السنوار ودلالة الاختيار.. ما الذي تريد المقاومة قوله؟!
بقلم: سليم عزوز
| 7 أغسطس, 2024
مقالات مشابهة
-
السياسة الخارجية للرئيس ترامب تجاه الشرق الأوسط
لم تمرّ إلا ساعات فقط بعد إعلان الرئيس الأمريكي...
-
“العرب العثمانيون”.. كيف جسّد الإسلام عمومية النظام السياسي لجميع الأعراق؟
خلال زيارتي لنائب مدير جامعة السلطان محمد الفاتح...
-
في موقعة أمستردام.. لم تسلم الجرّة هذه المرة !
تقول العرب في أمثالها: "ما كل مرة تسلم الجرة".....
-
عمر بن عبد العزيز والتجربة الفريدة
حين ظهرت له أطلال المدينة المنورة، أيقن الشاب...
-
هيكل: حكايات من سيرة الأستاذ الكاهن (2)
هيكل والسادات مضت السنوات وابتعد محمد حسنين هيكل...
-
أعرني قلبك يا فتى!
أعرني قلبك يا فتى، فإن الأحداث جسام، والأمور على...
مقالات منوعة
بقلم: سليم عزوز
| 7 أغسطس, 2024
السنوار ودلالة الاختيار.. ما الذي تريد المقاومة قوله؟!
ليس خبراً أن يقال إن قرار حركة المقاومة الإسلامية (حماس) اختيار يحيى السنوار رئيساً للمكتب السياسي للحركة، خلفاً للشهيد إسماعيل هنية، مثّل مفاجأة للجميع!
فعندما قدم نجل الشهيد هنية، خليل الحية، يوم الجمعة الماضي ليؤم المصلين في صلاة الجنازة على والده، وضعتُ احتمالاً أن يكون الإمام هو الخليفة، لكن قرأنا أخباراً تفتقد للمصادر بأن خالد مشعل سيعود من جديد رئيساً للمكتب السياسي، وبدا الأمر أنه لا خروج عن هذين الاختيارين!
ولهذا كان اختيار السنوار مفاجأة مكتملة الأركان، ليس بالنسبة لنا فقط، بل أيضاً بالنسبة للإسرائيليين، الذين لم يجدوا غضاضة في إعلان ذلك، على النحو الذي صرحت به هيئة البث الإسرائيلية في وصفها القرار بأنه مفاجأة، ورسالة لإسرائيل بأن السنوار حي، وأن قيادة حماس في غزة قوية وستبقى!
وهذا القرار، الذي قال قيادي في الحركة (أسامة حمدان) إنه اتُّخذ بالإجماع، يؤكد أن الأمر تم بعد اتصالات ومداولات بين أعضاء الحركة في الداخل والخارج، وبين القيادة في غزة، والقيادة في عواصم عدة، من الدوحة إلى بيروت إلى طهران إلى الأردن، دون أي اختراق من أي جهاز استخبارات، ما يوحي أن هناك دائرة اتصالات بين قيادات حماس، عصية على الاختراق، في حين أن الاختراق الأول تم لدولة لها علم ونشيد، وفيها أجهزة أمنية واستخباراتية رفيعة المستوى، فأمكن اصطياد إسماعيل هنية بسهولة، وتحديد مكان إقامته، واستهدافه في سرير نومه!.
لقد أربك القرار العدو وحلفاءه، وإذا كان قد اعترف بأنه مثَّل له مفاجأة، فإنه في المقابل وإلى الآن، وحتى كتابة هذه السطور، ران صمت عميق على المليشيات الإلكترونية وجنرالات الغبراء، الذين يطلون عبر منصات التواصل الاجتماعي والشاشات، ممن يعتبرون كل صيحة عليهم، فيندفعون لتشويه الحركة، وقد استنكروا مع بداية طوفان الأقصى “مناضلي القصور والفنادق”، فما قولهم وزعيم حماس بالداخل الآن، وهو القائد الميداني للمقاومة؟ هل يرضيهم هذا الاختيار؟!
من العبث بمكان أن نبدد الوقت في الرد على هؤلاء أو تعقُّبهم، لأنهم في جميع الأحوال هم إلى العدو أقرب، وهم في حديثهم عن مناضلي القصور، كانوا يبحثون عن ثغرة ينفذون من خلالها للانحياز للحليف الإسرائيلي، دون التورط في الإعلان الرسمي عن ذلك، فكانوا يبحثون عن أي مادة للهجوم على حماس، ليكونوا في حكم من لم يجد في الورد عيباً، فقال له: يا أحمر الخدين.. وقد بدت البغضاء من أفواههم، وما تخفي صدورهم أكبر!.
مستقبل المقاومة والمفاوضات:
دعك من إرباك الاختيار للتابعين من غير أولي الإربة، فيكفي أنه مثّل مفاجأة لإسرائيل باعترافها، وأنه رسالة من حماس بأن السنوار على قيد الحياة، وأن قيادة حماس في غزة قوية وستبقى. فلعل المفيد هنا الحديث عن مستقبل المقاومة والمفاوضات بعد هذا الاختيار التاريخي، الذي يليق باللحظة التي نالت فيها يد الغدر من قائد سياسي، يجيد الدبلوماسية والمفاوضات، لينتقل زمام الأمور بالكلية إلى العسكريين، فليس سراً أنهم هم أصحاب قرار طوفان الأقصى!.
وأتذكر أنه في بداية الطوفان، وبعد أيام قليلة من انطلاقه، ذكر أحد المتحدثين باسم الحركة أنهم في الخارج لم يكونوا يعلمون بهذه العملية، ولاحظتُ تململًا من بعض الجالسين، وقلت في نفسي ما أعتقد بصحته، بأن قرار الحرب- كقرار السلام- هو قرار سياسي في المقام الأول، لا يجوز تركه في يد العسكريين، الذين يفتقدون للنظرة الكلية للأمور، وبعد ذلك كانت السردية أن الخارج كان مطلعاً على عملية كبيرة ستحدث، لكنه لم يكن يعلم بموعدها!
ولا يعرف المرء حدود الدبلوماسية في هذا القول، لأن أطرافاً في الخارج كانت عاتبة لأنها لم تكن في الصورة، وإن صح أن الطوفان قرار العسكريين، فإن الأمر كاملاً صار في أيديهم الآن، وللدقة هو بيد شخصية قوية ومختلفة إلى درجة كبيرة، وهي أقرب للمواجهة من الدبلوماسية ومناورات السياسيين، ولا شك أن هناك اختلافًا في الرأي، وفي الطبيعة الشخصية، فلا يصلح النظر إلى واقع تنظيم الإخوان في مصر مثلاً ليكون معياراً للحكم على الحمساويين!
التنوع، والفروق الشخصية، مصدر قوة الحركة، وليس سراً أن هناك خلافًا حول إقامة رئيس المكتب السياسي لحماس؛ إذ يرى فريق ضرورة أن يكون في الخارج ليكون حر الحركة، وهو ما يلزم لإجراء الحوار والتفاهمات مع الخارج، وأنه لا يجوز له أن يكون محاصراً في الداخل يصعب التواصل معه.
وعندما انتصرت الرؤية الأخرى تم اختيار هنية بديلاً لخالد مشعل، وإن بدا الانتقال راقياً، فإنه لا ينفي الاختلاف، وانتصار رؤية وهزيمة أخرى. فالخلاف داخل التجمعات البشرية طبيعي، ويثريها، وإن لم يظهر ذلك للناس، وفي الشدائد ينسى الجميع هذا الخلاف ويكونون صفاً واحداً كأنهم بنيان مرصوص، كما هو الحال بعد طوفان الأقصى، والذي أنتج هذا الإجماع لاختيار يحيى السنوار بديلاً للشهيد إسماعيل هنية. ومن بينهم- بطبيعة الحال- من كانوا يرون ضرورة أن يكون رأس الحركة في الخارج، لكن تجليات الأزمة فرضت هذا الاختيار.. وهذه الرسالة التي وصلت إلى إسرائيل فخرقت آذان قادتها!
ومن نافلة القول، أن الراحل هنية لم يكن في نيته عند اختياره أن يغادر غزة، وعندما فعل كانت نيته أن يعود بعد جولة خارجية، لكن ملّاك المعبر غضبوا عليه بعد زيارته لإيران، وربما تغيرت رؤيته بعد ذلك ووجد أنه يستطيع أن يقدم لقضيته في الخارج أكثر مما لو كان في الداخل المحاصر!
في التجمعات الطبيعية، تتباين الرؤى، وتظهر الفروق الشخصية، لكن الجميع يدرك أنه ملتزم بالقرار النهائي، فهناك فكرٌ يتزعم لا زعيمٌ يفكر، أما في التجمعات الأخرى فإن الزعيم هو صاحب الرأي والقرار، لذا فعندما يخرج أحدهم من هذه الولاية يكون قاسياً لأنه في جانب من ردة الفعل ينتقم لنفسه بسبب تغييبه، حتى وإن كان في هذا الوقت موافقاً بفعل عملية تصنيعه وأدوات السيطرة والإخضاع!
لماذا لا نجد داخل حماس منشقاً ينتقم كمختار نوح، وثروت الخرباوي؟!
عموماً، إن الأمر يحتاج إلى دراسة مستفيضة وهو ليس موضوع هذا المقال، الذي يستهدف تقديم قراءة لمدى تأثير شخصية مختلفة مثل يحيى السنوار على مستقبل المقاومة والمفاوضات معاً!
السنوار.. ملامح الشخصية:
ولمزيد من الشرح والتوضيح، نذكر أنه خلال مواجهة سابقة مع إسرائيل بدا للناس أنهم أمام شخصية مختلفة، ربما تميل للاستعراض أكثر من الشخصيات التقليدية التي عرفوها عبر الإعلام، وهناك من استنكروا خطابه الشعبوي في الشارع مع أنصاره ومن التفوا حوله في عز المواجهة!
بدا الرجل شعوبياً يفتقد للكاريزما، لكن هذا كان الانطباع الأول، فلما جاء طوفان الأقصى لم يستوعب الجميع هذه الشخصية فحسب، بل أقروا أيضًا بحضورها الطاغي.
مثال آخر.. في زيارة إلى جهاز سيادي عربي، ولأنهم داخل البوابة الرئيسية، طلبوا من الوفد، الذي كان يضم السنوار وخالد مشعل وإسماعيل هنية، الانتظار لإبلاغ مكتب المسؤول، وبينما تعامل مشعل وهنية بدبلوماسية مع الموقف، فإن السنوار رفض وانطلق خارجاً، وتم الإمساك به. وقبل مقابلة المسؤول- وكنا في زمن كورونا- جيء بمن يقوم بإجراء مسحة للوفد تثبت خلوهم من الفيروس.. رفض السنوار، وأقسم أنه لن يخضع لذلك ولو كان البديل أن يغادر حالاً، فكان الاعتذار له!
وربما كان هذا التصرف الذي يفتقد للدبلوماسية مقياسًا لشخصية الرجل، الذي تم الإفراج عنه في صفقة الجندي الإسرائيلي الأسير شاليط، وقد كان السنوار في سجنه لا يأبه بالسجان، ولا يخفي أنه سيقاتله عندما يتم الإفراج عنه، لكن ساعة القدر يعمى البصر، وربما لأن يد حماس كانت هي العليا في هذه المفاوضات، فلم يكن لطيفاً في السجن كما صورت بعض الكتابات العربية!
وإذا كان القرار السياسي والعسكري قد أصبح بيد السنوار، فهل سيؤثر هذا على مستقبل المفاوضات؟!
رغم أن الجانب الأمريكي يحث الوسيط القطري على الاستمرار في العمل على إتمام صفقة وقف إطلاق النار، فإنه لم يُسمع رأي للمقاومة بعد العمل الإجرامي باغتيال رئيس المكتب السياسي للحركة!
المقاومة بين أمرين، الأول هو الرغبة في التوصل إلى وقف إطلاق النار، بسبب القصف المتواصل على أهالي غزة العزل، وفي المقابل ضرورة الثأر لهنية، وهناك اتجاه لذلك داخل محور الإسناد. لكن في الأخير، لم يكن رأي السنوار مغيّباً في المرحلة التي لم يجمع فيها بين رئاسة المكتب السياسي وإدارة العمل الميداني في الجبهة. وعلى العموم، فحتى بالموافقة على المفاوضات عندما يتم الثأر، ستفتقد المفاوضات للدبلوماسية ولن ينقصها التشدد، وليس مستبعداً أن يستمر الخارج في إدارة ملف المفاوضات لكن مع دبلوماسية أقل!
إنه الاختيار الرسالة، بأن حماس لن تخضع بالقول بعد اغتيال إسماعيل هنية، بل ستكون أكثر حسماً من ذي قبل!
ذلك أنه.. {وليجدوا فيكم غلظة}.
تابعنا على حساباتنا
مقالات أخرى
وقد استجاب القضاء لدعوة الرئيس.. ماذا ينتظر المستأجرون؟!
ذكّرني القول إن المحكمة الدستورية العليا في مصر استجابت لدعوة الرئيس في إصدار حكم، بما مضى. فدائما تذكّرنا القدرات المتواضعة الآن بعهد الرئيس مبارك، فلا يعرف قيمة أمه إلا من يتعامل مع زوجة أبيه، وكثيرون صار شعارهم "رُبّ يوم بكيت منه، فلما مضى بكيت عليه". ولست من هؤلاء...
السياسة الخارجية للرئيس ترامب تجاه الشرق الأوسط
لم تمرّ إلا ساعات فقط بعد إعلان الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب نيته تعيين حاكم أركنساس السابق "مايك هاكابي" ليكون سفيرًا للولايات المتحدة لدى إسرائيل وهو المعروف بدعمه منقطع النظير للاستيطان، خاصة في الضفة الغربية التي يعتبرها جزءاً من أرض الميعاد كما يقول،...
“العرب العثمانيون”.. كيف جسّد الإسلام عمومية النظام السياسي لجميع الأعراق؟
خلال زيارتي لنائب مدير جامعة السلطان محمد الفاتح في إسطنبول، البروفيسور المؤرخ زكريا كورشون، كنت أتحدث معه عن آخر إصداراته، فحدثني عن كتابه "العرب العثمانيون"، ومقصد الكتاب تبيان عمومية النظام السياسي في الإسلام لجميع الأعراق والأجناس في ظل الدولة الواحدة . فالإسلام...
0 تعليق