إنهم يلعبون بنا!! (1)
بقلم: كريم الشاذلي
| 4 أكتوبر, 2024
مقالات مشابهة
-
السياسة الخارجية للرئيس ترامب تجاه الشرق الأوسط
لم تمرّ إلا ساعات فقط بعد إعلان الرئيس الأمريكي...
-
“العرب العثمانيون”.. كيف جسّد الإسلام عمومية النظام السياسي لجميع الأعراق؟
خلال زيارتي لنائب مدير جامعة السلطان محمد الفاتح...
-
في موقعة أمستردام.. لم تسلم الجرّة هذه المرة !
تقول العرب في أمثالها: "ما كل مرة تسلم الجرة".....
-
عمر بن عبد العزيز والتجربة الفريدة
حين ظهرت له أطلال المدينة المنورة، أيقن الشاب...
-
هيكل: حكايات من سيرة الأستاذ الكاهن (2)
هيكل والسادات مضت السنوات وابتعد محمد حسنين هيكل...
-
أعرني قلبك يا فتى!
أعرني قلبك يا فتى، فإن الأحداث جسام، والأمور على...
مقالات منوعة
بقلم: كريم الشاذلي
| 4 أكتوبر, 2024
إنهم يلعبون بنا!! (1)
“السلوك يعكس بطريقة خفية دوافعنا الداخلية، وهو يتكون نتيجة الصراع الداخلي بين دوافع اللاوعي الأقوى تأثيراً، والرغبات والحاجات، وغالب الناس غير مدركين للدوافع التي تقودهم، لكن في النهاية يقودهم سلوكهم لمزيد من المتعة أو قليل من الألم”.
في الوقت الذي طرح عالم النفس “سيجموند فرويد” فرضيته تلك كنتيجة لأبحاثه وتأملاته، كان “إدوارد برنايز” خبير التسويق الناجح والشاب الطموح ينهي اجتماعه مع رئيس الشركة الأمريكية للتبغ، والذي أخبره بحجم الإخفاق في شركات التبغ لأن نصف المجتمع (يعني النساء) لا يدخنون، مشدداً أن المجتمع- نحن هنا في عام 1928- يتخذ موقفاً ثقافياً مضاداً لهذا السلوك، ويحكم بقسوة على المرأة التي تشعل سيجارة.
كان “إدوارد برنايز” يحمل توجهاً تسويقياً مناهضاً لما هو قائم، ذلك أن علم التسويق كان قائماً خلال العقود السابقة على محاولة إقناع العميل.. أنت لست بحاجة لأكثر من أن تخبر المستهلك ما الذي يجعل منتجك مميزاً، فتخبره عن نوع الخامات المصنعة، وآلية التصنيع، وكل ما هو مميز في المنتج الذي بين يديك، مستندين إلى أن الناس- وهذا ما يظهر لأي مدقق- تختار وفقاً لقيم عقلية مباشرة.
“برنايز” كان يرى أن كل هذا كلام فارغ، وأن الناس عاطفيون وانفعاليون مهما حاولوا إثبات العكس، وأن تبريراتهم العقلانية تكون لاحقة لقرارهم العاطفي، وأنك ببساطة إذا ما استطعت أن تحرك مشاعرهم وتوجه عواطفهم نحو منتج ما، فقد استطعت أن تصل إلى نتيجة، لا يصل إليها أي كلام ومنطق مهما كانت حكمته!
كان الرجل يصرح- كساحر- أن تغيير أمزجة الناس ودوافعهم، أسهل من تغيير المنتج نفسه، إنه قادر على إقناع الناس بأنهم بحاجة إلى.. أي شيء! وعليه، رأى الرجل أن حملته التي سيبيع بها السجائر للنساء ستقوم على وجهة نظر واضحة “إذا أردنا أن تدخن النساء فلا منطق سينجح في هذا، ما سينجح ببساطة أن نخاطب عواطفهن وقيمهن، الهوية الأنثوية هي التي ستحقق لنا ما نريد”.
وفي استعراض عام أقيم في مدينة نيويورك، وأثناء الاحتفالات، توقفت بعض النسوة اللواتي تم انتقاؤهن بدقة في لحظة ما، وبحركة استعراضية مصممة باحترافية أشعلن السجائر في الوقت الذي كانت كاميرات المصورين، سواء الموجودين في الاحتفال أو الذين استأجرهم “برنايز”، تلتقط صور الجميلات وهن يدخن باستمتاع وبهجة.. وتحدٍّ.
وفي اليوم التالي ظهرت الصور تلك في كبرى الصحف الأمريكية، وفوقها تعليق بأن هؤلاء النساء لم يشعلن السجائر فحسب، بل أشعلن مشاعل الحرية، معلنات قدرتهن على التحدي، والاستقلال، وتقرير المصير!
لعب “برنايز” على الشعور السائد وقتذاك لدى النسوة، مستثمراً حالة النشوة التي تملّكتهن بعد الإقرار بحقهن في التصويت قبل سنوات قليلة، وأنهن الآن في مرحلة اكتشاف أنفسهن!. كانت المرأة الأمريكية في ذلك الوقت قد اشتبكت مع سوق العمل، وارتدت الجينز، وتتحمس للدخول في كل معركة تحمل لافتات المساواة وعدم التمييز.. حسناً، فلتصبح السيجارة إذن جزءًا من هذه المعادلة ..السيجارة تمرد.. التدخين استقلالية.. التبغ للنساء كما هو للرجال..
“برنايز”- بالمناسبة- هو أول من اخترع فكرة وجود نجم شهير في إعلان ..
وجود مواد تحريرية، سواء كانت مقالات أو تحقيقات، تعطي معلومات ما عن منتجك فكرته كذلك.. صنع بروباجندا تخدم منتجك- أو عميلك- وإقامة نقاش عام حوله هو فكرة هذا الرجل ..
باختصار، ما يحدث لنا اليوم قد وضع لبنته الأولى هذا الرجل، والذي كان يعرف سيجموند فرويد جيداً، ويؤمن- ربما أكثر من علماء كثر- بأهمية وخطورة ما يقوله ..دعك من أنه كان ابن أخيه!
نعم، برانز هو الرجل الذي رأى أن أبحاث عمه النفسية تستحق أن يتم التعامل معها بشكل أكثر أهمية، بشكل يجلب المال والثراء. وفي الوقت الذي كانت فيه مقالات فرويد تدور حولها النقاشات العلمية، كان “برانز” يسجل في دفتر أعماله أسرار النفس الإنسانية التي يخبر بها عمه العالم، والتي يأتي على رأسها أنه إذا استطعت الاستعانة بمخاوف الناس وإحساسهم بقلة الأمان، فسوف يشترون أي شيء توجههم لأن يشتروه!
المدهش- والمخيف كذلك- أنك وحينما تقرأ عن “برنايز”، ستكتشف أن من معجبيه “جوبلز”، وزير دعاية هتلر، ومن زبائنه سياسيون ورؤساء جمهوريات، حتى إنه عمل مع إدارة الرئيس الأمريكي “وودرو ويلسون” خلال الحرب العالمية الأولى بالتعاون مع لجنة الإعلام الأمني، ويقال إنه كان هو المروج الرئيسي للفكرة القائلة إن حروب أمريكا وجهودها كانت بغرض ” إدخال الديموقراطية إلى كافة أنحاء أوروبا”.. وبعد الحرب، وجه “ويلسون” دعوة إلى “برنايز” لحضور مؤتمر باريس للسلام عام 1919.
كان “برنايز”- والذي تتحكم نظرياته في حياتنا الآن- يؤمن بفِكَر سياسية مطابقة لفِكَره التسويقية، فكان يرى أن البشر في المجمل خطرون بشكل لا يمكن تصوره، وأن الدولة بحاجة لضبطهم جيداً، ليس بالحديد والنار، بل بطريقة أقل كلفة.. لقد آمن بأن التسويق وسيلة رائعة للحكومات، كي تؤثر على مواطنيها وتتلاعب بهم دون حاجة للصدام!
فكرته التجارية ذاتها!. علينا أن ننحي عقولهم جانباً ونخاطب مشاعرهم، احتياجاتهم، مخاوفهم.. فقط.
دعك من أن “برنايز” أدرك من كتب عمه مدخلاً نفسياً وخطيراً، وهو أن الناس تطلب ما تريد لا ما تحتاج، الناس تريد الإعجاب، تريد الرفاهية، تريد المزيد من كل شيء، لكنها لا تحتاج لكل هذا، إنها بحاجة لأن تتواصل مع نفسها، بحاجة إلى أمان حقيقي، طمأنينة صادقة.. لكنهم- وإن شعروا بهذا الاحتياج- يضطرون إلى شرائه بذات العملة القائمة، وهنا نفهم أن دور “أهل التسويق” لم يبدأ من لحظة شعورنا بما نريد، وإنما في فهم الاحتياجات الإنسانية، وتحويلها إلى “أشياء”، ثم إقناعنا بأن هذه الأشياء تعني مزيداً من الراحة والطمأنينة، وتركنا نلهث في سبيل الحصول عليها!
إن ما يحدث لنا يومياً، بدءاً من حملات التسويق التي تبيع لنا السعادة، وانتهاءً بوسائل الإعلام التي تبيع لنا الانتماء، والهوية، وتحدد أطر ضمائرنا، من خلال إغراقنا بطوفان من الأخبار والتحليلات، ومنع أخرى.. كل هذا يجعلنا غير جديرين بفهم ما يحدث، فضلاً عن اتخاذ موقف تجاهه!
إننا مستهدفون، إرادتنا مستهدفة، ولا سبيل للنجاة من هذا الاستهداف، إلا أن نكون أحراراً، وكي نكون كذلك علينا أن نفقه ثلاثة أسرار نفسية، نواجه بها ألاعيبهم النفسية!
تلك الأسرار نفصلها في مقالنا القادم.. فلحديثنا بقية، ما دام في العمر بقية..
3 التعليقات
إرسال تعليق
تابعنا على حساباتنا
مقالات أخرى
وقد استجاب القضاء لدعوة الرئيس.. ماذا ينتظر المستأجرون؟!
ذكّرني القول إن المحكمة الدستورية العليا في مصر استجابت لدعوة الرئيس في إصدار حكم، بما مضى. فدائما تذكّرنا القدرات المتواضعة الآن بعهد الرئيس مبارك، فلا يعرف قيمة أمه إلا من يتعامل مع زوجة أبيه، وكثيرون صار شعارهم "رُبّ يوم بكيت منه، فلما مضى بكيت عليه". ولست من هؤلاء...
السياسة الخارجية للرئيس ترامب تجاه الشرق الأوسط
لم تمرّ إلا ساعات فقط بعد إعلان الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب نيته تعيين حاكم أركنساس السابق "مايك هاكابي" ليكون سفيرًا للولايات المتحدة لدى إسرائيل وهو المعروف بدعمه منقطع النظير للاستيطان، خاصة في الضفة الغربية التي يعتبرها جزءاً من أرض الميعاد كما يقول،...
“العرب العثمانيون”.. كيف جسّد الإسلام عمومية النظام السياسي لجميع الأعراق؟
خلال زيارتي لنائب مدير جامعة السلطان محمد الفاتح في إسطنبول، البروفيسور المؤرخ زكريا كورشون، كنت أتحدث معه عن آخر إصداراته، فحدثني عن كتابه "العرب العثمانيون"، ومقصد الكتاب تبيان عمومية النظام السياسي في الإسلام لجميع الأعراق والأجناس في ظل الدولة الواحدة . فالإسلام...
عزيزي الكاتب الرائع ارجو منك أن تكتب اسماء الأشخاص المذكورين باللغة الإنجليزية ليسهل عملية البحث عنهم مثلا (برنايز)
ياخي مانت انا فدالك
ياخي مانت انا فدالك