ما بعد الاستعمار.. وفتح الجراح القديمة
بقلم: د. جاسم الجزاع
| 13 أكتوبر, 2024
مقالات مشابهة
-
السياسة الخارجية للرئيس ترامب تجاه الشرق الأوسط
لم تمرّ إلا ساعات فقط بعد إعلان الرئيس الأمريكي...
-
“العرب العثمانيون”.. كيف جسّد الإسلام عمومية النظام السياسي لجميع الأعراق؟
خلال زيارتي لنائب مدير جامعة السلطان محمد الفاتح...
-
في موقعة أمستردام.. لم تسلم الجرّة هذه المرة !
تقول العرب في أمثالها: "ما كل مرة تسلم الجرة".....
-
عمر بن عبد العزيز والتجربة الفريدة
حين ظهرت له أطلال المدينة المنورة، أيقن الشاب...
-
هيكل: حكايات من سيرة الأستاذ الكاهن (2)
هيكل والسادات مضت السنوات وابتعد محمد حسنين هيكل...
-
أعرني قلبك يا فتى!
أعرني قلبك يا فتى، فإن الأحداث جسام، والأمور على...
مقالات منوعة
بقلم: د. جاسم الجزاع
| 13 أكتوبر, 2024
ما بعد الاستعمار.. وفتح الجراح القديمة
من الملاحظ أنه في عصرنا، عصر العولمة، نجد أن الثقافات والهويات العربية أصبحت تتعرض لضغوط غير مسبوقة، لكي تكون مغمورة ومنسية ومجهولة، نتيجة الانفتاح الكبير على العالم، وتأثير الثقافة الغربية وغزوها للعقول العربية، لا سيما فئة الشباب؛ فتأثيرات العولمة عميقة ومعقدة وشائكة، حيث تسببت في تغييرات جوهرية في الهويات العربية، ما جعل المجتمعات العربية تواجه تحديات جديدة في الحفاظ على تراثها وتقاليدها.
فالعولمة جلبت معها موجات من الثقافة الاستهلاكية الغربية، التي أثرت بشكل كبير على الشباب العربي، وعلى طريقة معيشتهم ونمط الحياة بشكل عام، ولم يساهم في ذلك أمر كمساهمة وسائل الإعلام، وشبكات التواصل الاجتماعي، والمنتجات الاستهلاكية، فأصبحت الثقافات الغربية بذلك أكثر انتشارًا وقبولاً في المجتمعات العربية.
وهذا الأمر أدى إلى تغيير في القيم والعادات والأذواق العامة العربية، وزعزعة بعض التقاليد الثقافية العريقة، التي كانت تُعتبر جزءًا من الهوية الوطنية المرتبطة بالقيم الدينية أيضاً. فعلى سبيل المثال، أصبحت اللغة الإنجليزية وكذلك الفرنسية مستخدمتين بشكل واسع في التفاعل اليومي المتكرر، وفي التعليم وبيئة الأعمال، وإن كان أفرادها عرباً أقحاحاً، ما أدى إلى تراجع استخدام اللغة العربية بين الأجيال الشابة.
وإضافةً إلى ذلك، تتزايد هيمنة الثقافة الغربية في مجالات الفن والموسيقا والأزياء والدراما، حيث يتبنى الشباب العربي الاتجاهات العالمية والقيم الغربية بشكل متزايد، متجاهلين في كثير من الأحيان القيم الثقافية المحلية. وهذه التغييرات لا تقتصر فقط على الجانب الظاهري من الأمور المشاهدة الملموسة، بل تمتد إلى القيم والمعتقدات الداخلية التي يتبناها الأفراد في عقولهم، ما يثير تساؤلات حول مدى قدرة الهوية العربية لدى الشباب العربي على البقاء صامدة في مواجهة هذا التحول المريب.
ورغم هذه التأثيرات العميقة للعولمة الحالية، فإن هناك حركات ومحاولات جادة متزايدة، تعزز الحفاظ على الهويات الوطنية والثقافة المحلية العربية لدى الشباب العربي. فبعض الدول العربية بدأت في تعزيز قيمها الثقافية والتراثية من خلال السياسات التعليمية، والاحتفالات الوطنية الهادفة، والترويج للفنون والتقاليد العربية المرتبطة بالإقليم أو الكيان الأكبر العربي. فهذه الجهود تهدف إلى إعادة إحياء القيم الأصيلة وإبرازها كمصدر فخر للشعوب العربية.
والحق يقال، إنه لا يمكن فصل تأثير العولمة عن تاريخ الاستعمار السابق وعواقبه، ما عانت منه دول عربية عديدة؛ فبعد انتهاء حقبة الاستعمار، كانت هناك جهود لإعادة بناء الهوية الوطنية، والتخلص من التأثيرات الثقافية الاستعمارية. ومع ذلك، فإن العولمة جاءت بأوجه جديدة للتأثير الثقافي تحت ما سمي بعد ذلك بالغزو الاستعماري الفكري، ما أعاد طرح سؤال الهوية في سياق جديد ومعقد، وعلى شكل مُلحٍّ وعاجل، حيث أعادت العولمة فتح الجروح القديمة للاستعمار، ولكن من خلال أدوات جديدة أكثر حداثة وتأثيرًا، مثل التكنولوجيات الرقمية والشبكات العالمية، التي تسمح بنقل الأفكار والقيم بسرعة وسهولة.
إن تفكيك الاستعمار الثقافي وهدم أركانه في عصر العولمة يتطلب جهودًا مضاعفة، تتجاوز مجرد إعادة اكتشاف التراث المحلي وترويجه بين الشباب العربي، حيث يجب على المجتمعات العربية- أنظمة ومؤسسات وأفرادا- أن تطور استراتيجيات فعّالة لدمج الحداثة دون فقدان هويتها ودون ذوبان.
فالأمر يتطلب نهجًا وضربة استباقية، تتمثل في إعادة تعريف الهوية العربية بطريقة تشمل التنوع الثقافي، وتحترم الانفتاح على الثقافات الأخرى.
أكاديمي كويتي
1 تعليق
إرسال تعليق
تابعنا على حساباتنا
مقالات أخرى
وقد استجاب القضاء لدعوة الرئيس.. ماذا ينتظر المستأجرون؟!
ذكّرني القول إن المحكمة الدستورية العليا في مصر استجابت لدعوة الرئيس في إصدار حكم، بما مضى. فدائما تذكّرنا القدرات المتواضعة الآن بعهد الرئيس مبارك، فلا يعرف قيمة أمه إلا من يتعامل مع زوجة أبيه، وكثيرون صار شعارهم "رُبّ يوم بكيت منه، فلما مضى بكيت عليه". ولست من هؤلاء...
السياسة الخارجية للرئيس ترامب تجاه الشرق الأوسط
لم تمرّ إلا ساعات فقط بعد إعلان الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب نيته تعيين حاكم أركنساس السابق "مايك هاكابي" ليكون سفيرًا للولايات المتحدة لدى إسرائيل وهو المعروف بدعمه منقطع النظير للاستيطان، خاصة في الضفة الغربية التي يعتبرها جزءاً من أرض الميعاد كما يقول،...
“العرب العثمانيون”.. كيف جسّد الإسلام عمومية النظام السياسي لجميع الأعراق؟
خلال زيارتي لنائب مدير جامعة السلطان محمد الفاتح في إسطنبول، البروفيسور المؤرخ زكريا كورشون، كنت أتحدث معه عن آخر إصداراته، فحدثني عن كتابه "العرب العثمانيون"، ومقصد الكتاب تبيان عمومية النظام السياسي في الإسلام لجميع الأعراق والأجناس في ظل الدولة الواحدة . فالإسلام...
جيد