مسلسل تحجيم مصر.. عرض مستمر
بقلم: شيرين عرفة
| 10 أكتوبر, 2024
مقالات مشابهة
-
السياسة الخارجية للرئيس ترامب تجاه الشرق الأوسط
لم تمرّ إلا ساعات فقط بعد إعلان الرئيس الأمريكي...
-
“العرب العثمانيون”.. كيف جسّد الإسلام عمومية النظام السياسي لجميع الأعراق؟
خلال زيارتي لنائب مدير جامعة السلطان محمد الفاتح...
-
في موقعة أمستردام.. لم تسلم الجرّة هذه المرة !
تقول العرب في أمثالها: "ما كل مرة تسلم الجرة".....
-
عمر بن عبد العزيز والتجربة الفريدة
حين ظهرت له أطلال المدينة المنورة، أيقن الشاب...
-
هيكل: حكايات من سيرة الأستاذ الكاهن (2)
هيكل والسادات مضت السنوات وابتعد محمد حسنين هيكل...
-
أعرني قلبك يا فتى!
أعرني قلبك يا فتى، فإن الأحداث جسام، والأمور على...
مقالات منوعة
بقلم: شيرين عرفة
| 10 أكتوبر, 2024
مسلسل تحجيم مصر.. عرض مستمر
في سبتمبر/ أيلول عام 2010 تعرضت صحيفة الأهرام المصرية الحكومية لهجوم ضار بسبب تلاعبها في صورة تضم الرئيس الراحل “حسني مبارك”، حتى يبدو كأنه في مقدمة عدد من الزعماء الذين التقوا به في الولايات المتحدة الأمريكية آنذاك.
كانت الصورة الأصلية التي التُقطت في البيت الأبيض عندما تم الإعلان عن عودة المفاوضات بين السلطة الفلسطينية وإسرائيل، تُظهر الرئيس الأمريكي “باراك أوباما” في المقدمة وخلفه كل من رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس ورئيس الوزراء الإسرائيلي المتطرف “بنيامين نتانياهو”، ثم ملك الأردن “عبد الله الثاني” والرئيس “مبارك”.
ولا نعلم على وجه الدقة، أكان التلاعب بالصورة وتحريفها نوعا من التملق الرخيص من صحفيي الجريدة، تطوعوا به نفاقا للرئيس، أم جاء بتعليمات من الرئاسة المصرية رغبة منهم في تجميل صورة مبارك، والإعلاء من شأنه في عيون المصريين.
وبالنهاية، تبقى رغبة الحكام في تجميل صورتهم، وتعظيم شأنهم بين الرؤساء الآخرين، أمرا طبيعيا، وربما يحاول بعضهم فعل ذلك بالتزوير والتدليس.. لكن المحزن والعجيب، أن بلادنا ستشهد النقيض الصارخ لهذا النموذج، بعد سنوات قليلة من هذا الحادث الشهير.
ضجة كبيرة شهدتها مواقع التواصل الاجتماعي عقب الفيديو المؤسف الذي ظهر فيه الرئيس المصري “عبد الفتاح السيسي”، والذي وصل إلى الحكم في بلاده عبر انقلاب عسكري، أثناء وقوفه منحني الظهر، مطأطئ الرأس، في مظهر مهين، أثناء استقباله رئيس دولة الإمارات الشيخ “محمد بن زايد آل نهيان”، في زيارة الأخير إلى القاهرة في الثالث من أكتوبر/ تشرين الأول الجاري.
وقد شهدت الزيارة، حضور الرئيس الإماراتي حفل تخرج دفعة جديدة من ضباط الكلية الحربية، بدعوة رسمية من “السيسي”، وحضر معه قادة الجيش المصري، والمسؤولون والوزراء، لكن احتفاء السيسي بضيفه، كان خارجا تماما عن المألوف، ومختلفا عن كل قواعد البروتوكول المتعارف عليها، حيث وجه الشكر والتحية لحاكم الإمارات، بشكل متكرر وغريب، وبطريقة أشبه بما يحدث في الأفراح المصرية بالمناطق الشعبية الفقيرة.
أعرب المصريون عن دهشتهم من رغبة السيسي الملحة والمتواصلة، في إظهار خضوع مُبالغ فيه، يصل في بعض الأحيان إلى التذلل والانسحاق أمام حكام البلاد الآخرين..
تعج ذاكرة الشعب المصري بأحداث مخجلة، حطم فيها السيسي القواعد الدبلوماسية التي تحكم وظيفته كرئيس للبلاد، ومعها كرامة مصر ومكانتها وصورتها في أعين الجميع، وذلك منذ اللحظة الأولى لانقلابه العسكري، في يوليو/ تموز عام 2013، وحتى قبل انتخابه رئيسا، حيث جاءت الزيارة الخارجية الأولى له إلى روسيا، لترسم معها ملامح فضيحة، شكلت صدمة في عقول المصريين.
ففي شهر فبراير/ شباط من العام 2014، نقلت لنا عدسات الكاميرات مشهدا للمشير “عبد الفتاح السيسي” في روسيا، وهو يرتدي معطفا رياضيا، تعلوه نجمة حمراء (رمزا للشيوعية) أهداه له الرئيس الروسي “فلاديمير بوتين”، وذلك خلال لقاء جمعهما في العاصمة الروسية موسكو، تفجرت على إثره موجة من السخرية والجدل الكبيرين، وتساءل المتابعون عن سبب ارتداء السيسي لهدية أُعطيت له خلال الزيارة، خاصة وقد شوهد من قبل أحد حراس الرئيس بوتين وهو يرتدي معطفا مطابقا له.
وتعجب كثيرون من نوع الهدية التي كانت مخالفة لكل الأعراف والبروتوكلات المعتادة بين المسؤولين، والتي لا تخرج عن كونها أوسمة أو نياشين أو هدايا تذكارية، بينما كانت مع السيسي قطعة ملابس، أُجبر على ارتدائها في أثناء الزيارة، وتساءل المصريون في حيرة عن أسباب قبول السيسي لذلك الموقف المهين، ورأوا أن الإهانة هنا لا تنحصر في شخص وذات الرئيس، بل تتخطاها لتشمل البلاد التي يمثلها في تلك الزيارة.
وكان المشهد الأكثر إيلاما وإهانة للمصريين، هو مشهد صعود السيسي إلى طائرة الملك السعودي الراحل “عبد الله بن عبد العزيز” في سابقة لم تحدث من قبل، وأثارت وقتها غضبا كبيرا؛ فعقب أيام قليلة من الانتخابات الرئاسية التي عُقدت في شهر يونيو/ حزيران 2014، وتنصيب السيسي رئيسا لمصر، قرر العاهل السعودي “عبد الله بن عبد العزيز” القيام بزيارة خاطفة إلى مصر، بعد عودته من دولة المغرب، وفي طريقه إلى المملكة، لكن الملك السعودي- لسبب لا نعلمه- أبى النزول من طائرته، فصعد إليه السيسي، مُقبّلا رأسه ومبالغا في الحفاوة به، ثم جلس منزويا على كرسي جانبي، وظهر في المقاطع المصورة لهما، وهو يتزلف إلى الملك بقوله “يا كبير العرب، يا حكيم العرب”.. ولم تدم الزيارة أكثر من نصف ساعة، عاد بعدها السيسي أدراجه، وهو يجر معه كرامة مصر سحلا فوق سلالم الطائرة.
مشهد مؤلم، حُفر بالخناجر في ذاكرة المصريين، وكان بمثابة إيذانٍ بعصر جديد، تتشكل فيه ملامح مصر ومكانتها بين أشقائها على مقاس الرئيس المنقلب، الذي يشعر بأنه صنيعة الدول الخليجية التي دعمته ومولته، وأنفقت عليه.
ويكفي أن تعود بالزمن قليلا إلى الوراء، وتستعرض ما حدث في يناير/ كانون الثاني عام 1946، حينما أمر ملك مصر الراحل، الملك فاروق، بإبحار يخت “المحروسة” المصري إلى ميناء جدة بالسعودية لإحضار الملك المؤسس للسعودية، عبد العزيز آل سعود، الذي أراد زيارة مصر حينها، وتقارن بينه وبين صعود السيسي لطائرة ابنه (الملك عبد الله)، في هذا الموقف المخجل والمشين، ليتبين لك حجم التردي والانحدار الذي هوت إليه مصرُنا.
والعجيب أن السيسي لا يأنف من ذكر علاقة تبعيته لدول الخليج، وبخاصة السعودية والإمارات، ولا يكف عن الحديث عما حصل عليه من دعم منهما.
ولا تفوتنا الصورة الشهيرة شديدة الغرابة، للسيسي وابن زايد، وهما يتشاركان بالأيدي في تقطيع قالب حلوى، وقد ظلت لأيام، مثار تندر وسخرية بين العرب والمصريين؛ ففي 11 مارس/ آذار عام 2015 وصل الشيخ محمد بن زايد إلى مصر، وكان وقتها وليا لعهد “أبو ظبي”، ففوجئ بتجهيز السيسي مفاجأة له، وهي الاحتفال بعيد ميلاده داخل القصر الجمهوري، حيث أعد له قالب حلوى ضخما، وطبع عليها صورته، وعلم الإمارات، ثم نثر على جنباته الكثير من أوراق الورود الحمراء، وقد التُقطت لهم الصور الحميمية أثناء تقطيع الحلوى، بوضع أياديهما بعضها فوق بعض، والتي اعتبرها كثيرون صورا صادمة، ومهينة إلى أبعد الحدود لمكانة مصر ومنصب رئيسها.
إن الحديث عن المواقف التي مر بها السيسي منذ انقلابه، والمخالفة لقواعد الدبلوماسية والأعراف الرسمية و”البروتوكول”، تحتاج منا إلى عشرات التقارير والمقالات، ولا يتسع الوقت لذكرها، بعضها نتج عن استهزاء الحكام الآخرين به، مثل موقف رئيس الوزراء الإيطالي “ماتيو رينزي” في المؤتمر الصحفي المشترك بينهما في نوفمبر/ تشرين الثاني 2014م، حين رفض وضع سماعات الترجمة على أذنه، وانشغل طوال كلمة السيسي بالعبث في هاتفه أو النظر خلفه وتفحص الحوائط والجدران، للتأكيد على عدم اهتمامه بما يقول.. وقد وصفت الصحف الإيطالية السيسي بوصف خالٍ من الدبلوماسية، حين قالت إنه كان أخرق أثناء لقائه ببابا الفاتيكان.
ومنه كذلك الاستقبال المهين له في رواندا أثناء حضوره القمة الأفريقية في يوليو 2016، حيث لم يستقبله أحد من المسؤولين الروانديين، ولم يجد سوى العاملين لديه في السفارة هناك، وكذلك تجاهله من الرئيس الأمريكي الأسبق “باراك أوباما” في قمة العشرين في سبتمبر/ أيلول 2016، بعد اصطفافه انتظارا لمصافحته.. وغير ذلك الكثير والكثير من المواقف التي تُظهر استهانة حكام الدول الأخرى به، ومواقف أخرى تطوع فيها السيسي لإهانة نفسه أمام ضيوفه الرسميين، بزعم تواضعه لهم.
وفي كل الأحوال، نجد أن السيسي قد ارتضى بتلك الإهانات والمواقف المشينة، واستقبلها بصدر رحب، وقد تعتقد أن ذلك ينبع فقط من إحساسه بالدونية، وشعوره بعدم أحقيته بالمنصب الذي وصل إليه من خلال انقلاب عسكري، لكنك حين تتذكر عباراته التي تفنن بها في إهانة مصر، وتقزيمها والتحقير من شأنها، حيث وصفها بأنها “أمة العوز”، و”الدولة الفقيرة”، و”الدولة الكُهن”، و”شبه الدولة”، و”أشلاء الدولة”، و”الدولة التي عرّت كتفها، وكشفت ظهرها”، كما وصفها في شهر مارس/ آذار الماضي في إحدى خطبه، حين أقسم بالله على أنها لم تكن دولة على الإطلاق، وأنها كانت “أي حاجة”، وأنهم (أشخاص لم يُسمهم) قالوا له “خُد دي”، في إشارة إلى مصر، بوصفها نكرة لا قيمة لها، ما يجعلنا لا نستبعد على الإطلاق، أن السيسي ربما يتعمد فعل ذلك، إمعانا في التحقير والتقليل من شأن مصر، أمام العالم وفي عيون أبنائها.
لله الأمر من قبل ومن بعد.
كاتبة صحفية وباحثة سياسية
3 التعليقات
إرسال تعليق
تابعنا على حساباتنا
مقالات أخرى
وقد استجاب القضاء لدعوة الرئيس.. ماذا ينتظر المستأجرون؟!
ذكّرني القول إن المحكمة الدستورية العليا في مصر استجابت لدعوة الرئيس في إصدار حكم، بما مضى. فدائما تذكّرنا القدرات المتواضعة الآن بعهد الرئيس مبارك، فلا يعرف قيمة أمه إلا من يتعامل مع زوجة أبيه، وكثيرون صار شعارهم "رُبّ يوم بكيت منه، فلما مضى بكيت عليه". ولست من هؤلاء...
السياسة الخارجية للرئيس ترامب تجاه الشرق الأوسط
لم تمرّ إلا ساعات فقط بعد إعلان الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب نيته تعيين حاكم أركنساس السابق "مايك هاكابي" ليكون سفيرًا للولايات المتحدة لدى إسرائيل وهو المعروف بدعمه منقطع النظير للاستيطان، خاصة في الضفة الغربية التي يعتبرها جزءاً من أرض الميعاد كما يقول،...
“العرب العثمانيون”.. كيف جسّد الإسلام عمومية النظام السياسي لجميع الأعراق؟
خلال زيارتي لنائب مدير جامعة السلطان محمد الفاتح في إسطنبول، البروفيسور المؤرخ زكريا كورشون، كنت أتحدث معه عن آخر إصداراته، فحدثني عن كتابه "العرب العثمانيون"، ومقصد الكتاب تبيان عمومية النظام السياسي في الإسلام لجميع الأعراق والأجناس في ظل الدولة الواحدة . فالإسلام...
السيسي يا أستاذة شرين لن يدوم طويلاً في سدة الحكم
ككل طاغية جبان..
ماذا تنتظرين من صنيعة المخابرات الاجنبية ان يكون سوى دمية تحركها الخيوط كيفما شاءت لتصبح مصر ام الدنيا مجرد سمطاء تتسول رغيف خبز
والله تقزيم دور مصر دا بند من بنود الاجنده اللي جاي بيها دا غير ان بن زايد ولي نعمته وهو بطبعه الصهيوني عبد للمال دا مش يقعده بس مكانه دا يقعده فوق دماغه طبيعي اللي بيحصل دا مع واحد ميعرفش يعني اي كرامه بالبلدي كده شبعه بعد جوعه