حرب إسرائيل على لبنان وتأثيراتها على الانتخابات الأمريكية

بقلم: أدهم أبو سلمية

| 27 سبتمبر, 2024

بقلم: أدهم أبو سلمية

| 27 سبتمبر, 2024

حرب إسرائيل على لبنان وتأثيراتها على الانتخابات الأمريكية

في خضم التصعيد العسكري بين إسرائيل ولبنان، تتزايد الضغوط السياسية على الولايات المتحدة، ولا سيما على نائبة الرئيس كمالا هاريس، التي تسعى للفوز في الانتخابات الرئاسية القادمة.

هذه الحرب التي جاءت ضمن إسناد المقاومة اللبنانية لغزة قدمت مئات الشهداء وآلاف الجرحى، من بينهم نساء وأطفال، تجاوز تأثيرها حدود المنطقة لتصبح قضية أمريكية داخلية ذات أبعاد كبيرة في خضم أجواء انتخابية محتدمة؛ فالحرب في الشرق الأوسط تتفاعل اليوم على المستوى الإقليمي والمستوى الدولي نتيجة القلق العالمي من تفجر صراع إقليمي أوسع، لما لذلك من انعكاسات سياسية واقتصادية، الأمر الذي يضع الإدارة الأمريكية في موقف دولي معقد أمام المجتمع الدولي الذي ينظر إليها على أنها شريك في الخطوات التصعيدية الإسرائيلية.

الهجمات الإسرائيلية التي جاءت عقب تفجير آلاف أجهزة الاتصالات في أنحاء لبنان، والتي أودت بحياة العديد من المدنيين، وضعت إدارة الرئيس بايدن في موقف حرج أمام المجتمع الدولي. في الوقت ذاته، يستمر الدعم الأمريكي غير المشروط لإسرائيل على الرغم من الاتهامات المتزايدة بارتكاب جرائم حرب في غزة، وهو ما يزيد من حالة الاستياء بين الجاليات العربية والمسلمة داخل الولايات المتحدة.

يتجلى هذا الغضب في العديد من المظاهرات والتحركات المجتمعية التي تنتقد الموقف الأمريكي المتساهل مع الانتهاكات الإسرائيلية، ما يعزز الانقسام الداخلي حول السياسة الخارجية الأمريكية تجاه الشرق الأوسط؛ فالدعم الأمريكي الثابت لإسرائيل كان دومًا جزءًا من السياسة الخارجية الأمريكية، لكن يبدو أن تأثير هذه السياسات على الانتخابات الأمريكية قد يكون غير مسبوق هذه المرة من جهة تآكل الدعم للمرشحة الديمقراطية كمالا هاريس، نائبة الرئيس الحالي، بين الأمريكيين من أصول عربية ومسلمة.

هؤلاء الناخبون، الذين يشكلون نسبة مؤثرة في ولايات متأرجحة رئيسية، يشعرون بخيبة أمل كبيرة جراء تأييد هاريس العلني لإسرائيل، خاصة في ظل تصاعد وتيرة العدوان الإسرائيلي على غزة والضفة الغربية ولبنان. حيث تشير أحدث التقارير إلى أن الإدارة الأمريكية تتعرض لضغوط متزايدة من داخل الولايات المتحدة لإعادة تقييم موقفها من هذا الدعم غير المشروط، وخاصةً في ظل استمرار الانتهاكات الإسرائيلية لحقوق الإنسان في الأراضي المحتلة.

في هذا السياق، يظهر دور حزب الله بشكل لافت في الصراع.. مع بداية الهجمات الإسرائيلية على غزة، أعلن حزب الله اللبناني دعمه للمقاومة الفلسطينية معتبراً جبهة لبنان جبهة إسناد رئيسية للمقاومة، مؤكداً أن وقف حرب الإبادة الجماعية في غزة يعني وقف جبهة الإسناد بالضرورة. لكن مع وضْع نتنياهو شرط إعادة المستوطنين إلى شمالي إسرائيل كأحد أهداف الحرب الرئيسية، وما أعقب ذلك من تفجير أجهزة الاتصالات، واغتيال قيادة الرضوان، اتسع نطاق العمليات العدائية من جانب إسرائيل، وردّت عليها المقاومة اللبنانية على نطاق أوسع وصولاً لأطراف تل أبيب، ما يعزز احتمالية تحول المواجهات إلى حرب طويلة الأمد، قد تكون لها تداعيات إقليمية وعالمية، وهذا يفتح الباب أمام مزيد من التوترات التي تهدد باندلاع حرب شاملة في المنطقة.

من ناحيتها فإن الإدارة الأمريكية، وعلى الرغم من هذه التطورات، واصلت تقديم دعمها العسكري والدبلوماسي القوي لإسرائيل، حيث أرسلت تعزيزات عسكرية إضافية، بما في ذلك حاملات طائرات وشحنات أسلحة جديدة، في خطوة تعبر عن التزام واشنطن الكامل بأمن إسرائيل. وفي الوقت نفسه، تم الكشف عن تقارير مسربة تفيد بحجب وزير الخارجية الأمريكي، أنتوني بلينكن، تقارير حكومية تتعلق بعرقلة إسرائيل لوصول المساعدات الإنسانية إلى غزة، الأمر الذي يخالف القوانين الأمريكية. هذا التدخل يزيد من تعقيد الصورة ويطرح تساؤلات حول مدى التزام الإدارة الأمريكية بالقوانين الإنسانية والدولية التي تنص على ضرورة تسهيل وصول المساعدات في حالات الأزمات.

كل هذه التطورات وضعت كمالا هاريس في موقف سياسي شديد الحساسية، خاصة مع اقتراب موعد الانتخابات؛ فعلى الرغم من الغضب المتزايد في أوساط الجاليات العربية والمسلمة داخل الولايات المتحدة، لم تغير هاريس موقفها المعلن والداعم لإسرائيل، بل إن رفضها مقابلة المجموعات الداعمة لغزة، التي طالبت بوقف إطلاق النار، أثار مزيدًا من الانتقادات ضدها.

ومع انخفاض شعبيتها تدريجيًّا، تواجه هاريس تحديًا كبيرًا أمام منافسها الجمهوري، دونالد ترامب، الذي يسعى إلى استغلال هذا الانقسام لتعزيز قاعدته الانتخابية. حيث يظهر من الإحصاءات أن هناك أكثر من 3.5 مليون أمريكي من أصول شرق- أوسطية أو شمال- أفريقية في الولايات المتحدة، يشكلون حوالي 1% من السكان. ويمثل الأمريكيون من أصول لبنانية شريحة مهمة، تصل إلى قرابة ثلث الناخبين من أصول عربية، خاصة في الولايات المتأرجحة مثل ميشيغان وفيرجينيا وجورجيا وبنسلفانيا وأريزونا.

وتشير الاستطلاعات الأخيرة إلى تراجع كبير في دعم الناخبين العرب والمسلمين للحزب الديمقراطي. ففي عام 2020، دعم 59% من العرب والمسلمين المرشح الديمقراطي، إلا أن هذه النسبة انخفضت إلى 17% فقط في الوقت الحالي، ويرجع ذلك إلى الإحباط المتزايد تجاه السياسات الخارجية الأمريكية، وخصوصًا ما يتعلق بالصراع في الشرق الأوسط.

ففي الولايات المتأرجحة، يمكن أن يكون للناخبين العرب والمسلمين دور حاسم في تحديد نتائج الانتخابات، وقد بدأت بعض الحركات الشعبية تنادي بالتصويت ضد هاريس، حيث يدعو العديد من الناخبين العرب والمسلمين إلى معاقبة الإدارة الحالية على مواقفها من إسرائيل عبر صناديق الاقتراع. قد يدفع هذا الغضب البعض إلى دعم مرشحين من الأطراف الثالثة مثل جيل ستاين أو كورنيل ويست، وهو ما قد يعقّد فرص هاريس للفوز، ويزيد من تراجع شعبيتها بين الفئات التي كانت تعتبرها جزءًا من قاعدتها الانتخابية.

في الوقت ذاته، يتصاعد الانقسام داخل الحزب الديمقراطي بشأن السياسة الخارجية تجاه الشرق الأوسط، ما يضيف مزيدًا من الضغط على هاريس. هذا الانقسام يعكس أزمة ثقة بين الحزب الديمقراطي وجزء كبير من قواعده الانتخابية، لا سيما من الأقليات العرقية والدينية التي تعاني من تداعيات السياسات الحالية. وبالنظر إلى أن العديد من العرب والمسلمين في الولايات المتحدة لا يميلون تقليديًّا إلى دعم الحزب الجمهوري بسبب سياسات ترامب السابقة، مثل “حظر السفر”، فإن التذمر من الحزب الديمقراطي قد يؤدي إلى عزوف بعضهم عن المشاركة في التصويت، ما يضعف قاعدة هاريس الانتخابية في الولايات المتأرجحة.

في النهاية، يبدو أن موقف كمالا هاريس وحزبها الديمقراطي من الصراع في لبنان وفلسطين قد يكون العامل الحاسم في الانتخابات الرئاسية المقبلة.. من المرجح أن تتخذ الجاليات العربية والمسلمة في الولايات المتحدة موقفًا عقابيًا ضد الإدارة الحالية في صناديق الاقتراع، وهو ما قد يهدد فرص هاريس بشكل كبير، ويشكل عقبة أمام حملتها الانتخابية في ظل التحديات المتزايدة التي تواجهها داخليًّا وخارجيًّا.

1 تعليق

  1. طيف

    تتزايد الضغوط على كمالا هاريس في ظل تصاعد الصراع بين إسرائيل ولبنان. دعمها لإسرائيل يهدد شعبيتها بين الناخبين العرب والمسلمين ويزيد الانقسام الداخلي.

    الرد

إرسال تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تابعنا على حساباتنا

مقالات أخرى

وقد استجاب القضاء لدعوة الرئيس.. ماذا ينتظر المستأجرون؟!

وقد استجاب القضاء لدعوة الرئيس.. ماذا ينتظر المستأجرون؟!

ذكّرني القول إن المحكمة الدستورية العليا في مصر استجابت لدعوة الرئيس في إصدار حكم، بما مضى. فدائما تذكّرنا القدرات المتواضعة الآن بعهد الرئيس مبارك، فلا يعرف قيمة أمه إلا من يتعامل مع زوجة أبيه، وكثيرون صار شعارهم "رُبّ يوم بكيت منه، فلما مضى بكيت عليه". ولست من هؤلاء...

قراءة المزيد
السياسة الخارجية للرئيس ترامب تجاه الشرق الأوسط

السياسة الخارجية للرئيس ترامب تجاه الشرق الأوسط

لم تمرّ إلا ساعات فقط بعد إعلان الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب نيته تعيين حاكم أركنساس السابق "مايك هاكابي" ليكون سفيرًا للولايات المتحدة لدى إسرائيل وهو المعروف بدعمه منقطع النظير للاستيطان، خاصة في الضفة الغربية التي يعتبرها جزءاً من أرض الميعاد كما يقول،...

قراءة المزيد
“العرب العثمانيون”.. كيف جسّد الإسلام عمومية النظام السياسي لجميع الأعراق؟

“العرب العثمانيون”.. كيف جسّد الإسلام عمومية النظام السياسي لجميع الأعراق؟

خلال زيارتي لنائب مدير جامعة السلطان محمد الفاتح في إسطنبول، البروفيسور المؤرخ زكريا كورشون، كنت أتحدث معه عن آخر إصداراته، فحدثني عن كتابه "العرب العثمانيون"، ومقصد الكتاب تبيان عمومية النظام السياسي في الإسلام لجميع الأعراق والأجناس في ظل الدولة الواحدة . فالإسلام...

قراءة المزيد
Loading...