هيكل.. حكايات من سيرة الأستاذ الكاهن (1)
بقلم: محمد عبدالعزيز
| 9 نوفمبر, 2024
مقالات مشابهة
-
السياسة الخارجية للرئيس ترامب تجاه الشرق الأوسط
لم تمرّ إلا ساعات فقط بعد إعلان الرئيس الأمريكي...
-
“العرب العثمانيون”.. كيف جسّد الإسلام عمومية النظام السياسي لجميع الأعراق؟
خلال زيارتي لنائب مدير جامعة السلطان محمد الفاتح...
-
في موقعة أمستردام.. لم تسلم الجرّة هذه المرة !
تقول العرب في أمثالها: "ما كل مرة تسلم الجرة".....
-
عمر بن عبد العزيز والتجربة الفريدة
حين ظهرت له أطلال المدينة المنورة، أيقن الشاب...
-
هيكل: حكايات من سيرة الأستاذ الكاهن (2)
هيكل والسادات مضت السنوات وابتعد محمد حسنين هيكل...
-
أعرني قلبك يا فتى!
أعرني قلبك يا فتى، فإن الأحداث جسام، والأمور على...
مقالات منوعة
بقلم: محمد عبدالعزيز
| 9 نوفمبر, 2024
هيكل.. حكايات من سيرة الأستاذ الكاهن (1)
علاقتي مع كتابات الصحفي الكبير محمد حسنين هيكل معقدة، قد تأخذ موقفًا مما يكتبه وتتهمه بكثير، ابتداءً من التحايل على المعلومة وتعديل تفسيرها، إلى عدم إيمانه بالديمقراطية.. لكني أعود إليه كمصدر وشاهد عيان في قضايا تاريخية كثيرة، والأهمّ كواحد من أجمل الأقلام الصحفية في تاريخ الكتابة العربية الحديثة، فهيكل أديب ضل طريقه إلى الصحافة.
أغضب من مواقف هيكل، وأنفر من دوره السياسي في العهد الناصري، وفي المقابل أعجب بقلمه الصحفي الماهر، وتشريحه للأوضاع السياسية العالمية. وكتابة هيكل من النوع الفاخر؛ فهو قلم سيّال، وعقل تحليلي، ويمتلك براعة في الاستشهاد التاريخي.. سبحان من خلق الإنسان!
ليس في معجم هيكل حديث عن الشعوب وحقوق الإنسان، ولا ترى مفردات الحرية وكرامة الناس في كتاباته، ينشغل هيكل بالسلطة ورجالها، وتفاصيل حياة الأبطال العظام الذين يديرون دفة الأمور، مثل تشرشل وديغول وكيسنجر، ينتمي إلى مدرسة تبحث أثر البطولة في التاريخ، ويركز على البنية الفوقية للمجتمعات، ولا ينظر إلى التاريخ من أسفل، ولا نرى أي مواقف يصطفّ فيها مع زيادة الحريات إلا في ما يتعلق بالإفراج عن بعض المثقفين، أو حماية بعض الأدباء من السجن، مثلما فعل مع نجيب محفوظ، بل إن هيكل يتبنى مفهومًا للحريات، متعلقًا بالحفاظ على سلطة عاقلة رشيدة لا تخسر كل الأنصار، وتحرص على تزيين الدولة بالمثقفين في الطابق الخامس من صحيفة الأهرام، فهو يرفع سقف التعبير بشكل لا يمثل ضغطًا على النظام القائم.
بدايات هيكل الصحفية
من قصص بدايات هيكل، أنه كان أحد الجالسين أمام سكوت واطسون في محاضرة عن عناصر الخبر، وإذا بواطسون يتطرق إلى ذكرياته أيام كان مراسلًا في الحرب الأهلية الإسبانية، وكانوا يستمعون إليه في انبهار وشبه خشوع، فقد طاف بهم في ما يشبه الملحمة، بين تضاريس ومعالم تلك الحرب، التي انقسمت أوروبا بسببها بين الفاشية والديمقراطية. وحين ختم محاضرته كانت دعوته لمن يريد من المستمعين أن يتدرب عمليًّا أن يلقاه في اليوم التالي، في مكتبه في جريدة “الإيجيبشيان غازيت”.
ولكن، بعد فترة تدريب لهيكل في “الإيجيبشيان غازيت”، قضاها في قسم الحوادث، وغطَّى معارك العلمين التي وقعت على أرض مصر بين دول المحور والحلفاء في أثناء الحرب العالمية الثانية، وبرزت موهبته وقدراته، التقطه محمد التابعي ليعمل معه في المجلة التي كان يملكها.. مجلة “آخر ساعة”.
وفي كتاب شهدي عطية “حدث في شارع الصحافة: أوراق ومعارك” قصة طريفة عن واحد من أوائل تحقيقات هيكل، وهو في صحيفة “الإيجيبشيان غازيت”، حيث طلب منه كتابة مقال بعد قرار إلغاء البغاء في مصر، وطلبت الجريدة الحصول على رأي مئة سيدة تعمل في هذا المجال، وتأثير القرار فيهن. وذهب هيكل إلى المعلمة، فقالت له: شكلك ابن ناس. ردّ قائلًا: ابن ناس جدًّا.
ولم يكن الانتقال إلى “آخر ساعة” سهلًا، ففي حين أن رئيسه الأول هارولد إيرل رأى أن الجريمة والحرب هما مجال التكوين الأصلح والأمثل للصحفي، فإن رئيس هيكل الثاني -محمد التابعي- كان يرى أن المسرح والبرلمان هما المجال الأنسب والأوفق للصحفي.. ولبضعة أسابيع، وجد هيكل نفسه في كواليس مسارح القاهرة، بدلًا من ميادين القتال، ثم وجد نفسه في شرفة مجلس النواب، بدلًا من محافظة القاهرة التي تصب فيها أخبار كل جريمة تحدث في مصر. وكانت تلك الفترة -مهنيًّا- فترة العثور على توازن معقول لهيكل بين ثلاثة تأثيرات واضحة: عقلانية هارولد إيرل، ورومانسية سكوت واطسون، ثم حلاوة أسلوب محمد التابعي.
هيكل ومحمد التابعي
سافر الصحفي محمد التابعي إلى تركيا لقضاء إجازة، وأرسل إلى نائبه هيكل في “آخر ساعة” تلغرافًا: “إذا كان المجمع اللغوي قد انتهز عدم وجودي في مصر، وأصدر تعليماته بتغيير قواعد اللغة العربية، فلا مانع مما نشرته في صفحة (كذا)، في السطر الفلاني، لتقوم بتنصيب الفاعل ورفع المفعول به!”.
وعلى ذكر التابعي، يقول محمد حسنين هيكل في تقديمه لأحد كتب التابعي: “كل نجم طالع في أي مجال يريد نسبًا موصولًا بالشمس، يستكبر أن يكون ابنًا شرعيًا لأب، وإنما يطلب أن يكون مولودًا بذاته ولذاته بداية ونهاية”، قالها هيكل معلقًا على ظلم الصحفيين لمحمد التابعي، وإنكار أستاذيته وريادته في مجال الصحافة، كأنهم بلا أساتذة ومعلمين.
ومن كتاب شهدي عطية نعرف أن أول ظهور لاسم هيكل كان تحت توقيع الأديب لا الصحفي، ويروي لنا شهدي عن أول “قرصة أذن” من التابعي لهيكل عام 1944، فقد أخطأ أحد المترجمين في موضوع عن نجمة السينما الأمريكية جيل باتريك واعتبرها رجلًا، وفي يوم صدور العدد ذهب هيكل إلى مكتبه في “آخر ساعة” وهو سعيد، ليجد خطابًا على المكتب، فظنّ أنه خطاب شكر من الأستاذ التابعي بمناسبة صدور هذا العدد الممتاز، فإذا بالخطاب يقول: “عزيزي هيكل… هذه أول مرة -في ما أعلم- تتحول فيها امرأة إلى رجل بسنّ قلم، وكنت أظنها تحتاج إلى سنّ جراح”. ودخل هيكل ليتفاهم مع التابعي، ولكنه رفض أن يعطيه فرصة للردّ، فقد كان يعتقد أنه أبدى رأيه في الموضوع وانتهى الأمر.
وما يميز كتاب شهدي عطية تغطيته لفترة البدايات في حياة هيكل، مثل تحقيق هيكل في سجن الرجال، ومثله في سجن النساء، وتحقيق صحفي عن الغجر، وهي نواة أرجو أن يحوِّلها الكاتب شهدي عطية إلى سيرة مطوَّلة لمسيرة هيكل في الصحافة.
هنا أتذكَّر شهادة الصحفي سمير عطا الله عن التابعي وجيله: “كعامل في مهنة الصحافة، لا أزال أقرأ محمد التابعي مثل تلميذ مبتدئ، وما زلت أبحث عن سر البريق عند مصطفى وعلي أمين، وكنت أتمتع بقراءة فتحي غانم مهما كتب، وأشعر بالبركة وأنا أقرأ أحمد بهاء الدين، ولا يمكن أن يمر يوم من دون أن أقرأ أنيس منصور… لولا الكتب التي تركها هؤلاء السادة، لما بقي شيء من افتتاحياتهم وأعمدتهم”.
يحكي رشاد كامل في كتابه “الصحافة والثورة.. ذكريات ومذكرات”، نقلًا عن موسى صبري، أنه في بداية التحاق هيكل بأخبار اليوم أوفدوه إلى سوريا لتغطية مؤتمر بلودان، الذي حضره عدد من الزعماء العرب. وأخذ هيكل يرسل بتحقيقاته من هناك على أنها أحاديث مع هؤلاء الزعماء، واتضح بعدها أنها قيلت في الجلسة الافتتاحية، ولم يخصّ أحد بها هيكل! بعد عودة هيكل إلى مصر أصر مصطفى على فصله.. توسط كامل الشناوي وقال بطريقته الساخرة في تخفيف الكوارث: “هيكل شاب، ومعذور… بيدخل مكتبك يلاقي عندك رئيس الوزراء! يروح لعلي أمين يلاقي مكرم عبيد باشا… بييجي عندي يلاقي النقراشي باشا… فهو نفسه يبقى حاجة كبيرة، ومعلش بقى”!
ومن كتب هيكل قبل ثورة يوليو “إيران فوق بركان صدر”، في مايو 1951، وطلب الرئيس جمال عبد الناصر نسخة من الكتاب، وقال هيكل في الكتاب عن شاه إيران: “إن عرش جلالته يتأرجح، وتاجه يهتزّ، ولا يكاد يستقرّ فوق رأسه، وملكه الواسع تمزِّقه المؤامرات والفتن”. وكان الكتاب مليئًا بمثل هذه العبارات، واعتبرت النيابة أن هذه العبارات تشكِّل جريمة العيب في حقّ إمبراطور إيران، وبعد التحقيقات المطولة معه، انتهت القضية بالحكم ببراءته.
توقفت عند براعة وصف هيكل لحياة الملك فاروق الشخصية: “والحاصل أن «فاروق» كان مصابًا في حياته العائلية بنوع من النحس، فقد كان متعلقًا بأمه الجميلة، متباعدًا عن أبيه القاسي، ثم اكتشف أن اليشمك الأبيض الرقيق الذي تضعه الملكة نازلي حجابًا على شفتيها -طبقًا للتقاليد العثمانية- لم يحجب شيئًا! ثم أولع الملك الشابّ غرامًا بزوجته الأولى فريدة، ثم اكتشف أن المسحة الملائكية التي تكسو تقاطيع وجهها لم تكُن إلى هذا الحد ملائكية”… ما أبرع قدرة هيكل على المزج بين الأدب والحكاية الصحفية.
علي أمين وصف “هيكل” بقوله: “كانت الصحافة تجري في دمه”!. وعلي أمين وضع هيكل على رئاسة تحرير مجلة “آخر ساعة”، وسنُّ هيكل 29 عامًا فقط، ولم تكن المحسوبية هي السبب، بل الكفاءة كما يقول أمين. وسأل الكاتب خالد عبد الهادي “هيكل” عن لحظات البهجة في حياته، فقال له إن ذلك كان -على المستوى المهني- أول مرة عند مطالعة اسمه مطبوعًا في “آخر ساعة”، ثم عند تعيينه رئيس تحرير وهو شابّ صغير، والأمر الثالث عندما انطلق مع المقادير والتاريخ لتغطية الحروب والأحداث من عام 1947 إلى 1952.
وحكى هيكل للكاتب خالد عبد الهادي -كما يورد في كتابه الطريف “علامات على طريق طويل”- أنه قرأ في شبابه المانيفستو الشيوعي، وهو إعلان ماركس وأنجلز عن أفكارهما الشيوعية، وحرمه هذا الكتاب النوم، وقال هيكل لنفسه: “يا سلام! هذا هو الحل”، لكن بعد شهر كان هيكل يقول: “هذا ليس صحيحًا”، وتجاوز أفكار الكتاب.
محمد حسنين هيكل وثورة يوليو
جاءت ثورة يوليو، وبزغ نجم هيكل، واتصل اتصالَ تَلازُم برأس دولة وبرأس ثورة؛ فقد اقترب من الرئيس جمال عبد الناصر، ويذكر المستشار طارق البشري في كتابه “شخصيات وقضايا معاصرة” قول الإمام الشافعي عن الليث بن سعد الفقيه المصري: الليث أفقه من مالك إلا أن أصحابه لم يقوموا به.
وبهذا المنطلق، يتصور البشري أنه كان من حسن حظ ثورة 23 يوليو أن وُجد بها محمد حسنين هيكل، لأنه كان في “قيامه بها” غير مسبوق ولا مثيل له، فجاء تاريخ الثورة على يديه مصوغًا بفكر سياسي متماسك وبنظر تاريخي رصين، وبتصوير للأحداث والوقائع متداخل ومتراكب.
كان لقاء عبد الناصر وهيكل هو لقاء القدر، ويروي فتحي غانم مقولة سمعها من هيكل وقتها: “لقد انتويت أن أضع نفسي قريبًا ممن بيده القوة”، والاستفادة كانت متبادلة بين هيكل والسُّلطة الجديدة.
الكاتب الصحفي صلاح عيسى، ربما كان الوحيد الذي أغضب هيكل بمقال كتبه منذ سنوات ليست بقريبة تحت عنوان “هيكل.. تراجيديا الفرعون والكاهن!”، نشره في كتابه “شخصيات لها العجب”، وهو كتاب بديع بالمناسبة، رغم اختلافي مع تحليل صلاح عيسى لبعض الشخصيات، لكنه واحد من فنَّاني كتابة البورتريه أو السير الغيرية للشخصيات.
صلاح عيسى في هذا المقال وصف الكاتب الراحل محمد حسنين هيكل بكاهن فرعون، مفتتحًا المقال بأن مؤرخي الأجيال القادمة سيحتارون طويلًا إذا ما عَنَّ لأحدهم أن يقيِّم الأدوار التي مارسها هيكل على مسرح الصحافة والسياسة المصرية والعربية، إذ المؤكَّد أنهم سيضلون الطريق إليه بين جبال من التفاصيل وتلال من الأكاذيب، ومتاهات من أدوات المكياج.
يقول صلاح عيسى: “مشكلة البحث عن هيكل أن فصل الذروة في عمره كان مضيئًا بشكل يُعمي عن الرؤية، ففي تلك السنوات الثماني عشرة التي انتهت في 28 سبتمبر 1970، كان هيكل ملء السمع والبصر، لا يغادر الخشبة، ولا تخطئه أعين المتفرجين، لا تكفّ تليفونات مكتبه عن الرنين، ولا تخلو غرفة سكرتيرته الشهيرة نوال المحلاوي من الزائرين: ملوك ورؤساء جمهوريات وساسة ووزراء ومناضلين وسفراء وكتاب ومفكرين وطالبي حاجات، ينتظر بعضهم بالساعات بلا ملل ولا شكوى، بل ويمتنعون باختيارهم عن التدخين، لأنه يضايق السكرتيرة نوال المحلاوي”.
من الخوف إلى الحرية
ومن أهمّ محطات هيكل تلك التي كانت في 31 يوليو/ تموز 1957، عندما عُيّن محمد حسنين هيكل رئيسًا لتحرير الأهرام، وكان يومها أصغر مَن تَولَّى رئاسة الأهرام سنًّا على مدى تاريخها الطويل.
أودّ إضافة شهادة من الكاتبة عفاف محفوظ حكتها لخالد منصور في سيرتها “من الخوف إلى الحرية” عن عالم جريدة الأهرام: “كانت عربة القهوة والشاي تمرّ نحو الساعة العاشرة صباحًا وفي أوقات أخرى محددة في ممرات الأهرام؛ وتقف عند باب كل مكتب، وداخل المكاتب كانت طاولات قهوة وأرائك صغيرة للجلوس.
حلم هيكل أن تصبح الأهرام مثل صحيفة نيويورك تايمز، ولكنها أصبحت جزيرة غنية برجوازية في وسط محيط من الأحياء الشعبية الفقيرة. لم يُرِدْ هيكل في الحقيقة صحيفة مستقلة، بل أراد -كما حدث بالفعل- أن يكون المستشار الأول للرئيس، وصانع السياسات الأهمّ في الخفاء، وأن تخدم الصحيفة المشروع السياسي الطَّموح لهذا الزعيم.
وتركتُ الأهرام بمشاعر مختلطة، لم يكُن الحزن بينها، واحتفظت ببعض الصداقات التي وُلدت هناك”.. انتهى حديث عفاف محفوظ.
ومن نقدها الذي تذكره في مذكراتها أيضًا لتجربة الأهرام أن يكون الشابّ حاتم صادق محدود الخبرة مديرها في المركز، وكان حاتم زوج ابنة الرئيس عبد الناصر، المتخرج حديثًا في الجامعة.
هيكل وعبد الناصر
لقد نال هيكل من ثقة جمال عبد الناصر ما جعله مستشاره الأول، وكان يسافر معه في جميع رحلاته فلا يجلس مع الصحفيين، بل يكون مع عبد الناصر في كابينته الخاصة بالطائرة، ثم يجلس معه ومع رجال الدولة إلى طاولة المفاوضات، واشتهر بثقافته السياسية وأسلوبه الفريد، لذلك كان هو الذي حرَّر وثائق الثورة، وكتب خطب عبد الناصر.
وكان هيكل هو الوحيد الذي ينادي باعة الصحف على اسمه يوم الجمعة قبل الأهرام، فتسمع في صياحهم: “اقرأ هيكل، اقرأ هيكل”، وكانت مقالة هيكل بصراحة تنزل يوم الجمعة، وكان الناس ينتظرون هذه المقالة، وظهر ذلك حين أعطى هيكل لنفسه إجازة لشهر كامل في أغسطس، فهبط توزيع الأهرام في أيام الجمعة كثيرًا.
سأل رجب البنا هيكل: هل تلخص لي في عبارة واحدة سر نجاحك؟ فأجابه: إن كلَّ وقتي أقضيه إما في القراءة، وإما في المقابلات الهامة، والمناقشات المثيرة.
يحكي الصحفي محمد كريشان في مذكراته “وإليكم التفاصيل” قصة حكاها له هيكل.. أنه صادف أن أقرض أو منح الرئيس التونسي بورقيبة مبلغًا بسيطًا من المال، وتكون المصادفات أن لا يرى هيكل بورقيبة بعد ذلك إلا بعد أن أصبح رئيسًا لتونس، لكن بورقيبة لم ينسَ ذلك المبلغ، لذلك بادر هيكل ضاحكًا حين التقاه: اسمع يا هيكل، انسَ ذلك المبلغ، فلن أعيده إليك!
وفي كتاب “أحاديث برقاش” يحكي عبد الله السنَّاوي عن لقاء هيكل مع الملك سلمان بن عبد العزيز، وكان ذلك في سردينيا قبل توليه الحكم، ويذكر أن هيكل حين رأى الملك قال له: “الاختلاف في الرأي لا يفسد للودِّ قضية”، فردَّ الملك بلهجة مصرية: “هتقول إيه ولا إيه؟”، فقد سبق أن كتب هيكل هجومًا على السعودية في كتاب بعنوان “كتاب يا صاحب الجلالة”.
علاقة محمد حسين هيكل بعبد الناصر علاقة خاصَّة للغاية، ومع ذلك لم يتبوأ هيكل مناصب سياسية إلا عرَضًا وبشكل سريع للغاية، كما عُين هيكل في عام 1970 وزيرًا للخارجية لأسبوعين فقط، وهي المهمة التي لم تعجبه كذلك. وقد روى هيكل لكريشان كيف أن الرئيس عبد الناصر استغرب من هيكل مثل هذا التعفُّف بعد هذا التعيين، فسأله مستنكرًا: “أوليس لديك طموح؟!”، فأجابه هيكل: “بلى، طموحي يعانق عنان السماء، ولكن في مهنتي، الصحافة”.
مهتم في مجال السير الذاتية والمذكرات
تابعنا على حساباتنا
مقالات أخرى
وقد استجاب القضاء لدعوة الرئيس.. ماذا ينتظر المستأجرون؟!
ذكّرني القول إن المحكمة الدستورية العليا في مصر استجابت لدعوة الرئيس في إصدار حكم، بما مضى. فدائما تذكّرنا القدرات المتواضعة الآن بعهد الرئيس مبارك، فلا يعرف قيمة أمه إلا من يتعامل مع زوجة أبيه، وكثيرون صار شعارهم "رُبّ يوم بكيت منه، فلما مضى بكيت عليه". ولست من هؤلاء...
السياسة الخارجية للرئيس ترامب تجاه الشرق الأوسط
لم تمرّ إلا ساعات فقط بعد إعلان الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب نيته تعيين حاكم أركنساس السابق "مايك هاكابي" ليكون سفيرًا للولايات المتحدة لدى إسرائيل وهو المعروف بدعمه منقطع النظير للاستيطان، خاصة في الضفة الغربية التي يعتبرها جزءاً من أرض الميعاد كما يقول،...
“العرب العثمانيون”.. كيف جسّد الإسلام عمومية النظام السياسي لجميع الأعراق؟
خلال زيارتي لنائب مدير جامعة السلطان محمد الفاتح في إسطنبول، البروفيسور المؤرخ زكريا كورشون، كنت أتحدث معه عن آخر إصداراته، فحدثني عن كتابه "العرب العثمانيون"، ومقصد الكتاب تبيان عمومية النظام السياسي في الإسلام لجميع الأعراق والأجناس في ظل الدولة الواحدة . فالإسلام...
0 تعليق