إنهم يلعبون بنا (2)
بقلم: كريم الشاذلي
| 11 أكتوبر, 2024
مقالات مشابهة
-
السياسة الخارجية للرئيس ترامب تجاه الشرق الأوسط
لم تمرّ إلا ساعات فقط بعد إعلان الرئيس الأمريكي...
-
“العرب العثمانيون”.. كيف جسّد الإسلام عمومية النظام السياسي لجميع الأعراق؟
خلال زيارتي لنائب مدير جامعة السلطان محمد الفاتح...
-
في موقعة أمستردام.. لم تسلم الجرّة هذه المرة !
تقول العرب في أمثالها: "ما كل مرة تسلم الجرة".....
-
عمر بن عبد العزيز والتجربة الفريدة
حين ظهرت له أطلال المدينة المنورة، أيقن الشاب...
-
هيكل: حكايات من سيرة الأستاذ الكاهن (2)
هيكل والسادات مضت السنوات وابتعد محمد حسنين هيكل...
-
أعرني قلبك يا فتى!
أعرني قلبك يا فتى، فإن الأحداث جسام، والأمور على...
مقالات منوعة
بقلم: كريم الشاذلي
| 11 أكتوبر, 2024
إنهم يلعبون بنا (2)
للأسف، لم يبالغ “إدوارد برنايز” حينما أكد أن تحريك الجماهير أسهل من تحريك إصبعه، وأن توجيه رغباتهم تجاه شيء بعينه أمر يقدر عليه، حتى لو كان هذا الشيء ضد مصالحهم!
العقبة الوحيدة هنا هي أن البشر يختارون، وفكرة تحديد خيار (سياسي أو استهلاكي أو ديني)، وفرضه عليهم، ليست مأمونة الجانب، فكان الحل الذي طرحه برنايز هو “إننا سنصنع لهم خيارات كثيرة، غير أن جميعها ستذهب بهم إلى الاتجاه أو الاختيار المحدد سلفاً”!
ستختار بين سيارتين، وسروالين، ورئيسين، ومنهجين، وفكرتين، غير أنني من يدير هذه المباراة الديمقراطية.. مارسوا حريتكم في الاختيار ما دام الناتج النهائي يصب في مصلحتي، سواء بتسويق عاطفي لخيار محدد وتقزيم الآخر، أو من خلال طرح بدائل تختلف في مظهرها، وتتفق في كونها تصل إلى الهدف ذاته.. والنتيجة، أن العالم كله تحكمه ديمقراطية “برنايز”!
لقد ربحت الرأسمالية العالمية من التسويق والدعاية ما لم تكن لتربحه بالحرب والقوة والعصا، وبنظرة إلى جارتنا اللقيطة سندرك أن قوتها -التي لا نقلل منها- لم يكن أساسها عسكرياً، أو استخباراتياً أو نفسياً بالقدر الذي ظنناه لعقود، حتى أن كثيراً منا أصبحت لديه قناعة أن زوال تلك اللقيطة أمر ممكن جداً، بعدما كان مستحيلاً أصلاً!
في روايته “سيدهارتا”، يحكي الكاتب الألماني “هيرمان هيسه” أن أحدهم طلب النجاة والحكمة في هذه الدنيا، فذهب إلى حكيم فعلمه ثلاث كلمات، مؤكداً أن تلك الوصايا الثلاث هي القادرة على جعله قوياً، وحكيماً، وفوق هذا غير قابل للترويض والخداع.. تلك الوصايا الثلاث لن تتعب كي تجدها على ألسنة الأنبياء، وفي مخطوطات الحكماء، وطروحات الفلاسفة.
النصيحة الأول “فكر”.. والتفكير هنا ليس المقصود به عمل العقل، وإنما في آليات العمل، وربط الإجابات دائماً بسؤال أساسي صحيح.. فكر في حياتك، ورغباتك، وما تحتاج، ولا تسمح لأحد أن يختارها لك!!
فكر في قرارك واربطه بهدفك الأساسي، في خيارتك وما تمثله لك حقاً، فكر كيف تصبح هانئاً، لا كيف تبدو هانئاً، وكيف تصبح سعيداً لا كيف تبدو سعيداً!
كلنا نفكر يا صاحبي، لكن الحكيم يخبرك ببساطة أن تفكر بشكل صحيح..
النصيحة الثانية “انتظر”.. تعلم أن تتمهل، فكر مرتين، خذ نفساً، ثم قرر.. “برنايز” وأبالسته يعرفون جيداً أن التمهل خطر، جرعة العاطفة ما تلبث أن تنتهي، نعم هم قرروا إعطاءنا جرعة كافية من سيل الإعلانات والرسائل المباشرة وغير المباشرة، إلا أن التمهل قبل اتخاذ القرار، والسماح للعقل بالحضور وللمنطق بالشهادة، كفيلان بإرباك أي منظمومة تحاول استهدافك.
في أمثالنا العربية أن “في التأني السلامة”، بينما في منهجهم “اقتنص الفرصة”.. “الحق العرض بسرعة قبل أن تندم”.. “استثمر، سارع.. لفترة محدودة.. فرصتك الأخيرة”.
انتظر يا صاحبي، ففرصتك الأخيرة لم تحن بعد، والركض المستمر سيرهق روحك، وستجد نفسك منطلقاً إلى الأمام دائماً حتى أن فكرة “الانتظار” لن تكون خياراً لك.. وقتها ستدرك أي فخ أوقعك فيه هؤلاء..
النصيحة الثالثة “الصوم”.. والصوم في حقيقته يختلف عن الحرمان، الصوم كبرياء وعزة، الحرمان ذل وخضوع وضعف. فلسفة الصوم- كما بينها الحكيم- تحفظ لك عزة نفسك، وقوة روحك، وكبرياءك.
المرء القادر على الصوم لا يمكن كسر إرادته بحاجة بطنه، سيصبح صاحب قرار، سيصوم عن الشيء عوضاً عن نيله بمذلة، وسينظر في الاتجاه الآخر مهما حاولت أن تغريه بمزايا هذا الجانب.
إن ملامة عمر بن الخطاب رضي الله عنه لأحدهم ذات يوم وهو يشتري شيئاً قد اشتهاه بقوله: “أوكلما اشتهيت اشتريت؟”.. ليست دعوة إلى الزهد وترك النعم حلالها وحرامها، وإنما عمق المعنى في “أوكلما اشتهيت اشتريت” في كونها منهجاً يقول لك تعلم الصوم عما تشتهيه، كي لا تأسرك شهوتك مستقبلاً، ويستغلها برنايز وزبانيته!
ذلك أن قيمة الأشياء ليست فقط فيما تمثله لنا من منفعة، وإنما فيما دفعناه من ثمن، والجائع سيدفع أي ثمن كي يملأ بطنه، ولو دفع من كرامته، وإرادته، واستقلاليته!. لقد شبع الرجل بعد جوع، وعليه، فلا مندوحة عنده لأي اعتبارات أخرى.
هذه الثلاثة (تعلم التفكير والتمهل والصوم) يراها الكاتب الألماني سبيلاً لنجاة وحياة سعيدة.
وأنا أؤمن بمقالة الرجل يقيناً، وأؤمن- كذلك- أن هذا هو أصل كراهية العالم الرأسمالي للإسلام وتعاليمه، إذ إن تعاليم هذا الدين إن طبقها الخلق ستفشل خططهم.. ووالله، ليست عبارتي هذه من جملة الخطب الحماسية، ولا العبارات المعلبة، وليست كذلك فخراً مدعى.
إن الإسلام- الغائب عنا- يصنع المرء الذي يفكر، فلا يقبل إلا ما يملك أمام ضميره ومنطقه وربه إجابة عنه وتبريراً له. وهو يعمق فينا “الصبر الاستراتيجي”.. التمهل حتى يستقر غبار المشاعر، ويستبين ضوء الحقيقة فنتبعه، يعلمنا الصوم فلا نشتهي، ولو اشتهينا- وكلنا نشتهي- فإن الإسلام علمنا الترفع والصبر حتى تظهر قيمة الشيء، وتغيب شمس الإلحاح، وننتقي ما يُذهب ظمأنا الحقيقي.
الإسلام- المظلوم بنا- صنع رجلاً لم يهتم كثيراً لقوافل الذهب والفضة والتيجان، ولأملاك كسرى التي لم يتسع لها بيت المال، ولم يفكر في نصيبه منها، بقدر ما فكر في متر ونصف من القماش يرى بأن الخليفة- الذي يتحدث عنه العالم في هذه اللحظة- قد اختصها لنفسه دون الناس.. فقام وواجهه، وأقام عليه الحجة، ودافع الخليفة عن نفسه، والناس شهود.
برنايز كان خطيراً بلا شك، لأنه لم يجد أحداً من أتباع محمدٍ كي يكشف سحره، والرأسمالية تحكم العالم لأننا نشتري ما نشتهيه، وما جعلونا نشتهيه!
إن العالم- سواء كنت تراه محكوماً من منظومة رأسمالية تستهدف خيراته، أو صهيونية عالمية تبتزه، أو ماسونية شيطانية تديره- لا يهتم بك ولا بصلاتك ولا بحجك، ما دمت ستنتهي منها وتذهب لتقف في طابور أي سلعة، وتختار ما يريدونك أن تختار.
إن الدين الذي لا يصنع إنساناً حراً لا يليق بالله.. أو- وياللمصيبة- نحن الذين لا نليق به.. وإننا نقف على عتبة الاستبدال..
ولكل نبأ مستقر..
تابعنا على حساباتنا
مقالات أخرى
وقد استجاب القضاء لدعوة الرئيس.. ماذا ينتظر المستأجرون؟!
ذكّرني القول إن المحكمة الدستورية العليا في مصر استجابت لدعوة الرئيس في إصدار حكم، بما مضى. فدائما تذكّرنا القدرات المتواضعة الآن بعهد الرئيس مبارك، فلا يعرف قيمة أمه إلا من يتعامل مع زوجة أبيه، وكثيرون صار شعارهم "رُبّ يوم بكيت منه، فلما مضى بكيت عليه". ولست من هؤلاء...
السياسة الخارجية للرئيس ترامب تجاه الشرق الأوسط
لم تمرّ إلا ساعات فقط بعد إعلان الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب نيته تعيين حاكم أركنساس السابق "مايك هاكابي" ليكون سفيرًا للولايات المتحدة لدى إسرائيل وهو المعروف بدعمه منقطع النظير للاستيطان، خاصة في الضفة الغربية التي يعتبرها جزءاً من أرض الميعاد كما يقول،...
“العرب العثمانيون”.. كيف جسّد الإسلام عمومية النظام السياسي لجميع الأعراق؟
خلال زيارتي لنائب مدير جامعة السلطان محمد الفاتح في إسطنبول، البروفيسور المؤرخ زكريا كورشون، كنت أتحدث معه عن آخر إصداراته، فحدثني عن كتابه "العرب العثمانيون"، ومقصد الكتاب تبيان عمومية النظام السياسي في الإسلام لجميع الأعراق والأجناس في ظل الدولة الواحدة . فالإسلام...
0 تعليق