يا عرب.. لا تخجلوا وتعلّموا من إسرائيل!

بقلم: شريف عبدالغني

| 24 سبتمبر, 2024

بقلم: شريف عبدالغني

| 24 سبتمبر, 2024

يا عرب.. لا تخجلوا وتعلّموا من إسرائيل!

قبل 28 عاماً- وتحديداً في يناير 1996- اغتالت إسرائيل أحد أبرز قادة كتائب “عز الدين القسام”، الجناح العسكري لحركة حماس، الشهيد يحيى عياش المعروف بـ “المهندس”، لكونه أحد مهندسي العمليات ضد إسرائيل.

 اغتيل عياش عبر تفجير هاتف محمول، كان قد تم تزويده بمتفجرات مخفية، حيث زرع جهاز الاستخبارات الإسرائيلية المتفجرات في هاتف الشهيد عبر عميل، وتم التحكم في التفجير عن بُعد.

بعد ذلك الحادث، ترحّمنا في عموم الأمة على الشهيد.. كعادتنا، رفعنا أكف الدعاء وراء خطباء المنابر على “الصهاينة أحفاد الخنازير” أن يزلزل الله الأرض من تحت أقدامهم، وأن يرمّل نساءهم، ويُيتّم عيالهم.

ربما لم يتوقف أحد أمام طريقة الاغتيال، ومن توقف- من أصحاب الشأن والقرار، سواء في الأنظمة أو فصائل المقاومة العربية- لا أعلم إذا كان وضع في حسبانه كيفية تجنب مثل هذه الطرق المستحدثة في الاغتيالات مستقبلاً.. لكن الواقع يقول إنه لم يضع!

باختصار..

 لم نتعظ من درس اغتيال “عياش” بهذه الطريقة غير المتوقعة، ولا من حوادث مشابهة بعدها كانت فردية ومحدودة، حتى وصلنا إلى “أم التفجيرات”!. في لحظات تم تفجير 3 آلاف جهاز “بيجر”، ما تسبب وخلال نصف ساعة باستشهاد العشرات وإصابة الآلاف، من جنوب لبنان إلى بيروت والبقاع وحتى الأراضي السورية.

دعونا نتصارح ونعترف ونتفق أن البون شاسع بيننا كعرب وبين إسرائيل في كل شيء..

هذه ليست دعوة للكسل وتثبيط الهمم والاستسلام، بل القصد استنهاض العزائم لنخرج من دائرة المواجهة التقليدية مع عدو يتطور كل يوم.. عدو يأخذ بالأسباب والعلم، لا يرتكن كأمثالنا إلى ماضٍ تليد.. عدو مجتمعه قد يختلف في الفرعيات والتفاصيل لكنه يتفق على العموميات والأهداف!. يقابله مجتمع عربي مُتناحر تناحر الجاهلية الأولى.. تناحر في الأديان، تناحر في المذاهب، تناحر في المعتقدات، فضلاَ عن تقسيمات مقيتة ومعايرة تافهة بين بلد قديم أصيل، وبلد نفطي مُحدث نعمة. وكل هذا في ظل تبادل الاتهامات بين “مُطبّع عميل” و”مناضل شعاراتي”.

منذ العام 1948 ونحن- العرب- نتعامل مع الكيان الصهيوني بشكل خاطئ.. خضنا الحرب حينها دون استعداد ولا خطة، فكانت النتيجة هزيمة الجيوش العربية، وترسيخ وجود الكيان المحتل كدولة.

في الستينيات رفعنا الشعار الأثير “لا صوت يعلو فوق صوت المعركة”؛ فلا تنمية، ولا ميزانية للعلم، ولا تطوير للمؤسسات!. إن الحرب قد تندلع فجأة، لذا كل المال مخصص للسلاح، ولتقوية أجهزة الأمن.. أمن الأنظمة، كل الجهد للحرب المرتقبة.. بينما كانت إسرائيل تهتم بكل القطاعات التي نهملها نحن، طبعاً بجانب إنفاقها على التسليح .

الخلاصة أن كل شيء مؤجل عندنا، أي تقدم مُعطّل انتظاراً للمعركة التي لا صوت يعلو فوق صوتها..

وحينما حانت لحظة النزال كانت الهزيمة المُذلة!. ولأننا أمة ثرية لغوياً، فقد بحثنا في كل المترادفات، ودلّعنا الهزيمة بمصطلح “نكسة”، خسرنا المعركة كعرب، وضاعت في أيام معدودات سيناء والضفة الغربية وغزة والجولان وأجزاء من هنا وقطع من هناك.

المرة الوحيدة التي توحّدنا فيها كعرب من الخليج إلى المحيط كانت في أكتوبر 1973، فحققنا الانتصار الذي كان يُفترض أن يكون بداية لتحرير كل الأراضي المحتلة، لكننا عُدنا إلى سيرتنا الأولى، وتفرّقنا بعد “كامب ديفيد” إلى دروب اللاعودة.

 إجمالاً- وهذه حقيقة لا يصح أن نخفيها- إذا أردنا معرفة أين نقف، فإن ما نراه في إسرائيل من تقدم في التعليم والطب والزراعة، وغير ذلك الكثير، لا يوجد مثيله في بلاد العرب. من يشكك في هذا الأمر فعليه البحث والمقارنة بين أرقام ومستوى هذه القطاعات في الكيان الصهيوني ونظيراتها في الدول العربية، وهناك الكثير من الدراسات والأبحاث الموثّقة تكشف كمَّ إنفاق إسرائيل على التعليم والصحة والتنمية، وما ينفقه العرب على هذه المجالات.

قد يقول قائل إن المقارنة غير عادلة بين كيان تدعمه أمريكا وأوروبا ومن يسير في ركبهما، وبين دول ما زالت في طور النمو.. ربما يتناسى صاحب هذا الرأي أن العالم العربي بما يملكه، من موقع جغرافي وإمكانات بشرية وثروات مالية، قادر- لو امتلك الإرادة والقرار وحُسن توظيف الموارد- على التطور ومجابهة إسرائيل ومن يدعمها.

تل أبيب لا تستعرض عضلاتها في المنطقة فقط بجيشها وعتادها وسلاحها العسكري، بل تستعرضها كذلك بتفوقها التكنولوجي، إذ إنها بدلاً من شحن الطائرات أو إطلاق الصواريخ على كوادر حزب الله، فإنها بـ”ضغط زر” فجرت آلاف أجهزة الاتصال بأيدي عناصر الحزب، الذي جاءته الضربة من حيث لا يحتسب، ثم تباهت أكثر بتفوقها، فكانت موجة الانفجارات الجديدة في لبنان تشمل الهواتف وأجهزة البصمة وأجهزة الطاقة الشمسية وبطاريات الليثيوم!

وقبل هذا وبعده فإن إسرائيل تستعرض مهاراتها كذلك بسلاح سري لا يملكه كل العرب.. الديمقراطية.

الديمقراطية التي تحوّل صوت المواطن إلى “رقم أساسي” في المعادلة، من ثم يعرف كل مسؤول أن بقاءه مرتبط بهذا الصوت، وحتى يحصل عليه يجب أن يرضيه بمزيد من الخدمات والمزايا والحياة الكريمة التي تليق ببشر.

بنظرة إلى “يوتيوب” على أحوال إسرائيل من الداخل ستجد- ما دمنا في إطار الصراحة- دولة عصرية في تنسيق المدن، والشوارع، وطرق المشاة، والبنية التحتية، والأسواق، والنظافة.. ستجد منشآت تعليمية كبرى.. صروحاً طبية مرموقة.. متنزهات جميلة وشواطئ رائعة للعامة.. كل هذا بسبب حرص المسؤول على إرضاء “صاحب الصوت” في الصناديق الانتخابية الشفافة.

لنتخيل..

أن مقترح معمر القذافي لحل الصراع في المنطقة تحقق.. كان المقترح يقوم على حل الدولة الواحدة، وليس الدولتين.. دولة واحدة أطلق عليها “إسراطين”، تجمع الفلسطينيين والإسرائيليين، على غرار ما حصل في جنوب أفريقيا بعد زوال النظام العنصري بدولة واحدة للسود- السكان الأصليين- والبيض الوافدين الذين استوطنوا البلد منذ عشرات السنين ولم يعد لهم وطن غيره.

لو رأى مقترح القذافي النور وقامت دولة واحدة في فلسطين، هل سيرضى عرب الداخل (عرب 1948)، أن تحكمهم سلطة تحوم حولها شبهات الفساد، وتطالها اتهامات بالمتاجرة بالقضية، والاستيلاء على أموال الدعم للشعب الفلسطيني؟ هل سيرضى هؤلاء- ناهيك عن اليهود- الذين اعتادوا حرية الرأي والاختيار، بمسؤولين يضعون أنفسهم في مصاف الحكماء التاريخيين، ويرون أنهم فوق المساءلة؟!

هل ستظل مدن الداخل الفلسطيني- الموجودة ضمن الكيان الإسرائيلي- بنفس مستوى التطور، لو تولى أمرها مسؤولون لا يهتمون سوى بمغانم المناصب، والمكاتب الفخمة، ومواكب الأبهة؟!

إننا نحتاج إلى وقفة مصارحة لنعرف أين نحن، وكيف نكون على مقربة من الكيان الإسرائيلي في كل شيء.. ليس عيباً أن ندرس تجربتهم ونتعلم منها.

إن “ضغطة الزر” التي فجّرت 3 آلاف جهاز اتصال في لبنان، فجّرت قبلها عقول تكلّست، وأمة استساغت الانتصار على عدوها.. ليس في الواقع، وإنما في المسلسلات والأفلام، على طريقة خالتي نادية الجندي “مهمة في تل أبيب”!

0 تعليق

إرسال تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تابعنا على حساباتنا

مقالات أخرى

وقد استجاب القضاء لدعوة الرئيس.. ماذا ينتظر المستأجرون؟!

وقد استجاب القضاء لدعوة الرئيس.. ماذا ينتظر المستأجرون؟!

ذكّرني القول إن المحكمة الدستورية العليا في مصر استجابت لدعوة الرئيس في إصدار حكم، بما مضى. فدائما تذكّرنا القدرات المتواضعة الآن بعهد الرئيس مبارك، فلا يعرف قيمة أمه إلا من يتعامل مع زوجة أبيه، وكثيرون صار شعارهم "رُبّ يوم بكيت منه، فلما مضى بكيت عليه". ولست من هؤلاء...

قراءة المزيد
السياسة الخارجية للرئيس ترامب تجاه الشرق الأوسط

السياسة الخارجية للرئيس ترامب تجاه الشرق الأوسط

لم تمرّ إلا ساعات فقط بعد إعلان الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب نيته تعيين حاكم أركنساس السابق "مايك هاكابي" ليكون سفيرًا للولايات المتحدة لدى إسرائيل وهو المعروف بدعمه منقطع النظير للاستيطان، خاصة في الضفة الغربية التي يعتبرها جزءاً من أرض الميعاد كما يقول،...

قراءة المزيد
“العرب العثمانيون”.. كيف جسّد الإسلام عمومية النظام السياسي لجميع الأعراق؟

“العرب العثمانيون”.. كيف جسّد الإسلام عمومية النظام السياسي لجميع الأعراق؟

خلال زيارتي لنائب مدير جامعة السلطان محمد الفاتح في إسطنبول، البروفيسور المؤرخ زكريا كورشون، كنت أتحدث معه عن آخر إصداراته، فحدثني عن كتابه "العرب العثمانيون"، ومقصد الكتاب تبيان عمومية النظام السياسي في الإسلام لجميع الأعراق والأجناس في ظل الدولة الواحدة . فالإسلام...

قراءة المزيد
Loading...