محمد رمضان.. ومحمد رمضان!

بقلم: شريف عبدالغني

| 15 أكتوبر, 2024

بقلم: شريف عبدالغني

| 15 أكتوبر, 2024

محمد رمضان.. ومحمد رمضان!

إذا بحثت في “جوجل” عن اسم محمد رمضان فسيظهر لك فوراً بوجهه الأسمر.. غالباً سيكون أمام إحدى أو بعض سياراته الفارهة، وفي لقطات أخرى أمام رُزم أموال خضراء، وفي ثالثة وهو يتعارك في أفلامه ويضرب منافسيه بالقاضية.. إنه “نمبر 1″، كما يُطلق على نفسه.

آخر أخباره أنه أمر ابنه الطفل أن يصفع طفلاً آخر سبق أن دخل معه في مشاجرة “لعب عيال”. والد المضروب لم يصمت، قال في برنامج عمرو أديب الشهير إنه سيرفع قضية على “نمبر 1″، وعبّر عن دهشته أن يصدر هكذا أسلوب من نجم جماهيري.

لا أعرف ما حدث بعد ذلك.. أتصالحا، كالمعتاد في مثل هذه الخلافات بين أحد المشاهير وأحد العامة، والتقطا صورة وهما يبتسمان باتساع الشدقين، أم إن الأخير مضى في دعواه.

معظم من يتناولون سيرة محمد رمضان على مواقع التواصل الاجتماعي لا يتوقفون عن انتقاده، يرفضون فشخرته بالسيارات والأموال، يقولون إنه “مُحدث نعمة”.. البعض يجلده بسياط الكلمات، خاصة بعد واقعة دخوله كابينة إحدى الطائرات، والتقاط صورة فيها، ونشرها على مواقع التواصل الاجتماعي، ما أدى إلى سحب رخصة الطيران الخاصة بقائد الطائرة، وتوفي بعدها كمداً!

فريق ثالث يشبهون صعوده بصعود أحمد عدوية في عصر انفتاح السبعينيات، يرون أن كثرة محبيه انعكاس لاضمحلال فكري وثقافي وفني نعيشه.

شخصياً.. لا أعرف محمد رمضان جيداَ، لم أتابع عملاً كاملاً له، شاهدت مقتطفات من أعماله.. هو- حسب ذائقتي الفنية- ممثل متواضع. قد أكون ظالماً له لكوني لست ناقداً متخصصاً، لكني عندما أراه أشعر أن المؤلف قام بتحفيظه بعض العبارات ليلقيها على مسامع الجمهور!. لا أشعر بصدق أدائه.

“نمبر 1″، بالنسبة لمحبيه والمنتجين الذين يسوّقونه ويروّجون له، هو النسخة الجديدة لأحمد زكي.. لكني أراه مجرد نسخة تقليدية (مضروبة) من “نمبر 1” الأصلي، أحمد زكي، أحد أهم وأجمل من ظهر على الشاشة؛ إنه الممثل الحقيقي “المشخصاتي”، يتقمص أية شخصية يؤديها، فلا يخالطك شك أنه هو الشخصية ذاتها بشحمها ولحمها.

هكذا رأيناه في عشرات الأعمال الجبارة.. هو الشاب القروي الساذج، الذي أقنعوه في فيلم “البريء” أن المعارضين المعتقلين هم “أعداء الوطن”، ومن فرط براءته ينتقد تصرفات السجانين بإلقاء أرغفة الخبز الرديئة لهم على الأرض، ويرى أن الأفضل تركهم يموتون حتى نرتاح من شرهم، ويعود كل مجند من المكلفين بحراستهم إلى “داره وغيطه”.

هو ضابط الشرطة المغرور الجلف في “زوجة رجل مهم”، الذي يظن بتلفيق التهم للناس أنه يحمي أمن البلد، وهو المحامي الفاسد في “ضد الحكومة”، الذي يصحو ضميره ويواجه مافيا التعويضات.. هو البواب الذي كشف التغيّر الذي طرأ على المجتمع، وانهيار طبقة الموظفين- ومعها الطبقة الوسطى كلها- في “البيه البواب”.

ثم هو “طه حسين” و”معالي الوزير” والمصور البسيط و”سواق الهانم”، وغير ذلك كثير من الشخصيات التي جسدها بإبهار!. لا ننسى “العركة” بين الناصريين والساداتيين على ملكية أحمد زكي.. الفصيل الأول أقسم أنه لولا ناصريته لما جسّد بكل هذا الإتقان شخصية “الزعيم خالد الذكر” في “ناصر 56″، فيما قال الفريق الثاني إنه عاد لأصله منتمياً لـرب الأسرة المصرية، وراعي أخلاق القرية، حينما تحول لصورة طبق الأصل من “الرئيس المؤمن بطل الحرب والسلام” في فيلم “أيام السادات”.

فأين محمد رمضان من كل هذا الإبداع؟!!

ثم إن أحمد زكي حينما غنّى في أفلامه، كانت الأغاني موظّفة درامياً وداخل سياق العمل، ورغم نجاحها الكبير فإنه لم يفرض نفسه مطرباً على خلق الله كما فعل “نمبر 1” التقليد، إذ إن الأخير يحيي الحفلات، ويطلق السيديهات، ويدشن الألبومات، ولا أعلم إن كان ما يمارسه يندرج تحت مسمى الغناء أم لا؟ خصوصاً عندما ظهر مرة في إحدى الحفلات مرتدياً ملابس شفافة هي أقرب لملابس الحريم، وفي حفل آخر يلقي دولارات على الجمهور!

وسط هذه الحالة المتردية، يظهر النادي الأهلي.

بداية.. لا تظن أن الأهلي مجرد نادٍ رياضي مصري، ومن شعبيته حملت اسمه أندية كثيرة من المحيط إلى الخليج. الأهلي- ربما- أهم مؤسسة عربية نموذجية في الإدارة، تملك رؤية لتحقيق خطط طويلة للنجاح، مستندة على إرث من مبادئ وقواعد عمل صارمة منذ نشأته في العام 1907.

منهج الأهلي لم يُثمر فقط نجاحات رياضية، وبطولات تضعه في مصافّ الأندية العالمية، بل هو أعلاها قاطبة في العدد الإجمالي للبطولات المختلفة، وثانيها- بعد ريال مدريد- في البطولات القارية. لكن الأهلي مؤسسة كبرى، يصرف على نفسه من حقوق رعايته، وتحقق ميزانيته الختامية السنوية فائضاً معتبراً، له خمسة فروع بمساحات ضخمة، ولا يوجد ناد من كبار العالم يملك هذا العدد من الفروع.

ثم..

 الأهم أن الأهلي معمل لتفريخ نماذج مبهرة أخلاقياً في تصرفاتها، عقلانية في إدارتها، عادلة في تعاملاتها. من هنا- ودون أن يقصد، لكنها الأقدار التي تربطه بأمور تظل محفورة في الذاكرة- أعاد الأهلي إلى اسم “محمد رمضان” بهاءه وألقه، بعيداً عما أصاب الاسم من تشوهات نتيجة تصرفات وبهرجة وفشخرة “نمبر 1”.. فعل الأهلى ذلك، بتعيين نجمه السابق محمد رمضان مديراً رياضياً للنادي.

الأهلي بهذا التعيين لا يعدل “المايلة” فقط بين بعض لاعبيه، الذين أخذهم الغرور والتعالي، وصاروا يظنون أنهم أكبر من أي منافس، لكن الأهلي- إن شئت الدقة- يعدل “المايلة” في الساحة الرياضية المصرية، وإن شئت المبالغة فهو يعدل “المايلة” في المجتمع بشكل عام، الذي صار يتصدره “نمبر 1” ومن هم على شاكلته من نماذج لا تُعبر عن مصر الحقيقية وأهلها.

“رمضان الأهلي” هو النموذج الصحيح والراقي والنظيف لاسم محمد رمضان.. إنه قدوة لأولادك وأنت مغمض العينين. كل النقاد الرياضيين الذين يعرفونه يقولون إنه “الصدق” يمشي على قدمين، رجل لا يعرف غير الحق والوضوح في العمل، يُغلّب العقل حرصاً على مصلحة الأهلي بعيداً عن الأشخاص.

عند الساعة الواحدة مساء يومياً بتوقيت المحروسة، تنفجر ماسورة برامج رياضية في وجه المشاهدين، تركز على استضافة هواة “ركوب الترند” على وسائل التواصل الاجتماعي، لا يهم صحة ما يقولون، المهم أن يثيروا الجدل- وأحياناً الفتن- في أوساط الجماهير، فتخرج للرد على ما لا يعجبها، وتصير معركة كرامة كروية، وتفرح البرامج العبيطة ومقدموها البهلوانات بما تحققه من إلهاء للشارع في قضايا تافهة.

برامج بهذه النوعية من المقدمين والضيوف البائسين، طبيعي أن تغيب عنها نوعيات محمد رمضان المتعلمة، الرزينة، المثقفة في مجالها. لذا، فإن الجيل الجديد من الجمهور لا يعرفونه، ولا يدركون قيمة وعقلية لاعب موهوب اعتزل في عز عطائه بعمر 31 عاماً، بعد مباراة سجل فيها ثلاثة أهداف بطرق متنوعة، كانت السبب في حصد ناديه بطولة الدوري لعام 1994، وقبلها بعدة شهور ساهم بأهدافه الغزيرة في فوز الأهلي بكأس الكؤوس الإفريقية 1993. وعلى صعيد المنتخب كان هدافاً له في بطولة الألعاب الإفريقية 1987، ليقوده إلى التتويج بالميدالية الذهبية.

لم يعرف الجيل الجديد أن شخصية بحجم وقوة صالح سليم، رئيس النادي الأهلي الراحل وأحد أكبر صنّاع مجده، رأى في هذا اللاعب بعد اعتزاله مباشرة ما يجعله يصلح مديراً للكرة على زملاء له بالفريق أكبر منه سناً، فيفرض عليهم شخصيته.

رجل اختاره رئيس النادي الحالي وأسطورته، محمود الخطيب، في المنصب المستحدث “مدير رياضي”، ويعطيه صلاحيات رئيس النادي في بعض القرارات، رغم أنه- محمد رمضان- سئل في إحدى المرات النادرة التي ظهر فيها على الشاشات: “لو  ترشح طاهر أبو زيد ضد الخطيب على رئاسة النادي، فمن تختار؟”.. فأجاب: طاهر أبو زيد لأنه من جيلي.

لم يستأ الخطيب من هذا التصريح، بل اختار من قاله لأحد أكبر المناصب بالنادي، لأنه يعرف أن رمضان إنسان واضح، ما يُبطنه يُظهره، وله رأي تتفق أو تختلف معه لكنك تحترمه..

هذا الاختيار أمر يُحسب للخطيب، الذي يقدم كل يوم دروساً في الإدارة والنزاهة والتجرد، باختيار أهل الكفاءة وليس أهل الثقة، وهى الفضيلة التي تفتقدها مدينتنا، وأمتنا التي آفتها ومصيبتها “أهل الثقة”!

0 تعليق

إرسال تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تابعنا على حساباتنا

مقالات أخرى

المحرقة الصهيونية

المحرقة الصهيونية

كلما تعرضت العصابة الصهيونية لضربة موجعة أو أية خسائر استراتيجية تقوم بفتح نيران الغدر على أبرياء غزة من الأطفال والنساء والمدنيين.. لتحقيق انتصارات زائفة تُرضي غرور المتشددين المتعصبين خصوصا من اليمين المتطرف. صواريخ وقنابل مصنوعة في الولايات المتحدة الأمريكية، مدعية...

قراءة المزيد
النقد.. الهواية، والهاوية!

النقد.. الهواية، والهاوية!

عندما ترفض -مثلا-  الشاعر العراقي الكبير عبدالرزاق عبدالواحد وتلعن سيرته بحجّة أنه قد مدح طاغية، فإنّ عليك إذن أن تفعل ذلك مع الشاعر العراقي الكبير محمد مهدي الجواهري.. لأنه أيضاً مدح طاغية آخر ملطّخة يده بدماء الأبرياء. أما أن تفتح عيناً وتغمض أخرى، فتقبل هذا وترفض...

قراءة المزيد
 معركة الطوفان وترتيب العداوات

 معركة الطوفان وترتيب العداوات

غالبا ما تترك بعض المحن والأحداث التي  تفوق طاقة البشر في التحمل، في نفوس أصحابها ندوبا عميقة تؤثر على وعيهم وتصوراتهم، بل إنها تذهل المسلمين تارة عن بعض الأبجديات في التصور الإسلامي الذي يحتم العودة إلى كتاب الله وسنة  نبيه صلى الله عليه وسلم في كل أمر لا...

قراءة المزيد
Loading...