الإخوان المسلمون.. هل يتجرعون السم؟!

بقلم: سليم عزوز

| 25 أغسطس, 2024

بقلم: سليم عزوز

| 25 أغسطس, 2024

الإخوان المسلمون.. هل يتجرعون السم؟!

في وقت متأخر من يوم أمس السبت، 24 أغسطس/ آب، أذاعت جماعة الإخوان بياناً، هكذا يبدو للوهلة الأولى، وعند الاستغراق في قراءته تكتشف أنه تصريح للدكتور حلمي الجزار، مسؤول القسم السياسي بالجماعة، يبدو فيه أنه يعلق فيه على شيء نُشر، لم يذكره، حيث طلب تحري الدقة، فهل يقصد موقع قناة “العربية”، الذي أذاع أن الجماعة أطلقت مبادرة جديدة، تعلن خلالها اعتزال العمل السياسي مقابل الإفراج عن المعتقلين؟!

ولا نعرف إن كان هذا المنشور في موقع “العربية” وغيره- ربما نقلاً عنها- قد جاء استناداً إلى شيء أم إنه هكذا من “الباب للطاق”، فالتصريح المنسوب للدكتور الجزار لم يذكر شيئاً من هذا!

لكن هذا الطلب من وسائل الإعلام بتحري الدقة سبقته نقاط محددة عن اتجاه الجماعة، لا نعرف إن كانت مبادرة أم مجرد فضفضة، وبدا لي أنني لم أعد أتابع أخبار الجماعة، لأن النقطة الأولى في البيان تشير إلى بيان سابق، فالجماعة متمسكة بموقفها بعدم المنافسة على السلطة، وأن هذا لا يعني الانسحاب من العمل السياسي، مع الترحيب بأي مبادرة جادة في سبيل تحرير المعتقلين!

قيمة حلمي الجزار:

وإذ طالعت البيان عبر منصة الجماعة على “X”، فقد تابعت التعليقات لعلي أقف على فهم ما يجري، وقد راعني أنها دارت حول الانتقاص من قدر د. حلمي الجزار، والبعض سأل: من يكون؟. ولا نعرف إن كان سؤالاً يقود إليه عدم العلم بالرجل وقدره، أم إنه من باب الإنكار! وإذ مكَّنت منصات التواصل الجميعَ من الإدلاء بالرأي في السياسة، وفي كل قضايا الحياة، فقد نتج عن هذا حالة من الفرعنة، ممن ينكرون أعلاماً؛ كالهر يحكي انتفاخاً صولة الأسد!

وكلما مرت بي هذه الحالات، تذكرت ما كان يكابده رموز التيار الإسلامي بمصر في مرحلة ما كان يسمى بالصحوة الإسلامية، عندما ينكرون شيوخهم ويتطاولون عليهم، وقد تطرقت لذلك مع الشيخ عبد الله السماوي، ولا زلت أذكر له مقولته: “إن كل شاب نبتت له لحية يريد أن يكون أميراً.. وربما أميراً للمؤمنين”!.

الآن انتقل الأمر إلى عالم السياسة، فصار كل صاحب صفحة يعتقد في نفسه أنه صاحب وجهة نظر ومن حقه الاختلاف والافتاء في شؤونها، فإذا لم يعجبه رأي أنكر صاحبه- دون نقاش الرأي نفسه- إلى درجة التحقير، ولهذا يسأل أحدهم: من يكون حلمي الجزار هذا؟ مع أن الرجل كان علماً بينما كان هو “اللفة”، أو نطفة أمشاج تخرج من بين الصلب والترائب!

كنت صبياً عندما سمعت اسمه لأول مرة، وكان من ذكره هو رئيس الدولة، لعله في الخطاب الأخير للرئيس السادات، وهو يعيد ويزيد في حلمي الجزار (هكذا بالاسم)، أمير أمراء الجماعة الإسلامية (هكذا بالصفة).

فلننتقل من الشخص إلى “المبادرة”، إن صح التعبير، ولا أنكر أن فيها قدراً كبيراً من المصداقية، فالرجل يؤكد على ما قد سلف، وهو عدم المنافسة على السلطة، ومن الواضح هنا أنه يقصد عدم المنافسة على منصب رئيس الدولة، وهو هنا لا يناور، فالإجماع يكاد يكون منعقداً داخل الجماعة على أنّ قرار خوض الانتخابات الرئاسية كان خاطئاً، ولولا التحفظ- وهو سمة الجماعة- والضريبة التي دُفعت، لظهر هذا الرأي للعامة.

الإخوان والسياسة:

والذي يقطع بأنه ليس مناورة، هو القول بأن عدم المنافسة على السلطة والتمسك بهذا الاتجاه لا يعني أبداً الانسحاب من العمل السياسي!

فمثلي يدرك أن من يطلب من جماعة الإخوان مقاطعة السياسة هو مكلف الأمور غير طباعها، وقد عاش الإمام البنا وهو يحمل بداخله كراهية للنحاس باشا لأنه حال بينه وبين المنافسة على الانتخابات، مع أنه تركه يتحرك في البلد من أقصاه إلى أقصاه ناشراً دعوته، وبدا لي أن الشيخ محمد الغزالي فشل في إقناعه بقبول الرجل، فانطلقت الجماعة على إثر هذا في حالة عداء واضح مع الوفد!

إنهم لا يجابهون قوة الدولة إن منعتهم من ذلك، لكنهم يقفون على الرصيف في انتظار الفرصة، فانتهزوها في دورة (1984-1990)، وعندما كان القرار الرئاسي بمنعهم من برلمان 1995، ابتعدوا عن المناكفة السياسية، فلم ينجح لهم سوى نائب واحد هو “علي فتح الباب”، بسبب تحالفه مع وزير الأوقاف محمد علي محجوب، المرشح على فئات بالدائرة ذاتها، ودفع الوزير منصبه ثمناً لهذا التحالف، وموضوعه شرحه يطول، ويمثل خروجاً عن الموضوع!

لقد سمحت السلطة- أو لم تمانع- فخاضوا الانتخابات البرلمانية سنة 2000، ثم كانت الحركة الكبرى في 2005، وعندما قررت السلطة عدم السماح لهم بالعودة في انتخابات 2010 التزموا بيوتهم، وإذ تابعت الانتخابات عبر المراسلين، في دوائر المحافظات، فقد كان الإجماع على أنهم لن يخرجوا ولو لإثبات الحضور، وإذ سافر الزميل معوض جودة لتغطية الانتخابات لصالح الجزيرة، وربما بي بي سي، في الدائرة التي من المقرر أن تشهد سخونة غير معتادة، وهي دائرة سعد الكتاتني في محافظة المنيا، فقد أبدى لي دهشته لحضور البلطجية وغياب الإخوان، وأنه اتصل هاتفياً بالكتاتني، الذي أخبره أنه في منزله لن يبرحه، وليهنأ الحزب الوطني بمجلس الشعب!

إن الذي يطلب من الإخوان الابتعاد عن السياسة، كمن يطلب المستحيل، فإن وافقوا على ذلك، فهي المناورة التي لها ما بعدها، وسيكون قبولاً بحكم الأمر الواقع. وظني أن أجهزة الأمن الدائمة مع تغير شخص الحاكم، تراكمت لديها الخبرة في ذلك، ومن ثم لن يصدقوا أي كلام يعني اعتزال السياسة، ومن يقول ذلك من الجماعة فإنه يكون متحرفاً لقتال.. أعني القتال السياسي لا الحربي!

مبادرة سابقة:

وفي ولاية مهدي عاكف، كان معروضاً على الإخوان عرض لا يرفض، هو قريب من عرض النحاس باشا؛ الابتعاد عن السياسة لمدة عشر سنوات، مع ترك حرية الحركة لهم للدعوة، ومن الواضح أن العرض رُفض.. فتصرفت السلطة على قاعدة “بيدي لا بيد عمرو”، فهل كان الهدف تهيئة المسرح لتوريث الحكم، وأن يضمنوا ولاية هادئة لنجل الرئيس؟ يجوز!

كان الوسطاء عن أهل الحكم، قد عرضوا المبادرة على أحمد رائف صاحب “البوابة السوداء”، وربما ظنَّ الرجل أنه لا يرد له طلب، وهو من مثَّل كتابه دعاية للجماعة وما تعرضت له من تعذيب وتنكيل في عهد عبد الناصر، وقد صدرت طبعته الأولى في فترة مبكرة تقريباً.. سنة 1974، إن لم تخن الذاكرة!

ولم ندْرِ بشيء من هذا إلا وأحمد رائف يكتب ويصرح مهاجماً قيادات الجماعة التي رفضت عرضاً سخياً، وقال المرشد إنه لم يتلق شيئاً من هذا القبيل من رائف، وإنه يريد مبادرة مكتوبة ليناقشها، وتوترت الأجواء، وأرسلت الجماعة من يستمع لأحمد رائف، فلما عاد من هناك كتب أنه استقبله بـ “شورت”، وفي يده “سيجار”، واعتبرها رائف محاولة مقصودة لتشويهه!

ومهما يكن الأمر، فالذي دفع بالجماعة إلى حرق مصدر الدعاية الأول لها، بوصفه بـ “أبو شورت وسيجار”، هو أن تفسد الصفقة بمثل هذه المعارك، فقد تجد تجاوباً لها من أي صف داخل الجماعة!

تجرع السم:

فالجماعة تتجرع السم إن هي قررت الابتعاد عن السياسة، أما أمر المنافسة على منصب رأس الدولة فهو طارئ على مسيرتها، وبالتالي يسهل التنازل عنه!

وإن لم تجد غضاضة في أن تعلن هذا الموقف، فلأن ملف المعتقلين مهمّ، ويستحق أي تضحيات، ولو كان الثمن تعليق العمل بالسياسة لسنوات، وهو قد يكون مفيداً للنظام القائم، أن يضمن الابتعاد عن وجع الرأس، وإن كان النظام الأمني العتيق، لا يفكر – فقط – في اللحظة، ولا تحكمه – فقط – اللحظة الحالية، التي قد تشغل رأس الدولة الآن، ولو قال الإخوان إنهم يعتزلون السياسة تماما فسيكون هذا ليس عن إرادة حرة، وإذ فكر الإمام البنا في اعتزال السياسة وإرسال السياسيين لديه إلى الحزب الوطني القديم، فهو لافتة سياسية بدون جماهير، والجماعة جماهير تفتقد للافتة السياسية، فقد كان مضغوطاً بسبب الأزمات التي خلقها له النظام الخاص!

الإفراج عن المعتقلين ثمن يستحق التضحية، وإن من المؤسف أن الجماعة تقدم تنازلاتها في الوقت الغلط، وقد بددت الكثير من الفرص، منذ وقوع الانقلاب وحتى يناير 2015، لكن كانت هناك قضية تستحق النضال وهي قضية الشرعية. والآن، ما هي قضية الذين هم في السجون ليقضوا كل هذه السنوات هناك في ظروف اعتقال شديدة القسوة؟ وما هو المقابل للإفراج عنهم؟ هل هو فقط ضمان عدم منافستهم على السلطة، أو حتى الامتناع كلية عن ممارسة السياسة؟!

إطلاق المبادرة عبر وسائل الإعلام هو قمة البؤس، لأنه يعني أن الجماعة ليس لديها خطوط اتصال مع أي مستوى في السلطة، وهذا لا يجوز في حق التنظيمات الكبرى، كما لا يجوز في حق الدول، والمعنى -أيضاً- أن الجماعة ليس لها خطوط اتصال بالوسطاء الدوليين، وبالنظر إلى أزمة القوم مع عبد الناصر، وأزمتهم الحالية، سنجد في الأولى أن قادة دول تدخلوا لمنع إعدام سيد قطب مثلا، والآن لا أحد يتدخل ولو للإفراج عن المرشد وكبار السن من المعتقلين، ومن النساء؟!

فما معنى وجود من في الخارج إذا لم يسعوا في مناكبها، فلا تطلق المبادرات عبر المواقع في انتظار “رنة موبايل”، ولماذا تصرُّف القادة طيلة السنوات الماضية كما لو كانوا مجرد قائمين على جمعية استهلاكية؟

إنني لا أزايد على أحد، فتصفية ملف المعتقلين يستحق أي تنازل!

3 التعليقات

  1. المرزبان والرده مستحيلة

    يبدو انك تتجرع الوهم حين تظن ان الجماعه تملك اتخاذ القرارات وهى مخترقه فى كل مكان ومن كل اتجاه ويتم التلاعب بها وسوقها الى ما يريدون واعلم كاتبنا الكريم ان الجماعه متعدده الاخطاء متصلبه الراى عمياء لا ترى الواقع او الوقائع السابقه بكماء خرساء ليس لها صوت فاين منابرها واين رجالها واين تنظيمها مشلولة ليس لها القدره على الفعل او حتى رد الفعل واتمنى من المتشدقين بالحريه والديموقراطية والداعين الى خوض السياسه ان يفتحوا هذه الابواب لشباب الجماعه بدلا من سياسه الحجر التى تطبق داخلها. والسؤال هنا اين انتخابات الجماعه واجيب على إجابات القاده. انظروا الى حماس

    الرد
  2. عابر سبيل

    مجرد فرضية: لو فضو الجماعة تماما رح تتلخبط حسابات وأجندات بالهبل مستغلينهم شماعة

    (والحمدلله حبل الله باقي)

    الرد
    • اشرف ابو حسين

      اختلافنا ليس علي الأشخاص
      اختلافنا علي الأفكار
      وربما نتفق جميعا في حرصنا علي تحريك المياه الراكده وحلحله الوضع الحالي وعلي الإفراج عن المعتقلين لان كلنا تعبنا وعاوزين نرجع بيوتنا
      لكن الاختلاف في الأسلوب وطريقه التعامل مع نظام انقلابي مجرم لا يفهم لغه التسامح التي يتحدث بها د حلمي
      فهذا التسامح وهذة الطيبه لا تجدي مع مجرم خائن منقلب عسكريا مثل السيسي
      فإن كنت لا تملك لهم قوة فلا تريهم منك ضعف وانكسار
      ومش كل يوم تقول لهم انا مادد يدي مادد يدي
      ليك ٣ سنين بتقول مثل هذا الكلام ماذا حققت من نتائج ؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟

      الرد

إرسال تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تابعنا على حساباتنا

مقالات أخرى

وقد استجاب القضاء لدعوة الرئيس.. ماذا ينتظر المستأجرون؟!

وقد استجاب القضاء لدعوة الرئيس.. ماذا ينتظر المستأجرون؟!

ذكّرني القول إن المحكمة الدستورية العليا في مصر استجابت لدعوة الرئيس في إصدار حكم، بما مضى. فدائما تذكّرنا القدرات المتواضعة الآن بعهد الرئيس مبارك، فلا يعرف قيمة أمه إلا من يتعامل مع زوجة أبيه، وكثيرون صار شعارهم "رُبّ يوم بكيت منه، فلما مضى بكيت عليه". ولست من هؤلاء...

قراءة المزيد
السياسة الخارجية للرئيس ترامب تجاه الشرق الأوسط

السياسة الخارجية للرئيس ترامب تجاه الشرق الأوسط

لم تمرّ إلا ساعات فقط بعد إعلان الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب نيته تعيين حاكم أركنساس السابق "مايك هاكابي" ليكون سفيرًا للولايات المتحدة لدى إسرائيل وهو المعروف بدعمه منقطع النظير للاستيطان، خاصة في الضفة الغربية التي يعتبرها جزءاً من أرض الميعاد كما يقول،...

قراءة المزيد
“العرب العثمانيون”.. كيف جسّد الإسلام عمومية النظام السياسي لجميع الأعراق؟

“العرب العثمانيون”.. كيف جسّد الإسلام عمومية النظام السياسي لجميع الأعراق؟

خلال زيارتي لنائب مدير جامعة السلطان محمد الفاتح في إسطنبول، البروفيسور المؤرخ زكريا كورشون، كنت أتحدث معه عن آخر إصداراته، فحدثني عن كتابه "العرب العثمانيون"، ومقصد الكتاب تبيان عمومية النظام السياسي في الإسلام لجميع الأعراق والأجناس في ظل الدولة الواحدة . فالإسلام...

قراءة المزيد
Loading...