“السابع من أكتوبر”.. القاصمة
بقلم: هديل رشاد
| 7 أكتوبر, 2024
مقالات مشابهة
-
السياسة الخارجية للرئيس ترامب تجاه الشرق الأوسط
لم تمرّ إلا ساعات فقط بعد إعلان الرئيس الأمريكي...
-
“العرب العثمانيون”.. كيف جسّد الإسلام عمومية النظام السياسي لجميع الأعراق؟
خلال زيارتي لنائب مدير جامعة السلطان محمد الفاتح...
-
في موقعة أمستردام.. لم تسلم الجرّة هذه المرة !
تقول العرب في أمثالها: "ما كل مرة تسلم الجرة".....
-
عمر بن عبد العزيز والتجربة الفريدة
حين ظهرت له أطلال المدينة المنورة، أيقن الشاب...
-
هيكل: حكايات من سيرة الأستاذ الكاهن (2)
هيكل والسادات مضت السنوات وابتعد محمد حسنين هيكل...
-
أعرني قلبك يا فتى!
أعرني قلبك يا فتى، فإن الأحداث جسام، والأمور على...
مقالات منوعة
بقلم: هديل رشاد
| 7 أكتوبر, 2024
“السابع من أكتوبر”.. القاصمة
عام على تمريغ أنف دولة الاحتلال بالتراب، عام على طوفان الأقصى المجيد ..هذه العملية التي هزت أشرعة الكيان الإسرائيلي، وجعلته يقف على أرض سبخة، بعدما استطاعت فصائل من المقاومة الفلسطينية اختراق أنظمته الدفاعية والاستخباراتية، معرية إياه، ومسقطة ورقة التوت الأخيرة التي كانت تغطي سَوءات من آمنوا به، ولهثوا وراء التطبيع معه بحجة استرداد حقوق الشعب الفلسطيني في ظاهر الأمر، ليخفوا في باطنه النتن مآربهم للقضاء على المقاومة الفلسطينية، وإقرار مصير الشعب الفلسطيني بالوكالة، لتكون عملية طوفان الأقصى الكابوس الذي سيراود إسرائيل وجنرالاتها حتى زوال كيانهم.
إنَّ عملية طوفان الأقصى التي نفذتها المقاومة الفلسطينية “حماس”، فجر السابع من أكتوبر من العام الماضي، يمكن وصفها بأنها أكبر هجوم شنته المقاومة الفلسطينية على إسرائيل منذ بدء الاحتلال عام 1948، ففي ذلك اليوم نجحت كتائب القسام، الذراع العسكرية لحركة المقاومة الفلسطينية “حماس”، في مباغتة إسرائيل براً وبحراً وجواً، فضلا عن تسلل مقاوميها إلى غلاف غزة، موقعة مئات الإسرائيليين من الجنود والمستوطنين جرحى، ونتج أسر وفقدان أكثر من 200 آخرين.
الأمر كان بمثابة العلامة الفارقة في تاريخ دولة الاحتلال، التي أقامت كيانها على أنقاض أرض فلسطين، وفق اتفاقيات كرست الفكر الاستعماري الإحلالي الذي سوق له زعماء الحركة الصهيونية، أمثال إسرائيل زانجويل وثيودور هرتزل، ونتجت عنها كارثة إنسانية تجلَّت في ترحيل أبناء الشعب الفلسطيني الأصليين، وإحلال مرتزقة إسرائيليين من هنا وهناك محلهم، لترجمة مقولة “أرض بلا شعب لشعب بلا أرض”.. أسطورة الاستعمار البريطاني، الراعي الرسمي للصهيونية،
إن هذه العملية -أي عملية طوفان الأقصى- التي قسمت العالم ما بين مؤيد ومعارض، وميزت بين عزيز وذليل، لم تكن هي البداية، بل هي النتيجة الحتمية للتصدي لأي احتلال أو استعمار، كانت هي بمثابة اللهيب المتصاعد من في تنين مورست عليه أشد العقوبات، حوصر لسنوات، وقيدت حركته في مساحة لا تتعدى 360 كيلومترا مربعا، حرم الحياة رغم أحقيته بالعيش الكريم، فهدوءه لا يعني استسلامه، بل الهدوء الذي يسبق العاصفة، وينتظر لحظة الصفر ليحرق سجّانيه بكل ما أوتي من قوة، لا يهاب التبعات.. هو غير آبه للموت، فما يعنيه هو الدفاع عن حقوقه التي سلبت منه عنوة، والدفاع عن حقه في تقرير مصيره.
إن الحديث عن السابع من أكتوبر لا يمكن معه تجاوز حرب الإبادة الجماعية التي تقترفها إسرائيل بحق سكان غزة العزّل للثأر لكرامتها التي ديست بأحذية ونِعال المقاومين في ذلك اليوم الذي تصفه بالـ”مشؤوم” ، فإسرائيل التي تسوّق لأخلاقها لم تتورع عن استهداف المدنيين الذين اتخذوا من الخيام ملاجئ، أو الذين اتخذوا من المدارس والمساجد والكنائس مآوي لهم، رغم أن استهداف المنشآت المدنية والمرافق الحيوية عمل ينافي كل الأعراف والقوانين الدولية، مبررة أفعالها بدعوى اندساس عناصر من المقاومة بها للإفلات من العقاب.
كما أنَّ وحشية الاحتلال طالت استهداف طوابير تنتظر توزيع حصص الطعام والماء رغم ندرتها، بسبب منعه دخول الطعام وقطع المياه وردم الآبار، إمعانا في طغيانه ودلالة على أنَّ السابع من أكتوبر أوجع الاحتلال، وأظهر الفشل الذريع لأنظمته الدفاعية والاستخباراتية أمام آلات ومعدات محلية الصنع، اكتسبت قوتها من إرادة مقاوميها وعدالة قضيتهم.
في هذه الحرب الضروس تعمد جيش الاحتلال استهداف المدنيين العزل، حيث أعلنت وزارة الصحة الفلسطينية أمس أن عدد ضحايا العدوان الإسرائيلي منذ السابع من أكتوبر للعام الماضي ارتفع إلى 41 ألفا و870 شهيدا، و97 ألفا و166 مصابا، معظمهم من الأطفال والنساء، في حين أنه يوجد ما يزيد عن 10 آلاف مفقود وسط دمار هائل، يتطلب قرابة 700 مليون دولار لإزالة الحطام والأنقاض في حال توقفت الحرب الآن، كما أن هذه الإزالة تتطلب عملا يستغرق نحو 3 سنوات. وهذه الحرب خلفت مجاعة أودت بحياة عشرات الأطفال في أسوأ الكوارث الإنسانية في العالم.
إنَّ الحرب على غزة كشفت السقوط الأخلاقي للمجتمع الدولي، وكشفت الغرب الذي ينظر لقضايانا بعين عوراء، ويسير إليها بقدم عرجاء؛ فمعيار العدالة مشروط باللون والعرق والدم، وهذا واضح وضوح الشمس في كبد السماء؛ فالمعايير التي تعامل بها الغرب مع الحرب الروسية الأوكرانية جاءت واضحة في تصنيف المعتدي والمعتدى عليه، كما أنها جاءت داعمة للمعتدى عليه بالمال والسلاح، مع فرض حزمة من العقوبات على روسيا على اعتبارها دولة معتدية.
وكان الأمر مغايراً في الحالة الإسرائيلية الفلسطينية، التي جعلت الولايات المتحدة الأمريكية إلى جانب ألمانيا وبريطانيا وفرنسا وكندا تصطف إلى جانب المحتل الإسرائيلي، وتسوّق روايته في أحقيته بالدفاع عن نفسه، وتتهم المقاومة بالاعتداء رغم أن “إسرائيل” كيان محتل، بل وتشيطن المقاومة وتدينها عبر وسائل إعلامها الموجه، وتصنّفها بالإرهابية وتسمي المقاومين بالمخربين.
هذا لا يدع مجالا للشك في أنَّ الغرب فشل في أول اختبار له في تطبيق مبادئ حقوق الإنسان وحماية المدنيين، وثبت فشله في تحقيق الاستجابة السريعة والإغاثة للفلسطينيين، الذين يرزحون كل دقيقة تحت القتل والقصف الهمجي بأسلحة محرمة دوليا، ممهورة باسم الولايات المتحدة الأمريكية، بصورة سافرة تفضح تواطؤ الغرب مع الاحتلال الغاشم، وذلك ما تؤكده الأرقام..
فقد قدمت الولايات المتحدة الأمريكية وحدها ما يعادل 38 مليار دولار من التمويل العسكري لإسرائيل، فيما صدّرت ألمانيا لإسرائيل 300 مليون يورو من المعدات العسكرية خلال العام الجاري، 70% منها مُنحت ترخيصا سريعا بعد 7 أكتوبر،
بالإضافة إلى ذخائر فتاكة بقيمة 20 مليون يورو، وقامت هولندا خلال سبتمبر 2024 بتسليم قطع غيار ودعم لطائرات F-35s ، المستخدمة في استهداف المباني السكنية في غزة. هذا وتوفر الصناعة البريطانية 15% من مكونات الطائرات F-35s التي تستخدم في قصف غزة، حيث بلغت صادراتها العسكرية إلى إسرائيل خلال السنوات الأربع الماضية أكثر من 146 مليون جنيه إسترليني.
ختاما..
إنّ عملية طوفان الأقصى أعادت القضية الفلسطينية إلى رأس أولويات العالم، وإلى صدارة المشهد السياسي، بعد أن حاول آخرون تهميشها وجعلها نسيا منسيا، كما أنها صنعت تحولاً في مسار القضية الفلسطينية، وجعلت العلم الفلسطيني يرفرف في عدد من الدول المناصرة والمناهضة للحق الفلسطيني.
كما أنَّ عملية طوفان الأقصى أثرت على مسار التطبيع الذي كان منطلقا بسرعة الصاروخ، ودفعت المنظمات الأممية لإصدار قرارات لصالح القضية الفلسطينية، أبرزها الرأي الاستشاري الذي أصدرته محكمة العدل الدولية في 19 يوليو الماضي، والقاضي بعدم شرعية الاحتلال الإسرائيلي، وضرورة إنهائه وتعويض الضحايا، وتمكين الشعب الفلسطيني من حقه في تقرير المصير. كذلك يأتي في هذا السياق إدراج الأمين العام للأمم المتحدة الاحتلالَ الإسرائيلي على القائمة السوداء للجهات الأكثر انتهاكا لحقوق الطفل.
2 التعليقات
إرسال تعليق
تابعنا على حساباتنا
مقالات أخرى
وقد استجاب القضاء لدعوة الرئيس.. ماذا ينتظر المستأجرون؟!
ذكّرني القول إن المحكمة الدستورية العليا في مصر استجابت لدعوة الرئيس في إصدار حكم، بما مضى. فدائما تذكّرنا القدرات المتواضعة الآن بعهد الرئيس مبارك، فلا يعرف قيمة أمه إلا من يتعامل مع زوجة أبيه، وكثيرون صار شعارهم "رُبّ يوم بكيت منه، فلما مضى بكيت عليه". ولست من هؤلاء...
السياسة الخارجية للرئيس ترامب تجاه الشرق الأوسط
لم تمرّ إلا ساعات فقط بعد إعلان الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب نيته تعيين حاكم أركنساس السابق "مايك هاكابي" ليكون سفيرًا للولايات المتحدة لدى إسرائيل وهو المعروف بدعمه منقطع النظير للاستيطان، خاصة في الضفة الغربية التي يعتبرها جزءاً من أرض الميعاد كما يقول،...
“العرب العثمانيون”.. كيف جسّد الإسلام عمومية النظام السياسي لجميع الأعراق؟
خلال زيارتي لنائب مدير جامعة السلطان محمد الفاتح في إسطنبول، البروفيسور المؤرخ زكريا كورشون، كنت أتحدث معه عن آخر إصداراته، فحدثني عن كتابه "العرب العثمانيون"، ومقصد الكتاب تبيان عمومية النظام السياسي في الإسلام لجميع الأعراق والأجناس في ظل الدولة الواحدة . فالإسلام...
نسأل الله عز وجل لأهلنا وإخوتنا هناك النصر والفتح المبين بإذن الله .. وبارك الله فيكي أستاذه هديل على هذا المقال الرائع الذي لا ينقص عن باقيهم من الإبداع
مقال رائع توقيت ممتاز وتناول تحليلي طال كل جوانب الحدث
الله يعطيك العافية