نزع الهالة عن حسن البنا!

بواسطة | يونيو 16, 2024

بواسطة | يونيو 16, 2024

نزع الهالة عن حسن البنا!

ما قاله الفتى في برنامج “مراجعات” عبر قناة “العربية”، عن ضرورة نزع الهيبة عن حسن البنا في المواجهة مع جماعة الإخوان المسلمين، لم يكن ناشئاً عن رأي، بل كاشفاً لسياسة عامة معتمدة منذ صيف 2013؛ فأكثر من برنامج تلفزيوني اضطلع بهذه المهمة، قبل إطلالة الإخواني التائب في القناة المذكورة!

ولا شك أن هذا يمثل تطوراً في المواجهة، لم تعتمده السلطة المصرية في أي مرحلة من مراحل المواجهة، وحتى في العهد الناصري عندما فار التنور واحتدمت الحرب، فقد ظل شخص الإمام البنا بعيداً عن ميدان الاشتباك؛ واختزل الرئيس جمال عبد الناصر خلافه مع المستشار حسن الهضيبي، المرشد العام الثاني، وكانت الدعاية تقوم على أنه خرج على خط الإمام البنا. وإذ تراجعت ثورة يوليو 1952، عن الاستمرار في محاكمة المتهمين بقتله، وأفرج عن إبراهيم عبد الهادي، رئيس الحكومة في العهد البائد، بعد إدانته، فلم يكن هذا توجهاً من هذه الثورة لنظرة انتقاص للرجل، وقد كان عدد من الضباط الأحرار انضموا للجماعة في عهده، وليس سراً أن عبد الناصر كان واحداً من هؤلاء!

وقد دعم عبد الناصر المناوئين للهضيبي، وقرب إليه عبد الرحمن السندي، قائد التنظيم الخاص، ومجموعته.. ولك أن تتصور كيف أن الناصريين في اتهامهم للجماعة بالعنف، يقفزون على حقيقة أن الزعيم الخالد قرب إليه المتهم بالاغتيالات قبل الثورة، من قتل رئيس الحكومة محمود فهمي النقراشي إلى اغتيال القاضي الخازندار، ولا بأس فقد أنكروا الثابت تاريخياً من أن عبد الناصر انضم للجماعة، وأقاموا الدنيا وأقعدوها ضد مسلسل “الجماعة” حتى أفشلوا الهدف منه، لمجرد ذكره لبيعة عبد الناصر للإخوان، وهو الأمر الثابت في كل مذكرات الضباط الأحرار من محمد نجيب، إلى عبد اللطيف البغدادي، إلى يوسف صديق، وليس انتهاء بمذكرات خالد محيي الدين “الآن أتكلم”.. فلم تكن هذه الحقيقة من اختراع مؤلف العمل، وحيد حامد!

مبارك والبنا:

وفي الحوار الذي جرى بين السادات والمرشد العام الثالث، عمر التلمساني، ونُقل على الهواء مباشرة، لم يجد السادات غضاضة في أن يذكر أنه بايع الأستاذ البنا، ووضع يده في يده، ولم يجد نفسه بعد قراره بالتحفظ على التلمساني مضطراً لإنكار هذه العلاقة، أو أسيراً لدى الجماعة بوضعها الحالي، ولم تقترب المواجهة الإعلامية من الشيخ البنا بشطر كلمة، وهو الأمر الذي استمر عليه الحال في عهد مبارك، وفي ذروة المواجهة مع الجماعة وإعلان الحرب عليها!

وفي وصلة السباب الشهيرة، التي أمسكت بها جريدة “الشعب” وزير الداخلية زكي بدر من لسانه، وكانت سبباً في الإطاحة به، لم يُنقل عن مبارك استنكاره إلا لأن الوزير سب سيف الإسلام حسن البنا بقوله: “لعنة الله عليه وعلى أبوه”، وذلك في وقت لم يترك فيه زكي بدر أحداً لم يتطاول عليه في هذه الوصلة؛ فمصطفى أمين “كبر وخرف”، ويوسف إدريس “سكير لا يفيق”، وهكذا!

ونظام مبارك، مع تواضعه فكرياً وتورمه أمنياً، لم يجد نفسه بحاجة لأن يمدّ المواجهة إلى نبش القبور، ونزع الهالة عن حسن البنا، الذي يُحسب ضمن الرموز الوطنية والتاريخية لمصر. وإذ تمكنتُ مؤخراً من العثور على مذكرات فارس ثورة يوليو، يوسف صديق، المعروف بأنه شيوعي الفكر والتوجه، فقد راعني قوله إنه بعد عودته إلى القاهرة عندما كان ضابطاً للجيش، وجد إجماعاً من التنظيمات المصرية على ضرورة التحرر، وذكر الوفد والإخوان!

ولا تمثل مثل هذه الحقائق دعاية للتنظيم، ولم يرها أحد كذلك؛ والأمر نفسه كان عندما كتب “إبراهيم سعده”، أحد كتاب النظام، في الصحيفة الأوسع انتشاراً، وهي “أخبار اليوم” (5 ملايين قارئ)، في رثاء عمر التلمساني: “مات صمام الأمان.. لبلد، ولوطن، ولأمة”، فلم يتم النظر إلى الأمر على أنه دعاية للتنظيم!

وقد ترك أهل الحكم أمر النظرة النقدية للبنا للباحثين؛ وفي كتابه “حسن البنا.. متى.. كيف.. ولماذا؟”، تعرض رفعت السعيد للرجل، وحاول تشريح شخصيته وفهم مواقفه، وإذ كانت النتيجة سلبية، فقد حرص الكاتب على أن يبدو موضوعياً ودقيقاً، لم تؤثر عليه نزعته الماركسية عند التقييم، وإن أخطأ في الرصد ولم يكن دقيقاً في الشرح!

وتكمن مشكلة القوم الآن، في الاعتماد على من هم دون الباحثين، ومن لا يعنيهم أن يوصفوا بالموضوعية، فهم من أهل الدعاية وليسوا من أنصار الفكر، وقد تخطوا الرقاب وتقدموا الصفوف لأنها مرحلة متواضعة، يستهوي القائمين على الأمر فيها الأسلوبُ الفج في المعارضة والردح، و”فرش الملاية”، وهذا أسلوب يؤدي لنتيجة عكسية تماماً!

بقاء الجماعة:

ففي عهود الأنظمة السابقة، وإن استبعدت البنا من حملة الإبادة الإعلامية (لإدراكها أنها ستخسر المعركة)، فإن المعالجة الأمنية المتعسفة، بجانب الهجوم الإعلامي المركز، أنقذ الجماعة من التحلل، وهو سبيلها للبقاء؛ فمن كان يتخيل، بعد ما جرى من هجوم وتنكيل في عهد عبد الناصر، أن الجماعة سيصبح لها وجود قوي في انتخابات 1984 (بالتحالف مع الوفد)، وفي انتخابات 1987 (بالتحالف مع العمل والأحرار)؛ ومن كان يتخيل بعد هذا كله أنه في انتخابات 2000، وانتخابات 2005، ستتلاشى الأحزاب المذكورة ويستمر الإخوان رقماً صحيحاً، رغم حملات الإبادة سالفة الذكر؟! ورغم هذه الحملة يفوزون بعد الثورة بأغلبية البرلمان بغرفتيه وبالرئاسة، فأين ذهب تأثير حملات الهجوم والتشويه؟!

مشكلة الأنظمة التي تتبنى إبادة الإخوان بـ”نزع الهالة عن حسن البنا”، أنها ستدفع الأجيال الجديدة إلى البحث عن هذه الشخصية، وهو ما ليس في مصلحة هذه الأنظمة، ولولا أن هناك شيئا ما في أعلى الرأس قد توقف، لتصرفوا كما تصرف الحزب الحاكم في مصر عقب تأسيسه في الموقف من الوفد!

فقبل مرحلة الحزب الوطني، كان حزب مصر العربي الاشتراكي، وإذ تقرر أن تصدر صحيفته “مصر”، فقد كان نظام السادات يرى أن “الوفد” هو الخطر على نظامه، وهو الذي كان لا يتذكر ثورة يوليو، وكونه من الضباط الأحرار، إلا في مواجهة هذا الخطر، فيرفض الإساءة للثورة، وهي التي سُحبت منها الحصانة بوفاة عبد الناصر، فصدرت الكتب التي تهاجم الرئيس الراحل، وتهاجم حركة الضباط، وحكم العسكر!

وقد انصب تفكير هيئة التحرير بجريدة الحزب الحاكم على الاستعانة بكتاب قديم، أصدره مكرم عبيد بعد انشقاقه عن الوفد ضد النحاس باشا، وحمل عنوان “الكتاب الأسود”، وذهبوا يبحثون عن الكتاب في كل مكان لإعادة نشره بالصحيفة!

ووجيه أبو ذكري عندها سأل صلاح قبضايا، رئيس تحرير “الأحرار” المؤسس، إن كان يملك نسخة من الكتاب، فبحث عنها، وعندما عثر عليها اتصل بزميله أبو ذكري، الذي وجد رده فاتراً، فقد عثروا على الكتاب، وتراجعوا عن إعادة نشره، وذلك لأنهم وجدوا أن نشره الآن يمثل دعاية للوفد، وليس خصومة تنال منه!

ففي العهد البائد (كما تقول دعاية الحكم الحالي)، قامت الدنيا بإعلامها وبرلمانها ضد فساد النحاس، الزعيم الوطني الكبير ورئيس الحكومة، وإذا بهذا الفساد يتمثل في شراء زوجته “زينب الوكيل” جاكت فرو من الخارج، ودون أن تدفع الجمارك المستحقة عليه، ومن أين للنحاس – وراتبه معروف- هذا المبلغ الكبير ثمن الفرو؟

والعدول عن إعادة النشر، يؤكد أن أصحاب القرار في صحيفة الحزب الحاكم كانوا مخلصين للنظام، وليسوا “خدماً للقمة عيشهم”، يطلقون السهام ولا يهمهم من تصيب، ولم يكن المهم عندهم أن يحصلوا على “يوميتهم” في نهاية اليوم!

لا بأس.. تقدموا!

4 التعليقات

  1. سليم من الاخر.

    مقال هردبشت من مستوى تفكير سليم عزوز المتواضع.، ليس له اي قيمة سليم عزوز مفروض يكونون جماعة السيسي حسب طريق تفكيره.

    الرد
  2. mahmoud Ali

    مقال جيد وموزون.. نعم آفة القائمين على تلميع أحذية النظام الجاثم على صدور المصريين أنهم يراعون لقمة عيشهم لا التأسيسي لنظام فكري على غرار الناصرية والأتاتوركية.. لذلك نستبشر أن هذه المرحلة ستنتهي بنهاية من على رأس السلطة.. أيا كان شكل النهاية!

    الرد
  3. عطية الويشي

    مقال موضوعي من صاحب قلم يجتهد في كتابة ما يمليه عليه ضميره المهني وما توحي به إنسانيته من تسجيلات الشموخ في زمن الانكسارات..،

    الرد
  4. احمد البيه

    الأجير سليم عزوز الاحف
    الاولى وصف
    والثانية لقب
    الله يرحم مصطفي كامل مراد وصلاح قبضايا ووحيد غازى
    دائما نصبة الشاى للحزب ومنادى سيارات أمام الحزب مهنة له برؤية لهم والوحيد من أعطى له فرصة بالصحافة مصطفى بكرى حيث كان بكرى رئيس تحرير جريدة الاحرار فأعطى لهذا الأجير الاخف فرصة عمل بالقطعة يعنى مصطفي بكرى افضاله على هذا الأجير

    الرد

إرسال تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تابعنا على حساباتنا

مقالات أخرى

تاريخ القراءة وسيرة مجانين الكتب

تاريخ القراءة وسيرة مجانين الكتب

من الكتب التي بَهَرتني في بدايات دخولي عالم القراءة كتاب "تاريخ القراءة"، للمؤلف الأرجنتيني ألبرتو مانغويل؛ دلَّني عليه صديقي يوسف عبد الجليل، وقرأته أكثر من مرة، وصوَّرت نسخةً غير شرعية منه في مكتبة كانت تطبع الكتب في طنطا. وقد عُدت إليه مؤخرًا وأنا أفكر في سر جماله،...

قراءة المزيد
لا تخدعنَّك مظاهر التقوى!

لا تخدعنَّك مظاهر التقوى!

في الحكايات الشعبية لبلاد الفرس، أن صيادًا كان يصطاد الطيور في يوم عاصف، فجعلت الريح تُدخل في عينيه الغبار، فتذرفان الدموع! وكان كلما اصطاد عصفورا كسر جناحه وألقاه في الكيس. وقال عصفور لصاحبه: ما أرقه علينا، ألا ترى دموع عينيه؟ فرد عليه الآخر: لا تنظر إلى دموع عينيه،...

قراءة المزيد
الضحالة والمعرفة السائلة

الضحالة والمعرفة السائلة

عُرف الفيلسوف وعالم الاجتماع البولندي زيجمونت باومان (١٩٢٥-٢٠١٧)م، بأنه صاحب مصطلح السيولة، التي أصدر تحتها سلسلته الشهيرة السيولة، من الحداثة السائلة والثقافة السائلة والحب السائل، والشر السائل والأزمنة السائلة والمراقبة السائلة، وهلم جرا من سيولات باومان المثيرة،...

قراءة المزيد
Loading...