسين، وصولاً الى المشير عبد الحكيم عامر، حتى إذا جاء عام 1968، كان عبد الناصر هو الحاكم الأوحد!
وبعيداً عن أصحاب الهوى، أمثال حمدين صباحي ومحمد البرادعي، فلو درست النخبة من أمثال حسن نافعة، وعلاء الأسواني، وحمدي قنديل، ما جرى للسنهوري، لما خطوا هذه الخطوة، إلا إذا كانوا من الذين أضلّهم الله على علم، فنفروا من النخبة وانحازوا للانقلاب العسكري، للانتقام من الوفد ومن النحاس باشا، حتى إذا انتهت منه عادت تفكر في إقامة حياة ديمقراطية، لكن كان قد فات الميعاد وحدثت أزمة مارس 1954 وانتصرت الديكتاتورية. ففي البداية يتصور المرء أنه يستطيع أن يتحكم في جرعة الاستبداد، وفي لحظة معينة يقف على حقيقة أنه لا بد من كامل الجرعة، ويكون قد فار التنور، واستوى الطاغية على الجودي!
عزاؤنا أن السنهوري، والعقاد، وطه حسين، وتوفيق الحكيم، وسليمان حافظ، لم يكونوا قد مروا بتجربة حكم للعسكر، ومن هنا كانت الأزمة.. فما عذر نخبة 2013، وأستاذ مرموق للعلوم السياسية كالدكتور حسن نافعة يقع في المأزق ذاته، وهو ليس ناصرياً ينظر إلى الديمقراطية على أنها ليست موضوعه، كما أنه ليس مرشح رئاسة محتملاً ينتظر فرصته!
كيف ظلمه الإخوان؟
ولا يحل لأحد أن يقف بالمرصاد لمن يريد استخلاص الدروس، فتأتي الأجيال الجديدة لتكرر الأخطاء ذاتها، إلا إن كان هناك من يريدون وقف المحاسبة حتى لا تطولهم، وهم في المقابل يريدون مراجعات من الإخوان، الذين – من جانبهم- يرون الأمر ليس هذا وقته، وقياداتهم في السجون، وعلمنا التاريخ أن “وقته” لا يأتي أبداً!
الذين يساوون بين من يستخلصون العبر والشامتين، هم أصحاب مصلحة في الإعراض عما جرى، وكان من نتيجته أن يتعرضوا لسنن الله التي لا تحابي أحداً، حيث من أعان ظالماً سلّطه الله عليه. ولا يخفى على لبيب أن هؤلاء يخشون من الشماتة فيهم، لأنهم لم يكونوا منحازين لإرادة الشعب، فركنوا للذين ظلموا أنفسهم حتى مستهم البأساء والضراء!
ظلم الإخوان الدكتور حسن نافعة عندما ظنوا بعد الثورة أن الدنيا حيزت لهم بحذافيرها، وأنهم ورثوا الحزب الوطني، فتصرفوا وفق منهجه، وهم من أقروا ترشيح الشخصيات العامة على قوائم ما سُمّي بالتحالف الوطني للانتخابات البرلمانية، وفاتحوا هذه الشخصيات فوافق حسن نافعة، وقد أدهشني رفض جورج إسحق ذلك.. كنت من الداعمين لهذه القوائم، ورأيتها سفينة نوح لتحقيق أهداف الثورة، والمدافعة عن هوية مصر في مواجهة نموذج نجيب ساويرس وأحزاب الكتلة، ولهذا فعندما خرج الوفد من التحالف كتبت مقالاً طويلاً عريضاً حمل عنوان “الوفد يخرق السفينة”!.
ولم يحالف الحظ جورج إسحق، ولعله كان الأهنأ نفساً وإن فاز عليه أحد الإخوان الذين لم يؤسسوا كفاية، ولم يشاركوا في المظاهرات ضد التمديد والتوريث، فهذا حال الدنيا، وهذا أفضل من أن يتم التلاعب به، كما حدث معي، وكما حدث مع حسن نافعة!
في مرحلة أحمد عز وجمال مبارك، ابتدع الحزب الوطني سُنّة غير حسنة، وهي عدم الإعلان عن أسماء مرشحيه إلا بفتح باب الترشيح، حتى يمنع الآخرين من الترشح كمنافسين لمرشحيه الرسميين.. الأمر ذاته فعله القوم، لكنهم أعلنوا القوائم قبل غلق باب الترشيح، وكان أحد قادة الجماعة قد اتصل بالدكتور حسن نافعة قبل ذلك بساعات ليسأله: لماذا لم تنضم إلى حزب الحرية والعدالة كشرط قانوني للترشح؟ ولم يكن هذا صحيحاً، فالآخرين من الأحزاب الأخرى لم ينضموا للحرية والعدالة، والشخصيات العامة في أحزاب الكتلة لم تنضم لأي حزب!
وهذا تلاعب بالناس، ممن ظنوا أنهم ليسوا بحاجة لأحد، وقد فتحت لهم الامصار، وسقط الاستبداد، فحطوا من قدر حليف لهم في الجمعية الوطنية للتغيير في عهد مبارك! ولو أنهم أبلغوه بذلك من قبل لكان أمامه خياران، أن يلتحق بأحزاب الكتلة أو الوفد، أو يترشح مستقلاً، لكنه الإمعان في الإهانة!
وقد حدث الأمر ذاته معي، فشعرت بمرارة هذه الإهانة، وإن كنت أفرغت شحنة الغيظ في الكتابة ضد الجماعة وقياداتها الذين أشرفوا على الانتخابات، حتى إذا شاهدت الدكتور البلتاجي على الشاشة ينعى ابنته، وقد قُتلت في أحداث رابعة، كتبت قول الشاعر:
محا الموت أسباب العداوة بيننا فلا الثأر ملحاح ولا الحقد ثائر
بيد أني قبل هذا كنت قد اتخذت موقفاً من 30 يونيو، انحيازاً للديمقراطية ولإرادة الناس، فكنت حتى ضد الانتخابات الرئاسية المبكرة، ومع أن يكمل الرئيس دورته غير منقوصة.
وأتفهم الرغبة في الانتقام للإهانة، وهي كبيرة، لكن الدكتور حسن نافعة، الذي جاء من موقعه الأكاديمي ليختلط بالعامة ضد الاستبداد في عهد مبارك، ما كان له أن تدفعه الرغبة في الانتقام ليكون كالذي أراد أن يغيظ زوجته فخصى نفسه!
بكل تأكيد فإن قلبي مع الدكتور حسن نافعة وهو يتعرض لهذه المهانة في هذا العمر، وأملي أن تستوعب الأجيال القادمة الدرس!
اللهم لا شماتة، ولكن عظة وتذكيرا.
1 تعليق
إرسال تعليق
تابعنا على حساباتنا
مقالات أخرى
وقد استجاب القضاء لدعوة الرئيس.. ماذا ينتظر المستأجرون؟!
ذكّرني القول إن المحكمة الدستورية العليا في مصر استجابت لدعوة الرئيس في إصدار حكم، بما مضى. فدائما تذكّرنا القدرات المتواضعة الآن بعهد الرئيس مبارك، فلا يعرف قيمة أمه إلا من يتعامل مع زوجة أبيه، وكثيرون صار شعارهم "رُبّ يوم بكيت منه، فلما مضى بكيت عليه". ولست من هؤلاء...
السياسة الخارجية للرئيس ترامب تجاه الشرق الأوسط
لم تمرّ إلا ساعات فقط بعد إعلان الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب نيته تعيين حاكم أركنساس السابق "مايك هاكابي" ليكون سفيرًا للولايات المتحدة لدى إسرائيل وهو المعروف بدعمه منقطع النظير للاستيطان، خاصة في الضفة الغربية التي يعتبرها جزءاً من أرض الميعاد كما يقول،...
“العرب العثمانيون”.. كيف جسّد الإسلام عمومية النظام السياسي لجميع الأعراق؟
خلال زيارتي لنائب مدير جامعة السلطان محمد الفاتح في إسطنبول، البروفيسور المؤرخ زكريا كورشون، كنت أتحدث معه عن آخر إصداراته، فحدثني عن كتابه "العرب العثمانيون"، ومقصد الكتاب تبيان عمومية النظام السياسي في الإسلام لجميع الأعراق والأجناس في ظل الدولة الواحدة . فالإسلام...
كلام موزون من يفهم ويعى