لولوة الخاطر.. شخصية عام الطوفان الأول
بقلم: إبراهيم الدويري
| 9 أكتوبر, 2024
مقالات مشابهة
-
السياسة الخارجية للرئيس ترامب تجاه الشرق الأوسط
لم تمرّ إلا ساعات فقط بعد إعلان الرئيس الأمريكي...
-
“العرب العثمانيون”.. كيف جسّد الإسلام عمومية النظام السياسي لجميع الأعراق؟
خلال زيارتي لنائب مدير جامعة السلطان محمد الفاتح...
-
في موقعة أمستردام.. لم تسلم الجرّة هذه المرة !
تقول العرب في أمثالها: "ما كل مرة تسلم الجرة".....
-
عمر بن عبد العزيز والتجربة الفريدة
حين ظهرت له أطلال المدينة المنورة، أيقن الشاب...
-
هيكل: حكايات من سيرة الأستاذ الكاهن (2)
هيكل والسادات مضت السنوات وابتعد محمد حسنين هيكل...
-
أعرني قلبك يا فتى!
أعرني قلبك يا فتى، فإن الأحداث جسام، والأمور على...
مقالات منوعة
بقلم: إبراهيم الدويري
| 9 أكتوبر, 2024
لولوة الخاطر.. شخصية عام الطوفان الأول
سال حبر كثير، وقيل كلام ليس بالقليل عن الذكرى الأولى لعملية طوفان الأقصى، وكان لبطولات أهل غزة وثباتهم الملحمي حضور مستحق فيما يقال ويكتب، وكان لمظاهر الخذلان العربي والإسلامي لأهل غزة والتواطؤ الدولي على مدار عام الإبادة الجماعية ذكر مرير مؤسف في ثنايا الأحاديث والكتابات.
وفي استعراضي لما قيل وكُتِب عن مرارات الخذلان، وعن النصرة المفقودة تذكرت أن الوزيرة والشاعرة القطرية لولوه بنت راشد الخاطر، هي المسؤول العربي الرسمي الوحيد الذي وطئت قدماه أرض غزة خلال هذه المعركة المصيرية فتساءلت في نفسي اغتباطا عن سر اختصاصها بهذه المنقبة العظيمة؟.
تساؤلي كان مركبا من الإكبار والغبطة لتضامن الوزيرة الشجاع، ومن الاستنكار لخذلان حكوماتنا الكثيرة لأهالي غزة، ولأولئك الحكام المتفرجين على مآسي القطاع الصامد المتتالية من قتل وحصار، بل وتآمر بعضهم على قصف الأطفال والنساء، اعتبرت اغتباطا بانفرادها بتلك الزيارة لإيماني العميق أن الأعمال الكبيرة والمواقف الخالدة لا تكون إلا لمن صدق في إرادته الخير ووفقه الله له، {ولو أرادوا الخروج لأعدوا له عدة}.
عوامل عديدة تضافرت لأن تتفرد الوزيرة لولوة الخاطر بمنقبة زيارة غزة وأرض الرباط في هذا العام المصيري من تاريخ القضية؛ أولها توفيق الله لها، ثم لانتمائها لبلد عربي لم يطعن فلسطين يوما في الظهر، ولا خذلها في موقف من المواقف، بلد يقول حاكمه في آخر أكبر منبر عالمي لتجمع قادة الدول: “في كل عام أقف على هذا المنبر وأبدأ كلمتي بالحديث عن قضية فلسطين، وغياب العدالة، ومخاطر الاعتقاد أنه يمكن تجاهلها، وأوهام السلام من دون حلها حلا عادلا”.
كان أمير قطر الشيخ تميم يُذكِّر بفلسطين كل عام في خطابه السنوي بالأمم المتحدة “في الوقت الذي باتت فيه قضية فلسطين تغيب عن خطابات ممثلي قوى رئيسية في عالمنا. ثمة من يغريه احتمال تهميش هذه القضية والاستراحة من همها أو زوالها من دون حلها. لكن قضية فلسطين عصية على التهميش، لأنها قضية سكان أصليين على أرضهم يتعرضون لاحتلال استيطاني إحلالي”.
لا يقتصر دعم قطر وأميرها لفلسطين على مجرد الكلام في المنابر الدولية؛ فالبيانات الفلسطينية والقطرية الرسمية والمؤسسات الأهلية والإغاثية تظهر أن إجمالي الدعم المالي الذي قدمته قطر للاقتصاد الفلسطيني، يقترب من ملياري دولار في السنوات العشر الماضية أي منذ تولي الشيخ تميم الحكم عام 2013، هذا مع مظاهر الدعم الثقافي والإعلامي الأخرى الكثيرة، والتكفل بالجرحى والمرضى والأيتام وإنشاء المستشفيات والمدارس.
قيمة هذا الدعم أنه يأتي في سنوات تضييق الخناق على غزة، وتركها فريسة الحصار الصهيوني الأمريكي والتآمر العربي والمنِّ الأوروبي بالدعم الهزيل، وخلاصة موقف الشيخ تميم من فلسطين هو أنه يعتبرها قضية “مرجلة” كما قال بمناسبة مرور مائة يوم على حرب الإبادة في غزة.
و”المرجلة مصطلح” ذو دلالة التزامية تنوء به الجبال في جزيرة العرب، ومن ذات الدلالة انطلق المفكر الاستراتيجي الدكتور حامد ربيع رائد الفكر السياسي والعلوم السياسية في مصر في تنظيره “للرجولة السلوكية في تقاليدنا التاريخية” تحت شعار “ٍسوف أظل عربيا”، وهو المفكر الذي كانت قضية فلسطين بوصلة فكره وتنظيره في صياغة نظرية “الأمن القومي العربي”.
كانت الوزيرة الموفقة لولوة الخاطر في غزة وحيدة لأنها تسير على خطى سمو الأمير الوالد الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني محرر سمع العرب وبصرهم بتأسيس شبكة الجزيرة، والداعم الاستثنائي لفلسطين وقضايا العرب في سنوات حكمه، وهو الحاكم العربي الوحيد الذي كسر حصار غزة بنفسه وأهله، وهي المنقبة التي خلدتها الوزيرة لولوة الخاطر شعرا ، وهي طالبة فكتبت:
أليست غزة وجعا.. ويقطر عزها عتبا
فلما لم يجب أحد.. وظن السوء من عتبا
إذا بابن الفجاءة قد .. مضى يتصدر العربا
يبشر كل مكرمة.. بأن الخير ما نضبا
ألسنا كعبة المضيو.. م للـمجد اليتيم أبا؟.
وكانت الشاعرة لولوة هناك في أرض الرباط وحدها لأنها تمثل نساء بلدها الماجدات اللواتي سخرن المؤسسات الرائدة التابعة لهن في دعم فلسطين؛ فكانت مؤسسة قطر وجامعاتها، والمتاحف ومختلف المؤسسات القطرية الرسمية والأهلية منابر للدفاع عن أطفال فلسطين ونسائها والتضامن مع القدس، والتعريف بأطفال غزة الذين غدرت بهم آلة القتل الصهيوني، وهن اللواتي أسسن مشاريع ريادية للتعليم في غزة وفلسطين.
كانت لولوة الخاطر وحدها في غزة لأن العرب إذا أرادوا معرفة صباح الأقصى أو مساء الضفة وجديد أخبار أهل غزة اتجهت أنظارهم نحو الدوحة وجزيرتها باحثين عن دقة الأخبار وبطولات أهل الرباط المقدس، وتفاصيل حياة النازحين والصابرين الملهمين.
كانت لولوة الخاطر في غزة وحدها لأنها تعبر عن ضمير الأمة حقا، وتتحدث بلسان الشعوب، وتنطق بخواطر الإنسانية الحقة، وكانت هناك لأنها لم تنس غزة يوم نسيها الجميع قبل طوفان الأقصى، فكانت حاضرة في مؤتمراتها الصحفية ولقاءاتها الإعلامية، وفي سبيلها قارعت عتاة الإعلاميين الغربيين في مراكز بحوثهم بلغة عربية صقيلة وأعجمية لا شية فيها، دفاعا عن حق الفلسطينيين في المقاومة ورفع الحصار والحرية والعيش الكريم.
كانت هناك لأنها أصيلة تهزها البطولات كما تهز كل حر أريحي، ولأنها تأثرت ككل الحرائر والأحرار بالطوفان وبطولات غزة التي أعادت عندها “ترتيب الأوليات”، وأيقظت إنسانية العالَم، وهي البطولات التي خلدتها الوزيرة شعرا وشوقا وإكبارا لشعب “توضأ بالدماء وبالغمام”، ولأبطال رأت في عيونهم حطين “تبدد كل أسئلة الظلام”.
وهو ظلام انشر سنوات الترويح لصفقة القرن، فلم يكن لإزاحة الدعايات التي صاحبته إلا “سيف القدس”، والقدس عند سعادتها “ميزان حق وحقيقة في الأنام” يحميه شعب أسرى به الله “وبارك صبره من ألف عام”، في “أرض بالأبطال حبلى”.
كانت لولوة الخاطر المسؤول العربي الوحيد الذي زار غزة في الطوفان لأن فلسطين “التفتت نحو الدوحة” في أعوام مسغبتها بعد وأد الربيع العربي، وكانت قطر “آخر آمالها” فانتصرت لها “كعبة المضيوم” التي يعتبرها أهل غزة “تاجا ونصيرا” لهم.
وأخيرا كانت لولوة الخاطر في غزة وحدها تحمل المساعدات وتواسي المكروبين، لأنها تدرك وهي المثقفة البصيرة والشاعرة العبقرية خطر الصهيونية على الإسلام والعرب والإنسانية، وهو خطر بدأ العالَم يدرك حقيقته بعد الطوفان.
وكانت هناك في أكناف بيت المقدس ونواحي عسقلان لأنها وهي المسلمة تؤمن بقدسية المسرى، وتوقن وهي المؤمنة أن صنائع المعروف تقي مصارع السوء، ولأن الأخ الحق من يقف مع أخيه حين يصدعه ريب الدهر، ولأنها من جيل شبابي تولى المسؤولية في قطر جامعا بين مبادئ الأصالة ومقتضيات الحداثة.
وهو الجمع الذي استطاعت قطر بفضله أن تتبوأ مكانتها الدولية والدبلوماسية متصالحة مع ذاتها ومع المبادئ الإنسانية الصارمة التي أكسبتها مصداقية في كل الملفات، وهو جيل شبابي يجسد برجاله ونسائه مواصفات شاعر العرب لملامح “فتيان الخليج”.
استحقت لولوة الخاطر لقب شخصية عام الطوفان بجدارة بفضل جهودها ومواقفها ولإكبارها لتضحيات أهل غزة، وعندها أن كل شخص في غزة بحكاياته ومواقفه وأحلامه وآماله وآلامه وبلائه في الدفاع عن المسرى هو شخصية العام والعقد والقرن والدهر.
مضى عام الطوفان الأول بأثقاله على أهل غزة وشهادته على عجزنا وكسلنا، لكن عزيمة الوزيرة لولوة لم تكِل، فكانت لها خلال العام في السودان الجريح جولات دعم وصولات إغاثة في بور سودان وفي نيويورك، وحين دعا الداعي بداية عام الطوفان الجديد كانت في مطار بيروت تنفيذا لتوجيهات سمو الأمير بدعم لبنان الذي ألحقه الصهاينة بغزة لأن أهله لم يخذلوها كما خذلها غيرهم.
1 تعليق
إرسال تعليق
تابعنا على حساباتنا
مقالات أخرى
وقد استجاب القضاء لدعوة الرئيس.. ماذا ينتظر المستأجرون؟!
ذكّرني القول إن المحكمة الدستورية العليا في مصر استجابت لدعوة الرئيس في إصدار حكم، بما مضى. فدائما تذكّرنا القدرات المتواضعة الآن بعهد الرئيس مبارك، فلا يعرف قيمة أمه إلا من يتعامل مع زوجة أبيه، وكثيرون صار شعارهم "رُبّ يوم بكيت منه، فلما مضى بكيت عليه". ولست من هؤلاء...
السياسة الخارجية للرئيس ترامب تجاه الشرق الأوسط
لم تمرّ إلا ساعات فقط بعد إعلان الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب نيته تعيين حاكم أركنساس السابق "مايك هاكابي" ليكون سفيرًا للولايات المتحدة لدى إسرائيل وهو المعروف بدعمه منقطع النظير للاستيطان، خاصة في الضفة الغربية التي يعتبرها جزءاً من أرض الميعاد كما يقول،...
“العرب العثمانيون”.. كيف جسّد الإسلام عمومية النظام السياسي لجميع الأعراق؟
خلال زيارتي لنائب مدير جامعة السلطان محمد الفاتح في إسطنبول، البروفيسور المؤرخ زكريا كورشون، كنت أتحدث معه عن آخر إصداراته، فحدثني عن كتابه "العرب العثمانيون"، ومقصد الكتاب تبيان عمومية النظام السياسي في الإسلام لجميع الأعراق والأجناس في ظل الدولة الواحدة . فالإسلام...
شكرا قطر