حينما يُباع “لحم الفتيات الرخيص” لمُحدَثي النعمة العرب؟!
بقلم: شريف عبدالغني
| 30 يوليو, 2024
مقالات مشابهة
-
السياسة الخارجية للرئيس ترامب تجاه الشرق الأوسط
لم تمرّ إلا ساعات فقط بعد إعلان الرئيس الأمريكي...
-
“العرب العثمانيون”.. كيف جسّد الإسلام عمومية النظام السياسي لجميع الأعراق؟
خلال زيارتي لنائب مدير جامعة السلطان محمد الفاتح...
-
في موقعة أمستردام.. لم تسلم الجرّة هذه المرة !
تقول العرب في أمثالها: "ما كل مرة تسلم الجرة".....
-
عمر بن عبد العزيز والتجربة الفريدة
حين ظهرت له أطلال المدينة المنورة، أيقن الشاب...
-
هيكل: حكايات من سيرة الأستاذ الكاهن (2)
هيكل والسادات مضت السنوات وابتعد محمد حسنين هيكل...
-
أعرني قلبك يا فتى!
أعرني قلبك يا فتى، فإن الأحداث جسام، والأمور على...
مقالات منوعة
بقلم: شريف عبدالغني
| 30 يوليو, 2024
حينما يُباع “لحم الفتيات الرخيص” لمُحدَثي النعمة العرب؟!
الموضوع قديم جديد.. “اللحم العربي”، خصوصاً من مصر والعراق والشام والمغرب، يباع منذ فترة في أسواق تعيدنا إلى زمن الرقيق.
الباعة جُلهم من ضعاف النفوس، وبعضهم ممن أكل الفقر عقولهم مع جيوبهم، أما المشترون فنفر منهم من مُحدَثي النعمة، ونوع آخر ممن يشعرون بعُقد نقص يحاولون تعويضها في غرف النوم. بعضنا شاهد حفلات البيع، وبعضنا الثاني سمع عنها، وبعضنا الثالث قرأ تفاصيل من فصولها.
“العرب” لهم مكانة خاصة في بلاد الأمة، ليس كل العرب.. الكلمة عند العامة تعني “قوم النفط”! والجلباب الأبيض له سحره، ليس كل الجلباب الأبيض.. المقصود به جلباب ذلك العالم الذي تفتحت العيون عليه خلال “الفورة النفطية” في سبعينيات القرن الماضي، حيث الذهاب سنة أو اثنتين لتعود محملاً بالتلفزيون والمروحة!.
أما ذلك الجلباب ناصع البياض، القادم من العمق الجنوبي للوطن العربي.. السودان، فهو مكروه. ربما لأنه لا يعني في الذاكرة الجمعية “الثراء”، لذا فالغالبية يجرون وراء “النفطي” ويتجنبون “السوداني”.
في التسعينيات، وبعد فض اعتصام عشرات السودانيين الجنوبيين في ميدان مصطفى محمود بحي المهندسين القاهري، أمام مقر مفوضية الأمم المتحدة، ذهب مصاب منهم مضرجاً بدمائه إلى أحد الأطباء، مستغيثاً لإنقاذه، لكن “الدكتور الإنسان” رفض بشمم وإباء المصري كريم العنصرين، أن يُجري الكشف على المستغيث، بل وطالبه أولاً أن يذهب ليستحم ثم يأتي!!
أما العرب من ذوي الروائح و”البرفانات” الحلوة، فهم أصحاب بيت وملهى ليلي، خاصة في مثل هذه الأيام مع إجازات الصيف التي يتوافدون فيها إلى بعض من بلاد العرب والعجم. هؤلاء هم أصحاب أسواق الرقيق الجدد، الذين يشترون ويبيعون في “لحم فتيات” محاصرات بالفقر والجهل.
لكن..
يجب التنويه أنه لا البائعين يعبّرون عن مجمل شعوب بلادهم، إذ إن غيرهم من الفقراء لا ينحدرون لهذا الدرك من الضعف والهوان والتفريط في فلذات أكبادهم، ولا “المشترين” من بلاد النفط يمثلون حالة عامة في مجتمعاتهم الطيبة، والتي خطت خطوات متسارعة في دنيا العلم والتطور والنهضة، وتقدم كل يوم نماذج أخلاقية وإنسانية مُشرّفة في كثير من المجالات. وهناك زيجات ناجحة وقائمة على المودة وحسن المعشر بين رجال من هؤلاء ونساء من خارج بلادهم.. زيجات حقيقية تختلف عن مفهوم “البيع والشراء”.
ثمة أفلام سينمائية مصرية، فضلاً عن تحقيقات صحافية كثيرة في أرشيف الصحف القاهرية، عن قرى في محافظة الجيزة متخصصة في “بيع” القاصرات لِنفر من أهل النفط عبر عقود زواج عرفية.. مجرد ورقة بلا قيمة! والمقابل ثمن بخس، عدة آلاف من الجنيهات، ثم يطير الفائز بصفقة “اللحم الرخيص”.
قد يستمر الزواج أياماً معدودات هي مدة إقامة فخامته بالقاهرة، وقد يستمر شهوراً.. بعضه استمر سنوات قلائل، وانتهى بامرأة مطلقة تعود من “تغريبتها” مُحمّلة بذكريات معاملة مهينة، وأطفال أبرياء تنقلهم الطائرات دون أن يدركوا كيف أتوا، ولماذا سافروا، وماذا ينتظرهم.
أما القصة التالية فقد سمعتها من مصدرها الأصلي، البطل.. الزوج، لقد طلب مني نشرها.. بعدما مر بالتجربة، أدرك الرجل أنه أخطأ واستغل حاجة الناس، لكن ما يهمه هو هذا المجتمع المسحوق الذي يضطر إلى بيع “لحمه”.
الرجل محب لمصر، يتردد عليها بين وقت وآخر، أكاديمي وكاتب يحضر ويلتقي بالناشرين والنخبة، لكنه بعدما تعرض لعملية نصب من أحد أصحاب دور النشر، كره هذا الفريق ومعه “نخبة الخيبة”- حسب وصفه-.. اكتشف أن كثيرين منهم مجرد مجموعة من المرتزقة، يتغنون بالمبادئ بينما هم بلا مبدأ أو ضمير.
لما كفّ عن اللقاء بهم لم يكن يخرج كثيراً من شقته بالقاهرة، شعر بالضيق فقرر إنهاء إجازته والعودة إلى بلده.. في المطار قابل أحد “بلدياته”، تجاذبا أطراف الحديث، وجده مُنتشياً بينما هو مكتئب. قال له صاحبه المنتشي: “كيف ترجع من أم الدنيا وتكون زعلان بهذا الشكل؟.. يا رجال ابسط نفسك وفرفش”؛ ثم أعطاه رقم سمسارة زيجات بمدينة المنصورة.
والمنصورة مدينة بالدلتا معروفة بحسان الوجوه، يُرجع بعضهم جمال فتياتها إلى ثلاثي الطبيعة والخضرة والنيل، الذي انعكس إيجاباً على جينات سكانها الأصليين، لكن آخرين يرون أن البشرة الشقراء والعيون الزرقاء بالمدينة، سببه دخول الفرنسيين قديماً إليها واختلاطهم بأهلها.
عاد صاحبنا مرة أخرى إلى مصر.
تذكر هاتف السمسارة، وقال في نفسه: “لماذا لا تخوض هذه التجربة؟”.. الرجل لكونه كاتباً استهوته المغامرة، دفعه الفضول إلى سبر أغوار شخصيات من تتزوج إنساناً لا تعرفه لمجرد أنه “قشة” تنشلها من الفقر والعوز، ذهب إلى المنصورة، أرسلته السمسارة إلى امرأة ثلاثينية مطلقة، أعجبته.. ثم ذهب إلى منزل آخر، ورأى فتاة لم تزد عن 18 سنة.
أصبح في حيرة من أمره.. أيهما يختار؟
يروي أن منازل العرائس في حارات وأزقة غارقة في الفقر والإهمال! لما رأى العروس الثانية، خشي من سنها الصغيرة بينما هو يتخطى الخمسين.. وراء “ستارة” في جزء من الشقة الضيقة التي يعيشون فيها، خصصوه للطبخ، أخذها ليراها جيداً.. وجدها أقرب إلى الطفولة، صعب عليه حالها، رفض “شراءها” رغم أنها ترجّته أن يتزوجها!!
عزم أمره واختار الأولى، كبيرة وناضجة وحلوة.. تفاوض معهم على المهر. بلدياته قال له إنه يبدأ من 5 آلاف جنيه، ولا يزيد عن 10 آلاف حسب “جودة” العروس (هذه الأسعار كانت وقت حدوث تلك القصة قبل نحو 12 عاماً). بدأ العرض بـ 7 آلاف، وانتهى إلى دفع 10 آلاف، دستها أمها في جيبها، ولم تعط الابنة شيئاً.
ذهبوا إلى منزل السمسارة لكتابة ورقة الزواج العرفي.. امرأة عجوز ثقيلة الوزن، تكاد لا تتحرك من سرير متهالك في حجرة بائسة، تشترط أن يشهد على العقد ولداها لينالا “الحلاوة- الإكرامية”. حصلت على عمولة 500 جنيه، والمحامي الذي يكتب العقد نال نصيبه مثلها، بينما حضر ولداها من ورشة تصليح سيارات يعملان بها، ووقّعا بينما أياديهم مسودة بـ”شحم الورشة”، وحصل كل واحد على 100 جنيه مصري.
انفض السامر.. أخذ العروس وذهب بها إلى القاهرة، ومعها حقيبة فيها أغراض بسيطة، اشترى لها بعض الملابس، وقضيا ليلتهما الأولى.
يقول: “إنسانة بسيطة.. غلبانة.. ترضى بأي شيء.. لم تطلب منه سوى موبايل رخيص”؛ ويضيف: “مضى يومان، وفي اليوم الثالث حزنت من نفسي.. ماذا فعلت؟!.. لا توجد بيني وبينها مساحة مشتركة.. هي لا تعرف أي شيء، ولا تريد سوى إنسان يسترها من الفقر ويؤمّنها من بيع أمها المستمر لها.. كنت أريد إنسانة أتكلم معها.. نخرج سوياً.. نتعشى في مكان حلو.. ثم نتناقش في الشؤون العامة”.
تابع: “قلت لها في اليوم الثالث.. أنا راجع بلدي.. وانتي شوفي حالك.. طبعا زعلت.. ستعود إلى أمها وبيعها مجدداً.. قالت لي: أنتظرك.. رفضتُ وقطّعتُ ورقة الزواج، وقلت لها: لا تربطي نفسك بي.. سيأتيك من هو أفضل”.
أنهى الرجل حكايته مع هذه الإنسانة، التي- للمفارقة- تزوجت قبله ولمدة شهر بلدياته نفسه الذي أعطاه رقم السمسارة! قبل الرحيل لم تطلب منه سوى الـ “لاب توب” الخاص به، لأن ابنها الطفل طلب مثله مراراً، ولم تستطع شراءه!
هذه مجرد قصة واحدة لمجتمع منسحق، تتكرر مآسيه في دول عديدة على امتداد أمة العرب، دول تعاني ظروفاً اقتصادية متشابهة من العراق إلى المغرب العربي ومن بلاد الشام إلى اليمن.. مجتمع لا يريد من الدنيا سوى “الستر”، ولن يستره إلا “العدالة الاجتماعية”!.
1 تعليق
إرسال تعليق
تابعنا على حساباتنا
مقالات أخرى
وقد استجاب القضاء لدعوة الرئيس.. ماذا ينتظر المستأجرون؟!
ذكّرني القول إن المحكمة الدستورية العليا في مصر استجابت لدعوة الرئيس في إصدار حكم، بما مضى. فدائما تذكّرنا القدرات المتواضعة الآن بعهد الرئيس مبارك، فلا يعرف قيمة أمه إلا من يتعامل مع زوجة أبيه، وكثيرون صار شعارهم "رُبّ يوم بكيت منه، فلما مضى بكيت عليه". ولست من هؤلاء...
السياسة الخارجية للرئيس ترامب تجاه الشرق الأوسط
لم تمرّ إلا ساعات فقط بعد إعلان الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب نيته تعيين حاكم أركنساس السابق "مايك هاكابي" ليكون سفيرًا للولايات المتحدة لدى إسرائيل وهو المعروف بدعمه منقطع النظير للاستيطان، خاصة في الضفة الغربية التي يعتبرها جزءاً من أرض الميعاد كما يقول،...
“العرب العثمانيون”.. كيف جسّد الإسلام عمومية النظام السياسي لجميع الأعراق؟
خلال زيارتي لنائب مدير جامعة السلطان محمد الفاتح في إسطنبول، البروفيسور المؤرخ زكريا كورشون، كنت أتحدث معه عن آخر إصداراته، فحدثني عن كتابه "العرب العثمانيون"، ومقصد الكتاب تبيان عمومية النظام السياسي في الإسلام لجميع الأعراق والأجناس في ظل الدولة الواحدة . فالإسلام...
واقع أليم ،لم يكن يتبادر إلى مخيلتي أن مثل هذه الأمور تحدث في بلد عربي مسلم ، و كأننا عدنا إلى الجاهلية الأولى و أسواق النخاسة إلا أنني قد أعذرهم في ذلك
فلم يكن عصر الإسلام قد بزغ .
و المبكي في الموضوع أن الزواج يتم تحت إسم الزواج الشرعي ، محامي و شهود و مهر .. كل الأركان مكتمله إلا أهم ركن وهو النية من الزواج ألا وهو الإستقرار و بناء الأسرة ، أما هذا فهو زواج متعة.
يبدو أننا بحاجة إلى صحوة جديده و فتح جديد .