ما يخبرنا به التاريخ عن تحرّر الشعوب
بقلم: أدهم أبو سلمية
| 16 يوليو, 2024
مقالات مشابهة
-
السياسة الخارجية للرئيس ترامب تجاه الشرق الأوسط
لم تمرّ إلا ساعات فقط بعد إعلان الرئيس الأمريكي...
-
“العرب العثمانيون”.. كيف جسّد الإسلام عمومية النظام السياسي لجميع الأعراق؟
خلال زيارتي لنائب مدير جامعة السلطان محمد الفاتح...
-
في موقعة أمستردام.. لم تسلم الجرّة هذه المرة !
تقول العرب في أمثالها: "ما كل مرة تسلم الجرة".....
-
عمر بن عبد العزيز والتجربة الفريدة
حين ظهرت له أطلال المدينة المنورة، أيقن الشاب...
-
هيكل: حكايات من سيرة الأستاذ الكاهن (2)
هيكل والسادات مضت السنوات وابتعد محمد حسنين هيكل...
-
أعرني قلبك يا فتى!
أعرني قلبك يا فتى، فإن الأحداث جسام، والأمور على...
مقالات منوعة
بقلم: أدهم أبو سلمية
| 16 يوليو, 2024
ما يخبرنا به التاريخ عن تحرّر الشعوب
في عمر الشعوب الطويل، ومسيرة التحرّر التي تخوضها، أنار تاريخها الكثير من النقاط التي كانت محطات مضيئة على طريق الخلاص.. لحظات خُلِّدت في ذاكرة الأجيال، فصارت حارسًا مخلصًا وإرثًا عزيزًا، ومَنعة لا يُؤتى من طرفها، لمستقبل مكلَّل بالعزِّ والفخار والحرية.
التاريخ هو المرآة الصادقة التي نرى فيها كفاح الأمم والشعوب في سعيها الدؤوب لتحقيق الحرية والاستقلال. تُلهمنا صفحات التاريخ بحقيقة راسخة: الحرية لا تُوهب، بل تُنتزع بعزيمة لا تلين، وإرادة لا تنكسر.. فلا انتصار دون تضحية، والشهادة هي بوابة العبور نحو الحرية المنشودة.
يستحضر الشعب الفلسطيني اليوم ذلك التاريخ العظيم لأمتنا، رافعًا راية الرفض للذل والمهانة. إنها محاولة جسورة لجعل تاريخنا المجيد يتدفق نحو حاضرنا، ليشهد أبناؤنا في المستقبل أن آباءهم كانوا أوفياء لهذه الأرض المقدسة؛ وهذا جوهر ما يرويه لنا التاريخ حين نستلهم تجارب الشعوب الثائرة.
في البوسنة، نجد مثالًا حيًّا على هذا النضال البطولي.. واجه البوسنيون بصدور عارية حملة إبادة جماعية واحتلالًا غاشمًا، لكنهم صمدوا بشجاعة أسطورية أمام هذا العدوان الهمجي. يلخص الرئيس البوسني الراحل، علي عزت بيغوفيتش، هذا الموقف البطولي قائلًا: “الحرية ليست شيئًا يُعطى، إنها شيءٌ ينتزع، إنها ثمن ندفعه بدمائنا وعرَقنا ودموعنا.”
أما في الجزائر، فقد سطَّرت ثورة التحرير الجزائرية ملحمة خالدة في تاريخ حركات التحرر في القرن العشرين.. قاد الشعب الجزائريّ الأبيّ مقاومة ضارية ضد الاستعمار الفرنسي الغاشم، مقدِّمًا قوافل الشهداء على طريق الحرية. يقول الزعيم الجزائري أحمد بن بلة: “إن الشعب الذي لا يقاوم ليس شعبا حرا.. الحرية تأتي بالتضحيات، وكل تضحية هي خطوة نحو الاستقلال.”
وفي فييتنام، تجسَّد نضال الفيتناميين الأبطال ضد الاستعمارين الفرنسي ثم الأمريكي في شخصية القائد الملهم “هو تشي منه”، الذي قاد المقاومة بشجاعة وتصميم. يقول “هو تشي منه”: “لا شيء أعلى ثمنا من الاستقلال والحرية، كل تضحية نبذلها هي خطوة نحو تحقيق هذا الهدف المقدس.”
كذلك، تقدم جنوب أفريقيا نموذجًا ساطعًا يوضح كيف يمكن للنضال الطويل أن يثمر حرية وكرامة.. نيلسون مانديلا، الذي قضى ٢٧ عامًا في غياهب السجون من أجل حرية وطنه، يؤكد: “إن الحرية لا تمنح ببساطة، يجب أن نناضل من أجلها.. التضحيات التي قدمناها هي الثمن الذي دفعناه لتحقيق هذه الحرية.”
تُعلِّمنا هذه النماذج الملهمة أن كل الشعوب التي رزحت تحت نير الاحتلال قاومت بشراسة، وأن المقاومة حتمًا تستلزم تضحيات جسيمة. هذه التضحيات ليست نكوصًا عن المقاومة، بل هي جوهرها النابض.. وعبر صفحات التاريخ، تتكرر هذه الحقائق الناصعة لتكون نبراسًا للأجيال القادمة في مسيرتها نحو الحرية والاستقلال.
اليوم، وفي خضم الأحداث الجسام في فلسطين، وفي ظلال معركة “طوفان الأقصى”، تتجلى القضية الفلسطينية كنموذج حي لنضال الشعوب من أجل الحرية.. يقدم الشعب الفلسطيني الصامد تضحيات جسيمة في مواجهة المحتل الغاصب، مؤكدًا أن الحرية تُنتزع ولا تُمنح. يقول أحد أبطال المقاومة الفلسطينية: “نحن لا نقاتل لأننا نحب الحرب، بل لأننا نحب ما ندافع عنه؛ حريتنا وكرامتنا.”
إن صمود الشعب الفلسطيني اليوم يستحضر في الأذهان بطولات الجزائر والبوسنة وفيتنام وجنوب أفريقيا.. كل قطرة دم تُراق، وكل شهيد يرتقي، هو خطوة جديدة نحو فجر الحرية. ويعلمنا التاريخ أن العدالة ستنتصر حتمًا، وأن التضحيات الجسام التي تقدمها الشعوب على طريق الحرية لن تذهب سُدى.
ستظل معركة “طوفان الأقصى” شاهدًا على إرادة لا تقهر، وعزيمة لا تنكسر. وجيلًا بعد جيل، سيواصل الفلسطينيون نضالهم الباسل من أجل حريتهم، مستلهمين من تاريخ الأمم التي ناضلت وانتزعت استقلالها. وقد قال الشاعر الفلسطيني محمود درويش: “نحن لا نريد أن ننتصر، نريد أن نعيش بكرامة.”
في نهاية المطاف، التاريخ ليس مجرد سرد لأحداث غابرة، وقصص تُروى، بل هو منارة تنير طريقنا نحو المستقبل. وتبقى الحقيقة الساطعة أن الحرية تستحق كل تضحية، وأن الشعوب التي تقاوم الظلم والاحتلال ستنتصر حتمًا، وسيشرق فجرها، مهما طال الليل وعظمت التحديات.
2 التعليقات
إرسال تعليق
تابعنا على حساباتنا
مقالات أخرى
وقد استجاب القضاء لدعوة الرئيس.. ماذا ينتظر المستأجرون؟!
ذكّرني القول إن المحكمة الدستورية العليا في مصر استجابت لدعوة الرئيس في إصدار حكم، بما مضى. فدائما تذكّرنا القدرات المتواضعة الآن بعهد الرئيس مبارك، فلا يعرف قيمة أمه إلا من يتعامل مع زوجة أبيه، وكثيرون صار شعارهم "رُبّ يوم بكيت منه، فلما مضى بكيت عليه". ولست من هؤلاء...
السياسة الخارجية للرئيس ترامب تجاه الشرق الأوسط
لم تمرّ إلا ساعات فقط بعد إعلان الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب نيته تعيين حاكم أركنساس السابق "مايك هاكابي" ليكون سفيرًا للولايات المتحدة لدى إسرائيل وهو المعروف بدعمه منقطع النظير للاستيطان، خاصة في الضفة الغربية التي يعتبرها جزءاً من أرض الميعاد كما يقول،...
“العرب العثمانيون”.. كيف جسّد الإسلام عمومية النظام السياسي لجميع الأعراق؟
خلال زيارتي لنائب مدير جامعة السلطان محمد الفاتح في إسطنبول، البروفيسور المؤرخ زكريا كورشون، كنت أتحدث معه عن آخر إصداراته، فحدثني عن كتابه "العرب العثمانيون"، ومقصد الكتاب تبيان عمومية النظام السياسي في الإسلام لجميع الأعراق والأجناس في ظل الدولة الواحدة . فالإسلام...
بارك الله فيك
التاريخ عتبة تقف عليها لتوجيه خططنا ومعرفة ثغرات عدونا