“نمرٌ” من ورق

بواسطة | يونيو 17, 2024

بواسطة | يونيو 17, 2024

“نمرٌ” من ورق

كتائب عز الدين القسام، الجناح العسكري لحركة المقاومة الإسلامية “حماس”، قلبت الموازين مهدية سكان قطاع غزة، والشرفاء من شعوب الأمتين العربية والإسلامية، هديها الثمين بالتزامن مع عيد الأضحى المبارك، حينما أعلنت تنفيذ عملية نوعية مُركّبة، استهدفت مَركبة مدرعة من طراز “نمر”، واعترف جيش الاحتلال الإسرائيلي بمقتل ثمانية من جنوده وضباطه، من بينهم نائب قائد سرية في لواء الهندسة 601، جرَّاء تفجير ناقلة جند جنوب قطاع غزة.

ورغم الظروف في قطاع غزة جرَّاء الحرب الإسرائيلية على سكانها العزل، التي أقل ما توصف به أنها قاسية، والتي تتقاطع مع عيد الأضحى، فإنَّ العملية التي أعلنتها كتائب عز الدين القسام السبت جاءت مبلسمة لجراح ذوي الشهداء، مجددة الأمل بالنصر المؤزر، منسية سكان غزة ولو للحظات الحزن الذي يكابدونه منذ تسعة أشهر على فراق أحبة لهم، ومجففة دموعاً انهمرت على جدران منازل حملت ذكرياتهم، إلا أنها وبفعل القصف الإسرائيلي المجنون استحالت إلى ركام.. وكأن العملية غيث من الله، واستجابة لأدعية بحّت لصدقها الحناجر في يوم عرفات.

ولعل من الأهمية بمكان الإشارة إلى أنَّ هذه العملية جاءت في توقيت قصم ظهر حكومة جيش الاحتلال الإسرائيلي، وعلى رأسها رئيس وزرائها بنيامين نتنياهو، الذي كان حتى لحظة تنفيذ العملية آنفة الذكر يحيا نشوة انتصار “مجزرة النصيرات”، التي حُرر خلالها أربعة أسرى من أصل قرابة الـ120 أسيراً، بتنسيق وتعاون مع الولايات المتحدة الأمريكية، والمملكة المتحدة، وغيرهما من الدول العظمى، ليسقط خبر مقتل ثمانية من الجنود الإسرائيليين على رأسه كالصاعقة، لتزامنه مع نقاش حاد حول إعفاء اليهود المتدينين من الخدمة العسكرية الإجبارية، وهو ما ينذر بتفاقم الضغوط والاستياء. يُضاف إلى ما سبق أن العملية تتزامن أيضاً مع مطالبات من قادة سابقين في الجيش الإسرائيلي لبنيامين نتنياهو بالاستقالة، لاتهامه ووزير دفاعه يوآف غالانت بتكبيد الجيش خسائر بشرية ثقيلة بين صفوف الجنود الإسرائيليين.

لذا، يُعدّ توقيت العملية التي قام بها مجاهدو “حماس” حفرة أسقطت بنيامين نتنياهو في وحل غزة حتى أذنيه، سيما وأنَّه كشف آخر أوراقه خلال تنفيذ عملية تحرير الأسرى الأربعة، التي خلّفت مجزرة في النصيرات، ما وضع إسرائيل ومن عاونها في مأزق مع الرأي العام الدولي، الذي استنكر قتل ما لا يقل عن 274 فلسطينيّاً وإصابة 698 آخرين، لتحرير أربعة أسرى وقتل ثلاثة آخرين بعد ثمانية أشهر في الأسر.

وما يضاف إلى سلسلة هزائم جيش الاحتلال الإسرائيلي، هو طبيعة العتاد الذي تستخدمه كتائب عز الدين القسام “حماس” في التصدي لأحد أقوى جيوش العالم وفقا لإحصائيات موقع “غلوبال فايبر باور” الأمريكي؛ إذ استطاع مقاتلو حماس بالـ”ياسين 105″، وهي قذيفة محلية الصنع مضادة للدروع، استهداف مدرعة “نمر”، التي يصفها جيش الاحتلال بأنها ثورة في عالم مركبات نقل الجنود في أرض المعركة، وأعلن عنها لأول مرة عام 2008.

لهذا شكّل استهداف المركبة هزيمة مدوية لهذا الجيش الذي يتفاخر بقوة جيشه وعتاده، إذ تبلغ  تكلفة المدرعة “نمر” أكثر من ثلاثة ملايين دولار، وهي مصممة على غرار هيكل دبابة ميركافا، ويمكنها حمل 12 جندياً بالإضافة إلى ثلاثة آخرين في المقصورة الأمامية. ووفق تقرير بثته قناة الجزيرة الإخبارية، فإن المدرعة مزودة بمدافع رشاشة ومدفع هاون وقاذفة قنابل يدوية وقنابل دخانية، كما أنها قادرة على إطلاق صاروخين؛ وتشير التقديرات إلى أنّ جيش الاحتلال الإسرائيلي يمتلك أكثر من  290 مدرعة من هذا النوع، وتستخدمها ألوية المشاة في الجيش الإسرائيلي.

لذا فإنَّ استهدافها بقذيفة زهيدة الثمن يؤكد مدى ضعف الجيش الذي “لا يُقهر” على أرض المعركة، أمام عقول وأدمغة المقاومين الفلسطينيين، ما يؤكد أنَّ فصائل المقاومة تقود المعركة معتمدة على التخطيط وحسن الإدارة، وليس على الكثرة التي يتبناها جيش الاحتلال الإسرائيلي، والتي لن تغلب الشجاعة في هذا المقام، إذ يتضح من حجم الهزائم التي يسجلها جيش الاحتلال تباعا أنّه هُزم ماديا ونفسيا منذ السابع من أكتوبر، ولا يزال عالقاً بهزيمته.

ومن المهم التوضيح أنَّ الـ”ياسين 105″ قذائف آر بي جي، استخدمتها الفصائل الفلسطينية في معركة طوفان الأقصى، وهي مصنعة محليّاً، مضادة للدروع وتتميز بقدرة تدميرية عالية، حيث أسفرت عن تدمير العديد من الدبابات الإسرائيلية، وهي تزن 4.5 كيلو جراما. وتُعدّ قذيفة الـ”ياسين 105″ نسخة مطورة عن قذيفة التاندوم الروسية، والتي استخدمت خلال عملية طوفان الأقصى لأول مرة من خلال إسقاط القذيفة عبر طائرة مسيرة، وأعلن استخدامها رسميا وكشف عن تطويرها في 14 أكتوبر 2023.

ختاماً

تسطّر فصائل المقاومة الفلسطينية منذ السابع من أكتوبر وحتى اليوم ملاحم بطولية وأسطورية، سيسجلها التاريخ بأحرف من ذهب، وتأتي ملحقةً جيشَ الاحتلال الإسرائيلي خسائر بالجملة، محطمة أسطورة “الجيش الذي لا يُقهر”.

ومع كل عملية تحقق فيها فصائل المقاومة الفلسطينية انتصارا أستحضر كتاب “عبقرية خالد”،  للكاتب عباس محمود العقاد، الذي يتحدث عن القائد العسكري المسلم خالد بن الوليد، الذي تجلت قدراته الاستراتيجية في حروب الردة وفتح العراق والشام، بعد أن كسر جيوش دولتين عظميين، الفرس والروم، بتكتيكات حربية سبقت عصره، وجعلته أحد القادة المميزين، وهو الذي لم يُهزم وقد خاض أكثر من مائة معركة حربية كبيرة.. وهكذا أرى مقاومتنا الباسلة، محققة النصر، ومدافعة بالإنابة عن أمة الإسلام الكبيرة.

1 تعليق

  1. HUSSAIN MOHD

    إبداااع في الوصف دائما يا أستاذه هديل وفقك الله بمزيد من الابداعات و طرح الصورة الحقيقة المخزية للصهاينة وتجسيد بطولات إخواننا في المقاومة الفلسطينية

    الرد

إرسال تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تابعنا على حساباتنا

مقالات أخرى

تاريخ القراءة وسيرة مجانين الكتب

تاريخ القراءة وسيرة مجانين الكتب

من الكتب التي بَهَرتني في بدايات دخولي عالم القراءة كتاب "تاريخ القراءة"، للمؤلف الأرجنتيني ألبرتو مانغويل؛ دلَّني عليه صديقي يوسف عبد الجليل، وقرأته أكثر من مرة، وصوَّرت نسخةً غير شرعية منه في مكتبة كانت تطبع الكتب في طنطا. وقد عُدت إليه مؤخرًا وأنا أفكر في سر جماله،...

قراءة المزيد
لا تخدعنَّك مظاهر التقوى!

لا تخدعنَّك مظاهر التقوى!

في الحكايات الشعبية لبلاد الفرس، أن صيادًا كان يصطاد الطيور في يوم عاصف، فجعلت الريح تُدخل في عينيه الغبار، فتذرفان الدموع! وكان كلما اصطاد عصفورا كسر جناحه وألقاه في الكيس. وقال عصفور لصاحبه: ما أرقه علينا، ألا ترى دموع عينيه؟ فرد عليه الآخر: لا تنظر إلى دموع عينيه،...

قراءة المزيد
الضحالة والمعرفة السائلة

الضحالة والمعرفة السائلة

عُرف الفيلسوف وعالم الاجتماع البولندي زيجمونت باومان (١٩٢٥-٢٠١٧)م، بأنه صاحب مصطلح السيولة، التي أصدر تحتها سلسلته الشهيرة السيولة، من الحداثة السائلة والثقافة السائلة والحب السائل، والشر السائل والأزمنة السائلة والمراقبة السائلة، وهلم جرا من سيولات باومان المثيرة،...

قراءة المزيد
Loading...