جباليا.. شوكة مستعرضة في حلق الاحتلال!

بقلم: هديل رشاد

| 14 أكتوبر, 2024

بقلم: هديل رشاد

| 14 أكتوبر, 2024

جباليا.. شوكة مستعرضة في حلق الاحتلال!

جباليا.. هذا المخيم الذي يقع على مساحة 1.4 كيلومتراً مربعاً، ويعيش فيه 116 ألف نسمة، هذا المخيم نستطيع أن نصفه بالشوكة المستعرضة التي تقف في حلق إسرائيل منذ أن كانت شرارة انتفاضة الحجارة سنة 1987.

هذا المخيم يسعى الكيان المحتل لفصله عن قطاع غزة والسيطرة عليه منذ سنوات.. وخلال الحرب المسعورة على قطاع غزة- أي منذ عام وستة أيام- تعرض مخيم جباليا لـ3 عمليات قصف عنيفة، حيث استخدمت قنابل تزن نحو ألفي رطل، ما أدى إلى سقوط عشرات الضحايا من المدنيين، ويصر الاحتلال في كل حرب أن ينفذ أبشع المجازر في هذا المخيم.

يعدُّ مخيم جباليا رغم صغر مساحته، مركز ثقل أساسي للمقاومة الفلسطينية، لذا يسعى الاحتلال بكل أرتاله العسكرية، ومُسيراته الحربية، وتجاوزاته الأخلاقية، ومخالفاته القانونية، إلى خفض قدرات المقاومة خلال العملية التي تدخل يومها الثاني عشر، مستخدمة سياسة التهجير القسري، وسياسة التجويع بمنع الغذاء الذي كان يصل شحيحا إلى سكان الشمال، ومنهم سكان مخيم جباليا، كما تم قطع المياه الصالحة للشرب، وهدم الآبار، حتى بات السكان المرابطون يشربون مياها ملوثة لاختلاطها بمياه الصرف الصحي.

كما أقدم الجيش على تفجير مربعات سكنية مستخدماً روبوتات مفخخة، سعيا لتخريب وتدمير البنية التحتية، لجعلها منطقة غير صالحة للعيش فيها، لإجبار سكان المخيم على النزوح إلى الجنوب الذي يتعرض لقصف متواصل. وإمعانا بالإجرام تعمد جيش الاحتلال قصف مستشفى “اليمن السعيد”، لشلِّ قدرة الطواقم الطبية والتمريضية على تقديم أدنى مساعدة للجرحى والمصابين، في تحدٍّ صارخ للقانون الدولي الذي بات ممسحة لوحل بساطير جيش الاحتلال الإسرائيلي ليس إلا، إذ رغم أن انتهاكاته تقع أمام أعين المجتمع الدولي منقولة بالصوت والصورة، فلا أحد يجرؤ على اتخاذ إجراءات فاعلة لتصحيح الوضع .

إنَّ ما يواجهه سكان مخيم جباليا من حصار لأكثر من 12 يوما، من قبل قوات الاحتلال المارقة، ليس من السهولة الانتصار عليه في ظل الخذلان العربي، والدعم العالمي المتمثل بالدول العظمى لجرائم الإبادة المقترفة من قبل الاحتلال، لا سيما وأنَّ قوات جيش الاحتلال الإسرائيلي ضيقت الخناق على شمال مدينة غزة، حتى فصلته تماما عن القطاع، بالاستناد إلى شهادات سكان المخيم لقناة الـ (BBC) ظهر أمس. وفي هذا السياق، قام الاحتلال بنسف عشرات المنازل، لعزل آلاف العائلات، وإرغام السكان على ترك منازلهم في رحلة نزوح إلى جنوب القطاع- أو إلى الموت إن صح التعبير- لما يشهده من قصف متواصل بلا هوادة.

وبالعودة إلى المشهد في جباليا، فالفصل تم عبر سيطرة الآليات العسكرية الإسرائيلية على المحاور والمفترقات الرئيسية، وعبر وضع سواتر ترابية عالية، ويترافق ذلك مع غطاء ناري من الطائرات المسيرة المعروفة بـ”كواد كابتر”، التي تطلق النار على كل من يحاول التحرك داخل المناطق المحاصرة، وتتعامل معه على أنه ناشط أو مقاوم من حماس، وهنا علينا أن نطرح السؤال: هل ما يقوم به جيش الاحتلال هو تنفيذ لما يسمى بـ”خطة الجنرالات”، التي تقوم على تدمير البنى التحتية، وتهجير السكان قسرياً  إلى الجنوب، ما يسمح للاحتلال بالسيطرة على المنطقة الشمالية بالكامل، والقضاء على أي وجود للمقاومة فيها، لتكون هي الذريعة أو مسمار جحا لتبرير العمليات العسكرية براً وجواً؟!

ويأتي تكثيف العمليات العسكرية في شمالي القطاع بالتزامن مع إعلان جيش الاحتلال الإسرائيلي غزةَ مسرحاً ثانويّاً للعمليات، لإقناع الداخل الإسرائيلي بأنهم حققوا غاياتهم من الحرب بالقضاء على المقاومة، وخلق صورة انتصار مزيفة، لإيهام شعبه بأنه قادر على اجتثاث المقاومة من جذورها، وأنه بالسيطرة على شمال غزة يكون قد حقق أحد أهداف الحرب، مبررا عدم التوصل إلى قرار لوقف إطلاق النار وإطلاق سراح الأسرى لدى المقاومة.

ختاماً:

يقول الله في محكم آياته: {ولا تَهِنوا فى ٱبتغآء ٱلقوم ۖ إن تكونوا تألمون فإنَّهم يألمون كما تألمون ۖ وترجون من ٱللَّه ما لا يرجون ۗ وكان ٱللَّه عليمًا حكيمًا} [سورة النساء: 104]. فهذه الآية تتجسد عملاً وفعلاً، وتفسر وتشرِّح حقيقة ما يحدث في قطاع غزة عامة، وفي مخيم جباليا خاصة.

فرغم بطش المحتل، فإنَّ من يقرأ المشهد ويكتفي بالتعليق على صورة الخراب والدمار، الذي خلفه الاحتلال في مخيم جباليا، يكون قد بتر نصف الحقيقة، وتناسى انعكاس المشهد وتطورات الأوضاع في قطاع غزة- وتحديدا في مخيم جباليا- على مرآة العدو، فدخولهم إلى مخيم جباليا كالدخول إلى عش دبابير. وهذه حقائق بعيدة كل البعد عن كلمات التعاطف وجبر الخواطر، كشفتها وسائل إعلامهم الذي وصف ما وقع لجنودهم في مخيم جباليا شمالي قطاع غزة بالحادث الصعب، عند انفجار عبوة ناسفة زرعتها حركة المقاومة الإسلامية “حماس” بجيب عسكري، أسفر عن مقتل ثلاثة جنود عسكريين، فضلا عن الإطاحة بسرية مشاة تابعة لجيش الاحتلال الإسرائيلي، في كمين مركب شرق مخيم جباليا في شمالي قطاع غزة.

هذا كله يؤكد أن المقاومة وروحها تحف المخيم رغم قلة الإمكانيات، فإنَّ الإنجازات والانتصارات تقاس في الحروب بمعيار عدد الجنود الذين سقطوا أو أُسروا، وبعدد الدبابات التي نُسفت أو سُيطر عليها، لا بعدد المدنيين العزل الذين قُتلوا، أو بعدد المستشفيات والمدارس التي دُمرت على رؤوس النازحين، فهذا ديدن المحتل الرافض للاعتراف بالهزيمة، المعتد بأفعاله الإجرامية!

فهدم المنازل بالروبوتات المفخخة، وقنص المدنيين بالمسيرات “كواد كابتر”، ومنع دخول الماء والغذاء والدواء.. لا أراه في حقيقة الأمر إلا صورة من صور الانهزام، وحيلة الضعيف العاجز عن مواجهة الكبار! كالطفل الأرعن الذي لا يجد حيلة سوى ألعابه للانتقام منها عندما لا تتحقق مطالبه.!

1 تعليق

  1. HUSSAIN MOHD

    حفظهم الله أهلنا هناك من كل سوء وسدد رمي المجاهدين ونصرهم على أعدائهم أعداء الدين يارب العالمين .. بارك الله فيكي أستاذه هديل

    الرد

إرسال تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تابعنا على حساباتنا

مقالات أخرى

المحرقة الصهيونية

المحرقة الصهيونية

كلما تعرضت العصابة الصهيونية لضربة موجعة أو أية خسائر استراتيجية تقوم بفتح نيران الغدر على أبرياء غزة من الأطفال والنساء والمدنيين.. لتحقيق انتصارات زائفة تُرضي غرور المتشددين المتعصبين خصوصا من اليمين المتطرف. صواريخ وقنابل مصنوعة في الولايات المتحدة الأمريكية، مدعية...

قراءة المزيد
النقد.. الهواية، والهاوية!

النقد.. الهواية، والهاوية!

عندما ترفض -مثلا-  الشاعر العراقي الكبير عبدالرزاق عبدالواحد وتلعن سيرته بحجّة أنه قد مدح طاغية، فإنّ عليك إذن أن تفعل ذلك مع الشاعر العراقي الكبير محمد مهدي الجواهري.. لأنه أيضاً مدح طاغية آخر ملطّخة يده بدماء الأبرياء. أما أن تفتح عيناً وتغمض أخرى، فتقبل هذا وترفض...

قراءة المزيد
 معركة الطوفان وترتيب العداوات

 معركة الطوفان وترتيب العداوات

غالبا ما تترك بعض المحن والأحداث التي  تفوق طاقة البشر في التحمل، في نفوس أصحابها ندوبا عميقة تؤثر على وعيهم وتصوراتهم، بل إنها تذهل المسلمين تارة عن بعض الأبجديات في التصور الإسلامي الذي يحتم العودة إلى كتاب الله وسنة  نبيه صلى الله عليه وسلم في كل أمر لا...

قراءة المزيد
Loading...