إيران الدولة في ضوء اغتيال هنية
بقلم: نبيل البكيري
| 6 أغسطس, 2024
مقالات مشابهة
-
السياسة الخارجية للرئيس ترامب تجاه الشرق الأوسط
لم تمرّ إلا ساعات فقط بعد إعلان الرئيس الأمريكي...
-
“العرب العثمانيون”.. كيف جسّد الإسلام عمومية النظام السياسي لجميع الأعراق؟
خلال زيارتي لنائب مدير جامعة السلطان محمد الفاتح...
-
في موقعة أمستردام.. لم تسلم الجرّة هذه المرة !
تقول العرب في أمثالها: "ما كل مرة تسلم الجرة".....
-
عمر بن عبد العزيز والتجربة الفريدة
حين ظهرت له أطلال المدينة المنورة، أيقن الشاب...
-
هيكل: حكايات من سيرة الأستاذ الكاهن (2)
هيكل والسادات مضت السنوات وابتعد محمد حسنين هيكل...
-
أعرني قلبك يا فتى!
أعرني قلبك يا فتى، فإن الأحداث جسام، والأمور على...
مقالات منوعة
بقلم: نبيل البكيري
| 6 أغسطس, 2024
إيران الدولة في ضوء اغتيال هنية
لا شك أن حادثة اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة المقاومة الإسلامية (حماس)، الشهيد والقائد إسماعيل هنية، في العاصمة الإيرانية طهران فجر ٢ أغسطس/ آب الجاري، يشكل لحظة فارقة ومنعطفاً خطيراً لمسار الصراع في المنطقة، عدا عن أن هذه العملية تمثل مؤشراً آخر أيضا على طبيعة الدولة الإيرانية، وعمق أزماتها الداخلية وتعقيداتها.
فالدولة الإيرانية اليوم، هي خلاصة تجربة ما عُرف بالثورة الإسلامية الإيرانية بعد أربعة عقود ونصف من قيامها في فبراير/ شباط ١٩٧٩م، وهي اليوم تشهد تحديات كبيرة وحقيقية، وفي مقدمة هذه التحديات- لا شك- الفراغ الكبير الذي تركه رجالها المؤسسون إما بموت أو اغتيال، حيث لم يبق من رجالات الثورة الإسلامية في قيادة الدولة الإيرانية من جيل المؤسسين الأوائل سوى المرشد الأعلى، السيد علي خامنئي، فيما لم يعد من جيل التأسيس سوى القلة القليلة ممن هم اليوم خارج دائرة صناعة القرار .
والمرشد العام اليوم في منتصف العقد الثامن من عمره، ما يجعل العقل السياسي للدولة الإيرانية يمر بمرحلة شيخوخة واضحة، تنعكس بشكل أو بآخر في أداء هذه الدولة وأجهزتها، التي بدت اليوم تعاني ترهلاً وضعفاً وهشاشة واختراقاً أكثر من أي وقت مضى، في ضوء مقتل رئيسها السابق إبراهيم رئيسي، وقبله مقتل رجلها الحديدي قاسم سليماني، الذي قتلته أمريكا قبل أربع سنوات من الآن، عدا عن اغتيال أهم شخصية في ما تسميه إيران بحلف المقاومة، وهو رئيس مكتب حماس السياسي إسماعيل هنية.
وأعتقد أن مقتل إسماعيل هنية في قلب العاصمة الإيرانية طهران، وفي أهم مربعاتها الأمنية حيث مقرات الحرس الثوري، يمثل أخطر مؤشر على مدى ضعف الدولة الإيرانية، وترهل مؤسساتها الأمنية والعسكرية والاستخباراتية، ما يعكس حقيقة أن إيران تعيش بالفعل مرحلة ضعف واضح في كل الاتجاهات، وأن ثمة فراغاً كبيراً يدب في جسد نظام ولاية الفقيه اليوم أكثر من أي وقت مضى.
فليس من قبيل المبالغة اليوم القول إن إيران تمر بمرحلة عصيبة ومفصلية في تاريخها؛ فكل الشواهد والمؤشرات تقول ذلك، وهي اليوم على مفترق طرق، وتواجه خيارات كلها صعبة ومُرّة، فأي قراءة دقيقة لوضعها الراهن وما باتت تعانيه، وانعكاس كل ذلك على أدائها المستقبلي في ضوء تمدد إيران الكبير خارج حدودها بفعل مبدأ تصدير الثورة الذي حقق نجاحا لافتاً، تُظهِر أن هذه الثورة لم تحقق نجاحاً موازياً في بنية الدولة الإيرانية، فكراً واقتصاداً ورؤية وممارسة.
فمقتل شخص بحجم إسماعيل هنية ومكانته في هذه اللحظة الدولية الفارقة، عدا عن مكانته داخل بنية ما تسميه إيران بمحور المقاومة، وفي مرحلة مفصلية كهذه، بعد أن فتحت عملية طوفان الأقصى في السابع من أكتوبر الماضي أبواب المنطقة كلها على مصراعيها أمام تحولات ومآلات لا تزال تداعياتها مفتوحة على كل الاحتمالات، ذلك مما قد يقود المنطقة والعالم نحو تداعيات خطيرة لا أحد يستطيع أن يتنبأ بمآلاتها حتى اللحظة.
وبالعودة إلى موضوع إيران وما فتحته عملية اغتيال إسماعيل هنية من تساؤلات حول طبيعة هذه الدولة اليوم، وما إن وصلت إلى نهاية قوتها كدولة إقليمية محورية وازنة في المنطقة، ومدى توافق الوضع في الداخل الإيراني مع تلك الصورة التي يقدمها الإعلام الإيراني وتلك البروبجندا التي يشتغل عليها الإعلام التابع للمحور، الذي ظل يقدم إيران كقوة صلبة متماسكة وذات أذرع متعددة وقادرة على اللعب على كل المستويات، وخاصة بعد توسع نفوذها خارج حدودها طوال السنوات العشر الأخيرة الماضية.
فمن خلال ثلاثة أحداث رئيسة ومفصلية حدثت، وردّات الفعل الإيراني عليها، يتضح جلياً أن إيران فعلا تعيش مرحلة صعبة جداً، تتجاوز مسألة الأزمة الاقتصادية الخانقة، والانسداد السياسي القائم للنظام الإيراني الحاكم، وحالة الاحتقان التي يُعبَّر عنها بين فترة وأخرى بمظاهرات كبرى، وما يرافقها من ردة فعل عنيفة من قبل السلطات الإيرانية، التي تعكس هي الأخرى مخاوف إيرانية داخلية حقيقية.
لكن تبقى الأحداث الثلاثة الرئيسة، التي كشفت حالة الضعف والتراجع الإيراني، أولها ما جرى من مقتل الجنرال قاسم سليماني، رجل إيران الأقوى وذراعها العسكرية الضاربة، قائد فيلق القدس ومؤسسه كأحد أقوى وحدات حرسها الثوري، وقد قتلته أمريكا بمعية قائد مليشيات الحشد الشعبي العراقي جمال جعفر (أبو مهدي المهندس) في ٣ يناير ٢٠٢٠م؛ حيث كشف رد الفعل الإيراني عن ضعف إيران وعدم قدرتها على الرد بالمثل، بل كشف عن حالة هزال عبّر عنه ترامب، الرئيس الأمريكي الأسبق، بقوله إن إيران تواصلت معهم وأبلغتهم أنها سترد وتضرب قاعدة عين الأسد الأمريكية.
الأمر الآخر، هو حادثة سقوط طائرة الهليكوبتر الرئاسية، والتي كانت تقلّ الرئيس الإيراني السابق إبراهيم رئيسي ووزير خارجيته أمير عبد اللهيان وعدد من طاقمه الرئاسي، في ١٩ مايو ٢٠٢٤م، حيث ظلت الطائرة مفقودة مع طاقمها لأكثر من يوم كامل، حتى استعانت الحكومة الإيرانية بالحكومة التركية للبحث عن الرئيس وبقية طاقمه، ما كشف عن هشاشة إيران تكنولوجيّاً وأمنيّاً أيضاً.. ليس هذا فحسب، بل ثمة من يشير إلى أن الحادث لم يكن تقنياً وإنما مدبراً مخابراتيّاً، وهو ما لم تقله إيران حتى الآن.
أما الحادث الأبرز، وهو الذي يشكل مؤشراً حقيقيّاً على مدى تضعضع الدولة الإيرانية، ووضعها الأمني والاستخباراتي الهش، فهو مقتل رئيس المكتب السياسي لحركة المقاومة الإسلامية (حماس)، وفي العاصمة الإيرانية طهران، وهو الذي كشف بالفعل حالة ضعف واختراق مخابراتي إسرائيلي غربي كبير للدولة الإيرانية وأجهزتها المخابراتية المختلفة.
هذه الحادثة الإجرامية للكيان الصهيوني باغتيال أكبر قيادي في حركة حماس، الجناح الأقوى في محور المقاومة التابع لإيران، كشفت عن هشاشة إيران كدولة تُقدم نفسها على أنها قوة ضاربة، وتمتلك من التكنولوجيا والأسلحة الشيء الكثير، بينما أظهرت هذه الحادثة وطبيعة التعاطي الإيراني معها أن إيران في أضعف حالاتها؛ فلا هي قادرة على كشف ما جرى، ولا هي قادرة على الرد على هذه العملية، وإن ردت فلن يكون الرد بحجم هذه الجريمة، وهو ما يقدم صورة بانورامية لما وصلت إليه إيران كدولة من حالة هشاشة واختراق وضعف على كل المستويات، بعكس تلك الصورة التي يقدمها الإعلام الثوري الإيراني ويدغدغ بها مشاعر جماهيره.
وبرغم هذه الصورة الواضحة عن إيران الهشة والضعيفة والمخترقة، التي عكستها حادثة اغتيال الشهيد إسماعيل هنية، تظل إيران تتمدد في فضاء عربي واسع، يمر بحالة فراغ كبير ومريع بعد ثورات الربيع العربي، التي ضربتها أنظمة عربية أخرى بفائض أموالها وأوامر غربية للقيام بذلك، وهو الوضع التي حصدت إيران نتائجه وتمددت به، لا بفعل قوتها وإنما بفعل الفراغ العربي وغباء النخب السياسية العربية، التي ظنت أنها بالقضاء على الربيع العربي ستوقف حالة الانهيار للمشهد العربي المنهار أصلاً.
فإذا كانت إيران اليوم لا تزال تربح نفوذاً وقوةً وهي في أضعف حالاتها، فهذا لسبب واحد وبسيط هو أن ثمة أنظمة عربية- وخليجية تحديداً- تخلت عن مسؤولياتها ضمن فكرة الأمن القومي العربي، وتعمل بكل إمكانياتها، بوعي أو بدون وعي منها، على ضرب منظومة الأمن القومي العربي، وهو ما يعني مزيداً من تمكين إيران وترسيخ مشروعها، بدعمها من خلال ضرب أي قوى سياسية مناوئة للنفوذ الإيراني بالمنطقة، مندفعة بسياسة الأحقاد والأوهام تجاه هذه القوى في أحسن الأحوال.
ولا تدرك هذه الدول اليوم أنها باتت خاضعة لهذه المليشيات الإيرانية بطريقة أو بأخرى، وتتعامل معها كدول قائمة وتعترف بها، كما هو الحال مع الحشد الشعبي العراقي المبتلع للدولة العراقية، وكذلك حزب الله في لبنان، ونظام بشار الذي ذهبت أنظمة خليجية لإنعاشه من الموت والسقوط، وكذلك التعامل مع جماعة الحوثي والتقرب منها والاعتراف بها.. ولا تدرك هذه الأنظمة أنها اليوم في وضعية انكشاف أمني مريع أمام هذه المليشيات، التي أصبحت أكبر خطر يهدد منظومة الأمن الخليجية اليوم ويحاصرها من كل الاتجاهات.
وكل هذا الوضع هو نتاج طبيعي ليس فقط لتخلي النظام العربي الرسمي- والخليجي تحديداً- عن القضية الفلسطينية، وخذلان المقاومة الفلسطينية، بل وتقربه من إسرائيل واعترافه بها.. هذه القضية العادلة التي تمثل أهم ركائز المشروعية السياسية للعالم العربي باعتبارها أرضاً عربية محتلة، وأن أي تخلٍّ عن هذه القضية يعني التخلي عن مشروعية هذا النظام العربي القائم أيّاً كان شكله، جمهوريّاً أو ملكيّاً.
وختاماً.. إن القضية الفلسطينية ورقة رابحة لكل من يجيد التعاطي معها والاستفادة منها، وهو ما تقوم به إيران اليوم وتكسب به كل هذا النفوذ والزحم. وهي تغطي ضعفها وهشاشتها من خلال تبنيها للقضية الفلسطينية، ولو من باب التوظيف السياسي المجرد لهذه القضية، التي باتت حتى المليشيات الطائفية تبحث لها عن مشروعية من خلال تبنيها لها، بينما تخلى عنها اليوم النظام العربي الرسمي للأسف، وهو في حالة احتضار وترقب للسقوط عند أول هبة شعبية تعيد لحظة الربيع العربي من جديد.
مهتم بالفكر السياسي الإسلامي
تابعنا على حساباتنا
مقالات أخرى
وقد استجاب القضاء لدعوة الرئيس.. ماذا ينتظر المستأجرون؟!
ذكّرني القول إن المحكمة الدستورية العليا في مصر استجابت لدعوة الرئيس في إصدار حكم، بما مضى. فدائما تذكّرنا القدرات المتواضعة الآن بعهد الرئيس مبارك، فلا يعرف قيمة أمه إلا من يتعامل مع زوجة أبيه، وكثيرون صار شعارهم "رُبّ يوم بكيت منه، فلما مضى بكيت عليه". ولست من هؤلاء...
السياسة الخارجية للرئيس ترامب تجاه الشرق الأوسط
لم تمرّ إلا ساعات فقط بعد إعلان الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب نيته تعيين حاكم أركنساس السابق "مايك هاكابي" ليكون سفيرًا للولايات المتحدة لدى إسرائيل وهو المعروف بدعمه منقطع النظير للاستيطان، خاصة في الضفة الغربية التي يعتبرها جزءاً من أرض الميعاد كما يقول،...
“العرب العثمانيون”.. كيف جسّد الإسلام عمومية النظام السياسي لجميع الأعراق؟
خلال زيارتي لنائب مدير جامعة السلطان محمد الفاتح في إسطنبول، البروفيسور المؤرخ زكريا كورشون، كنت أتحدث معه عن آخر إصداراته، فحدثني عن كتابه "العرب العثمانيون"، ومقصد الكتاب تبيان عمومية النظام السياسي في الإسلام لجميع الأعراق والأجناس في ظل الدولة الواحدة . فالإسلام...
0 تعليق