التصعيد الإقليمي: هل نشهد إعادة تشكل للشرق الأوسط؟

بقلم: أدهم أبو سلمية

| 7 أكتوبر, 2024

بقلم: أدهم أبو سلمية

| 7 أكتوبر, 2024

التصعيد الإقليمي: هل نشهد إعادة تشكل للشرق الأوسط؟

تتصاعد الأحداث والتوترات في الشرق الأوسط إلى مستويات غير مسبوقة، ما يهدد بتحويل المنطقة إلى ساحة صراع واسعة النطاق.. إطلاق إيران لنحو 300 صاروخ فرط صوتي باتجاه أهداف إسرائيلية يرمز إلى تحول جذري في استراتيجيتها، بعد سنوات من الصبر الاستراتيجي وضبط النفس والتعامل بحذر مع محاولات الاستفزاز الإسرائيلي؛ هذا التحرك العسكري يشير إلى أن إيران لم تعد مستعدة للتراجع أو الانسحاب، وهو جزء من ديناميكيات جديدة تضع المنطقة أمام مفترق طرق خطير.

التصعيد كجزء من تغيير المعادلات الإقليمية..

اعتمدت إسرائيل تاريخيًّا على التفوق العسكري وقوة الردع الاستراتيجي لضمان أمنها في المنطقة، إلا أن الضربات الإيرانية الأخيرة، إلى جانب التصعيد من جبهات أخرى مثل اليمن ولبنان والضفة الغربية وغزة، تعيد رسم الخطوط العريضة للصراع الإقليمي.

يبدو أن إسرائيل لم تعد قادرة على احتواء كافة التهديدات في آن واحد، ما يظهر محدودية استراتيجيتها العسكرية. ورغم أن تل أبيب تدعي نجاحها في إضعاف فاعلية الهجوم عبر منظومات دفاعها المتقدمة، الأمر الذي نفته واشنطن عندما أعلنت تضرر بعض المنشآت العسكرية الإسرائيلية من بينها حظائر طائراتF-35  المقاتلة، فإن الضربات المتزامنة من عدة جبهات تشير إلى أنها باتت تواجه تحديات جديدة يصعب التحكم بها.

هذا الوضع قد يدفع إسرائيل إلى تكثيف عملياتها العسكرية، أو استدعاء دعم إضافي من حلفائها الذين اعتادت الحصول على دعمهم غير المشروط. لكن مع توسع رقعة المواجهة، تصبح الخيارات العسكرية والسياسية أكثر تعقيدًا، خاصة مع احتمال انخراط قوى إقليمية أخرى في الصراع.

الدور الأمريكي: الحليف الحذر..

على الرغم من الدعم الأمريكي الثابت لإسرائيل، يبقى السؤال حول مدى استعداد الولايات المتحدة للتورط بعمق في حرب إقليمية مفتوحة ومتعددة الجبهات.

تعيش واشنطن انشغالًا بأزمات أخرى مثل الحرب في أوكرانيا والتوترات مع الصين، ما يجعل موقفها أكثر صعوبة.. التصريحات الرسمية المتكررة بدعم إسرائيل، وإعلان دول مجموعة السبع التزامها بأمن إسرائيل بعد الرد الإيراني، ذلك يعكس التزامًا، لكن الداخل الأمريكي لا يبدو متحمسًا لمغامرات عسكرية جديدة في الشرق الأوسط، كما أن الولايات المتحدة مقبلة على انتخابات رئاسية، ولقضية غزة وحرب الإبادة الجماعية فيها دور كبير هنا في التأثير على الولايات المتأرجحة، خاصة بعد أن أسفرت الإبادة الجماعية في غزة عن أكثر من 42 ألف شهيد، من بينهم 17 ألف طفل، وما يقارب 100 ألف مصاب، ما أثار غضب الأمريكيين  خاصة من أصول عربية ومسلمة، وهذا يجعل الحزب الديموقراطي أكثر حذرًا تجاه هذه القضية.

تصريحات المرشحة الديمقراطية كمالا هاريس بأن الولايات المتحدة لن ترسل قواتها إلى المنطقة قد تعكس تغيرًا في المزاج العام الأمريكي تجاه الانخراط في حروب خارجية، خاصة بعد التجارب الفاشلة والمرهقة التي استنزفت أمريكا في حروب لا طائل منها في العراق وأفغانستان. وعليه، قد تجد إدارة بايدن نفسها مجبرة على موازنة التزاماتها تجاه إسرائيل مع الضغوط الداخلية التي ترفض التدخل العسكري المباشر.

التأثيرات الاقتصادية المحتملة..

يجب أيضًا الأخذ في الاعتبار تأثير النفط على الانتخابات الأمريكية، حيث يبدي الناخبون حساسية كبيرة تجاه تقلبات أسعار النفط.

إيران، التي تتحكم في نحو 4% من الإنتاج العالمي للنفط، ولديها ثاني أكبر احتياطي للغاز الطبيعي، تأخذ دورًا مهمًّا في المشهد الاقتصادي. إلى جانب ذلك، يُعد الخليج مصدرًا لحوالي 30% من إنتاج النفط العالمي، ما يعني أن أي تصعيد قد يؤدي إلى تعطيل الإمدادات العالمية، وبالتالي التأثير على الاقتصاد العالمي ووضع ضغوط على الناخبين الأمريكيين.

كذلك يواجه اقتصاد الاحتلال الإسرائيلي تحديات كبيرة في حال تصاعد الصراع على جبهة حزب الله.. يرى المحللون أن حربًا كهذه قد تؤدي إلى انكماش الاقتصاد الإسرائيلي بنسبة تتراوح بين 8  و10% سنويًّا، وهو ما يعتبر كارثة اقتصادية كبرى للاحتلال. في الربع الرابع من عام 2023، وبعد عملية السابع من أكتوبر، شهد الناتج المحلي الإجمالي الإسرائيلي انكماشًا كبيرًا بلغ حوالي 20% على أساس سنوي، ما يشير إلى أن التصعيد الإضافي مع لبنان قد يؤدي إلى ضغوط اقتصادية أكبر، تكون مدمرة للاحتلال على المدى القصير والمدى المتوسط.

هل نحن على أعتاب صراع شامل؟

الصورة الإقليمية تزداد تعقيدًا مع كل خطوة جديدة نحو التصعيد.. من غير المرجح أن يهدأ التوتر قريبًا، بل على العكس، تبدو المنطقة مهيأة لتصعيد أكثر خطورة. وهناك عدة سيناريوهات قد يتحقق أي منها في المستقبل القريب:

1- حرب متعددة الجبهات: في حال استمرت الهجمات من عدة جبهات، قد تجد إسرائيل نفسها مضطرة لخوض حرب شاملة، هذا السيناريو يعني المزيد من الاستنزاف لإسرائيل، ويعني تصاعد احتمالات تدخل قوى إقليمية ودولية في الصراع.

2- إعادة توازن القوى: الهجمات الإيرانية الأخيرة تشير إلى أن طهران تسعى إلى إعادة صياغة قواعد اللعبة الإقليمية، ونجاحها في تحدي إسرائيل عسكريًّا على عدة جبهات قد يعزز نفوذها، ويعيد خلط الأوراق في الصراع على القيادة الإقليمية.

3- تحرك دولي جديد: مع تصاعد التوترات، قد تتحرك القوى الدولية الكبرى مثل روسيا والصين لتبنّي دور أكبر في الوساطة أو التدخل الدبلوماسي؛ ورغم تركيز هذه القوى على ملفات مثل أوكرانيا، فإن الشرق الأوسط يظل منطقة ذات أهمية استراتيجية كبيرة، ما يجعل من الصعب تجاهل تداعيات التصعيد الجاري. إلا أن انزلاق الشرق الأوسط نحو صراع شامل قد يدفعها للانخراط في المنطقة بشكل أكبر.. الصين، على سبيل المثال، قد ترى في هذه التوترات فرصة لتوسيع نفوذها عبر مبادرات دبلوماسية أو اقتصادية، في ظل تراجع دور الولايات المتحدة.

التداعيات الإقليمية: من الصراع إلى إعادة تشكيل المنطقة

في النهاية، يبدو أن الشرق الأوسط على أعتاب حقبة جديدة من الصراع الجيوسياسي؛ فالهجمات الإيرانية، واستمرار عمليات المقاومة الفلسطينية، والحرب في لبنان، والقصف اليمني.. قضايا قد تدفع المنطقة نحو إعادة تشكيل عميقة في توازنات القوى.

ما يميز هذا التصعيد هو الطبيعة متعددة الأبعاد، حيث لم يعد الصراع مقتصرًا على محورين (إسرائيل ضد إيران أو إسرائيل ضد المقاومة الفلسطينية)، بل أصبح يمتد ليشمل الفاعلين الدوليين والإقليميين، والفراغ الذي تتركه القوى العربية، في ظل غياب ردود فعل حاسمة من الدول العربية الكبرى، قد يفتح الباب أمام تدخلات دولية متزايدة.

وفي حين أن الشرق الأوسط لا يزال بعيدًا عن حرب شاملة، فإن استمرار التصعيد بهذا النسق قد يقود إلى تحولات جذرية في المشهد الإقليمي، سواء على مستوى التحالفات أو في خريطة الصراع نفسها.

0 تعليق

إرسال تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تابعنا على حساباتنا

مقالات أخرى

وقد استجاب القضاء لدعوة الرئيس.. ماذا ينتظر المستأجرون؟!

وقد استجاب القضاء لدعوة الرئيس.. ماذا ينتظر المستأجرون؟!

ذكّرني القول إن المحكمة الدستورية العليا في مصر استجابت لدعوة الرئيس في إصدار حكم، بما مضى. فدائما تذكّرنا القدرات المتواضعة الآن بعهد الرئيس مبارك، فلا يعرف قيمة أمه إلا من يتعامل مع زوجة أبيه، وكثيرون صار شعارهم "رُبّ يوم بكيت منه، فلما مضى بكيت عليه". ولست من هؤلاء...

قراءة المزيد
السياسة الخارجية للرئيس ترامب تجاه الشرق الأوسط

السياسة الخارجية للرئيس ترامب تجاه الشرق الأوسط

لم تمرّ إلا ساعات فقط بعد إعلان الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب نيته تعيين حاكم أركنساس السابق "مايك هاكابي" ليكون سفيرًا للولايات المتحدة لدى إسرائيل وهو المعروف بدعمه منقطع النظير للاستيطان، خاصة في الضفة الغربية التي يعتبرها جزءاً من أرض الميعاد كما يقول،...

قراءة المزيد
“العرب العثمانيون”.. كيف جسّد الإسلام عمومية النظام السياسي لجميع الأعراق؟

“العرب العثمانيون”.. كيف جسّد الإسلام عمومية النظام السياسي لجميع الأعراق؟

خلال زيارتي لنائب مدير جامعة السلطان محمد الفاتح في إسطنبول، البروفيسور المؤرخ زكريا كورشون، كنت أتحدث معه عن آخر إصداراته، فحدثني عن كتابه "العرب العثمانيون"، ومقصد الكتاب تبيان عمومية النظام السياسي في الإسلام لجميع الأعراق والأجناس في ظل الدولة الواحدة . فالإسلام...

قراءة المزيد
Loading...