احتكار السنوار.. حصرياً!
بقلم: سليم عزوز
| 20 أكتوبر, 2024
مقالات مشابهة
-
السياسة الخارجية للرئيس ترامب تجاه الشرق الأوسط
لم تمرّ إلا ساعات فقط بعد إعلان الرئيس الأمريكي...
-
“العرب العثمانيون”.. كيف جسّد الإسلام عمومية النظام السياسي لجميع الأعراق؟
خلال زيارتي لنائب مدير جامعة السلطان محمد الفاتح...
-
في موقعة أمستردام.. لم تسلم الجرّة هذه المرة !
تقول العرب في أمثالها: "ما كل مرة تسلم الجرة".....
-
عمر بن عبد العزيز والتجربة الفريدة
حين ظهرت له أطلال المدينة المنورة، أيقن الشاب...
-
هيكل: حكايات من سيرة الأستاذ الكاهن (2)
هيكل والسادات مضت السنوات وابتعد محمد حسنين هيكل...
-
أعرني قلبك يا فتى!
أعرني قلبك يا فتى، فإن الأحداث جسام، والأمور على...
مقالات منوعة
بقلم: سليم عزوز
| 20 أكتوبر, 2024
احتكار السنوار.. حصرياً!
حالة الاستقطاب التي تشهدها مصر، تجعل طرفاً بعينه يسعى لاحتكار المواقف الشجاعة، ولا يزاحمه فيها أحد! فإن حدث هذا التزاحم في قضية ما، كان لابد من تفخيخ الآخر أو تفجيره، وكل له في مدح النبي غرام، كما يقول المثل المصري، فليسوا سواء!
فهناك من يريدون استغلال الموقف من الانقلاب العسكري، في الانتصار للفهم الديني الخاص بهم، وهناك من يستكثرون على الخصم السياسي أن ينسب إليه موقفاً مجيداً، وكأنه الشيطان الذي لا يفعل صالحاً قط، وكأنهم هم الملائكة الذين لا يعصون الله ما أمرهم، ويفعلون ما يؤمرون!
الأزهر والسنوار
وقد انسحب هذا على الموقف من القضية الفلسطينية، وشاهدناه جلياً في قضية اغتيال الشهيد يحيى السنوار، فبدوا كما لو كان الأمر خاصاً بالفئة الناجية، والتي تحتكره، وليس شأناً عاماً من حق الآخرين مشاركتهم في ذلك، فإن فعلوا فلا شك أنها المؤامرة، ولا ريب أنه المخطط الذي يستهدف إدخال الغش والتدليس على الناس، لتعود ثقتهم بهذه الشخصيات.
وهناك سلفية ترفض الأزهر كمرجعية دينية، باعتبار أن لها مرجعية تريدها أن تسود، وقد مثلت صورة شيخ الأزهر في مشهد الانقلاب رمية لهم بدون رامٍ. إذاً، فليكن هذا هو المنطلق لصرف الناس عنه، وكلما وقف الرجل موقفاً في القضية الفلسطينية- وهي قضية جامعة- شككوا فيه، ولم يهتموا بوضوح موقفه، أو قوة طرحه، أو عظيم انحيازه، فيطالعون بياناته بعين المتربص؛ وعين الرضا عن كل عيب كليلة، لكن عين السخط تبدي المساويا!
وقس على هذا الموقفَ من التصوف والمتصوفة؛ إنه يبدأ من الموقف السياسي باعتبار أن الطرق الصوفية منحازة للحكم القائم، ومن ثم فهذا مدخل مهم لاستباحتها، بما في ذلك صوفية النخبة، وصوفية العامة، والتعامل على أنها صوفية واحدة، تعبد المقابر وتطوف حول الأضرحة!
ولا مانع من أن يكون الاندفاع في تسفيه شخص هو الموقف السياسي لاستباحته على طول الخط، والشيخ محمد حسان نموذجاً؛ فيسألون عن موقفه من قضية السنوار، فإذا ألقى خطبة قوية في رثائه، قالوا إنه ينصاع لتوجيه أمني صدر له.
وهناك من أدهشهم موقف من يقف في الاتجاه السياسي المعاكس لهم، عندما ينحازون بقوة للمقاومة الفلسطينية، فكيف يجمعون بين الانحياز للسلطة القائمة وبين نعيهم للشهيد يحيى السنوار؟ وهؤلاء يحتاجون إلى توضيح الأمر لهم، بيد أن من إشكالات منصات التواصل الاجتماعي، أنها جعلت الجميع خبراء في السياسة، ويتكلمون في وقت واحد، وكلما تذكرت من قالوا باستخدام هذه المنصات لنشر الوعي، ترتسم على وجهي ابتسامة ساخرة!
البعض يرون أن القيمة في الندرة، ولا يمكنهم تخطي الرقاب وتصدر المشهد، إلا إذا احتكروا مثل هذه المواقف.. فماذا لو انطلق كثيرون ينعون السنوار، ويؤيدون المقاومة، وينحازون للنضال الفلسطيني، ولا يتم تمكينهم من الانفراد بكل المواقف النظيفة، وحتى في المواقف السياسية الأخرى؟ فإن سلاحهم هو التشكيك إذا وقف أحدهم موقفاً شجاعاً وتقدم عليهم خطوة. ألم يشككون في إعلان أحمد الطنطاوي منافسته في الانتخابات الرئاسية الماضية، كما شككوا في موقف العقيد أحمد قنصوة، الذي اتخذ القرار نفسه في الانتخابات السابقة عليها؟ إن هؤلاء يفعلون من باب التمثيل، وأنهم مدفوعون لذلك، فإذا تحركت السلطة وبطشت بهم، فلا كلمة تقال، ولا اعتراف بالخطأ!
وتبدو الرغبة في الحرص على الندرة في المواقف، كما لو كنا على بعد خطوات من نصر الله والفتح، وأننا بعد قليل سنكون على موعد مع توزيع الغنائم، ومن ثم يكون حظهم أوفر، إن استمرت المواقف النظيفة من حظ فئة قليلة!
عندما تملك البعض الإحساس أن ثورة يناير ستنتصر، وجاء البرادعي إلى ميدان التحرير ذات مرة، فإن شباباً كانوا في غضب ويسألون: ما الذي جاء بهذا العجوز إلى هنا؟ إنه يريد أن يسرق الثورة!. إذ تملكهم الإحساس بأنهم عندما ينسجمون مع خطاب إعلام مبارك بأنها مظاهرات للشباب، فإن هذا يضمن لكل واحد منهم جزءا من الغنيمة، إذا نجحت الثورة، أو يؤهلهم للحوار مع السلطة إذا فشلت، فإذا جاء هذا العجوز، فقد يحتكر هو وأمثاله من العجائز تمثيل الثورة في الحالتين!
موقف الأزهر.. أين الاسم؟
لقد كان موقف الأزهر سباقاً؛ ففي اللحظة الأولى لإعلان اغتيال السنوار كان جاهزاً ببيانه الذي مجد فيه المقاومة، وحيّا الشهداء، وأسس للشرعية الدينية لمن يقاتلون دفاعاً عن أرضهم في فلسطين، وإن لم يذكر اسم السنوار، فإن التوقيت يوضح أن استشهاده هو الدافع للبيان!
فتركوا قوة البيان، ليكون ما لفت انتباههم أنه لم يذكر اسم السنوار صراحة، وربما كان السبب في عدم ذكر اسمه أن البيان صدر بعد الإعلان الإسرائيلي مباشر بتصفية الرجل، وقد فعلنا نحن وكانت تعليقات بعض المعلقين أن لماذا تتبنون الراوية الإسرائيلية، ولم يصدر من حركة حماس بيان بتأكيد الأمر؟ ولو فعل الأزهر، لعابوا عليه تسليمه بالرواية الإسرائيلية!
وبدا أن هناك رغبة حقيقية للتغطية على البيان وشجاعة مدلوله عبر سؤال الاسم، لكن عندما صدرت جريدة “صوت الأزهر”، التي تصدر عن المشيخة، كان البيان الفلسطيني باغتيال السنوار قد صدر، ومن ثم فقد نشر البيان متضمناً صورة تعبيرية للشهيد السنوار، وهو يلقي بعصاه على الدبابات الإسرائيلية، بينما يده الأخرى تنزف دماً. وفي اعتقادي أن التشكيك سيتواصل، لأن النية مبيتة على ذلك، حتى لا يحسب أي موقف شجاع للشيخ، ما يعزز كونه المرجعية الدينية الأولى للمسلمين السنة في العالم، وقد فشلت كل المحاولات لاستحداث شرعيات بديلة، أُنفقت عليها أموال قارون!
لقد أذيع بالأمس (السبت) موقفان لشخصيتين دينتين على نقيضين تماماً؛ أحدهما (الصوفي) عبد الغني العقالي، الذي نعى السنوار في خطبة الجمعة في اليوم السابق، والثاني بيان لـ (السلفي) الشيخ محمد حسان، كما صدر بيانان أحدهما من نقابة الصحفيين، والثاني من نقابة المحامين، أشادا بالمقاومة ونعيا رمزها القوي. ولإفساد هذه المواقف على أصحابها، قالوا إنها التوجيهات الأمنية لهم للقيام بذلك، والبعض أرجع هذا التحول في المواقف إلى رئيس جهاز المخابرات المصرية الجديد!. هكذا هو الخبط العشوائي، الذي يسحب قيمة من شخص، فيمنحها لنظام حكم هو معاد له؛ فيثاب السيسي رغم أنفه!
وقد أذهل البعض نعي هذا الشخص أو ذاك، ومثل هذا الإعلامي أو ذاك، ومثل لميس الحديدي ومصطفى بكري، وحمدين صباحي، حيث نعوا السنوار وانحازوا للمقاومة، فأدهشهم ذلك، فلا بد من التعزيز من مقولة التوجيه الأمني، وربما الرئاسي!
وأصحاب هذه التوجه ليسوا بالضرورة جميعهم ممن قللوا من قيمة مواقف حسان والعقالي، بأن الدافع هو فقط التوجيه الأمني، ولكن لأنهم حديثو عهد بالسياسة وأهلها!
اليسار والمقاومة:
فالمقاومة ليست شأناً يخص الإسلاميين أو فريقا منهم، والقضية الفلسطينية شأن لتيارات شتى، وقبل أن تحدث فتنة أوسلو وما بعدها كان من يرفعون لواء القضية هم أهل اليسار، وكانت وطنية المصري لا تكتمل إلا بالعداء لإسرائيل، والانتفاضة الفلسطينية الأولى لم تشارك فيها حركات المقاومة الإسلامية!
وقد كنا في زمن ولى لا ندرج الموقف ضد إسرائيل ضمن النضال السياسي، ودائماً كنا نقول إن الهجوم على إسرائيل نوع من النضال المجاني، وعلى مدى ثلاثين سنة من حكم مبارك؛ فمثل هذه المواقف لم يكن النظام يؤاخذ السياسيين عليها، حتى الذين هم من شيعته، فلا ضريبة تدفع، ولا جزاء يوقع!
وقد كانت المنابر الرسمية عند أي عدوان إسرائيلي تسمح بالإدانة، ومنها منبر الجامع الأزهر، لكن مشكلة مبارك كانت المظاهرات، لاسيما إذا خرجت للشارع، فقد كانت لديه عقدة من مظاهرات 18 و19 يناير 1977، التي كادت تنهي حكم الرئيس السادات!
وصار الموقف حساساً بدخول الإسلاميين على خط المقاومة، ضمن رفضه العام لهم، وامتد ذلك لحزب الله في لبنان، مع كونه شيعيا، لأنه كان يرى أي انتصار على أيدي هذه القوى يمكن أن يضع نظامه في حرج!
وعلى العموم، فلم يكن الموقف من إسرائيل والهجوم عليها، مما يكفي وحده لتربصه بمعارض، أو الانتقام منه، ولهذا تبنت وزارة الثقافة الدعوة لرفض التطبيع، وإن طبعت وزارة الزراعة!
ولا شك أن الموقف الرسمي تغير الآن عما كان عليه الحال في عهد مبارك للأسوأ، ولا يمكن أن يصدر توجيه بالنعي، وإلا فلماذا اقتصر التوجيه الأمني على نفر قليلين، فلم يفعلها وزير الأوقاف، ولم يفعلها شيوخ كثيرون، ليقع الأمر ضمن دائرة الاستثناء؟!
إذا استبعدنا نعي شيخ الأزهر، لأنه متسق مع بياناته الكثيرة السابقة منذ طوفان الأقصى، وعلى مدى عام كامل، وإذا استبعدنا كذلك موقف نقابة الصحفيين لأني أعرف خط سير النقيب ومجلسه، بل إذا استبعدنا حتى موقف مصطفى بكري لأنه يتسق مع توجهه العام، فهل يمكن أن يكون نعي هذا الإعلامي أو ذاك، أو هذا الشيخ أو ذاك، أو نقابة المحامين أيضاً، بتوجيه أمني؟!
إن التأكيد على أن توجيهاً سياسياً أو أمنيا صدر، يمثل رصيداً لصالح النظام، فهل يستهدف المشككون ذلك؟!
لا أعتقد، بيد أنهم في احتشادهم لنزع قيمة الموقف من أصحابه، ضربوا ضرباً عشوائياً لا يدرون معه أنهم منحوا جائزة للسيسي، الذي لا يمكن- ولأسباب كثيرة- أن يرى شهادة السنوار أو انتصار المقاومة في صالح مشروعه الخاص! إنما ماذا حدث؟!
قد يقع الأمر في دائرة “عدم الممانعة” في الموقف من جانب هذا الجهاز الأمني أو ذاك، لأنه إذا افترضنا أن النعي كان بتوجيه، فهل يعمل أحمد موسى بدون أن يوجهه أحد، بل وضد هذا التوجيه، عندما يهاجم الذين وصفوا السنوار بـ “الشهيد”، وأن الشهادة حصريا امتياز لضباط الجيش والشرطة؟!
إنه مرض الاستقطاب، فتدين أحداً لتضيف لرصيد من ليس منك، وتتهم هذا وذاك بالعمل وفق توجيهات، فتنصر السيسي، وتتهم الشيخ حسان بأنه عميل للأمن، فيتحول أحمد موسى إلى مقاومة!
انظر كم أنت محاصر!
1 تعليق
إرسال تعليق
تابعنا على حساباتنا
مقالات أخرى
وقد استجاب القضاء لدعوة الرئيس.. ماذا ينتظر المستأجرون؟!
ذكّرني القول إن المحكمة الدستورية العليا في مصر استجابت لدعوة الرئيس في إصدار حكم، بما مضى. فدائما تذكّرنا القدرات المتواضعة الآن بعهد الرئيس مبارك، فلا يعرف قيمة أمه إلا من يتعامل مع زوجة أبيه، وكثيرون صار شعارهم "رُبّ يوم بكيت منه، فلما مضى بكيت عليه". ولست من هؤلاء...
السياسة الخارجية للرئيس ترامب تجاه الشرق الأوسط
لم تمرّ إلا ساعات فقط بعد إعلان الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب نيته تعيين حاكم أركنساس السابق "مايك هاكابي" ليكون سفيرًا للولايات المتحدة لدى إسرائيل وهو المعروف بدعمه منقطع النظير للاستيطان، خاصة في الضفة الغربية التي يعتبرها جزءاً من أرض الميعاد كما يقول،...
“العرب العثمانيون”.. كيف جسّد الإسلام عمومية النظام السياسي لجميع الأعراق؟
خلال زيارتي لنائب مدير جامعة السلطان محمد الفاتح في إسطنبول، البروفيسور المؤرخ زكريا كورشون، كنت أتحدث معه عن آخر إصداراته، فحدثني عن كتابه "العرب العثمانيون"، ومقصد الكتاب تبيان عمومية النظام السياسي في الإسلام لجميع الأعراق والأجناس في ظل الدولة الواحدة . فالإسلام...
من كان همه الإصلاح والبناء فسوف يسعد بكل يد تمتد للمشاركة، بصرف النظر عن الدوافع والنيات.. ومن كانت غايته الظهور والوجاهة فسوف يسعى للانفراد بالمواقف حتى لو ضاعت الأصول والمبادئ.