رسالة إلى أمريكا
بقلم: شيرين عرفة
| 24 يناير, 2025
مقالات مشابهة
-
أما آن للوزيرة الألمانية أن تهمد؟!
أخيراً تحقق لها المراد! فقد صافحت الوزيرة...
-
غزة وجدليَّتا النصر والهزيمة
على مدى ما يقارب ٤٧١ يوماً، وقفت غزة وحيدةً...
-
سوريا وثورة نصف قرن
سيسجل التاريخ أن يوم ٨ ديسمبر ٢٠٢٤م يوم مفصلي...
-
خطر الدوغمائية على مآل “الميثاق الغليظ” في المغرب!
يزداد انشغالي فكريًّا ووطنيًّا بما سيثيره مشروع...
-
ماذا عن القرار العباسي بإغلاق مكتب الجزيرة؟!.. يا لك من نتنياهو!
فعلها محمود عباس (أبو مازن)، وأكد عندما فعلها...
-
وقد استجاب القضاء لدعوة الرئيس.. ماذا ينتظر المستأجرون؟!
ذكّرني القول إن المحكمة الدستورية العليا في مصر...
مقالات منوعة
بقلم: شيرين عرفة
| 24 يناير, 2025
رسالة إلى أمريكا
وقف مراسل شبكة CNN الإخبارية بمنطقة “أيتون” شرقي مدينة لوس أنجلوس الأمريكية، مرتدياً قناعاً واقياً من الغاز، قام بإزاحته عن وجهه، بعد أن طلبت منه المذيعة في داخل الاستوديو أن يصف لها ما يحدث على الأرض.
بعيون دامعة، ووجه شاحب مكفهر، تحدث بأسى عن جحيم مروع، تشهده ولاية كاليفورنيا لأول مرة في تاريخها، وعن نزوح جماعي لما يزيد عن 150 ألف شخص، طلبت منهم السلطات الأمريكية ترك منازلهم، وعن أكثر من 12 ألف منشأة قد تضررت أو دُمرت، وعن مساحات شاسعة تحولت إلى أطلال وحطام، ومنها حي “باسيفك باليساديس” الراقي، الذي يسكنه الأغنياء والمشاهير، فلم تبق من قصورهم الفارهة فيه سوى هياكلها وأنقاضها… تحدث عن شاطئ ماليبو المعروف بـ “جنة الشواطئ” الذي لم يعد يُرى فيه سوى نخيل متفحم، ومنازل مهدمة، وهواء ملوث، وعن احتراق ما يقارب الـ 40 ألف فدان، وهو ما يتجاوز مساحة العاصمة الفرنسية باريس.
قام المراسل في أثناء فقرته الإخبارية، بتوضيح الأضرار والخسائر الاقتصادية التي تحملتها الولايات المتحدة الأمريكية، والتي تراوحت بين 250 إلى 275 مليار دولار أمريكي، وتحدث عن الفترة التي ستحتاجها الوكالة الفيدرالية لإدارة الطوارئ لإزالة الحطام والأنقاض من الأراضي المدمرة، والتي ربما تتعدى الـ 6 أشهر طبقا لما ذكرته مديرة الوكالة “ديان كريسويل”، كما تلا بيان إدارة الطب الشرعي في مقاطعة لوس أنجلوس، والذي أفاد بأنه “قد توفي 24 شخصا”، وشرح كذلك الأوضاع المروعة التي تشهدها المدينة الكبيرة، حيث أخلى مئات الآلاف منازلهم، بينما فرضت السلطات الفيدرالية يومَ الجمعة، 10 يناير/ كانون الثاني، حظر تجوال في أحياء “باسيفيك باليسايدس” و”ألتادينا”، يسري من الساعة السادسة عصراً حتى السادسة صباحاً، كما نُشرت وحدات عسكرية، لمواجهة عمليات النهب المتزايدة في المناطق المنكوبة أو التي تم إخلاؤها.
وهنا، قاطعته مذيعة الأخبار لتطلب منه أن يتوجه بالسؤال لبعض المنكوبين الذين يقفون على مقربة منه، وهم يتفحصون أنقاض منازلهم بعد أن سمحت لهم السلطات الأمريكية بالعودة إليها، فاقتربت الكاميرا ببطء من إحدى النساء التي تقف بجانب أبنائها، وتنظر بحسرة إلى أنقاض منزلها المتفحم، فسألها المراسل عن شعورها وما تفكر فيه في تلك اللحظة؟
أجابت باكية: أشعر أنني في كابوس، ولا أستطيع الاستيقاظ منه، لم يعُد لي منزل، ولم أجد سوى رماداً فقط، احترقت أحلامي وذكرياتي على عتبات بيتي المدمر، لقد وعدتنا السلطات أن توفر لنا خياماً للجوء داخل المناطق التي لم يصل إليها الدمار، لكن انقطاع الكهرباء والمياه زاد من صعوبة الحياة في هذا الشتاء القارس، لقد نجونا بأنفسنا وأبنائنا، ولم يكن معنا سوى بعض الحقائب الخفيفة التي تمكنّا من حملها على ظهورنا، حتى سياراتنا تركناها في الطريق ولم نعد نملك شيئاً.
يتوجه المراسل بنظره إلى المذيعة التي تستمع إليهم في الاستوديو قائلاً: للأسف، الوضع مأساوي بكل ما تحمله الكلمة من معنى، وهو ما يؤكد التصريح الذي صرح به الرئيس الأمريكي “جو بايدن” صباح الأمس، من أن مدينة لوس أنجلوس صارت أشبه بساحة حرب…
قبل أن تُكمل هذا التقرير، توقف رجاء، وأمسك بجهاز التحكم عن بعد، ثم اضغط على زر التوقف المؤقت، وفكر معي قليلاً في حقيقة ما شاهدته واستمعت إليه تواً… ألا تشبه برأيك تلك المشاهد التي تابعناها جميعاً في أفلام نهاية العالم، وهي التي أنتجتها لنا هوليود، أهم أماكن صناعة السينما في العالم، وتقع -للمفارقة- في مقاطعة لوس أنجلوس بولاية كاليفورنيا؟!
فإن كنت تسأل نفسك الآن: كيف تحولت الأفلام السينمائية إلى واقع نراه اليوم على الأرض في أمريكا؟ فسأذكرك بالتصريح الذي أدلى به الرئيس الأمريكي المنتهية ولايته “بايدن” عن بلاده التي تحولت إلى ساحة حرب، وفكِّر معي: يا تُرى، من ذا الذي تمكن من محاربة أقوى دولة في العالم، وأشدها تسليحاً وأكثرها تطوراً تكنولوجيّاً، وتمكن لأول مرة في تاريخ البلاد من أن يدمرها بهذا الشكل، ويحرق مدنها ومنازلها؟
أمريكا التي خاضت عشرات الحروب خارج أراضيها، وظلت القطب الأوحد في التحكم بسياسات دول العالم لعشرات السنين، ولم تتمكن أي دولة أخرى من أن تخوض ضدها حربا مباشرة داخل حدودها، الدولة التي قادت وموّلت ودعمت حروباً في منطقتنا العربية والإسلامية، خلفت ملايين القتلى والجرحى والمشردين، كان آخرها الحرب التي تخوضها قوات الاحتلال الإسرائيلي ضد قطاع غزة المحاصر في الأراضي الفلسطينية المحتلة، وذلك بتحالف كامل ودعم لا محدود من الدولة الأمريكية.
هي الحرب التي صُنفت بأنها حرب إبادة ضد الإنسانية، وأنها أشد الحروب في عصرنا الحديث تدميراً وعدواناً وانتهاكاً لكافة المواثيق وحقوق الإنسان والقوانين الدولية، حرب إجرامية أعقبت عملية هجوم من المقاومة الفلسطينية ضد قوات الاحتلال الإسرائيلي، والمغتصبات الإسرائيلية التي تعرف باسم “غلاف غزة”، في السابع من أكتوبر/ تشرين الأول من عام 2023، وأطلقت عليها المقاومة اسم “عملية طوفان الأقصى”، كان الهدف منها ردع العدو الإسرائيلي، وإيقاف عدوانه المتواصل على المسجد الأقصى، وأسر مجموعة من الإسرائيليين للمساومة عليهم في تحرير آلاف الأسرى الفلسطينيين داخل سجون الاحتلال القمعية.
الحرب استمرت على مدار 15 عشر شهراً، مخلفة عشرات الآلاف من القتلى الفلسطينيين، ومئات الآلاف من الجرحى، وألحقت تدميراً مروعاً بما يزيد عن 80% من مساحة غزة، هي حرب حرصت أمريكا منذ اللحظات الأولى لها على ألا تنطفئ أو تتوقف، بالرغم من الغضب الشعبي العالمي ضدها، والاعتراضات المتزايدة عليها من دول عدة، والقضايا التي تحركت بوجهها في المحاكم الدولية، حيث استخدمت أمريكا حق النقض (الفيتو) أربع مرات متتالية ضد ما يشبه الإجماع العالمي في الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي، لإصدار قرارات تطالب إسرائيل بوقف عدوانها الغاشم على قطاع غزة.
كانت جحيماً مستعراً تجاوزت مدته العام، لم تكتف به أمريكا، بل توعد رئيسها الحالي، “دونالد ترامب”، في السابع من يناير/ كانون الثاني الجاري، قائلا: “إذا لم تتم إعادة الرهائن الإسرائيليين بحلول الوقت الذي أتولى فيه منصبي (20 يناير/ كانون الثاني)، فإن الجحيم سوف يندلع في الشرق الأوسط”!. وكأنه لم يكن متابعا معنا لأحداث الجحيم المستعر طوال 15 شهراً ماضياً على أرض غزة.
ولكي نصل للإجابة على سؤال: من أحرق ودمر تلك المساحات الضخمة من الولايات المتحدة؟ فلنضغط مرة أخرى على زر التشغيل في جهاز التحكم عن بعد، ولنعد لمتابعة تقرير شبكة الأخبار الأمريكية، لنعلم أن تلك الحرب التي تحدث عنها الرئيس الأمريكي “جو بايدن” ما هي إلا أعاصير وعواصف أرسلها الله، فأشعلت حرائق في غابات كاليفورنيا على الساحل الغربي لأمريكا، وحركتها الرياح العاتية، لتحول واحدة من أهم ولايات أمريكا وأغناها إلى جحيم مستعر، كالذي توعد به ترامب أهل غزة.
النيران اشتعلت صبيحة الثامن من يناير/ كانون الثاني، بعد يوم واحد من تهديد ترامب الثاني خلال أيام بأن يشعل جحيماً في الشرق الأوسط، حرائق وصفها حاكم ولاية كاليفورنيا “غافين نيوسوم” في تصريح له بأنها الكارثة الأسوأ في تاريخ الولايات المتحدة من حيث الدمار والتكلفة، وأنها أكبر من كل ما تمتلكه الولاية من قدرات، وأنها عاجزة عن مواجهتها.
فهل ستعي أمريكا وإدارتها تلك الرسالة، التي يبعث بها الله إليها؟
كاتبة صحفية وباحثة سياسية
تابعنا على حساباتنا
مقالات أخرى
أما آن للوزيرة الألمانية أن تهمد؟!
أخيراً تحقق لها المراد! فقد صافحت الوزيرة الألمانية أنالينا بيربوك الوزيرَ السوري أسعد الشيباني في الرياض، بعد الضجة الكبرى لعدم مصافحة أحمد الشرع لها، والاكتفاء بالترحيب بها بوضع يده مبسوطة إلى صدره! وكما كان عدم المصافحة في دمشق خبرَ الموسم في الإعلام الغربي، فقد...
غزة وجدليَّتا النصر والهزيمة
على مدى ما يقارب ٤٧١ يوماً، وقفت غزة وحيدةً صامدةً تواجه مصيرها، كآخر بقعة تتموضع عليها القضية الفلسطينية، بعد أن تم تدجين العالم العربي كله وصولاً إلى تدجين فلسطين نفسها بقيادة أكثر صهيونية من الصهيونية نفسها، لا هدف لها سوى أن تُنسي الفلسطينيين والعالم كله شيئاً...
سوريا وثورة نصف قرن
سيسجل التاريخ أن يوم ٨ ديسمبر ٢٠٢٤م يوم مفصلي وخالد في تاريخ سوريا والمنطقة كلها؛ فالحدث فيه كبير جداً، وأشبه بزلزال شديد لن تتوقف تداعياته عند حدود القطر السوري، لعمق الحدث وضخامته ودلالته، وهو الذي يمثل خلاصة نضال وكفاح الأخوة السوريين على مدى ما يقرب من نصف قرن ضد...
0 تعليق