متى تكسر إيران “الوحش الإسرائيلي المصطنع”؟!

بقلم: شريف عبدالغني

| 29 أكتوبر, 2024

مقالات مشابهة

مقالات منوعة

بقلم: شريف عبدالغني

| 29 أكتوبر, 2024

متى تكسر إيران “الوحش الإسرائيلي المصطنع”؟!

وسط المذبحة اليومية المستمرة في قطاع غزة، وبينما يتواصل القصف على الضاحية الجنوبية لبيروت، المعقل الرمزي لحزب الله، خطفت إيران الأنظار والاهتمام الإعلامي هذا الأسبوع، إذ تعرضت لهجوم إسرائيلي رداً على قصف طهران لبعض مناطق الكيان الصهيوني، وقد كان بدوره رداً على تعدي اليد الإسرائيلية على السيادة الإيرانية واغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، الشهيد إسماعيل هنية، على أراضيها.

قبل الهجوم الإسرائيلي، كان لافتاً صدور تحذيرين إيرانيين لتل أبيب من مغبة الاقتراب من أية حبة رمل إيرانية؛ الأول من المتحدث باسم وزارة الخارجية ناصر كنعاني الذي قال: “إسرائيل وحش مصطنع قابل للكسر تماما”، والثاني من نائب قائد الحرس الثوري علي فدوي: “إسرائيل ليست حتى بحجم إحدى المحافظات الإيرانية الصغيرة،  وبوسعنا القضاء على كل الصهاينة في حال قررنا ذلك”.

لذا، فإن العرب- وكل من في المنطقة- ينتظرون الرد الإيراني، ويستعجلونه، ويعدون كل دقيقة تمر دون أن تنفذ طهران ما تستطيع فعله بـ “كسـر الوحش المصطنع”، وإبادة “كل الصهاينة”!

حقيقة، فإن النظرة العربية لإيران في مجملها يشوبها كثير من الالتباس والريبة، وعدم الثقة فيما يصدر منها وعنها.. هذه النظرة الناتجة عن تراكم تصرفات أكثر من أربعة عقود، تطرح العديد من علامات الاستفهام، وتضعنا في بحيرة تساؤلات لا نعرف أولها من نهايتها.

البداية حينما حطت طائرة “الخميني” في طهران عائداً من منفاه الباريسي؛ هلل وقتها قطاع كبير من العرب لهذا القائد الذي أزاح نظام “الشاه العميل”. تغاضينا عن إصرار قائد الثورة على الحديث بـ”الفارسية”، وعلى وجود مترجم عند لقائه مع أي مسؤول عربي، رغم أنه يجيد “العربية” بطلاقة. قلنا لا بأس فالرجل معتد بأصله وبلغته الأم، ولا لوم عليه حتى لو كرر من باب الفخر البيت الشهير لـ”أبي نواس” اعتزازا بفارسيته وعلو شأنه عن العنصر العربي: “فأين من البدو إيوان كسرى.. وأين من الميادين الزروب”!

في مصر، وجهنا اللوم للرئيس الراحل السادات، الذي فتح البلاد حضنا ومأوى ومستقراً ومدفنا للشاه المخلوع، الذي لفظته كل عواصم الدنيا.. اعتبرنا أن السادات نثر بذور سوء العلاقة مع دولة شقيقة هي رصيد للقوة العربية والإسلامية.

التمس بعضنا العذر لـ”الملالي” حينما وضعوا اسم “خالد الإسلامبولي” قاتل السادات على الشارع الذي يضم السفارة المصرية في عاصمتهم.. قلنا “واحدة بواحدة”، والبادئ أظلم.

 لما قصّ صدام حسين شريط افتتاح حرب الخليج الأولى، انتقد كثيرون الدعم العربي الرسمي له، ولم نختلف على حق إيران في الدفاع عن نفسها.

لكن..

 في كل مرة ندافع عنها كانت طهران تخذلنا وتضعنا في حيرة من أمرنا!. صحيح أن  “صدام” هو من بدأ الحرب، لكن الثابت والموثَّق أنه أيضاً من أعلن وقف إطلاق النار من جانب واحد بعد عامين من اندلاع المعارك، ووافق على قرارات مجلس الأمن بهذا الصدد، بينما “آيات الله” هم من رفضوا إنهاء المسلسل الدموي، ووضعوا “مفاتيح الجنة” في صدور شباب غض، ودفعوا بهم في أتون هجير النار.

أداموا أمد الحرب 6 سنوات أخرى لتحصد مئات الألوف من الأرواح هنا وهناك، وتدمر اقتصاد البلدين حتى تجرّع الخميني “كأس السم”- حسب تعبيره الشهير- ووافق عام 1988 على القرار الدولي بوقف النار، ليحتفل العراقيون بانتهاء “قادسية صدام” لصالحهم.

بعدها بعامين فقط جاءت الفرصة أمام “الملالي” على طبق من ذهب لتعويض ما فات، وشرب نخب الانتصار (حسب الشريعة طبعا).

وقعت خطيئة “غزو الكويت”، وحتى لا يفتح زعيم العراق جبهة جديدة على نفسه حاول تحييد “الأعداء القدامى”، ووافق على إعادة العمل بـ “اتفاقية الجزائر” بشأن تقاسم “شط العرب” مع الإيرانيين، وهي الاتفاقية التي اندلعت بسببها حرب الـ”ثماني سنوات”.. فرحت طهران وانتظرت المزيد.

خلال القصف الجوي العنيف لـ”العدوان الثلاثيني”- كما أسمته بغداد- والذي تبين أن هدفه ليس فقط إخراج العراق من الكويت وإنما تدمير بلاد الرافدين، حاول صدام إنقاذ طيرانه؛ فاستجار بجاره الشرقي، وأرسل طائراته إلى المطارات الإيرانية ظناً أنها في أيد أمينة، على أن يستعيدها بعد توقف صواريخ أميركا وحلفائها عن نشر الخراب.. لكن هذه الطائرات لم تعد حتى الآن!. اعتبرها “الملالي” غنيمة حرب.

“أعطني قيراط حظ وارمني في البحر”.. ربما اخترعوا هذا المثل خصيصا من أجل “آيات الله”؛ فمثلما أعطاهم جورج بوش “الكبير” فرصة الانتقام من صدام، وتأليب الجنوب الشيعي عليه أثناء الانسحاب من الكويت 1991، ثم أخذ موطئ قدم دائم بعد فرض “الحظر الجوي” في تلك المنطقة، فقد جاء بوش “الصغير” ليستكمل المهمة، ويقدم لهم الهدية الكبيرة.. “رأس صدام” ومعها العراق كله مرتعاً وملعباً!. قبلت طهران الهدية، ومن يومها فإنه معروف الدور الذي مارسته وتمارسه في “البوابة الشرقية العربية”.

رغم هذا كله..

قلنا “اللي فات مات” والمهم ما هو قادم، وإن الحفاظ على القوة الإيرانية واجب على العرب، لأنها حتما تصب في رصيدهم، والعمل على درء أي محاولة أميركية أو إسرائيلية لمهاجمة إيران هو مصلحة عليا.. لكن، كلما حاول القلب العربي أن يصفو تجاه “الجار والشقيق” الإيراني، فإن سادة طهران يأتون بفعلة تعيدنا معه إلى النقطة “صفر”.. انتهاكات مستمرة ضد “عرب الأحواز”، ومعاملة أهلها كـ”مواطنين درجة ثانية”، وإهمال المنطقة من أي تنمية، رغم أن باطنها يحمل النفط الذي هو عصب اقتصاد الدولة.

ما يغيظني شخصيا في مواقف طهران هو ازدواجية المواقف والتصرفات؛ يتحدثون كثيراً عن “حقوق الإنسان”، ثم نرى صوراً مروّعة لشبان في عمر الزهور يجري إعدامهم بطريقة بشعة.. يقف الواحد منهم على كرسي، ثم يلتف حبل حول رقبته مربوط بـ”ونش” من ذلك النوع المستخدم في رفع السيارات من الشوارع.. “الأوناش” متراصة وترفع “الذبائح” معلقة، وألسنتهم مدلاة من أفواههم، والعرض متاح أمام  تجمع من البشر، في مشهد يصل إلى حدود ما قبل التاريخ و”اختراع” القانون!

ساسة طهران الذين هللوا للربيع العربي، وراحوا يذرفون الدموع حينما دخلت قوات “درع الجزيرة” إلى البحرين، ماذا فعلوا حينما هبت رياح الربيع على سوريا، والتي قابلها “الأسد” برغبة محمومة في إبادة شعبه؟. دعم غير محدود في المجالات كافة، عسكرياً واقتصادياً، ومن ذلك تقديم مساعدات اقتصادية مباشرة لجزار دمشق في بداية الثورة بمبلغ 7 مليارات دولار، و300 ألف برميل نفط يوميا.

ربما لهذا كله لم تتعاطف نسبة معتبرة من العرب مع إيران، خلال الهجوم الإسرائيلي الأخير، وحاول أعضاء هذا الفريق إثبات إنها لن ترد على تل أبيب مرة أخرى، حتى لا تتعرض لما لا تُحمد عقباه.

لكن، رغم كل الخلافات السياسية فإن إيران كبلد حضاري عريق، وبما تضمه من شعب كبير متعدد الأعراق، أراها كدولة- في قناعتي- إضافة إلى أمتنا الإسلامية.. بلد كهذا بمقوماته وتاريخه وإمكاناته يجب الحفاظ عليه، ويبقى على مسؤوليه أولاً إثبات أنهم مع كل العرب، وليس مع هذا الفصيل أو ذاك !

0 تعليق

إرسال تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تابعنا على حساباتنا

مقالات أخرى

رسالة إلى أمريكا

رسالة إلى أمريكا

وقف مراسل شبكة CNN الإخبارية بمنطقة "أيتون" شرقي مدينة لوس أنجلوس الأمريكية، مرتدياً قناعاً واقياً من الغاز، قام بإزاحته عن وجهه، بعد أن طلبت منه المذيعة في داخل الاستوديو أن يصف لها ما يحدث على الأرض. بعيون دامعة، ووجه شاحب مكفهر، تحدث بأسى عن جحيم مروع، تشهده ولاية...

قراءة المزيد
أما آن للوزيرة الألمانية أن تهمد؟!

أما آن للوزيرة الألمانية أن تهمد؟!

أخيراً تحقق لها المراد! فقد صافحت الوزيرة الألمانية أنالينا بيربوك الوزيرَ السوري أسعد الشيباني في الرياض، بعد الضجة الكبرى لعدم مصافحة أحمد الشرع لها، والاكتفاء بالترحيب بها بوضع يده مبسوطة إلى صدره! وكما كان عدم المصافحة في دمشق خبرَ الموسم في الإعلام الغربي، فقد...

قراءة المزيد
غزة وجدليَّتا النصر والهزيمة

غزة وجدليَّتا النصر والهزيمة

على مدى ما يقارب ٤٧١ يوماً، وقفت غزة وحيدةً صامدةً تواجه مصيرها، كآخر بقعة تتموضع عليها القضية الفلسطينية، بعد أن تم تدجين العالم العربي كله وصولاً إلى تدجين فلسطين نفسها بقيادة أكثر صهيونية من الصهيونية نفسها، لا هدف لها سوى أن تُنسي الفلسطينيين والعالم كله شيئاً...

قراءة المزيد
Loading...